
و وضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه
12/12/2020
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس بالحديث عنالله سبحانه وتعالى من رحمته الواسعة يذكرنا بلقائه لنستعد لهذا اليوم العظيم فيقول جلَّ شأنه: ووضع الكتاب
أي استعدوا لهذا اليوم الذي تُنشر فيه الصحف وينصب فيه الميزان الذي يزن مثاقيل الذر.
الغشاش عندما يأتي الكشف عليه ويوضع تحت المجهر والمحاسبة تظهر عليه الشفقة والخزي والندامة ولكن لا تنفعه الندامة.
ووضع الكتاب : منهم من قال ما كتب على العبد في الدنيا ومنهم من قال عندما سيسألنا الله سبحانه وتعالى عن هذا القران.
لكل آية أربعة أسئلة
السؤال الأول هل قرأتها؟ نعم قرأتها
السؤال الثاني هل فهمتها؟ نعم فهمتها
السؤال الثالث هل عملت بها؟ نعم عملت بها
السؤال الرابع هل علّمتها؟
تؤاخذ على عدم نشرها و أنت تُسمى كاتم العلم، و كاتم العلم النبي صلى الله عليه و سلم وصفه يُلجم بلجام من نار يوم القيامة.
لنحاسب أنفسنا يا ترى نحن إذا وضع الكتاب هل نحن من المجرمين المشفقين أم من الفائزين!
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ سَبَقَت لَهُم مِنَّا الحُسنى أُولئِكَ عَنها مُبعَدونَ لا يَسمَعونَ حَسيسَها وَهُم في مَا اشتَهَت أَنفُسُهُم خالِدونَ لا يَحزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكبَرُ﴾
كم الفارق كبير بين هذا المجرم المشفق وبين الفئة الثانية لا يحزنهم الفزع الأكبر!
أهم شيء أن تعرف الرسالة رسالة القرآن من أين جاءت ومَن المرسل، عندما نعلم الرسالة من أعطانا إياها نعطي الرسالة اهتمام بقدر المرسل
كان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل بآية واحدة وهو يكرّرها ويبكي إلى طلوع الفجر، يبكي لأنه عرف المرسل.
نحن نقرأ الختمة كلها ولا نبكي، ولا نجد لها لذة لأن الانسان عندما يكون في معدته قرحة نُحضر له أطيب المأكولات فيقول الطعام مُر، وكذلك نقرأ القرآن لا نجد له لذة بل نجده شاق وصعب علينا هذا يدل أنه في قلوبنا مرض.
الذي تفضل عليه الله بالشفاء عليه أن يُسارع ويدل غيره على الدواء، على الذكر، و على أهل الله و مجالس العلم التي هي البحر يدخل فيها الشخص يحمل الحدثين ويخرج من البحر طاهراً تقيّاً نقيّا للصلاة.
هذه هي مجالس العلم التي يغفل عنها كثير من الناس.﴿ وَمَن لَم يَجعَلِ اللَّهُ لَهُ نورًا فَما لَهُ مِن نورٍ﴾
مجالس العلم هي التي تنور قلبنا وتكشف لنا الحقيقة وتعلمنا من مرسل الرسالة وعندما نتعرف على المرسل بدون إرادتنا نسارع إلى امتثال الأمر واجتناب النهي.
﴿وَوُضِعَ الكِتابُ فَتَرَى المُجرِمينَ مُشفِقينَ مِمّا فيهِ وَيَقولونَ يا وَيلَتَنا﴾
كلمه ياريت لا تعمر بيت في تلك الساعة الندم لا ينفع، كما قال عليه الصلاة والسلام: « يموت المرء على ما عاش عليه ويُحشر يوم القيامة على ما مات عليه »
هناك لا ينفع الندم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث قال : «حيث لا ينفع الندم»
﴿وَيَقولونَ يا وَيلَتَنا مالِ هذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحصاها﴾
الغمزة تُسجّل ﴿يَعلَمُ خائِنَةَ الأَعيُنِ وَما تُخفِي الصُّدورُ﴾
قال تعالى: ﴿يَعلَمونَ ما تَفعَلونَ﴾
الله سبحانه وتعالى أعطى الملائكة هذا العلم ﴿يَعلَمونَ ما تَفعَلونَ﴾ ﴿ووجدوا ما عَمِلوا حاضِرًا﴾
وُزِن لأحد العبيد أعمالهم فتساوت الحسنات والسيئات أي لا إلى الجنة ولا إلى النار هذه الفئة تسمى من أهل الأعراف.
فجاءه ملك بِصرَّة فألقيت في كفة الحسنات فرجحت الحسنات فابيض وجهه ونادى منادي فلان سعِد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، فقال ذلك الرجل يا رب ما هذه الصِرَّة الصغيرة التي رجحت بها حسناتي و ابيض وجهي و تغير مصيري من أهل الأعراف إلى أهل الجنة؟!
قال الله عز وجل: هذه حفنة من تراب ألقيتَها على دفن مسلم.
من وصايا لقمان الحكيم لولده:/ يا بني إنّها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السموات او في الأرض يأت بها الله / و تُزان عليك إن كانت خيراً وإن كانت شراً.
يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ( يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)
دخول الجنه كرت غالٕ جداً لا أحد يستطيع دخولها إلا برحمةٍ من الله وليس بأعمالنا، أعمالنا فقط لتحديد منزلتنا و درجتنا في الجنه.
روى لنا سماحة الشيخ محمود المبارك قصة عابد: كان هناك عابد من بني اسرائيل تعبّد الله تعالى 500 سنة في صومعة لا يخرج إلى الناس والله فتح له نبع ماء في نفس الصومعة واخرج له شجرة رمان يأكل منها في الصبح وفي المساء و يشرب من الماء و يتعبد ولا ينام إلا قليلاً، فسيدنا جبريل حكى للنبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الرجل وقف أمام يدي الله فقال الله أدخلوا عبدي هذا الجنة برحمتي، فقال الرجل: يا رب وعبادة 500 سنة ماذا بها؟ أنا متعبد أريد أن أدخل بعملي، فقال الله له: زِنو لعبدي عمله اي ضعوه في الميزان، فعندما وضعوا نعمة البصر في كفة وعباده 500 سنة في كفة فرجحت نعمة البصر على عبادة 500 سنة فقال: إذاً أدخلوا عبدي النار، فقال الرجل: يا رب ردّني إلى رحمتك.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: « تدخلون الجنة برحمة الله وتقتسمونها بأعمالكم»
أعطيت جسمك خادماً فخدمته إن كنت يا هذا لبيباً فافهمِ
نقرأ في كتاب الله ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيهِم بِعِلمٍ وَما كُنّا غائِبينَ﴾ أي أن الله معي، الله شاهدٌ علي، الله ناظرٌ إلي
اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
سيدنا موسى الله أمره أن يضرب صخرة بفأس فانفلقت الصخرة عن صخرة ثانية، فضرب الصخرة الثانية فانفلقت الثانية عن الثالثة وفي رواية سبع صخور كلما كسر صخرة تظهر أُخرى، فلما كسر الأخيرة فإذا دودة تسبح الله وتقول: سبحان من يراني ويعلم مكاني ويسمع كلامي ويرزقني ولا ينساني.
سبب هذه القصة أنه عندما قال ربنا عز وجل لسيدنا موسى اذهب إلى فرعون، فقال سيدنا موسي: يا رب ومَن لأهلي؟ فربنا عز وجل أراه هذه الدودة من بين الصخور
الله جلَّ جلاله كشف الغطاء إلى سيدنا موسى وصار يسمع تسبيح الدودة، كما رفع عن آذان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن حوله عندما أمسك الحصا و يسبحن في يده ويد من حوله من أصحابه الكرام.
﴿ يَعلَمُ السِّرَّ وَأَخفَى﴾
﴿ وَإِن تُبدوا ما في أَنفُسِكُم أَو تُخفوهُ يُحاسِبكُم بِهِ اللَّهُ ﴾
الحسد والحقد وكثير من الآثام في القلب يعلمها الله
ربنا سبحانه وتعالى قال: ﴿ وَمَا كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصارُكُم وَلا جُلودُكُم ﴾
﴿حَتّى إِذا ما جاءوها شَهِدَ عَلَيهِم سَمعُهُم وَأَبصارُهُم وَجُلودُهُم بِما كانوا يَعمَلونَ وَقالوا لِجُلودِهِم لِمَ شَهِدتُم عَلَينا قالوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذي أَنطَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ خَلَقَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيهِ تُرجَعونَ﴾
فقال ربنا: ﴿وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصارُكُم وَلا جُلودُكُم﴾
هل هناك أحد يعمل المعصية ويستطيع أن يشلح جلده ويرجع فيلبسه ؟ أو يشلح عينه ويرجعها ؟ لا أحد يستطيع.
﴿وَما كُنتُم تَستَتِرونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصارُكُم وَلا جُلودُكُم وَلكِن ظَنَنتُم أَنَّ اللَّهَ لا يَعلَمُ كَثيرًا مِمّا تَعمَلونَ وَذلِكُم ظَنُّكُمُ الَّذي ظَنَنتُم بِرَبِّكُم أَرداكُم فَأَصبَحتُم مِنَ الخاسِرينَ ﴾
إذاً راقبوا الله وتذكروا ووضع الكتاب صوت وصورة ليس فقط كتابة ، أولاً كتابة و إذا أنكرت يفتحوا لك التلفزيون ﴿اقرَأ كِتابَكَ كَفى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ حَسيبًا﴾
مثال الحرامي إذا أنكر يفتحون له الكاميرا ويعرضون له كيف سرق فيا ترى هل يجرؤ أن ينكر؟
مراقبة الله كالحصن، ما دمت أنت مراقب الله أبشر بالحصن من الله ورعايته وكرمه ورزقه وكل فضيله تحيط بك ما دمت مراقباً لله.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لي ساعة مع ربي لا يسعني فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل»
احذر أن تكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: « أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رسول الله المفلس من لا درهم عنده ولا متاع. قال: المفلس الذي يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال لكنه ضرب هذا شتم هذا وأكل مال هذا و اغتاب هذا و…و…و.. تأتي الناس كالديَّانة يقولون : يا رب أنا اغتابني فيعطيه ربنا حقه من حسناته، وأنا كذا وكذا إلى أن تنفذ حسناته، و يأتي رجل يقول: يا رب أنا لم آخذ حقي منه، فيقول الله عز وجل إذاً ألقي من سيئاتك عليه، فيأخذ من سيئات الذي ظلمهم في الدنيا فيدخل بهنَّ النار و جبال الحسنات التي جمعهم أخذوها الديانة ودخلوا بها الجنة.
بعض الشيوخ رأوه في منام، يقال له الزمخشري قالوا له : كيف فعل الله بك؟
قال كنت أغيّر العقائد فمنَّ الله علي بمغفره ببيتين من الشعر وهما:
يا من يرى مد البعوض جناحه في ظلمة الليل البهيم الأليلِ ويرى نياط عروقها في نحرها
و المخُّ في تلك العظام النّحل امنن علي بتوبة أمحو بها ما كان مني في الزمان الأولِ.
وختم المجلس سماحة الشيخ محمود المبارك قائلاً جعلنا الله ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، هداة مهديين غير ضالّين ولا مضلّين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.