
من بركات ليلة النصف من شعبان
الحمد لله الذي جعل لأمته نفحات يكتسبون منها الفضائل منه جل جلاله، فقال ﷺ: ((ألا إن لربكم في دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها)).
فلنتذكر أنه هذه ليلة عظيمة… شريفة… لا يُحصى فضلها.
سُميت بـــ:
ليلة التقدير لأن الله تعالى يقدّر فيها الأشياء.
وليلة الشفاعة.
وليلة الإجابة.
وليلة القسمة لأن الله تعالى يقسم فيها الأرزاق.
وليلة العتق.
فهي ليلة فضيلة على العاقل الموفق أن يغتنمها، وهي ليلة في السنة، واغتنامها يكون بصلاة قيام ولو ركعتين قبل النوم، وإن زدت فالله أكرم وأجل.
فإذا كانت هذه الليلة فقوموا ليلها وصوموا نهارها، هكذا يجب على المؤمن أن يعظّم هذه الليلة الشريفة المباركة التي يُرفع فيها العمل للعباد.
وفيها أن الله اختص هذه الأمة بقبلة خاصة بها، قال تعالى: ((قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ)).
هذه الليلة فيها تُرفع الأعمال وتُنسخ الآجال، الرجل يطلب من أجل الزواج وقد نُسخ اسمه في الموتى، ويبني بنيانه وقد نُسخ اسمه إلى ملك الموت أنه سيموت في هذا العام.
وتُكتب فيها المواليد، ويُفرق فيها أمر كل حكيم: الله تعالى يصرّف فيها الأمور حيث يشاء فيها وكذلك تُكتب فيها أرزاق الخلق.
وكان من بركات هذا اليوم أنه شُقّ فيها القمر، هذه المعجزة العظيمة من النبي ﷺ حيث أشار إلى القمر بأصبعه فانشق بإذن الله فكان كل قسم فوق جبل وقال: ((انظروا)) فقالوا: سحرنا محمد، فلما أتت القافلة من بلاد الشام قال لهم: ((سلوا القافلة)) فسألوا القافلة فقالوا: نعم لقد رأينا القمر شُقَّ نصفين، فقالوا: إن سحره يسري في مكة وفي بلاد الشام.
ونزل في هذه الليلة قول الله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) من أجل أن نكثر الصلاة عليه ﷺ.
والنبي ﷺ في هذه الليلة سأل الله تعالى الشفاعة لأمته فأعطاه الثلث، ثم سأل واجتهد في السؤال فأخذ الثلث الآخر، ثم اجتهد في السؤال فأخذ الثلث الأخير.
هذه يدل على أن النبي ﷺ مكرم عند الله تعالى وأنه لازم على السؤال حتى استجاب له جل جلاله ونال الشفاعة كلها.
نصوم نهارها لأن بعد هذا اليوم لم يجوز للصائم أن يصوم إن لم يكن له عادة، أي تترك ما بقي من شعبان راحة تستعد فيها لرمضان، أما إن كنت ممن له عادة الصيام (مثلاً اثنين وخميس) فلا مانع من الصوم.
بعض الناس يستقبل رمضان بصيام يوم أو يومين قبله، فقال النبي ﷺ: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا بعده)) وقال في حديث آخر: ((إذا كان النصف من شعبان فامسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان))
من هؤلاء المحرومون في هذه الليلة؟ في هذه النفحة الإلهية العظيمة من الفضائل والخيرات الكثيرة، وأنها عيد الملائكة لفرحتهم فيها مما يتجلى رب العزة من غروب الشمس.
في سائر الأيام يتجلى الله تعالى فيتقرب من عباده وينزل نزولاً يليق به إلى السماء الدنيا من الثلث الأخير من الليل، أما في ليلة النصف من شعبان فمن غروب الشمس ينزل ويتقرب من عباده وينظر إليهم (ومن نظر الله إليه لا يُعذّبه أبداً)، ويعتق منهم أعداداّ لا يعلمها إلا الله، النبي ﷺ وصفها بعدد شعر غنم كلب (وهي قبيلة معروفة بكثرة أغنامها)
المحرومون من هذه الليلة:
- المشرك: وليس فقط عبادة الأصنام، لكن هناك شرك أشد: الذي ينسى أن الله متصرف في ملكه ويرى أن فلان المتصرف، أو يعمل العمل كي يراه الناس فيحسنه، وهذا هو الشرك الخفي، ودواؤه الدعاء: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً ونحن نعلم ونستغفرك لما لا نعلم.
- المشاحن: الذي ليس له صاحب.
- الساحر: الذي يفرق بين الناس المتآلفة المتحابة، يعمل لهم ((مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)) لكن العناية الإلهية ((وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ)) أي حصّن بيتك بالأذكار (خاصة سورتي البقرة وآل عمران، والصلاة على وقتها، وتلاوة القرآن، والأوراد)، فمن لم يحصن بيته بالأذكار، الله يأذن أن يمشي فيه السحر.
- وقاتل النفس البريئة: يُحرم من هذا التجلي والعطاء.
- وقاطع الرحم: لا يتكلم مع أخته لأنها طلبت الميراث فهذا متجرئ على حدود الله، وله وقفه طويلة عند الله، هذا حق شرعي لها، فلا تقطع أرحامك إن كان أخ أو أب أو عم أو جد فالعم هو صنو الأب أي ينوب عن الأب، فإذا أردت رضا أبوك بعد موته تأخذه من عمك، صرنا في صحراء نقول ارتوينا ونحن لم نشرب، ندعي الإيمان بالقول فقط.
- والمُسبل: المتكبر الذي يترك ثيابه تجر خلفه تفاخراً لأنه غني.
- ومُدمن الخمر: باع عقله ومشى بلا عقل بهذا الخمر فهذا يُحرم بركة اللية فإذا مات مصر على الخمر حُرم خمر الجنة خلق الله الخمر النقي الطاهر الطيب.
كما أن الله تعالى يتفضل علينا بهذه الليلة إذا نظر إلى همتنا وتوبتنا وعفونا عن خلقه فقال: ((وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) وكأن الله تعالى يقول لك: إذا تعفو وتغفر وتصفح لعبادي كذلك أنت لديك الذنوب الكثيرة أغفرها لك.
لاحظ كيف الله يتفضل ويكتب المغفرة ثم يكتب أجر شهر رمضان قبل أن يدخل رمضان، فالله تعالى ينظر إلى همتك همة علية لرمضان لأنك أخذت شحنة من هذه الليلة الفضيلة ليلة النصف من شعبان، فما دام فيك الهمة الله يكتب لك أجر رمضان وثوابه قبل أن يدخل، وإن كان لك عتق من النار يعتقك فيه، وتأخذ أجرك من ليلة القدر.
إن الله يكتب خير وثواب رمضان قبل دخوله فلنستعد له ولنستقبله في هذه الليلة المباركة.
ليلة النصف من شعبان قال النبي ﷺ فيها:
((يغفر الله فيها للمستغفرين)) فهنيئاً للملتزمين بالاستغفار.
((ويرحم المسترحمين)) أي ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، عندما تطلب الرحمة من الله يرحمك لأنك زرعت بذورها مع الناس، ما دام أنك ترحم الخلق أبشر برحمة الله تعالى والله وعد الراحمين: ((الراحمون يرحمهم الرحمن)).
((ويؤخر أهل الحقد على حقدهم)) تحمل ضغينة على فلان وتحسد فلان و.. و… و… أما الموفق فيسامح كل من أساء إليه، اللهم اغفر لكل من أساء إلي وأذنب معي وأكل حقي نقول كما قال سيدنا عيسى: ((إن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) فلا تسامح أحد أخطأ معك إلا غفر الله تعالى لك سبعين ذنب أو سبعمئة وهو أرحم الراحمين.
نذكر حديث عن النبي ﷺ وأمنا عائشة
فقالت: قام النبي ﷺ من الليل فصلى فطال سجوده: فإذا أردت أن تقوم ليلة النصف من شعبان صل ركعتين بإتقان أطل فيهم السجود ((الساجد يسجد على قدمي الرحمن فليسأل وليرغب)) فإذا شخص على باب البنك كلما طلب طلباً يعطوه كم يقف؟! كذلك أنت ساجد على قدمي الرحمن وتسأل تُعط. فأطل السجود.
فطال سجوده حتى ظننت أنه قُبض فمددت يدي وحركت رجله فتحركت فعلمت أنه حي، فسمعته يقول بسجوده: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أُحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)).
قال ﷺ لما رفع وانتهى من صلاته: ((أخشيتِ يا عائشة أن يَحيف الله عليك ورسوله؟)).
قالت: لا يا رسول الله بل خشيت عليك…
قال: ((أتدرين ما هذه الليلة؟))
قالت: الله ورسوله أعلم.
قال: ((هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله يطلع فيها على عباده…)) فاجعل الله يطلع على قلبك وهو نظيف طاهر، لكن لا تقم طوال الليل وتنام قبيل الفجر فتخسر الصلاة، صل ولو ركعتين قبل النوم، وركعتين وقت التهجد وصل الفجر حاضر مع أسرتك وصم، وأبشر بالعطاء الذي يُسعدك ويُسعد ذريتك من بعدك. عندما تقرأ سورة الكهف ((وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)) كان جدهم السابع صالح والله تعالى حفظ الذرية وحفظ لهم الكنز الذي تحت الجدار.
والله يطلع على عباده نظرة رحمة.
((الله يطلع فيها على عباده فيغفر للمستغفرين)) الذين يطرقوا الباب ويطلبوا المغفرة لكن ليس من أول مرة يُفتح الباب
طرقت الباب حتى كلَّ متني فلما كلَّ متني كلمتني
أي تحتاج لمواصلة العبادة واللجوء إلى الله والعبادة حتى تأخذ الجائزة الكبرى وهي العتق من النار.
((ويرحم المسترحمين)) ارحم أي كائن حتى تنال رحمة الله، ولو نملة، الصحابة كانوا يشتروا العصافير من الأطفال ويطلقوهم، فسُئلوا عن ذلك فقالوا: إن النبي ﷺ أخبرنا عن شخص يوم القيامة بعد أن يحاسب ويؤمر به إلى النار، فيلتفت إلى الخلف فيسأله الله تعالى لماذا تلتفت؟ فيجيب: عسى أن تنالني رحمتك. فيقول الله تعالى: ((هل رحمت أحداً من خلقي؟ هات ولو عصفور)) كيف ستحصد وأنت لم تزرع إلا الشوك؟!
((ويؤخر أهل الحقد لحقدهم)).
هناك نقص بمقطع الفيديو
أخبر الأمة ليغتنموا هذه النفحة الإلهية: ((ألا في دهركم لربكم لنفحات، ألا فتعرضوا لها)).
قال: ((يا محمد هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاء عدد شعور غنم كلب، وينظر الله إلى عباده، ولا ينظر الله فيها إلى مشرك، ولا مشاحن، ولا إلى قاطع رحم…)) كان النبي ﷺ مرة يحدث عن صلة الرحم فقام رجل من المجلس غاب قليلاً ثم عاد، فسأله النبي ﷺ عن سبب ذهابه، فقال: يا رسول الله كان بيني وبين خالتي شيء ذهبت إليها فاستغفرت لها واستغفرت لي وعدت حتى لا أمنع الرحمة عن إخواني. فهل تستطيع فعل ذلك حتى لا تمنع الرحمة عن بلدك.. عن جيرانك.. عن عائلتك.. فلنسامح بعضنا حتى تتسامح الناس ويرجع الخير من السماء والأرض تنبت الخير ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)).
((… ولا إلى مسبل، ولا إلى عاق لوالديه)).
فلنتذكر هذه النفحة الإلهية لنستعد لها ولو بصلاة ركعتين قبل النوم وصلاة ركعتين قبل الفجر ونصوم صباح اليوم التالي لها كما قال النبي ﷺ: ((قوموا ليلها وصوموا نهارها)) والنتيجة أن أبشروا أن الله اطلع عليكم، ومن نظر الله إليه نظرة لا يعذبه أبداً.
نسأل الله تعالى التوفيق، والحمد لله رب العالمين.