وصيّة من وصايا النبي ﷺ

درس السبت النسائي
18/12/2021
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك مذكراً أنه : من فضل الله علينا أن شرفنا بالإسلام الدين العظيم الذي حوى سائر الأديان القبلية وزاد عليها ما يحتاج إليه الإنسان في آخر الزمان والله سبحانه وتعالى أدرى بخلقه ويعلم كل شيء ((يعلم السر وأخفى)) فكان هذا الدين بهذا القياس كي لا يحتاج الإنسان لغير الله فأرسل النبي ﷺ وعلّمه ((الرحمن علّم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان))
والنبي ﷺ بدوره علّمنا، فالمؤمن والمؤمنة عندهم تعاليم رسول الله أغلى من الماء البارد على الظمأ الشديد حيث يتعلّم ويحوّل الكلام في نفوسهم وقلوبهم وعقولهم إلى عمل ويقين وليس بحاجة لإيمان أو أدلة أو مناقشة إلا كي نفهم المعاني وتتحول لعمل ونشر
نعيش اليوم مع وصيّة من وصايا النبي ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى حيث قال عنه رب العالمين ((إن هو إلا وحي يوحى علّمه شديد القوى)) وشديد القوى أي سيدنا جبريل الذي اقتلع سبعة قرى من قرى لوط عندما خرجوا عن سكّة الدين والشرع
وكذلك الآن كل عائلة وبيت يأتيهم رسول من ربنا فإن كذبوه يأتيهم العذاب قال تعالى: ((وكم من قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً فكفرت بأنعم الله فأخذهم العذاب وهم ظالمون))
والمقصود بالآية هم قريش الذين كذبوا رسول الله فأخذهم العذاب بعد أن كانوا مطمئنين.
والآن في يومنا هذا كل منذر لا يريد لنا إلا الخير وإنقاذ البشرية من الظلم والويلات والهلاك يأخذ بأيدي من وقعوا في البئر لا يريد منهم جزاء ولا شكورا .
فمن يفرّط فيه ويختار الهلاك يموت عطشا وجوعاً وهذا حالنا إذا كذبنا المعلّم والمعلّمة ولم نسمع كلامهم.

في زمان النبيﷺ حصل ذلك وكانوا يخرجون من عند رسول الله فيقولون ((ماذا قال آنفاً)) ؟
فوصفهم الله فقال: ((فلما أضاءت ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون))، ((فلما جاءهم الرسول كفروا به فلعنة الله على الظالمين))
والآن تجد الكثر من الناس يحتاج لمربي ومزكّي وعندما يجدونه يتكبرون عليه وينتقدونه أولئك قال الله فيهم: ((أولئك اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين))
ووصايا النبي ﷺ نعتبرها لنا نحن ولكل مؤمن ومؤمنة والغاية أن فيها فلاحنا وصلاحنا مثل الأم التي توصي ابنها بعدم التدخين كي لا يضر بصحته ولا يبذّر ماله ((إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين))
أول وصية هي تقوى الله وتقوى الله كالماء يدخل في كل شيء قال تعالى:
((وجعلنا من الماء كل شيء حي)) ومثال التقوى كمن تذهب الى حفل بكامل أناقتها فتبحث عن كل مكان نظيف وتتجنب الأوساخ تتقيها حذراً على ثوبها وكذلك التقوى هي أن نخاف على إيماننا وقلبنا بأن لا نقع في معصية الله وغضبه يقول النبي ﷺ: ((اتق الله ولو بشق تمرة)) وذلك يكون بكثرة ذكره ومراقبته.
والوصية الثانية: صدق الحديث، فالمؤمن لا يكذب ولو كذبت كذبة واحدة وقال لك أحدهم يا كاذبة يكون خزي لك وعار عليك فما بالك لو أتاك الله بكل كذبك وذنوبك على رؤوس الأشهاد؟؟
تحلّي يا بنتي بالشجاعة الأدبية ولا تكذبي وإن كان هناك ظروفاً قاسية اهربي من الإجابة ولا تكذبي مهما كان وكوني تقيّة.
رضي الله عن سيدنا أسامة حيث أتى لرسول الله ﷺ يبكي من عذاب المشركين له ولأمه وأبيه في النار وغيرها حتى وصل الأمر بهم الى أن هددوه بالقتل إن لم يكفر فكفر وتلفّظ بما يريدون فقال له النبي ﷺ: كيف وجدت قلبك؟ فقال معاذ الله قلبي مطمئن بالإيمان لكني أعطيتهم هذه الكلمات كي يرفعوا عني العذاب فقال ﷺ: لا عليك ثم نزلت الآيات ((إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان))
وشاهدنا أنك إذا تعرضت لموقف تواري بالإجابة كما حصل مع سيدنا محمد ﷺ وأبي بكر الصديق في الهجرة عندما سألهم أحدهم من أين أنتم؟ فقال سيدنا أبو بكر: من ماء، فظنوا أنها قرية والحقيقة أن سيدنا أبا بكر لم يكذب ولم يدلّه على الحقيقة فالإنسان مخلوق من ماء مهين.
والوصية الثالثة: أداء الأمانة، وتلك الوصايا لبنات تبني بها قصرك الإيماني واذا لم تكن لديك فلن نعمّر الإيمان .

والأمانة من دقتها إذا أتاك زوجك بصحن فول من عند الفوّال ليس لك الحق في استخدامه ولكن تأكلين مما فيه ثم تنظفيه وتعيديه مباشرة لصاحبه، وكذلك في أي شيء يوضع عندك أمانة وكذلك اذا حدّثتك إحداهن بحديث وتلفّتت مخافة أن يسمعها أحد فإن حديثها هذا أمانة ولا يحق لك أن تحدثي أحداً بذلك ولو كانت أمك أو أختك أو سيفضحك الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة بفضيحتك لها ((أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك))
والوصية الرابعة كظم الغيظ، والله مدحهم فقال: ((والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين))
وهذا معناه عندما تقوم جارة لك أو خادمة وأوقعت كأس الشاي على ابنك وأحرقته وآذته هل تغضبين عليها وهي لم تقصد ذلك؟؟ أم تعتبرين أن الله أرسل لك هذه الحادثة ليختبر كظمك للغيظ، وكظم الغيظ مثاله كمثال جرة الغاز عندما تلتهب وتخرج نارها فتغطيها بشيء بارد لتطفئي انفجارها ولهبها وهكذا النفس تغضب لتدمر إيمانك بالكفر والشتم واللعن وسب الدين مع العلم أن مسبّة الدين أمر عظيم يكلفك كثيراً وقد كثرت عمن لم يحصّل الإيمان والتقوى، وكظم غيظك لا يكلفك أكثر من دقيقة أو نصف دقيقة ثم يعينك الله على ذلك.
فالإيمان يأمرك بكظم غيظك في الأحداث الصعبة وهذا معنى قوله ﷺ: ((أمتي الحمّادون الله على كل حال)) وهناك من يدعو على غيره إذا غضب كالأم التي تدعو على أولادها ثم تندم على ذلك .
فيا ابنتي ثلاث دعوات مستجابات: دعاء المظلوم، ودعاء المسافر، ودعاء الوالد أو الوالدة على ولده .
فإذا دعوت على ابنك فأنت سبب عدم توفيقه وشقائه ولكن ادعي له بالهداية وقولي الله يهديك، زادك الله هدى وتوفيقاً فإذا وجدك الله هكذا يهديه بكرامة صبرك ودعوة من دعواتك ويصلح حاله معك .
الوصية الخامسة: ترك الخيانة، أن نترك الخيانة بكل أشكالها في المال والعرض والأسرار
والوصية السادسة: رحم اليتيم، واجب علينا أن نرحم اليتيم قال النبي ﷺ: ((أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)) وأشار لأصبعيه السبابة والوسطى.
وليس شرطاً أن تكفلي اليتيم بشكل كامل ولكن من الممكن أن تكفليه باللباس أو بمصروف، أو بطعام وشراب… واليتيم له يوم القيامة كلمة مسموعة عند الله وشفاعة لمن أحسن إليه.
والوصية السابعة: حفظ الجوار، هذه الوصية كثير من الناس لا يهتم بها فتعامل الواحدة منا جارتها لتغيظها وتتعالى عليها بالذهب والمال وغير ذلك وقد يؤدي ذلك لخراب بيتها مع زوجها فتنقلب حياتها الى جحيم والنبي ﷺ قال: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) .م
وسابقاً كان المؤمنون يرثون من بعضهم حتى استقر الدين وجعل الوراثة بالنسب نسب العائلة فقط، وللجار حق عظيم وقيمة كبيرة والمثل يقول جارك القريب ولا أخوك البعيد لأنه إذا حدث معك طارئ ..
جارتك تكون أقرب لك من أهلك لنفعك وخدمتك وقالوا الجار ولو جار.
روى لنا سماحة الشيخ محمود المبارك : قصة لشخص مجوسي أقام حفلة ثم أتته بعدها بشارة أن قصره في الجنة بجوار قصر النبي ﷺ فتعجب الحاج الذي حمل له هذه البشارة وسأله عن أعماله فأخبره أن أعماله كلها مخالفات ومعاصي ……إلا أنه في ذلك اليوم جاءت له أم لديها يتامى
وطلبت مساعدة فأحسن إليها والى أولادها وأوصلها الى بيتها وزادها فوق العطاء مالاً وعندما عاد لبيته تلك الليلة رأى النبي ﷺ في المنام وأخبره أنه بعمله هذا يستحق الجنة وعلّمه الشهادة فأسلم في منامه ولما أصبح تاب واغتسل وتفضل الله عليه بهذا العمل وحوّله من النار الى الجنة.
والقصد أننا مأمورين أن نخدم الناس وننير لهم الطريق في كل مكان ولا نفرّق بين الأديان والمذاهب، كلهم مقدّسين وعلى رؤوسنا ((قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن ِ))
ونحب الخلق كلّهم لأن الخلق كلّهم عيال الله وأحبهم الى الله أنفعهم لعياله والداعية الحقيقية تتلطّف مع المذنبة وتحضرها الى مائدة الإيمان .
والوصية الثامنة: لين الكلام، لا تعط أحداً الكلام القاسي الخشن الذي يجرح الشعور ويكسر الخاطر مثل الذي يكسر الوعاء ثم يقوم ليصلحه ولا يصلح..
فالشعور إذا جرح لا يصلح ويقال إن كلام الغريب يجرح في الجسد ويشفى مع الوقت إلا أن كلام القريب يجرح القلب ومن الصعب شفاؤه
فعلينا أن نكون مع بعضنا بالكلام اللطيف الذي ينبت المحبة والألفة وأما المزاح القاسي فهو كمن قال قام الدب ليرقص قتل سبع أنفس..
والأسوأ أن تقولي لإحداهن الآن صرت صالحة؟؟ أنا أعرف ماضيك.. يا بنتي كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون والإنسان معجون بالذنوب والله يسترنا بلطفه ومغفرته ومن عيّر أخاه بما فيه يعافيه الله ويبتليه وتدور الأيام وتقع في البئر الذي عيّرت أخاك به.
فالكلمة لا بد خارجة من أفواهنا فلم نخرجها ملوثة مسمومة تحرق قلوب الناس وتغيظهم بدل أن نفتح أفواهنا للكلام الصافي الذي يشفي الجروح.
والوصية التاسعة: بذل السلام، أول حديث قاله النبي ﷺ: ((أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطاعم وصلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام))
وعندما سألوه عن صلاة الليل وكيف سينامون هوّن عليهم ذلك فقال ﷺ: ((من صلّى الفجر والعشاء في جماعة فقد قام الليل)) ولكنهم عندما ذاقوا طعم القيام والتهجد لم يكتفوا بذلك بل نزل قوله تعالى في وصفهم: ((كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم))
والوصية العاشرة: ولزوم الإمام، سواء كان إمام البلد، أو الوالي والرئيس والملك عليك ملازمته وتنفيذ قراراته وتوجيهاته فهذه مسؤولية إيمانية شرعية للحفاظ على البلد بالسمع والطاعة للرجل والأنثى
والقرارات تصدر لنفع البلاد ووحدتها وإذا هربنا من تنفيذها فهذا وكأننا نقول للعدو تعال وخذ بلادنا لنصير متشتتين متفرقين أذلّة .
والمعنى الآخر لذلك هو لزوم المعلم إمام المسجد الذي يعلمنا ديننا نلتزم معه كالتزامنا مع الطبيب حتى نأخذ الصحة وإذا أخذنا جزءاً من العلاج وتركنا الجزء الآخر عندها لن نحصّل كمال العافية.
والوصية التالية: والتفقه في القرآن، غداً سنقف أمام الله وبين يديه ونُسأل فإذا صعد القرآن واشتكى وله دوي كدوي الرعد حول العرش يقول: أُتلى ولا يعمل بي
يقرؤون القرآن ولا ينفّذون ما فيه كالفقراء الذين يقرؤون وصل البنك ولا يصرفونه
فيبقون على فقرهم أما الموفق هو الذي يغنى به ويصرفه فينتفع به وكذلك القرآن يسعدنا بتحويله الى العمل.
كمخطط البناء الذي نقرؤه فإذا لم ننفذه لا يسمن ولا يغني من جوع، والتزامك مع الإمام المعلم يجعلك تنفّذ آيات القرآن آية تلو الأخرى بالصدق والبر والأمانة.
وختم سماحة الشيخ محمود المبارك قائلاً أن : النبي يصف ذلك قال ﷺ: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) أعلاها كلمة التوحيد أي لا عبادة ولا طاعة إلا لله ولا إله بقلبي إلا الواحد الأحد قال تعالى: ((أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على قلبه وسمعه وبصره فمن يهديه من بعد الله))
أسأل الله لي ولكم التوفيق والحمد لله رب العالمين……

(Visited 3 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: