ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها

              يوم الأربعاء   28/10 / 2020

بحثنا اليوم حول الناسخ والمنسوخ ، كيف بيَّن الله سبحانهُ وتعالى رحمة لخلقه ، وكيف يفرض الأحكام ثمَّ ينسخها أو يخففها أو يبقيها تلاوةً وينسخها عملاً أو يبقيها عملاً وبنسخها تلاوةً ومنها ينسخ تلاوةً وعملاً .
قال في سورة النحل : (( ومن ثمرات النخيلِ والأعنابِ تتخذونَ منهُ سكراً ورزقاً حسناً إنً في ذلك لآيةً لقومٍ يعقلون )).
عندما نزلت هذه الآية ، وهي إباحة الخمر مع إشارة الله تسكَرْ وكلمة ( سَكَرْ) يعني يغطى العقل فقال سيدنا عمر رضي الله عنه : [ اللهم بين لنا في الخمر ] . طلب من ربه أن يبين حكمة أكثر، فنزلت آيةً أخرى (( يسألونك عن الخمرِوالميسرِ ، قل فيهما إثمٌ كبيرٌومنافعُ للناسْ )). الإثم : الضرر . والمنافع : للبائع من بائع العنب وبائع الخمرة ،

ثمَّ جاءت الدرجة الثالثة قول الله تعالى : (( ولاتقربوا الصَّلاةَ وأنتم سكارى )) إشارة على أنَّ الإنسانَ يعني قبلَ الصَّلاة أو في غيرِأوقاتِ الصَّلاة يؤذنُ له بشربِ الخمر.

ثمَّ جاء الأمر الرابع يقول الله تعالى : (( ياأيُّها اللذّين آمنوا إنّما الخمرُ والميسرُ والأنصاب والأزلام رجسٌ من من عملِ الشّيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )) هذا هو الناسخ ، لما قبله فنسخت هذه الآية ، تحليل الخمر بأنواعه ونسخت هذه الآية وقبلها الآيات ثابتة ، تُقرأ ولا يعمل بها ، ولكن لايأتي اليوم أحد

ويقول قال تعالى: (( ولاتقربوا الصَّلاةَ وأنتم سكارى)) أنا لاأشرب الخمر إلّا قبل الصلاة بساعات هذا لايجوز لأنّه أتت آية ونسختها . السؤال : لماذا بقيت هذه الآيات ؟ بقيت دروساً لنا من أجل أن نعطي الإيمان على مراحل ولانعطيه دفعةٌ واحدة ، كي لايهرب المبتدئ بالإيمان إذا أحدهم أسلم ، وحملته جميع الفرائض والأركان دفعة واحدة ، ينفر ويهرب ولكن حمله بقدر مايستطيع ، بدايةً صلاة الفريضة وصوم الشهر ، أما تقول له صلاة السنن والنوافل وصيام اثنين وخميس والأيام البيض …. يرى أنّ الحمل ثقيل ، يومىء برأسه …..

كانت عدة المرأة سنة كاملة ، ..فجاء الناسخ والمنسوخ نسخها كانت سنة ، صارت أربعة أشهر وعشرة أيّام ، وبقيت الآية منسوخة حتى تتعلم كيف يكون التدرج بالأحكام ، واشكر الله الذي خفف عن المرأة من السنة إلى أربعة أشهر ، والحمدلله كيف رفع من مكان المرأة التي كانت في الجاهلية تقضي عدّتها بين الدواب لايكلمها أحد ، لاتخرج حتى انتهاء عدّتها ، وعندما تنتهي ترمي البعرات إلى خارج الحظيرة (مكان اجتماع الدواب) لتنشره إلى أهلها بإنهاء عدٌتها ، فالإسلام نسخ هذه الأمور وكرمها حتى تزداد شكراً لله على هذا التخفيف.
-فكان أعداء الإسلام من المشركين والكفار يعيرون المسلمين على هذه التغييرات في الأحكام ويقولون انظروا إلى محمّد كيف يعطي أمراً ثم يتراجع عنه ويخالفه ، ويبدله فهذا الدّين يدعوه أوامراً من عند الله كما يدعي ، فأنزل الله سبحانه : (( ماننسخ من آيةٍ أو ننسها نأتِ بخيرٍ منها أو مثلها ، ألم تعلم أنّ الله على كلِّ شيءٍ قدير)) فالناسخ : هو الله هو الذي يفرض الأحكام ويخففها أو يزيد عليها.
الصيام : لم يفرض في البداية وإنما من استطاع الصوم فليصم ، ومن لم يستطع فليعطي صدقة أو يوزع طعاماً فلما تمردوا عليه،
قال الله تعالى: (( فمن شهدَ منكم الشهر فليصمه)) .
بعض الصحابة حفظ بعض السور فلمّا أرادوا أن يصلّوا الليل لم يتذكروا منها ولا آية واحد ولا اثنتين ولا ثلاثة ، كان رهط ، فذهبوا إلى النبي ﷺ في اليوم التالي وأخبروه فقال لهم ﷺ :أجل رفعت وسيأتيكم الله بأحسن منها .
إذاً (( ماننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها ))
الله يرتقي فيك إلى مرحلة ثانية ، كان الجهاد في الإسلام على المسلم الواحد أن يواجه عشرين أو عشرة ، ولا يجوز له أن يهرب ، فخفف الله عنه إلى اثنين قال تعالى : (( عَلِمَ أنَّ فيكم ضعفاً )) .
في بداية الإسلام كانت تعرض أحكام ، فتصير واجبة ثم تنسخ ، وكانت تبدل أحكام بأحكام أخرى حسب تطور الأحداث ، فكان كما ذكرنا أعداء الإسلام ينتقدون رسول الله هذه التغييرات في أحكام ………………………

               وكان النسخ على ثلاثة أنواع :

1-ماينسخ تلاوة وينسخ حكمه : كان في بداية الإسلام عشرة رضعات يحرمن الزواج ، ثم نسخت إلى خمس رضعات تخفيفاً من الله .
2-ماينسخ تلاوةً لايجوز تلاوتها في الصلاة ومن مانسخ تلاوة وبقي حكمه كان في الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتا فنسخت هذه الآية وبقي حكمه الرجم .
3-وهناك مانسخ حكمه ولم تنسخ تلاوته مثل عدة المرأة من السنة إلى أربعة أشهروعشرة وهذه الآيات بقت حتى نتذكر نعمة الله على المرأة والرجل ، كليهما فالرجل مكلّف بنفقة المرأة في عدتها سنة كاملة فعندما خففت عدة المرأة خفف على الرجل هذه النفقة .
ومثال آخر : (( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين )) فإن كانوا عشرين صحابياً لايمكنهم الهروب أمام أحد من الأعداء ومن هرب اسمه (فاراً) فنسخ الله هذه الآية بقوله : (( خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مئة صابرةٌ يغلبوا مئتين ، وإن يكن منكم ألفا يغلبوا ألفينِ من الذين كفروا )) .
والنسخ : تارة يكون من المشقة إلى التخفيف بالسهولة ، وتارة يكون من السهولة إلى مشقة .
كالصيام لم يكن مفروضاً ! ثم فرض ، ومثال : النسخ من المشقّة إلى السهولة ، عدّة المرأة ، منع الجهاد في بداية الإسلام ، فقد كان السكان يريدون محاربة قريش بسبب إيذائها لهم ، فجمعهم الله بأكثر من سبعين آية أن يقاتلوهم وذلك لأنهم لم يكون أهل لذلك بالعدة والعدد والعتاد لكن عندما أعدوا العدة نزلت الآية بالإذن : (( أُذِنَ للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأنَّ الله على نصرهم لقدير )) .
إذا لايجوز لهم محاربة إلا الذين قاتلوهم للدفاع عن أنفسهم .
ومن النسخ أيضاً كانت الصلاة إلى بيت المقدس ، فنسخت وتغيرت القبلة إلى الكعبة ، فعندما كان النبي ﷺ يصلي بهم إماماً في صلاة العصر ، نزلت الآية الكريمة (( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلَنُوَلِيَنَّكَ قبلةً ترضاها ، فوَلِّ وجهَكَ شطر المسجدِ الحرام ، وحيثُ ماكنتم فولّوا وجوهكم شطره )) .
فبعد أن صلّوا ركعتين من صلاة العصر ، نزلت هذه الآية على رسول الله باتجاه نحو الكعبة ، وفسح الصحابة المجال لرسول الله
الناسخ والمنسوخ نقول له ، لو أنّ طبيباً يعالجك ويبدل لك الدواء فمرةً يعطيك زيادة في الجرعة ومرة يخففها لك ، ومرة يبدل لك الدواء ، هل تعترض عليه ؟ هل تنتقد عليه ؟ كذلك أرحم الراحمين يعطينا دون أن يكلفنا (( لايكلف الله نفساً إلاّ وسعَها )) .
إذاً : النسخ مثل تغيير الدواء من قبل الطبيب للمريض إلى أكثر فعاليّة أو أقل فعاليّة على حسب المريض ونظرة الطّبيب الحكيم .

فعندما كان ضعف بالمسلمين لم يأذن الله لهم بالقتال ، وأنزل سبعين آية تمنعهم من القتل ، وعندما كثر الأعتداء عليهم ، واستقلّوا في المدينة ، وهيئوا الشوكة المناسبة ، فأذن لهم أن يدافعوا عن أنفسهم .
إذا رفعت آية أونسخت ، يضع الله مايناسب عقل الإنسان وماينفع الإنسان ، فالرياضي عندما يتدرب على حمل خمسة وعشرين كيلو ، يعطي الثلاثين كيلو ليحمله لأن جسمه تدرّب واكتسب المرونة وهكذا كلما تمرن وتحمل يعطي من الأثقال أكثر، وهذا ماعلينا أن نفهمه من الناسخ والمنسوخ فكانت الأحكام تأتي تدريجاً حسب درجة إيمان المسلمين لكن عندما استقرت الأحكام من غير شدة ولا مشقة ، نزل قول الله تعالى : (( اليوم أكملتُ لكُم دينكم ، وأتممتُ عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام ديناً )) فاستتب التشريع واستكمل الأمر ولم يكن هناك داعِ للزيادة أو النقصان .
إذاً :
الحكمة من الناسخ والمنسوخ هو التدرج في الأحكام ، كيف حرم الله الخمر ؟ وكيف أذن لهم أن يقاتلوا أعداءهم ؟ وكيف يصومون رمضان ، هذا كان التدريج من رحمة الله سبحانه وتعالى ، فكلما عظم إيمانه كلما استطاع أن يحمل من الأحكام الشرعية قال تعالى : (( يحلُّ لهم الطيّبات ، ويحرّمَ عليهم الخبائث ))

قالت السّيدة عائشة رضي الله عنها : [ لوحُرِم الخمر في بداية الإسلام لانتدّ المسلمون ] وذلك لشدّة تولعهم به ، وهذا يجب أن تستفيد منه اليوم ، قد يدّخن أحدهم لاتقل له اترك الدّخان! وتكون فاسقاً لن يأتي إلى الدرس ، إنماادعه بالتدريج ، قل له : أن يخفف منه حسب استطاعته ، بعد شهر شهرين ثلاثة بمن الله عليه أن يتركه ، فدل الخلق ونشر الهداية بالتدريج على حسب استطاعتهم وعلى حسب قدرتهم .

قال تعالى في الحديث القدسي : (( خلقت الخلق ليربحوا علي لا لأربح عليهم )) فالله غنيٌ عن العالمين (( ماننسخ من آيةٍ أو ننسها نأتِ بخيرٍ منها)) خير منها للبشرية ونفع للناس ، فالله غنيٌ عنّا ، لاتضره معصيتنا ولا تنفعه طاعتنا وهو الغني الحميد .
إذاً النسخ يكون رحمة للعباد ، إذا نعود إلى أصحاب رسول الله ﷺ كيف كانوا يتلقون الأمر برحابة الصدر كلما تنسخ آية (سمعنا وأطعنا) وكلما يلقى اليهم (سمعنا وأطعنا) وهكذا يجب أن يكون المؤمن لايعترض على الأوامر

مرّ سيدنا عمر رضي الله عنه بجوار البقيع فقال : السلام وعليكم ياأهل القبور ، يأتي أحدهم ويقول وهل الأموات يسمعون ؟ نعم يسمعون .
فالنبي ﷺ في معركة بدر لمّا جمع جثث الكفار والمشركين في بئرٍ كبير ، وأتى اليهم في اليوم الثالث أو الرابع وقال لهم : يافلان ابن فلان ، هل وجدت ماوعد ربي حقاً ؟ فإني قد وجدت ماوعدني ربي حقاً ، أي هل وجدت الذل والانكسار ونار جهنم كما وعدكم ربي فإن وجدت النصر الذي وعدني ربي ، فقال له سيدنا عمر : من تكلم يارسول الله ؟ جثث هامدة ! فقال ياعمر : ماأنت بأسمع منهم إلّا أنهم لايستطيعون أن يردّوا .

فالتلفاز عندما ينكسر ، ليس أن المحطة غير موجودة ولكن التلفاز الذي يبث المحطة معطل ؛ وكذلك الجسد ادلذي تسكن فيه الروح معطل إلاّ أنه يسمع ويبصر ، وقد ورد في أحاديث عدة أن الميت يجلس فوق النعش يخاطب الناس ياأهلاه ياأولادي يافلان يافلان ! انتبهوا فلا تغرنّكم الدنيا كما غرتني ، جمعت المال من حلالٍ ومن حرام ، وهم يتقاسمونه وأنا أحاسب عليه ، انظروا إلى حالي يداي صفر ، فاجعلوا الآخرة نصب أعينكم .

إذاً اشكروا الله على الناسخ والمنسوخ كيف أنّ الأب الحنون يحمّل أولاده على حسب استطاعته وقدرته فالصغير يحمل شيئاً خفيفاً والأكبر أثقل وهكذا …
نعود إلى سيدنا عمر وقف على البقيع وقال لهم : السلام وعليكم أهل القبور أخبارنا عندنا ؛ { { نساؤكم تزوجت ، ودوركم سكنت وأموالكم اقتسمت }
قال تعالى : (( وماتقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً )) فاعمل الخير وتصدق لنفسك مادمت قادراً .
قال سمع هاتف يقول له : { أخبارنا عندنا ، ماقدمناه وجدناه ، وماانفقناه وجدناه ، وماخلفناه خسرناه ، وتغيرت الأحوال } فلم يبق فلان ابن فلان ولم يبق جميعهم أو حبيب . ((فليس له اليوم هاهنا حميم ، ولا طعامٌ إلّا من غسلين ، لايأكله إلّا الخاطئون ))
فضعوا الآخرة أمام أعينكم فهناك لاصاحب ولا أخ ولا حبيب سيشفع لك .
وقد ورد أنه على باب الجنة يختصمون أربع / الشهيد – التقي – والسخي – والعالم / يجتمعون على باب الجنة ،
فيتقدم الشهيد فقال له : من أنت ؟ فيقول : الشّهيد ، فيقال : من علّمك الشّهادة وبذل الروح من أجل حماية بلدك ؟ فيقول : العالم ، فيقال له : هل من الأدب أن تدخل قبل العالم
ثم يتقدم التقي فيقال له : من علّمك الصلاة والحج وعلمك هذه الأمور التي توصلك إلى الجنة ؟ فيقول العالم ، فيقال له : وكيف تدخل قبله ؟!
ويتقدم السخي فيقال له: من علمك فضل السخاء وأنّ السخاء يوصلك إلى مرضاة الله والجنة ؟. فيقول العالم ،
ثمّ يقال للعالم : أدخل واشفع لمن أحسنت أدبهم ، فيقول يارب : أدخلهم قبلي فعملي كان : سخاء السخي ، ولولا سخاؤه لما عملت وعلمت ، وهذا التقي كان مطيعاً منفذاً لأوامري ، وهذا الشهيد كان من يحمي بلدي من الأعداء ، فيقول الله تعالى : ادخلوا ، فيدخلهم العالم أمامه.

دعونا نحسب حساب هذا اليوم أن يكون لنا من ندخل بمعيتهم وبسيدنا رسول الله وأصحابه جميعاً فيشفعون لنا ، فعلينا أن لانتفقد لماذا هذه نسخت وهذا لماذا …
كأهل الكتاب والمشركين الذين كانوا ينتقدون في الأحكام ، فهؤلاء الذين ينتقدون العلماء اليوم ، لماذا تكلم بهذه الكلمة وهذا لماذا ، ياابني طبيب ومريض بين يديه ، لاتتدخل وتسأله ماذا تفعل ! إذا انتقدت الطبيب : لماذا يحقن الإبرة بالفخذ ؟ فالفخذ عورة ، لماذا لاتحقنها بالكتف ؟ ماذا يقول لك الطييب :! ستكون عاقبتك الطرد من العيادة .
هذا معنى الناسخ رحمة من الله سبحانه وتعالى في العباد .

          ( أسأل الله أن ينفعنا وينفعكم )
(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: