فضل مجالس الذكر

أفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا الأنبياء وإمام الذاكرين وإمام الشاكرين وعلى إخوانه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، اللهم إنَّا نسألك علما نافعاً وقلباً خاشعاً ودعاءً مستجاباً وشفاءً من كل داء، اللهم خذ بنواصينا إلى ما تحبه وترضاه من القول والعمل والنية يا كريم، اللهم حبِّب إلينا الإيمان والقرآن وزينهما في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
نبقى بعض الوقت مع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه الكرام في ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال :((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابي الجليل عبد الله بن رواحة فوجده مع أصحابه يذكرون الله)) وهكذا يجب أن نكون مع إخواننا نجلس على ذكر الله فإن هذا العمل يعد أشرف الأعمال وأنفعها وأرقاها.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ))أما إنكم أنتم الملأ الذين أمرني ربي أن أصبر نفسي معكم)). من هم؟ الذين ذكرهم الله في سورة الكهف: ((واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا )) فالنبي صلى الله عليه وسلم يحب هذه المجالس مجالس الذكر التي غفل عنها كثير من الناس فأصبحوا يتبارزون بأشياء عقيمة غير مثمرة.
((أما إنكم أنتم الملأ الذين أمرني ربِّي أن أصبر نفسي معكم)) أي أجالسهم وأصبر على مجالستهم.
ثم تلا قوله تعالى ((واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي …..))
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ما جلس عدَّتكم إلا جلس معهم عدَّتهم من الملائكة ))
هنَّأ الله الذاكرين وهنَّأ كل من تفضل الله عليه بهذه النعمة
فتجد الناس في هذا الزمان تائهة بالصحراء أمَّا الذاكر فقد أرسل الله إليه مركب مكيف، فأيُّ سعيد هذا الإنسان الذي هيأ الله له مركب في الصحراء مكيف مريح فيه الطعام والشراب البارد؟! وبقية الناس تائهين تجدهم تارةً يذهبون شمالاً وتارةً غرباً ثم يغيرون اتجاههم فيذهبون شرقاً وغرباً ثم يتعاكسون….كل ذلك يبحثون عن السعادة. والمنارة على شاطئ البحر تضيء و تشتعل أمامهم لكنهم يحسبونهم أولاد يلعبون …. هؤلاء هم المحرومون
المنارة هي المعلم الذي يوصلهم بالله، المعلم الذي جعل الله منه مورد الغذاء للقلب والروح وجعل منه سعادة الإنسان.
فلو نظرنا إلى صدِّيق هذه الأمة الذي وُصف بأنه لو وُزنت أعمال الناس جميعاً عدا الأنبياء بأعماله لرجحت أعماله.
انظروا إلى المقام الذي وصل إليه بأيِّ شيء؟! عرف الله اولاً أم عرف رسول الله ؟! عرف رسول الله أولا ً ثم عرف الله المعرفة الحقيقية.
أما اليوم تسأل المدخن: من خلق السموات والأرض؟ يجيبك الله
اذاً لماذا تعصيه؟ يجيبك بأنَّ الله غفورٌ رحيم! وكأنَّ النبيَّ لم يكن يعلم بأن الله غفورٌ رحيم !

((ما جلس عدَّتكم إلا جلس معهم عدَّتهم من الملائكة إن سبحوا (سبحوا الله) سبحوا (الملائكة سبحت معهم((.
فالملائكة تقتدي بك فإذا ذكرت الذكر الجهري ذكروا معك الذكر الجهري، وإذا ذكرت الذكر الخفي ذكروا معك الذكر الخفي، وإذا بكيت وخشيت بكوا معك، وإذا دعوت والتجئت إلى الله أمَّنوا على دعائك فيكون دعائك كالورقة المختومة وعليها طابع ذلك معناه أنه بتأمين الملائكة دعائك يستجاب.
(( وإن حمدوا الله حمدوا وإن كبَّروا الله كبَّروا ثم يصعدون إلى الربِّ جل جلاله )) انتهى الذكر انتهت المائدة فإذا طعمتم فانتشروا.
((ثم يصعدون إلى الرب جل جلاله وهو أعلم بهم فيقولون يا ربنا عبادك سبَّحوا فسبَّحنا و كبَّروا فكبَّرنا وحَمِدوك فحمدنا فيقول الربُّ جل جلاله: يا ملائكتي أُشهدكم أني قد غفرت لهم)).
فهل تعلم ماذا أخذت بالمغفرة هل تعلم ما هي المغفرة؟ هناك أناس يعيشون ويموتون ولا يصلون إليها لأنهم ما عرفوا المدخل فتجد أحدهم يبكي على أي شيء من الدنيا فلو كُسر طبق البيض من يده يبكي عليه.
وإذا مرض ابنه أو زوجته أو ابنته أو صديقه أو……قد يتأثر ويبكي عليه لكنه لا يعلم كيف يبكي من خشية الله، لا يعلم كيف يتذلل بين يدي الله، لا يعلم كيف يراقب الله فتجده كالأنعام بل هو أضل.
((يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت لهم)) أخذوا صك المغفرة لأن الورقة مختومة وعليها طابع الملائكة مادام الملائكة جالسون وأمَّنوا على دعائك.
وإذا صليت صلوا فقد ذُكِر في بعض الأحاديث أن الإنسان عندما يصلي في البرية أو بأي مكان ليس فيه جماعه تأتي الملائكة وتصطف عن يمينه وعن شماله إلى ما لا يدركه النظر أي أن العين لا تستطيع أن ترى آخر الصفوف.
اذاً عندما تتعبد وتذكر فإن الملائكة يذكرون معك لكن عندما تكذب كذبة واحدة فإن الملك الموَّكل بتسجيل الحسنات والسيئات يبعد عنك مسافة ميل أي كيلو متر ونصف وذلك من نتن ما جاء به أي من انتان الكذبة و من رائحتها القذرة هرب منه من كذبة فكيف ممن هو مبتلى بالكذب كم تبقى الملائكة معه ؟؟!
كلما اقترب الملك منه كذب كذبة جعلت الملك يبتعد عنه ثم يعود إليه الملك فيكذب أخرى فيهرب الملك منه مرةً أخرى
هذا الانسان يعيش مع الشياطين وليس مع الملائكة
قال فيقول الله عز وجل في الحديث القدسي)) :يا ملائكتي أني قد غفرت لهم فيقولون أن فيهم فلان الخطاء)) أي إن بينهم رجل كثير الذنوب أتى لحاجة يريدها لم يأتِ لذكرٍ أو لسماع مجلس علمٍ إنَّما جلس صدفة.
((فيقول الكريم الرحيم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم))عندما تكون يداك معطرتان وسلمت على عامل النظافة العطر لا يقول أنا لا أريد أن اذهب الى يد عامل النظافة بل ينتقل العطر ولو ليد مُكنس الشوارع.
فمن رحمة الله تعالى بهذا العبد المذنب أن حبَّب إليه هذه الجلسة فاستأنست روحه بها وبدأ يطلب الحضور والملازمة فكانت هذه الجلسة سبباً لنجاته بعد مغفرة ذنوبه. الحديث السابق رواه الإمام البخاري والإمام مسلم والإمام احمد
وفي حديث آخر عن أنس رضي الله عنه قال عليه الصلاة و السلام: ((ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه)) ليس التفكر بمطامع الدنيا ومصالحها إنما التفكر بإلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي يجب أن تكون همتك رضاء الله.
((إلا نادى منادٍ من السماء)) يبعث الله ملك ينادي ان قوموا مغفورا لكم.
إذا أردت أن اقول لكم -هنئكم الله بهذه الجلسة جلسة الذكر وسماع العلم- قوموا مغفورا لكم قد يأتي أحدهم ويقول هذا يتألى على الله نحن لا نتألى على الله فنحن عندما نُبشر لسنا أنبياء لكن استنادا إلى هذه الأحاديث الحديث الأول في الصحاح والثاني رواه أحمد والطبراني وغيره.
((نادى مناد من السماء أن قوموا مغفوراً لكم قد بُدِلت سيئتاكم حسنات)) بإذن الله أُمِر هذا المناد لأنه لا يستطيع أحد ان ينادي الا بإذن الله ولا يتحرك ساكن ولا يسكن متحرك إلا بإذن الله هنئكم الله وإن شاء الله ببركتكم يكرمنا الله معكم.
إذا افترضنا أن ثيابك مليئة بالأوساخ والطين والشحم وذهبت الى أحد الأغنياء فأمر خدامه بإعطائك ملابس نظيفة وجديدة ألا يتعلق قلبك بمجلس هذا الغني؟ وتقرر ألا تغادر مجلسه؟ لعله في المرة القادمة يعطيك سيارة …..
وكذلك عطايا الله إذا أعطى أدهش وإذا أخذ فتش لكن من كرمه وفضله أن العطاء يأتي بما تتحمله عقولنا مثلا بعض الملوك مرَّ بطريق فوجد رجلاً يتسول ويطلب من الناس مالاً فقال لخدامه أعطوه ليرة ذهب فلما رأها فقد عقله لأنه كان متعوداً على القروش فلم يستطع عقله أن يصدق بأنه ملك ليرةً ذهبيةً.
وكذلك عقولنا لو كُشف الغطاء وأُرينا كيف بُدلت سيئاتنا حسنات وكم كنا بعيدين فأصبحنا قريبين من حضرة الله عز وجل
وأين كانت مرتبنا في الجنة وإلى أين وصلت والقصور والنعيم ……لذهبت عقولنا ولذهلت كل مرضعةٍ عما أرضعت قبل يوم القيامة
لكن ذلك يحتاج الى ملازمة صحبة العلماء مع الادب و كذلك ملازمة الذكر مع الأدب فأنت عندما تجلس مع انسان له مرتبة تبدي له الاحترام والتقدير فكيف اذا جالست الله ؟؟!
مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بين الصحابة فقال:(( من يأخذ مني هذه الكلمات ويعلمها من يعمل بها؟)) فقال أحدهم رضي الله عنهم وأرضاهم أنا يا رسول الله، فأخذ بيده وأخذ يعدد ويقول:
((اتق المحارم تكن أعبد الناس ))اتق المحارم أي ألزم من يداوي نفسك ويضع فيها الإرادة الفولاذية التي إذا منَّ الله عليك بهذه الإرادة تستطيع فيها التغلب على هوى نفسك وترك المحرمات
أما أن نقول لك اترك الدخان تقول أتمنى و لكن لا أستطيع وذلك لأن ارادتك مشلولة إذاً اذهبْ إلى من يداوي لك شلل ارادتك.
((وارضَّ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)) من سيضع لك هذه القناعة التي هي كنز لا يفنى فتجد أحدهم لديه الملايين من الاموال والبيوت والسيارات و….وينظر الى من يملك مئة الف أو أقل يريد أن يأخذها منه لأنه لا يملك القناعة كمثل العطشان الذي يشرب من ماء البحر كلما شرب ازداد عطشه.
((وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا)) إذا أحسنت إلى جيرانك أعطاك النبي صلى الله عليه وسلم شهادةً بأنك مؤمن ولا بد أن يكون لك جار على غير الكمال قال عليه الصلاة و السلام:((ما كان ولا يكون مؤمن إلا وله جار يؤذيه)) اي كن حذرا منه لكن عامله باللطف حتى تنال شهادة النبي أنك مؤمن.
((وأحب الى الناس ما تحب لنفسك تكن مسلما)) فاجعل ذاك مقياسا في كل أمور حياتك فإن أقدمت على عمل فاسأل نفسك هل ترضاه لك فإن كان الجواب نعم فأقدم وإن لم ترضه لك فابتعد عنه حتى تنال من النبي صلى الله عليه وسلم شهادة مسلم.
فليس العبرة أن يسميك الناس مسلماً إنما نريد الشهادة المقبولة عند الله
((ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب))لا تجعل كل همك الضحك واللعب واللهو واللغو فإن ذلك يميت القلب وتخرج يوم القيامة خاسر نادم فبعض الناس لا جِدَّية في حياتهم، ماتت قلوبهم لكن من يفهم هذه اللغة يفهمها من انجرف نحو العلماء وبدأ يحسُّ بقسوة ومرض قلبه الذي سيوصله إلى الأمراض والعلل وبعد ذلك إلى الموت.
ماتت قلوبهم فالله سبحانه و تعالى يقول: ((وما يستوي الأحياء ولا الأموات وما انت بمسمع من في القبور)) فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يذهب للمقبرة وأعطى دروسا للأموات.
فالقبور هي أجسادنا التي خُلقت من تراب وأرواحنا مدفونة فيها فإما أن تسقي روحك فتخرج خارج التراب فتنبت شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء فتغذي القلوب بثمارك وإما أن تبقى روحك بذرة في جسدك وأنت لا تعلم حتى يأتيها الموت فتصعد روحك بذرة نادمة متحسرة على ما ضيعت.
أما من منَّ الله عليه وسقى بذرة قلبه فأحيا الله هذه البذرة فخرجت أنواره لتغذي قلوب الناس مِن حوله تماما كمن يزرع نخلة فتعطي الثمار كذا من السنين هذه النخلة لو لم يكن لها العناية والسقاية منذ كانت بذرة هل كانت ستعطي الثمار؟؟! بالتأكيد لا إنما بقيت بذرة تأكلها الحيوانات لتخرجها قذارة.
وأنت روحك تحتاج إلى سقاية ورعاية من المعلم الذي يحول بذرة روحك إلى نخلة تشق الارض فتنبت فيصبح جسدك ترابي وروحك نخلة أينما تجلس تُذَّكر الناس وتغذي قلوبهم بالمحبة والمودة والإيمان وكل ما يقربهم إلى الله
((إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير)) أمر الحياة بيد الله فالبذرة لا تستطيع أن تعطيها الحياة حتى تصبح شجرة إنما عليك أن تأخذ بالأسباب فتزرع وتسقي وتسَّمد و…….والله هو الذي يحول هذه النواة إلى نخلة، وهكذا الانسان.
كانوا فيما مضى عندما يؤذنون للصلاة ويتأخر الناس للمجيء وخاصة في الأسواق يخرج أحدهم على باب الجامع وينادي يا قبور ماشيه الصلاة…يا قبور ماشية الصلاة.
جسدك قبرك إما أن تصاحب العلماء فتأخذ ما يحيك وإما أن تبقى بذرة إلى يوم القيامة فتكون متحسراً وتقول ربنا: ((قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ)) فالله يبين لهم السبب ((ذلك بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق)) ويبين لهم أيضا في سورة أخرى سبب عذابهم فيقول: ((ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ)).
((ولا تكثر الضحك)) ذلك لا يعني أن تكون عبوساً قمطريراَّ و لا يمنع من إضحاك الإخوان وملاطفتهم بل قل النكتة وكن دائماً مبتسماً أمَّا الممنوع أن تقضي كل حياتك باللهو واللعب نسال الله العفو والعافية.
والحمد الله ربَّ العالمين.

(Visited 7 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: