
ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل
افتتح سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس مذكراً أن : الله تعالى فرض فروضاً، وسنَّ سن النبي صلى الله عليه وسلم سنناً، حيث ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: ((ما تقرب الي عبدي بمثل اداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه)) إذاً تأتي النوافل زيادة في القرب.
قال سيدنا علي ((إيَّاكم ومعاداة الرِّجال فإنَّهم لا يخلون من ضربين، من عاقلٍ يمكر بكم ، أو جاهلٍ يعجل عليكم بما ليس فيكم، واعلموا أنَّ الكلام ذَكَرٌ والجواب أنثى وحيثما اجتمع الزَّوجان فلا بدَّ من النِّتاج)) فكلامك واجابتك له ثمار إما أن تكون صالحة لك وله، أو تكون مدمرة لك وله لذلك قال الله تعالى: ((وَإِذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلامًا)) قولاً يسلمون به من الأذى فالكلام إما أن يُوَّرث المحبة والخير أو يُوَّرث القطيعة والشر لذلك يقال ((سليمُ العرضِ من حَذَر الجوابَ ومن دارى الرجال فقد أصابَ))
فمن الحكمة مداراة الناس وخاصةً الرجال ((ومن هاب الرجال تهيبوه ومن يهن الرجال فلن يُهابا))
فاحترم الناس ليبادلوك الاحترام فالخلق كلهم خلق الله. ولا تشمت بأخيك فيعافيه الله ويبتليك.
((الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)) فكن كالورد مع جميع الناس ،ولاتنظر اليهم نظرة احتقار بل قم باصلاحهم باسلوب وحكمة.
قصة: توفي رجل فرأوه في المنام وهو في الجنة فسألوه بمَ دخلت الجنة ؟ فلم يكن لك زيادة في العبادة !فقال: كنت على شاطئ وأنفذت نملة من الغرق.
لذلك كان كثير من الأجداد يضعون الحبوب أمام بيوت النمل كي يختصروا عليها الطريق فقد ورد في الحديث ((ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء)) فالله يحاسب على الذَّرةِ من الاعمال ويضاعفها.
قصة أخرى دخل بعض السفهاء على أحد العلماء وهو يعظُ الناس فشتمه فلم يرد عليه وأومأ الى طلابه بالجلوس وعدم معاقبته فلما انتهى قال له العالم: إن كنت صادقاً غفر الله لي وإن كنت كاذبا غفر الله لك، وسأله هل لك من حاجة؟ فبهت الرجل وقال: لا. فقال العالم أعطوه ألف دينار فانقلبت عدواة السفيه الى محبة وقال اشهد انك ابن رسول الله، ما هذه الأخلاق!؟
قال تعالى: (( وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوتِيَ خَيرًا كَثيرًا)) فصاحب الحكمة دائما ناجح وكما يُقال ((المربى غالي ولو كان كلب جعاري)) فالكلب بنجاسته عندما يتعلم الصَّيد يُصبح صيده طاهراً وعندما يتعلم كشف الجرائم يُفرَزُ له سيارة خاصة وسائق ويأكل من ألذ اللحوم.
وانت أيضا قبل التربية كنت رخيصاً، تفتخر بثيابك ومركوبك وطعامك وشرابك ونسبك وهذا يدل على فراغك فالأنساب لا تنفع يوم القيامة قال تعالى: ((فَإِذا نُفِخَ فِي الصّورِ فَلا أَنسابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ وَلا يَتَساءَلونَ)) ففخرك يجب ان يكون بالإسلام والصحبة والطريق الذي تسلكه فهذا اعتزاز بدين الله قال تعالى إن العزة .. ..
((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) فبالحب تُستسهَل المصاعب، فلا تستسقل طلبات المحبوب.
((فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به ))
هذه نتيجة محبة الله ، تسمع بالقوة الإلهية فتسمع ما ينفعك أما اللغو والكذب والغيبة فلا تجد لذة فيه فتبتعد عنه.
((وبصره الذي يبصر به)) قال تعالى: ((الرَّحمنُ عَلَى العَرشِ استَوى)) استلم الرحمن عرش قلبك فاصبح الشرع محبوبك وطردت الهوى من قلبك ((أَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ))
إن الهوان هو الهوى قُلب اسمه فإذا هويت فقد لقيت هوانا
أي لقيت هلاكاً
أما إذا نظفت قلبك من الشهوات ومن النَّفس الأمارة بالسوء تستقبلك رحمة الله وتسكن في قلبك.
وتنظيف قلبك يكون عن طريق التوبة النصوح والذكر الدائم بإشراف أهل الله فتسكن روحانيتهم قلبك فانت بعت نفسك لله
قال تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ))
((ورجله التي يمشي بها)) فنور الله انتشر في كل أعضائك وحواسك فتأخذ من صفات الله قال صلى الله عليه وسلم ((إن لله مئة خُلقٍ إلا خلقاً من تخلق بخلق واحد دخل الجنة )) كالكرم والعفو عند المقدرة فلا تستصغر من المعروف شيئاً فقد تدخل الجنة بإنقاذك لنملة أو بالعفو عن من استدان منك مبلغاً المال إلى أجل ولكن لم يستطع سداده بسبب فقره.
فالعفو من صفات الله تعالى فكن ممن يدعو للإسلام بعمله وأخلاقه وأمانته والعمل الصالح.
وختم سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس بقصة : ورد أن بعض الإخوان درس وتخرَّج في الدول الغربية وأصبح يبحث عن عمل فلم يجد ثم دخل مصنعاً لكن مدير المصنع لم يعطه أي اهتمام وأثناء خروجه من غرفة المدير رأى دبوساً مُلقى على الأرض فحمله ووضعه على طاولة المدير فتعجَّب المدير من تصرفه
فهذا يدل على أمانته وحرصه على أدق الاشياء فسأله المدير: عن تصرفه فأجابه: دبوس غير معطوب وينفع لماذا نرميه ؟؟فوظفه عنده وبعد فترة جعله مشرفاً عاماً على المصنع فازدادت أرباح المصنع كثيراً وبعد فترة أعطاه حصة من المصنع وعندما توفي صاحب المصنع قرر الأولاد أن يبيعوه فاشتراه منهم ، وعندما سألوه من أين لك هذا؟! أجابهم من دبوس ومن وراء الدبوس الشيخ الذي علَّمني قيمة الدبوس .
فتربية أهل الله تُغني في الدُّنيا والآخرة وتُعرفنا قيمة النعم قال تعالى: (( لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم)) فلا تنشغل بالنعم عن المنعم.
((فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها )) وذلك عن طريق الذكر الخفي والرابطة بالعلماء ((اللَّهُ نورُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ))
فالقلب عندما يتلفظ باسم الله يُرسل طاقة نورانية هذه الطاقة تختلط بالدم فيغذي كل الأعضاء، فينتشر نور الله في جسدك فترى بقلبك قبل عينيك وتسمع بقلبك قبل أذنيك، فللقلب عيون كما للوجه عينان فقد ورد عن سيدنا عمر بن الخطاب عندما كان يخطب على منبر المدينة أنه نادى بأعلى صوته فجأة ((يا سارية الجبل )) وسارية كان قائداً لسرية في نهاوند ونحن نعلم المسافة بين المدينة ونهاوند ولما رجع سارية مع جيشه منتصراً سألوه هل سمعت صوت عمر بن الخطاب؟ فقال نعم كان صوته سبباً في النصر.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.