علامة الله فيمن يريد وعلامته فيمن لا يريد

02-09-2020
نتذاكر في هذه السّاعة المباركة حادثة حصلت في عهد النبي ﷺ وهي في حقيقة الأمر نور وبيان لنا ليعلم كل منّا حاله مع الله سبحانه وتعالى.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أقبل ركب إلى النبي ﷺ منهم رجل أناخ ناقته وجلس بجوار النبي يقول : يا رسول الله بعد أن قال له النبي: ما اسمك؟ قال: زيد الخيل، قال رسول الله: بل زيد الخير، فقال: جئتك يا رسول الله من مسيرة تسع أمضيت راحلتي وأسهرت ليلي أسألك عن خصلتين أسهرتاني فقال النبي ﷺ سل فربما معضلة قد سئلت عنها ، فقال: أسألك عن علامة الله فيمن يريد وعلامة الله فيمن لا يريد ، فقال له النبيﷺ كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحبّ الخير و أهل الخير ومن يعمل به وإن عملت به أيقنت ثوابه وإن فاتني شيء منه حزنت عليه فقال له النبي: هذه علامة الله فيمن يريد، وعلامة الله فيمن لا يريد : لو أرادك للأخرى هيأك لها ثم لا يبالي بأي واد سلكت.
انظروا كيف كان النبي يبدّل الأسماء القاسية إلى أسماء فاضلة، جاء هذا الرّجل يسأل النبي عن خصلتين وكلنا محتاج إلى معرفة هاتين الخصلتين أي هل أنا مقبول عند الله تعالى ومنتسب إليه أم غير مقبول عند الله تعالى وأعمالي غير مقبولة؟
وهذه إشارة لنا على أنّ الانسان مفطور على حبّ الخير لكن الشّياطين تأتي إليه بالهلاك، قال تعالى: ” أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم”..
حاشا لله أن يجعلنا بعد النّبي في ظلمات وإنّما جعل الحجّة قائمة، العلم يورث والعلماء ورثة الأنبياء والله جلّ جلاله وضع خلفائه في الأرض إلى يوم القيامة وكل أحد منا يشمّر ويعمل يصبح خليفة الله في الأرض، يتعلّم الشّرع من أهل الشّرع والايمان من أهل الايمان والذّكر من أهل الذّكر ويكون للمتقين إماما يعدل بين النّاس ويدلّ النّاس إلى الخير ويؤلف بين القلوب ويصلح بين الناس.
فالقصد نرجع إلى الله والى ذكر الله وينجلي هذا القلب ويصبح من أهل الخير وفعل الخير وإذا عملنا الخير نستبشر بالأجر والثّواب هذه صفات من أراد الله به خيرا، ولا ننكر وجود الشّيطان النبي ﷺ قال: “ما منكم إلا وله شيطان قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم”.
عندما جاءت الجّن إلى النبي ﷺ وهو يصلّي ذكّرهم وعلّمهم فرجعوا مباشرة دعاة وخطباء ومشايخ يعلمون غيرهم من الجن قال تعالى: ” يا قومنا إننا سمعنا كتاب أنزل من بعد موسى يهدي ألى الحق والى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله”..
وأنت أيّها الانسان هل رجعت إلى أحد أقربائك لتهديهم وتصلح حالهم كما فعل الجن، قال تعالى: “وإذ صرفنا إليك نفر من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا” هذا هو الأدب في البداية مع دين الله فلذلك الله أكرمهم بالأيمان وبدرس واحد فقط وبسماع صلاة النبي وتلاوته رجعوا علماء ودعاة بالحكمة ” ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض”.
أحد الأشخاص مرة سأل أحد العلماء هل الجن مخلوقين من نار؟ فقال نعم، فقال: إذا كيف يتعذبون في النار؟ فقال: انت مخلوق من طين وانا مخلوق من طين إذا ضربتك ألا تتألم؟ قال بلى، فقال: كذلك يعذبهم الله بكل وسيلة.
قلبك مثل الرجل الأعمى الذي له رجلان يقودانه أحدهما يقوده الى الخير والآخر إلى الشّر وهو لا يدري، فإذا قاده الى الشّر تكبر النفس وتصبح أمّارة بالسوء، وإذا قاده الى الخير تصغر النفس وتزداد الرّوح قوّة فالمساعد لك هنا هو عقلك عندما تفكّر بعقلك لماذا انت منقاد للشر وأنّك يجب أن تستخدم عقلك وتصلي وتمشي مع الخير حتى تنظف النفس وتتحول إلى راضية ومرضية ومطمئنة وتصبح روح كاملة.
والعقل عندما تبنيه عند أهل الله يبنوه لك بناء سليم، والقصد أن الله فضّل علينا بنعمة العقل، والعاقل عليه أن يخفف من الذّنوب والخطايا قدر الإمكان ومن كل شيء ممكن يسيء لأنفسنا والموفق يصغر النفس حتى تتلاشى وتكبر عنده النفس اللوامة قال تعالى: “فلا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة” أي أنك ترتقي وترتفع عن حب النقائص والصفات الخبيثة.
وعلى العاقل أن يكثر من التوبة والنبي ﷺ كان يستغفر بكثرة قال تعالى: ” وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون” أي ما دمت تستغفر الله تعالى يذهب عنك عذاب الدنيا والآخرة، قال تعالى: ” ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى”.
الاستغفار وكثرة الاذكار هذه تنمي العقل وبذلك نقطف ثمار الصفاء والأنس والعمل الصالح ينقي النفس ويطهرها أما في الخرة فلا يتم تنظيف هذه الذنوب إلا في جهنم، وبفعل الخيرات تتحول النفس الى لوامة وطاهرة ونقية كما نفخها الله فينا.
ومثل النفس والروح كمثل الميزان يجب أن تنتبه لا تترك الروح تنضم للنفس الأمارة كي لا تتحول إلى شيطان كامل يجب أن تسعى في طهارة نفسك حتى تنضم للروح وتصبح انسان رباني وملائكي، قال تعالى: “كونوا ربانيين بما تعلمون الناس” فاستخدم عقلك كي لا تنجرف الى الشهوات التي لا ترضي الله وتوقع في المهالك وتتحول الروح النقية الى نفس أمارة.
حتى يتحقق لنا الرقي الروحي يجب أن تكون لدينا همة عالية “كانوا قليلا من الليل ما يهجعون” أي أن نتبع أهل الله ونعمل بأعمالهم حتى نلتقي معهم “إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله” وفي كل زمان يوجد شمس لكن يا ترى هل أنت تتعرض لهذه الشمس حتى تنتفع بها؟ لذلك تعرض للفضل الإلهي حتى تكتسب منه ويكون لك منه حظ وافر قال تعالى: “ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين”.
نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين والحمد لله رب العالمين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: