
كيف نتخلص من النفس الأمارة
03-09-2020
الله سبحانه وتعالى تفضّل علينا وخلقنا من ماء مهين، “خلق الإنسان فسواه فعدله في أي صورة ما شاء ركبه” خلق الإنسان ونفخ فيه من روحه فأسجد له ملائكته وأنزل إليه رسله كل ذلك لدلالة هذا الإنسان على سعادته في الدّنيا والآخرة، الله سبحانه وتعالى قال: “ونفخت فيه من روحي” هذا السّر العظيم الذي نعيش فيه فإذا خرج منّا هذا السّر أصبحنا كمثال الوعاء الذي يحوي الجوهرة فإذا أخذوا الجوهرة يصبح لا قيمة له.
كذلك عندما تخرج منّا هذه الرّوح النقيّة التي هي من أمر الله نصبح بلا قيمة ويصبح أعظم تكريم للميّت دفنه كي لا يؤذي النّاس برائحته، والإنسان خطّاء كما قال النبي ﷺ: “كل ابن آدم خطاء وخير الخطّائين التّوابون” فلا بد للإنسانّ أن يقع في أخطاء هذه الأخطاء تصيب الرّوح الطاهرة فتتلوث، وكل ما تلوّث منها يصبح نفساً والنّفس أمّارة بالسّوء إلا من رحم ربي.
إذا هذه الذّنوب إذا فعلها الإنسان تتلوّث روحه فإذا تاب وأناب وندم ورجع وبكى بين يدي الله إن الحسنات يذهبن السيئات كما قال تعالى، فكيف نتخلّص من هذه النّفس الأمّارة بالسّوء ونحوّلها إلى نفس لوامة؟؟ لا نتخلّص منها إلا بالمحبّة التي هي دواء لها، عندما نتعلّم محبّة الله ونجد من يذكرنا بآلاء الله ونعمه وفضله علينا “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار”.
إذاً المحبّة هي الدّواء فإذا منّ الله علينا بهذه المحبّة ولكن كيف تحب من تجهل؟ لا بدّ أن يعرّفك أحد بهذا المنعم المتفضّل الذي أنعم عليك منذ كنت في عالم الذّر، كما قال ….: ما نظرت يمينا ًولا شمالاً إلا رأيت فضل الله ونعمه على وما نظرت يميناً ولا شمالاً إلا رأيت تقصيري بين يديه.
هذه نظرة المؤمن وهذه نظرة الموفقين أنّه يجد نعم الله تغمره في كل مكان ويجد تقصيره في كل مكان يحيطه، فكيف نتخلّص من هذا التقصير؟ نتخلّص منه بالحبّ وكيف نصل إلى الحب؟ يجب أن تبحث في أسواق الحب، اجلس مع أناس يحببونك بالحقيقة فتعجبك وتصير محبّاً لها وهذه أسواق الحبّ لا بدّ وأن نبحث عنها ونصحب من يدلّنا عليها فإذا التقينا بها ومنّ الله علينا توافقنا معها.
وكذلك أهل الله يجب أن تبحث عنهم وتلتقي بهم، وربّما يقول أحدهم العلماء كثر والوعّاظ كثر لكن كيف تميّز الموفق من غيره؟ هناك قاعدة واحدة تدلك عليهم، هل وصلت موعظتهم إلى قلبك؟؟ هذا هو الواعظ الحقيقي الذي تصل موعظته إلى قلوبنا أمّا من تصل موعظته للآذان فقط هذا لن يتجاوز كلامه الآذان، يجب أن يكون لك القلب المنوّر حتى تقذف كلماتك المنوّرة في القلوب المظلمة فتتحول إلى قلوب منوّرة، أمّا ما خرج من اللّسان لا يتجاوز الآذان.
والحب له نوعان: حبّ الكمال وأهل الكمال، وحبّ النقص وأهل النقص، حب اللّهو والشّهوات هذا حب ناقص يوصلك للمهالك والبلاء وفي الآخرة يوصلك إلى خسارة أشدّ من خسارة الدّنيا وأمّا الحبّ الكامل فهو الحبّ لله ولرسوله ولكتاب الله ولأهل الله ولكل مؤمن ومؤمنة ولكل انسان يريد الخير ويريد المحبّة والصّلاح هذا كلّه كمال بكمال.
أين نجد هذا الحب، قال سيّدنا عمر: لا يخلو زمان من قائم الحجّة، إذا لا بدّ أن تبحث عن شخص يزرع فيك بذور المحبّة لرسول الله ولكتاب الله وللبشريّة جمعاء كما قال تعالى في الحديث القدسي: “الخلق كلهم عيال الله وأحبّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله” فكن يا بني من أحبّ الخلق الى الله وكن ممن تحبب الخلق بخالقهم وتزرع النّفع في النّاس وتزرع في قلوبهم المحبّة والتسامح والإخاء والبذل والإيثار.
ما أحوجنا إلى هؤلاء الذين يزرعون فينا المحبّة والإيثار والإخاء لبعضنا لكن البلاء أننا نجد النّاس الذين يزرعون فينا العداوة والبغضاء وهؤلاء بلاء الأمة والله تبرأ منهم في الدّنيا والآخرة “لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب أليم”.
إذاً نريد الحب الكامل ولا نريد الحب الناقص، قال أحد الشعراء من أهل العلم المسمى بابن الفارض رضي الله عنه:
هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل فما اختاره مضناً به وله عقل.
وعش خالياً فالحب راحته عنا وأوله سقم وآخره قتل.
الحب الكامل لله يقلل فيك النفس الأمّارة ويمحو الكسل ويجعل البخيل سخياً ويجعل الجبان شجاعاً هذا هو الحبّ عندما تدخل مدرسته ترى كيف تتغير كل صفاتك، قال النبي ﷺ: “أتدرون من الصرعة فيكم ؟قالوا: الصرعة فينا من يصرع الرجال ولا تصرعه الرجال فقال: الصرعة فيكم كل الصرعة الذي يغلب نفسه عند الغضب”.
هذا هو المؤمن الذي يستطيع أن يغلب نفسه صارت عنده إرادة قويّة فولاذية، لم يترك الدّخان فقط ولم يترك الخمرة فقط ولم يترك الجنس والنساء فقط بل ترك كل شيء يغضب الله واستقام على طريق السّعادة الذي لا خطر فيه ولا أذى.
إذاً الملخّص نقول: الخلق على ثلاث عقلٌ بلا شهوة، وشهوةٌ بلا عقل، وعقلٌ مع شهوة فانظر في نفسك من أي نوع أنت.
عقل بلا شهوة وهذه صفة الملائكة، فإذا منّ الله عليك أن يكون لك العقل من دون شهوة النقائص وتكون كلك على الكمال فالله يهنئك.
وشهوة بلا عقل وهذه صفة الشّياطين والدّواب، الشّيطان يغويك ويفسدك ثم يقول إني أخاف الله ربّ العالمين، تصوّر أن الشّيطان يقول لك إني بريء منك لأنّك عصيت الله وأنت لا تشعر ولا تحس وتقع في سخط الله ثم لا تستطيع الرجوع.
وعقل مع شهوة وهذه صفة الانسان المعتدل، يستخدم الشّهوة بما يرضي الله وبما أمر الله به وليس بما نهى الله عنه، أي أن تأكل من حلال بيتك ولا تذهب إلى بيت الجيران وتسرق منه هذه هي الشّهوة بالحلال، فانظر إلى نفسك من أي الفئات أنت؟؟
الحديث القدسي يقول: “أيّها الشاب التائب التارك شهوته من أجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي ” هذا حين يصبح كل ما تريده هو مرضاة الله وتنفيذ أمره هذه شهوتك وسعادتك، يا بني ازرعوا الخير والمحبة أينما كنتم وتمسكوا بمن يذكركم بالله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله ربّ العالمين….