فضيلة مجالس الذكر

افتتح سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس ب : الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصَّالحات ونسأله تعالى أن يُتمَّ الفضل علينا بدوام المحبَّة والرِّضا علينا
هذا العام سيكون عام ذكر ، ودعوة، وإخلاص وما أمرنا الله تعالى سوى بطاعة الذكر فقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا * وَسَبِّحوهُ بُكرَةً وَأَصيلًا * هُوَ الَّذي يُصَلّي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ وَكانَ بِالمُؤمِنينَ رَحيمًا﴾
[الأحزاب ٤١-٤٢-٤٣] كأنَّ الله تعالى يقول الذِّكر والمعلم هاتان المادَّتان تَخرجون بهما من الظُّلمات إلى النور فالذِّكر بدون معلم كله شرود وتراه النَّفس ثقيلاً عليها أما مع الرَّابطة تجده سلسلاً خفيفاً فهذه المجالسة هي قمة الشَّرف. قال تعالى في الحديث القدسي: ((أنا جليس من ذكرني))
وقال تعالى: ((فَاذكُروني أَذكُركُم وَاشكُروا لي وَلا تَكفُرونِ))
وهناك آية أخرى تقابل هذه الآية ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم ﴾ [ التوبة: ٦٧] ومجالس الذِّكر تحفها الملائكة حتى تملأ ما بين السَّماء والأرض
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فإذا وجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنادَوْا: هَلُمُّوا إلى حاجَتِكُمْ قالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّماءِ الدُّنْيا قالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وهو أعْلَمُ منهمْ، ما يقولُ عِبادِي؟ قالوا: يقولونَ: يُسَبِّحُونَكَ ويُكَبِّرُونَكَ ويَحْمَدُونَكَ ويُمَجِّدُونَكَ قالَ: فيَقولُ: هلْ رَأَوْنِي؟ قالَ: فيَقولونَ: لا واللَّهِ ما رَأَوْكَ؟ قالَ: فيَقولُ: وكيفَ لو رَأَوْنِي؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْكَ كانُوا أشَدَّ لكَ عِبادَةً، وأَشَدَّ لكَ تَمْجِيدًا وتَحْمِيدًا، وأَكْثَرَ لكَ تَسْبِيحًا قالَ: يقولُ: فَما يَسْأَلُونِي؟ قالَ: يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو أنَّهُمْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لو أنَّهُمْ رَأَوْها كانُوا أشَدَّ عليها حِرْصًا، وأَشَدَّ لها طَلَبًا، وأَعْظَمَ فيها رَغْبَةً، قالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قالَ: يقولونَ: مِنَ النَّارِ قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْها كانُوا أشَدَّ مِنْها فِرارًا، وأَشَدَّ لها مَخافَةً قالَ: فيَقولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أنِّي قدْ غَفَرْتُ لهمْ قالَ: يقولُ مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ: فيهم فُلانٌ ليسَ منهمْ، إنَّما جاءَ لِحاجَةٍ. قالَ: هُمُ الجُلَساءُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ))
لذلك إن كلفك الأمر أن تدفع روحك ثمناً للجلوس معهم فافعل فعندها تكون أسعد الناس، أما هؤلاء الذين يقضون وقتهم في مجالس اللغو وضياع الوقت فيوم القيامة سيحصدون جزاء ذلك فكما أنَّ النَّتيجة لا تظهر إلا في نهاية العام كذلك النَّتيجة في القبر والآخرة قال تعالى: ﴿فَأَمّا مَن أوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَيَقولُ هاؤُمُ اقرَءوا كِتابِيَه * إِنّي ظَنَنتُ أَنّي مُلاقٍ حِسابِيَه﴾ [الحاقة: ٢٠] فجلسة الذِّكر ثمارها رابحة تُنبت بقلبك حبُّ الله تعالى ومن ثمارها أنك تطلب المزيد وتأخذ درجة عالية وتصاحب الأخيار وتبتعد عن رفاق السُّوء لذلك عليك أن تستمرَّ عليها لتُحذرك من مجالس اللغو والغيبة وتُعرفك قيمة وقتك ولكي تسعدَ روحك فترقى بهذه المجالس لأنك محفوفٌ بالملائكة الذين يصعدون إلى السَّماء ويذكرونك بالتَّعظيم عند مولاك فيقول الله تعالى: ((هم القوم لا يشقى بهم جليس)) هذا فضل إلهي لا يشعر به الكثيرون إلا بعد فوات الأوان وعندها يتحسر ويقول: ﴿يا وَيلَتى لَيتَني لَم أَتَّخِذ فُلانًا خَليلًا * لَقَد أَضَلَّني عَنِ الذِّكرِ بَعدَ إِذ جاءَني وَكانَ الشَّيطانُ لِلإِنسانِ خَذولًا﴾ أو يقول: ﴿حَتّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيتَ بَيني وَبَينَكَ بُعدَ المَشرِقَينِ فَبِئسَ القَرينُ﴾[الزخرف: ٣٨] هكذا يندم صاحب اللغو والعبث حيث لا ينفع الندم، لذلك علينا أن نتمسك بهذه المجالس لأنها توَّلد المحبة التي تعطيك مقام المتحابين في الله على منابر من نور حيث تحابُّوا بروح الله قال تعالى: ﴿وَكَذلِكَ أَوحَينا إِلَيكَ روحًا مِن أَمرِنا ما كُنتَ تَدري مَا الكِتابُ وَلَا الإيمانُ وَلكِن جَعَلناهُ نورًا نَهدي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهدي إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] تحابُّوا بكلمات الله قال تعالى: ﴿أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّماءِ * تُؤتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذنِ رَبِّها وَيَضرِبُ اللَّهُ الأَمثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ﴾ [إبراهيم: ٢٥] هذه الكلمة وهذه الصُّحبة تحتاج إلى عهد وثيق، إلى كلمة رجال ﴿مِنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَما بَدَّلوا تَبديلًا﴾ [الأحزاب: ٢٣] هؤلاء الصَّادقون قال الله فيهم: ﴿أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ﴾ [يونس: ٦٢] أحاديث الذِّكر كثيرة ومنها حديث السَّبعة الذين يظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ الا ظلَّه وذكر منهم رجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه
أما الآن فلا يَجمعُ النَّاس الا حبُّ المصالح للأسف وذلك لضعف الإيمان
إذاً علينا أن نشدَّ الهمة في هذا العام ولا ننسى أنَّنا في الأشهر الحرم لينجينا الله كما نجَّى موسى عليه السلام من فرعون وشقَّ له البحر فلنحاول أن نصوم العاشر والحادي عشر أو التاسع والعاشر ومن لديه عمل شاق فليصم العاشر فقط.
عندما اجتمع قوم من الصَّحابة يتذاكرون نعم الله عليهم سألهم النَّبي عن سبب جلوسهم، فقالوا: نذكر نعم الله والطَّيبات قال : آ الله ما أجلسكم إلا هذا؟، قالوا آ الله ما أجلسنا إلا هذا، قال جاءني جبريل يخبرني أنَّ الله تعالى ينادي الملائكة هلموا انظروا إلى عبادي جلسوا يذكروني ويسبحوني ويحمدونني. إذاً الله يباهي بنا الملائكة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على يمين الرَّحمن رجالٌ ليسوا بأنبياء ولا شهداء بمقعدهم وقربهم من الله تعالى يغبطهم النَّبيون والشُّهداء قيل يا رسول الله من هم؟ قال هم جماعة من نوازع القبائل يجتمعون على ذكر الله فينتقون أطايب الكلام كما تنتقون التمر أطايبه))
علينا أن نهتم بالصّحبة الصَّالحة فالنَّبي صلى الله عليه وسلم شهد لكلب أهل الكهف بالجنة لأنه صاحب الأخيار فكيف بنا نحن وأنتم هل من المعقول أن يحرمنا الله الجنة.
وختاماً قال سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس : أرجو من الله أن يفتح على أيديكم وتعلِّموا النَّاس الذِّكر وتساعدوهم ليخرجوا من حبِّ الدُّنيا إلى حبِّ الله تعالى.
وسلام على المرسلين والحمد لله ربِّ العالمين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: