وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ

أجملوا في الطَّلب ، فلا نريد أن نكون شرهين في طلب الرزق يجب أن نكون على يقين أن الله قسَّم الأرزاقَ بين عباده ، فلنّ ترضى له الخلائق وقسَّم العقول فرضيت بها الخلائق ، كيف رضيت العباد بقسَّمة العقول ولم ترضى بقسَّمة الأرزاق…؟ على الرغم من أن القسَّام هو أرحم الراحمين وهو أكرم الأكرمين جل شَّأنه
إذن :(أجملوا في الطلب) أي طلب أرزاقكم من الطريق الشرعي أي لا تلغلغ في عملك كي لا تدخل في الشبهات وتدخل في الحرام فيما أخذت وفيما أكلت واعمل المهنة التي يتساقط العرق فيها من جبينك حتى يكون لك الأجر فيها وتكون حلال لك ، وعندما تغش فتدخل عندها الأجرة الحرام ، وعندما تسرق فأنت تكون قد سرقت رزقك ، فيا بُني رزقك الذي سرقته لو صبرت عليه كان سوف يأتي إليك عن طريق الحلال لكنك استعجلت في الأمر وأكلت الحرام فقال النبي ﷺ :(أيها الناس أَنِّي واللهِ ما آمُرُكُمْ إلا بما أمَرَكم الله ولا أنهاكُمُ إلا عَمَّا يَنْهَاكُمُ الله عنه، فأجملوا في الطلب ، فوالذي نفس أبي القاسم بيده إنْ أحَدُكُمْ ليطلبه رِّزقَه كما يطلبُه أجلُه ، فإن تعسر عليكم شيء منه فاطلبوه بطاعة الله عز وجل ، كيف عندما ينتهي عمرك فإن سيدنا عزرائيل عليه السلام يلحق بك من مكان للآخر ، وينتظر حتى ينقضي أجلك ويقبض روحك ، يُذّكَرْ أنه في زمن سيدنا سليمان ابن داود عليهما السلام كان جالساً في مجلسه فدخل إلى المجلس شاب ودخل خلفه سيدنا عزرائيل عليه السلام فقال له سيدنا سليمان عليه السلام :(مرحباً بملك الموت).ففزع ذلك الشاب وكاد لو كان الأمر بيده ليُوقع بنفسه من النافذة من دون أدنى تقصير في ذلك ، فجاء تلك الشاب إلى سيدنا سليمان عليه السلام وطالباً منه السفر على بساط الريح بهدف تجارة ضرورية إلى الصين هرباً من الموت والبلاء فسيدنا سليمان عليه السلام وافق له على ذلك بغرض التجارة و اقتصاد البلاد فأمر ببساط الريح أن يذهب به إلى الصين ، فعندما وصل الشاب إلى الصين وهو ينزل من بساط الريح لَقِيَّ سيدنا عزرائيل عليه السلام ينتظره فسأله :(أأنت الذي كنت في مجلس سليمان ابن داود عليهما السلام قبل قليل..؟).
فأجاب الشاب ،( نعم) .فقال له سيدنا عزرائيل عليه السلام:(لا إله إلا الله ، إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَك بالصين ، وها أنت جئت بنفسك إليها). فالقصد يا بُني ليس هنالك مهرب من رزقك ، كما أن أجلك يلحق بك من مكان إلى آخر فإن رزقك سوف يَتْبَعُكَ من مكانٍ إلى آخر ، فكنّ على يقين وثقة بالله ولكن أنت مأمور أنت تأخذ بالأسباب ، فسعى إلى طلب رزقك وامشي إليه لقوله تعالى في حديث قدسي: (يا عبدي حرك يدك أنزل عليك الرزق) ، فأنت مأمور بالزرع و ليس مأمور بأن تأخذ النواة لتشقها وتخرج النخلة من باطنها عليك فقط بالزراعة ، وإذا كانت السقاية عليك ، فعليك أن تسقي ، أما إن كانت السقاية على الله فإن الله يتكفل بسقايتك فإن شاء أطعمك و إن شاء حرمك ، فالقصد إذا أخذت بكل الأسباب فالكريم حاشى وكلا ، أن يحرمك إلا إذا كان فيه (إنَّ) ، ومقصود بكلمة إن أي أن تمنع الفقير والضعيف والمسكين يأكل من مزرعتك فإن الله سيبعث لها حاصباً من السماء وإعصار لقوله تعالى:((فَطَافَ عَلَيْهاَ طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ، فَأَصْبَحَتْ كَالصّرِيِم )).
فما سبب هذه القصة…؟هي قصة أصحاب الجنة في سورة القلم ، كان هناك رجل صالح لديه مزرعة وعندما ما كان يقطف الثمار ينادي للفقراء والمساكين ليأخذوا حِصَصهم من كل شيء فكانوا يأتوا بالحقائب والأكياس ليملؤوها من المزرعة ويقطفوا منها الثمار ، فكان يعطيهم الثلث ويُبقي على الثلثين ، ثلث يُدخله على أهله وبيته وعائلته والثلث الآخر يذهب لبيعه من أجل تأمين كلفة المزرعة ، فعندما مات هذا الأب ذلك الرجل الخَيّر والتقي ، اجتمع الأبناء في مجلس العيلة يُريدون أن يخطط لهم إبليس تخطيط جديد في تقسيم الأرزاق في المزرعة ، يؤدي بهم إلى الهلاك ، فقالوا لبعضهم ما رأيكم غداً موعد القِطاف إحذورا من أن يصيبكم الجنون مثل أبيكم ، هؤلاء المساكين والفقراء الذين كان يعطيهم أبونا الثلث لماذا لم يعملوا…؟يأتون على البارد المستريح ويأخذون الثلث من غير تعب وجهد في ذلك ، فلنستيقظ باكراً و لنقطف ونسارع في الذهاب إلى السوق لبيعها وعندما يأتون المساكين والفقراء لا يجدون ما يأخذوه ، وكان من بينهم رجل عاقل ، قال لهم أتقوا الله وسيروا على نهج أبيكم الصالح الذي كان يضرب به المثال في البلاد ، فقالوا له أنت مثل عقل أبيكم تريد أن تعطي الثلث للمساكين ، فنحن أحق به منهم وأبناءنا ونساءنا أولى به أيضاً ، فإبليس وسوس لهم وتَلَبَسهم الإ رجلاً واحد من بينهم لكن رأي واحدً منهم فقط لا يستطيع أن يغير رأي البقية ، فالله وصفهم عندما استيقظوا بالليل بقوله سبحانه وتعالى:((فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُون ، أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ)). أي أنهم كانوا يتكلمون بالهمس ويطرقون على بعضهم الباب طرقة خفيفة ويأتون إلى المزرعة ليأخذوا حصصهم ولا أحد يدري بهم ، فعندما يأتون الفقراء والمساكين ليأخذوا حصصهم فيلقونها حُصدت وبِيْعتْ فيقالون :(للمساكين لماذا لم تأتوا باكراً ….؟ لذلك ذهبنا للبيع فيكون بذلك ليس لنا عذر ) فعندما رسموا هذه الخطة ، يريدون أن يمنعوا قوله تعالى :((وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)). فأن الله يأمر أن نؤدي هذا الحق وعندما لا نأتمر استوجب من الله العقاب لقوله تعالى :((فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ)).أي أنهم اعتقدوا أنهم دخلوا على مزرعة ليست لهم فقال لهم الصالح لا بل هذه مزرعتكم وأصبح يُذّكرهم بالعبّارة الفلانية و هذا باب جارنا فلان ابن فلان …. وهذا باب مزرعتنا بعينه …انظروا إليه وأخذ يحدثهم عن كل تفاصيل من مزرعتهم ، فلما جاءهم بالأدلة ، قالوا كما أخبرنا القرآن الكريم :((إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)) .فرجعوا إلى أنفسهم وقالوا إننا ظلمنا أنفسنا ،
راجين الله أن يبدلهم بغيرها لقوله تعالى :((عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ)) . فعندما استيقظوا لم تعدّ حينها تنفع الندامة ، مثلهم كمثل الذي أحدث ريحاً فبعد أن أحدث فركز قعدته وإن كان المثل لا يذكر، فيا بُني عليك أن تنتبه وتستشير من هو أعلم منك وأستعن برأيك ورأي زوجتك أيضاً فبعض أحيان يكون رأي زوجتك صائب أكثر من رأيك أو لربما يكون أيضاً حتى رأي أبنك أحسن من رأيك ، لا تتكبر وتقول 🙁 أنا سوف أُسمع لرأي أبني…!!!! وأنا أسمع لرأي مرأة…!!!! والعياذ بالله ) ، فسيد الخلق ﷺ أخذ برأيها وفك مشكلة كبيرة وكبيرة جداً كادت أن تقع مشكلة بينه وبين الصحابة رضي الله عنهم تُوّرث إلى القتال بينهم لفريق يريد أن يعقد الصلح مع أهل مكة والآخرين لا يريدون أن يعقدوا الصلح معهم والنبي ﷺ يريد أن يعقد الصلح معهم فكادوا أن يقعوا في الكفر بالنبي ﷺ والنبي يقول لهم :(اخلعوا ثيابكم وانحروا) ولا أحد يُجيب على النبي نهائياً ، فدخل النبي ﷺ إلى الخيمة وكان يبدو عليه الغضب الشديد فسألته أمنا أم سلمة رضي الله عنها ما بك يا رسول الله يبدو على وجهك الغضب….؟ فقال:(أمرت المسلمين فلم يأتمروا أخشى أن تقع بهم واقعة أو أن ينزل الله عليهم العذاب أو يخسف بهم الأرض) .فقالت له :(يا رسول الله المسلمين لا يخلفوك). فقال لها (خالفوني). فقالت له :(هم يطمعون أن تعقد الصلح مرةً آخرى ويعتمرون ولا ينحرموا منها ، اخرج أنت واحلق وحلل والبس ثيابك وانظر كيف سيقتدون بك).فخرج النبي ﷺ وطلب الحلاق وبدأ بخلع ثيابه فعندما نظر إليه الصحابة رضي الله عنهم أن النبي بدأ بالحلاقة أصبحوا يتخاطفوا شعره الشريف وكل منهم يحظى بالبعض من الشعرات و ذهبوا على العجل ليحلقوا رؤوسهم ويخلعوا ثيابهم فالقصد هنا أن السيدة أم سلمة رضي الله عنها أنهت مشكلة كبيرة بين المسلمين ، فلا تقل زوجتي ليس فيها العقل ، فبعض النساء من يوجد فيها العقل أكثر مني ومنك ، يا بُني السيدة آسيا امرأة فرعون رضي الله عنها كانت تمتلك العقل أكثر من فرعون ومملكته ، فيا بُني العبرة ليست بكبر الرأس فالحمار وزن دماغه لا يقل عن الستة كيلو فليست العبرة بالمخ إنما هبةٌ من الله ، فخذ برأي ابنك وابنتك وشاور الذين هم أكبر منك ومن هم أصغر منك أيضاً وفي نهاية المطاف أرجع إلى مشورة رأيك
فالقصد بقول النبي ﷺ :(أجملوا في الطَّلبِ ، أيها الناس إني والله ما آمركم إلا بما أمركم الله به، ولا أنهاكم إلا عما نهاكم الله عنه) . فالبعض يقول في نفسه ليس هناك داعي أن يحلف النبي ﷺ…!!!! لا… والله لا يوجد داعي ، لكنه يعلم أن بعض الناس ومع ذلك الحلفان لن يصدقوا النبي ﷺ فالنبي ﷺ يحلف ويُقسم بالله ومع هذا كله البعض لا يصدق ،
فأبقى على ثقة لكن خذّ بالأسباب ، الأسباب هي الطاعة لقول النبي: (منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ). فالمقصود بالأسباب هنا ما ذُكِر في حديث النبي ﷺ السابق ، الله يعطيك الرزق من حيث لا تحتسب ، فلا ترى إلا و الأرزاق تأتيك من حيث مالم تتوقع ، مثل قطعة أرض أو قطعة الأرض من الزيتون عندما قمت لبيعها دُفِعَ لك فيها الثمن الذي لم تتوقعه ، فإن الله يطرح بها البركة كمثل الشاب الذي مات أبوه وله اثنان من الإخوة فبعد موت الأب مباشرة اجتمعوا يريدون أن يقسِّموا التركة والأرزاق بغياب الشاب الصالح فقالوا له إن حصتك من هذه الأرزاق الأرض الفلانية ، ولفلان الأرض الفلانية وللآخر الأرض الفلانية الآخرى ، فالشاب حلف بالله أن إخوته أعطوه الأرض شبه ميتة التي تقدر بدرهم أو درهمين ، فرضي بها الشاب وقال الحمدلله على هذه النعمة على الرغم من أن الأرض ميتة وأعطوه إياه حسداً وضيقاً في العين لإنه يذهب إلى مجالسة الشيخ ، هذا هو البلاء الأعظم يا بُني في كل زمان وفي كل مكان ، فقال الشاب أنا رضيت وقلت الحمدلله لا أريد أن أصنع المشاكل معهم وما يخرج من هذه الأرض الميتة نعمة من الله ، أخذوا لبّ الأرض هو وأخاه الثاني ، فلما زرعنا الأرض أقسم بالله أن محصوله خرج ضعفاً عن محصولهم ، الأخوين عندما نظروا لمحصول الشاب كاد أن يصيبهم الجنون فقالوا له:(نحنا أخطائنا بالقسمة) فقال لهم 🙁 ماذا تأمرون أنا معكم) . فقالوا له :(نريد أن نبدل في الأرض) . فقال لهم : (ماذا تريدون افعلوا).فقال الشاب أخذو مني الأرض وأعطوني أرض غيرها وزرعنا السنة الآخرى ، واقسم بالله أن المحصول يخرج ضعف محصولهم ، فأصبحوا يتسألون في أنفسهم كيف هذا….؟ فرجعوا إليه وقالوا له :(قد أخطائنا ثانيةً). أيضاً قال لهم الشاب:(لكم ما تريدون ). فبدلوا الأرض وأعطوني الأرض الثالثة ، فزرع الشاب وخرج المحصول أيضاً ضعفاً عن محصولهم ، فقالوا يوجد شيء غير طبيعي وسألوه أنت ماذا تزرع ، فأقسم لهم أنه يزرع كما يزرعون ، فقالوا له :(ما هذا السماد الذي تضعهُ…؟).فقال لهم :(لا أضع سماد نهائياً). فقالوا له :(ماذا تصنع إذن حتى يخرج محصولك كذلك …؟). فقال:( هل أدلكم كيف ترزقون البركة). فقالوا له (دُلنّا على الطريق). قال لهم:( تذهبون معي لمجالسة الشيخ..؟). فقالوا له :(وما علاقة البركة بالشيخ….؟ وأخذوا يسخرون منه). لم يرضوا بالذهاب معه ، فالمحروم محروم يا بُني ، ماذا يُعطيك الشيخ يا بُني…؟ عندما الله ينظر إليك أنك تأتي إلى بيته ، وطلبك الله ، وطلبك مرضاته يبارك لك في الأرزاق كما ورد في الحديث القدسي :(يا دنيا من خدمنا فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه) . فإن الله يبارك لك في رزقك والآخر يركض خلف الطمع والجشع ، ومن خدمك فاستخدميه أي اركبي على ظهره ، فيا بُني من يركض خلف الطمع والجشع ولم يسأل على الدين ويضع الدين على هامش حياته فوعدهم الله بقوله:(( نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ)). كما قال تعالى أيضاً:((نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)). فالقصد في حديث النبي بقوله : (أجملوا في الطَّلب). أي اجعل طلبُك شرعي للرزق ولا تجعل في عملك الإلتفافات والحيلة وتضحك على الآخرين وتأكل من رزقهم كما يقول المثل : (ضحكنا على عقلاه وأكلنا من رزقه).فأنت لم تضحك عليه أنت مسكين تضحك على نفسك غشيت نفسك وأنت لا تدري لإن يوم القيامة عندما ترى كيف يأخذ من حسناتك حتى يكتفي لإنك ظلمته وإذا كانت حسناتك لا تكفي لاسترجاع حقه فإنه يطرح عليك من سيئاته لإن الله يقول يوم القيامة :(لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ) . لا يوجد لك وساطة ، بأنك ابن الدّاية وأنت تضع الفرد على ظهرك حتى لو وضعت ما تريد لا بّد من أن تأخذ حقك وتدفع حقوق الآخرين ، فعندما يقول النبي ﷺ : (فوالذي نفس أبي القاسم بيده). أي سيدنا محمد ﷺ أبو القاسم وبعض الأحيان النبي ﷺ يقسم بقوله :(والذي نفسي بيده). أي يقسم بحياة الله القابض لِأرواحنا الذي نحن جميعاً مُلكاً له متى يشاء يقبض أرواحنا ومتى يشاء يعيدها إلى أجسادنا لنحيا بها بعد النوم ، يُقال أن سيدنا علي كّرم الله وجه ورضي الله عنهم أجمعين رأى الدنيا مثل الغنمة ، فسألها :(من أنت…؟ ) ، فقالت له:(أنا الدنيا) ،فقال لها : (أنا أرى رأسك محلوق أي حالط ، وذَنَبُكِ مملوط ما قصتك تبدي قرعة من الأمام ومن الخلف ما هو السر في ذلك…؟) ، فقالت له :(أركض وراء أهل الإيمان من أجل أن أُغريهم ، فيضربونني على رأسي ويقولون لي اذهبي فإن الرزق مقسوم عند الله فلا داعي أن ننشغل بك ، ومن كثرة الضرب على رأسي حتوا الشعر من رأسي فأصبحت قرعة) ، وقال لها :(وذَنَبُكِ مَحْليّ من الوراء) ، فقالت له : (وأهل الدنيا يمسكون بشعرة أو شعرتين ، صوفة أو صوفتين ، وأنا أهرب منهم من كثرة ما يُقّطِعُونَ من صوفي فأصبحت عريانة من الخلف أي عند ليّتها وأصبحت عريانة من الرأس أيضاً) ،
عاد فرجينا أنا وأنت شطارتنا يا ترى نحن نضرب رأسها للدنيا أم أننا راكضين وراءها لنلتقط منها شعرة أو شعرتين وهي تسارع في الهروب منا ونحاول مرة الآخرى أن نركض ونركض لِننال بكم شعرة من خلفها وهي تريد الهروب منا أيضاً وهكذا ) ، حتى يأتي الموت ولا يوجد من يُسمي علينا وتكون الغرفة مظلمة ويأتون بالصناديق التي قد مُلِئتْ في الحياة الدنيا فإن كنت قد ملأتها من الطعام اللذيذ والثياب الجميلة والعطور فهنيئاً لك ، وإن كنت قد ملأتها من العقارب والحيايا لقوله تعالى : ((هذا ما قَدَّمْتم لِأَنفُسِكُم )) . هكذا سوف يُقال لك هذه بضاعتك لقوله تعالى:((وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )). فالقبر هو صندوق العمل فانظر إلى عملك في القبر ، إن كان العمل جميل فإن الله يجعل لك من هذا العمل الجميل مؤنس في قبرك ويقول لك :(أبشر) ، تقول له بأي شيء تُبَشروني يا وجه الخير فيقول لك : (أبشركَ برضوان الله والجنة) ، فتقول له : (من أنت…؟) ، فيقول لك :(أنا عملك الصالح والله لا أدعك حتى أُدِخلك إلى الجنة) ، فيفتح باب بينه وبين الجنة ويرتع فيها ما يشاء إلى يوم القيامة وهو معه يأنسه ، هذا هو العمل الصالح لذلك قال النبي ﷺ :(يتْبعُ الميْتَ ثلاثَةٌ: أهلُهُ ومالُه وعمَلُه، فيرْجِع اثنانِ ويبْقَى واحِدٌ: يرجعُ أهلُهُ ومالُهُ، ويبقَى عملُهُ ) .
وإذا كان هذا العمل غير صالح انقلبت الآية ، بدلاً من أن يكون وجه جميل يتشبه لك بوجه قبيح ، مُفْزع ومُرعب ويقول لك :(أبشر) ، فتقول له :(بأي شيء تبشروني يا وجه الشر ليس وجهك وجه بشارة ) ، يقول لك:(أُبَشِرُوكَ في النار) ،فتقول له : (من أنت حتى تُبَشروني في النار) ، فيقول لك : (أنا عملك السيء والله لا أدعُكَ حتى أفتح لك فيما بينك وبين النار باباً) ، فيفتح بينه وبين جهنم باب ، فيرتع بالعذاب ويرجع إلى قبره في كل وقت من أوقات الصلاة ويأخذه إلى جهنم وفي كل وقت مجلس علم يأخذه إلى جهنم أيضاً ، لماذا…؟ لإن كان مشغول عن العلم ، العلم هو حياة القلوب لقول النبي ﷺ : (طلب العلم فريضة) .
والصلاة أيضاً فريضة ، يقولون مثل بعض الناس يقولون :(مالنا في الذهب ، نرضى بالفضة) ، وفي أمور الدنيا لا نرضى بأي شيء يكن ، ولكن في الآخرة نرضى بأيً يكن أي في أمور ديننا وصلاحنا لا نأديها على اتم الوجه ونلجأ مباشرة إلى الفتوة للهروب من الأكمل ،فالنبي يُقسم بقوله :(فوالذي نفسُ أبي القاسم بيده إنْ أحَدُكُمْ ليطلبه رِّزقَه كما يطلبُه أجلُه فإن تعسر عليكم شيء منه فاطلبوه بطاعة الله عزوجل) ، ولا تَقل لا يوجد عمل منذ يومين أو أكثر نريد أن نسرق وننهب ونرتشي ونكذب ونحتال ، ارجع واتهم نفسك بأن ذنوبك هي سبب في تأخير رزقك ، أكثر من الإستفغار والعبادات والتجأ إلى الله ، في احدى الأيام دخل رجل مديون إلى الجامع لصلاة العشاء وجلس في الجامع يبكي ويلتجأ إلى الله ويناجي الله ويقول من الذي سوف يقضي عني الديون غيرك يا الله أنا لا استطيع أن أقضي الدين و التجأ إلى الله ، فجاء رجل غني كان قد ضاق به صدره و ركب سيارته ليتفسح في الطريق ودخل بطريقه إلى الجامع ليصلي ركعتين لينشرح صدره فدخل إلى الجامع فسمع المديون يناجي ربه ويدعي فجاء إليه بعد الصلاة فسأله ما حاجتك…؟ فقال:( مديون وحالتي يرثى لها )، فسأله الرجل الغني عن كمية الدين ، فقال له الرجل الفقير :(خمسة آلاف) ، فقال له أنا سوف أقضيه عنك ، فشكره الرجل الفقير ، فقال الرجل الغني:( هذا كرتي لتطلب ما تحتاجه مني)، فقال له الرجل الفقير:( لا أريد كرتك ولن أطلبك في شيء) ،و أخذ الرجل الغني يكرر عليه الطلب أن يخذ كرته ويتصل به إذا أراد شيئاً وهو يقول له لا أُريد …لا أُريد ، عندما أُريد شيئاً أذهب إلى الجامع أناجي ربي فيأتي طلبي إلى الجامع كما جاء بك او يأتي بغيرك إن شاء ، ما هذا اليقين…؟ هذا اليقين متى سوف نتفقه به …؟ هذه هي الثقة بالله….!!!! وليس أن نصنع عشرين حيلة من أجل أن نكذب و نلفلف ونحتال يمين وشمال ونأتي إلى البيت بالمال الحرام ، فكانت مرأة صالحة من الصحابيات في زمن الرسول ﷺ ، عندما تودع زوجها كل يوم وهو خارج للسعي لطلب رزقه وتقول: (اتق الله فينا فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار).

(Visited 3 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: