عش ما شئت فإنك ميت

النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي شهر شعبان اهتماماً كبيراً بكثرة الصيام فقد حوى شهر شعبان الميزات الكثيرة، ففيه يتشعَّب الخير الكثير لرمضان و تُرفع فيه الأعمال إلى خالق العباد وفيه جعل الله للمسلمين قبلةً خاصةً بهم.
شهر رمضان هو شهر القرآن وشهر القيام وشهر المغفرة وشهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر وشهرٌ كلُّه فضائل وإذا أردنا أن نلخص هذا الشهر الفضيل نقول: إن رمضان هو عطيَّة وهديَّة من الله ليثقل موازيننا ويضاعف أعمالنا ليدخلنا الجنة برحمته جلَّ شأنه. علينا أن نستعين بالله سبحانه وتعالى مع الهمة العالية والعزيمة و النيَّة الصادقة ونشمر لنكتسب في هذا الشهر الفضيل أكبر غنيمة وهي العتق من النار. وجائزة العتق من النار هذه لها أسبابها التي توصلنا إليها.
الله تعالى يوصي نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن بعده هذه الوصية لكل مسلم فيقول جلَّ شأنه في محكم كتابه بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجَّد به نافلةً لك عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محمودا)).
إذاً ((ومن الليل فتهجد به نافلة لك)) نتباحث اليوم كيف نكتسب الخير في أفضل الأوقات من هذا الشهر شهر رمضان الفضيل أي في اللحظات التي يكون فيها القرب من الله تعالى الله سبحانه وتعالى والتي جعل الله فيها لنا طعم كصياد السمك عندما يضع الطعم للأسماك يصيدها ويخرجها من بحر قانونه قانون الغابة ليرسلها إلى موائد العظماء، فمن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل لنا في السحر «وهو السحور» طُعماً فنقوم من أجل الطعام وكثيرٌ منَّا يحب هذا الشيء فلابد لنا بعد أن نقوم من أجل الطعام أن نستغفر ونصلي وأن نقرأ القرآن أيضاً فننال بركة هذه الساعة التي ينزل فيها الله جل جلاله نزولاً يليق به إلى سماء الدنيا قرباً من عباده وينادي في تلك الساعة الفضيلة هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مسترزقٍ فأرزقه ؟ هل من إنسان يريد حاجة فأقضها له؟ أتريد عافية.. ؟ أتريد رزقاً..؟ أتريد أولاداً..؟ إذاً اطلب من الله تعالى في هذه الساعة. فلأن الله تعالى يريدنا أن ننتفع بهذه الساعة جعل السحور رحمة منه كي تقوم في الليل من أجل الطعام فتجد نفسك بعد أن استيقظت بغية السحور أصبح من السهل عليك أن تصلي ركعتين أو تستغفر أو تقرأ القرآن وتسبح وتنتظر الفجر فتعمل بأعمال الخير هذه فهذا من رحمة الله أنه أوصلنا إلى ساعة السحر، ساعة الإجابة، ساعة هو ينادي وأنت تقول يا رب. هذه الساعة الفضيلة النبي صلى الله عليه وسلم يوصينا بها ويقول لنا: ((عليكم بصلاة الليل ولو ركعة)) لا تضيع على نفسك حتى ولو كانت ركعة فنحن إذا أردنا أن نضرب مثلاً نقول إذا دخلت مغارة مليئة بالذهب وقلنا لك لا تخرج فارغاً ولو أخذت ليرة واحدة فقط. لكن هل تكتفي بليرة؟؟ . ثم بيَّن صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربكم في الثلث الأخير من الليل إلى سماء الدنيا ينادي هل من صاحب حاجة ؟ أيعقل أنه ليس لك حاجة هيئ طلبك من النهار وجهزه وقل سأسأل الله هذه الليلة. ثم يقول تعالى: هل من حاجة هل من مستغفر هل من مسترزق هل.. هل.. هل.. إلى أن يؤذن الفجر فلا تجعل الشيطان يغشُّك فتقول سأسهر للساعة الواحدة ثم أتسحَّر وأنام. اعلم حينها أنك خسرت الشرف العظيم إنما تنام بعد صلاة التراويح ساعتين أو ثلاثة ثم تقوم فتتعبد الله ما شئت و لا تضيع على نفسك هذه الساعة المباركة واحرص أن تصلي صلاة الفجر حاضراً وإن كنت من الموفقين تكن ممن قال فيهم رسول الله (( من صلى الفجر ثم جلس يذكر الله إلى طلوع الشمس كتب الله له أجر حجة وعمرة مقبولتين مقبولتين مقبولتين )) وهل هناك أصدق من رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الأرض فهو يشهد لك هنا ثلاث شهادات بأنه كُتب لك أجر حجة وعمرة وأنت في مصلَّاك صليت الفجر وجلست تذكر الله حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس صليت ركعتي الضحى أو أكثر ومن ثم تنال هذا الأجر أجر حجة وعمرة مقبولتين مقبولتين مقبولتين فاحذروا أن تضيعوا هذه الفضيلة فلو أنك لم تنل من هذا الشهر إلا هذه الفضيلة لكفتك بفضل الله سبحانه و تعالى و لا تُتعب نفسك فأنت بمجرد أن تشعر أنك تستلذ بحديث الآخرين و تطلب السهر اعلم أن هذا مطب شيطاني يريد إما أن يحرمك من الساعة المباركة ساعة السحر و القرب والعطاء الإلهي وإما أنه يريد أن يضيع عليك طعام السحر الذي فيه الخير والبركة و إما يريد أن يضيع عليك الصلاة على وقتها وأحب الصلوات إلى الله التي هي على وقتها فلا تؤخر الصلاة إلى قبل طلوع الشمس فعندما تسهر تتأخر في صلاتك و لا تتسحر وتضيع على نفسك أشياء كثيرة وثمينة. فالسهر هو مطب من مطبات الشيطان يضيع به عليك هذا الخير الكثير في شهر رمضان فاذاً بما أن الله جل جلاله يتقرب من عباده فماذا ينقصنا نحن أن لا نكون على أهبه الاستعداد ننتظر ساعة السحر ونقوم منشَّطين نصلى ما استطعنا ونذكر ما استطعنا ثم نصلي الفجر ونجلس نذكر الله وننال هذا الفضل الإلهي والموفق كذلك يذكر ويقرأ القرآن ما استطاع لأن هذا الشهر شهر رمضان هو شهر القرآن.
ثم يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم: (( أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر« أي في ساعة السَّحر فعلينا أن نحرص عليها » ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن استطعت أن تكون ممن يذكرون الله في تلك الساعة فكن )) النبي يخبرنا أن هناك فوائدٌ جمَّة فاعمل جهدك ألا تفوتك هذه الساعة إلى بعد طلوع الشمس إلى أن تصلي الضحى حتى يُسجَّل لك في هذا الشهر الفضيل ثلاثين حجة و ثلاثين عمرة وإن كان تسع وعشرين فتسع وعشرين حجة وعمرة وكلنا يعلم كم نتعب حتى نحصل على الحجة والعمرة وأما لمن كان في تعب أو في مرض أو عنده ظرف وفاتته فمن الأفضل أن يقضيها في وقت الضحى أي من الساعة العاشرة إلى قبل صلاة الظهر بقليل فيمكنك أن تقضيها و تلتجئ إلى الله بندم وتقدم عذرك والله أعلم بك إن كنت ضعيفاً أو لك وضعك الخاص . لأنه من فاته صلاة الليل فليصليها وقت الضحى وهذا ورد عن سيدنا عمر.
النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا فقال أتاني جبريل فقال: (( يا محمد عش ما شئت فإنك ميت )) إذا كان سيد الخلق قد انتقل من هذه الدنيا الفانية إلى دار البقاء فهل نحن سنخلد فيها؟ لا إذاً فلنشد الهمة ونتزود فإن خير الزاد التقوى ولنكثر من العمل الصالح ما استطعنا ولا ننشغل كباقي الناس بالأمور الفارغة كمتابعة المسلسلات والكلام الذي لا ينفع ولا ننشغل بالدنيا والطمع والجشع.
نحن في شهر رمضان نشبه أنفسنا بأناس أدخلوهم مغارة فيها الذهب وقالوا لهم بعد30 يوماً سنخرجكم منها فما أخذتموه لكم والذي لم تأخذوه لا يمكنكم أخذه فدخلوا إلى المغارة فالموفق بدء يملأ أكياسه و يعبئ حقائبه ويتزود من هذه الجواهر ليلاً و نهاراً وهناك من دخل وملأ كيساً واحداً فقط وهناك من دخل وملأ جيبه فقط ومنهم من دخل وأمضي وقته في النوم والأكل والشرب وتصوير الذهب ولم يأخذ شيئاً معه وبعد أن مضى هذا الشهر أخرجوهم جميعاً من المغارة فهذه المغارة هي شهر رمضان و عبادتنا و تعبدنا هو هذا الشيء الذي هو أغلى من الذهب لأن الذهب بعد موتنا لن ينفعنا (( إن الذين كفروا ثم ماتوا وهم كفار فلن يُقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به)) فهل ينقص ملك الله ذهباً ؟ فعبادتنا في رمضان هي أغلى من الذهب فبعد أن ينتهي رمضان نخرج من هذه المغارة فمن صام و قام في ساعة السَّحر و تزوَّد من التقوى ومَن أكثر من الصدقات وإطعام الطعام وعمل الخير ونشر المحبة والألفة والاطمئنان بين الناس فقد فاز وربح أما من أمضى وقته في مشاهدة المسلسلات واللعب و أضاع وقته فهذا سيسقط ويخسر كالذي ينشغل عن دراسته تكون نتيجته الخسارة والحسرة ونحن كذلك هذا الشخص الذي ينشغل عن عبادته باللهو واللعب الأكل والشراب تجده عندما يحين وقت الفجر قد نام عن الصلاة وإذا صلاها تراه يصلي وهو متعب من فرط ما تناول من طعامٍ على الإفطار فعلينا أن نعمل بالعقل و الشرع والسنَّة والتوجيه حتى نصل في النهاية إلى كمال النتيجة وكمان العطاء وكمال الفضل الإلهي
((مَن أُعطي أربعاً أُعطي أربعة)) اذا وفقك الله و أعطاك أربعة أشياء يُعطيك أربعا ًعليها.
من أُعطي الذكر ذكره الله سبحانه وتعالى. يقول تعالى: (( فاذكروني أذكركم )) فإذا مَنَّ الله عليك بالذكر نلت من الله تعالى أن ذكرك.
ثم قال ومن أُعطي الدعاء أُعطي الإجابة، فالله تعالى يقول في كتابه: ((ادعوني أستجب لكم إنَّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)) فإذا وفقك الله تعالى بكثرة الدعاء فأبشر بالإجابة.
ثم قال من أُعطي الشكر أُعطي المزيد. يقول الله تعالى: (( لإن شكرتم لأزيدنكم )) وإن لم نشكر قال: (( ولإن كفرتم إن عذابي لشديد)) عندما تشكر نعم الله يعطيك مزيداً، وإن لم تشكر النعمة يأخذها الله منك و يحرمك إياها و هذا هو العذاب أن تخسر النعمة بعد أن أعطاك الله إياها فتجد بعد أن أعطاه الله الصحة والعافية أخذها منه لعدم شكره إياها فيقضي وقته حينها في المشفى ويعرف عندها قيمة النعمة التي كان يملكها.
ثم قال: ومن أُعطي الاستغفار أعطي المغفرة. يقول الله سبحانه و تعالى: ((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا )) فإذا مَنَّ الله عليك بكثرة الاستغفار أبشرْ لأن الله تعالى وعد المستغفرين بالمغفرة.
فاذا كان الله قد مَنَّ علينا بهذه الخصال فلماذا لا نتعرض لهذه النعم و نكون أصحاب هؤلاء الأربعة لنكون أصحاب هذا العطاء والمغفرة والرحمة والعناية والهداية وكل شيء.
إذاً لا بد لنا من القيام في الليل ولو ركعة. إذاً يا محمد عش ما شئت فإنك ميت. بما أنَّنا ميتون فلنكثر من الطاعات و نبحث عما ينقصنا لنأخذه معنا فلنأخذ اللباس الذي يستر عوراتنا في الأخرة (( ولباس التقوى ذلك خير)) فلنحضر زوادتنا لأن هناك لن تجد أحد يعطيك ولو لقمة فستأكل هناك من أعمالك التي صنعتها في الدنيا (( وتزودوا فإنَّ خير الزاد التقوى ))
فلنأخذ معنا (( واذا النفوس زوجت )) نأخذ معنا شخصاً أحبَّنا وأحببناه في الله، هذا المؤانس لنا في الآخرة فعندما تزدوج النفوس يكون العُصاة مع العُصاة والصالحون مع الصالحون والمنافقون مع المنافقون فلما نرى هناك كل شخص مع الصنف الذي كان معه في الدنيا أهل اللهو مع أهل اللهو و أهل الذكر مع أهل الذكر يذكرون الله و أهل القرآن مع أهل القرآن وأهل الصلاة مع أهل الصلاة. عندما نرى الناس هناك على هذه الحال وتكون أنت الموفق في الدنيا وتكون آخذٌ معك من أهل الكمال وصحبة أهل الكمال الذين جمعوا كل الفضائل (( يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم )) لا تمُر عليهم لحظة دون أن يذكروا الله فيها فكل وقتهم مملوء بالفضائل والطاعات بما أنَّ الله وصفهم (( لا تلهيهم تجارةٌ ولا بَيعٌ عن ذكر الله)) ثم قال له: واعمل ما شئت فإنَّك مجزيٌ به .
هذه الكلمة لنا جميعاً الآن فنحن على أبواب شهر رمضان وكل عمل نقوم به من صيام أو شكر أو صدقة أو… أو… أو من عمل سوء أو مضيعة للوقت أو.. أو.. واعمل ما شئت فإنَّك مجزيٌ به فأنت الآن مخير.
سيحصد عبد الله ما كان زارعاً فطوبى لعبدٍ كان لله يزرع. فالأرض أمامك وأنت الذي تبذر البذار و ستحصد ولا تقل لماذا حصد جاري العنب وأنا حصدتُ الشوك فجارك قد زرع عنباً وأنت زرعت الشوك في أرضك فلذلك الموفق هو من يسعى ويطبق.
العبد يُقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة.
اعمل ما شئت فإذا أمضيت وقتك في النوم والكسل والحفلات ولم يكن لديك أذكار وبكاء وتلاوة للقرآن ولا برنامج إيماني يبيضُّ به وجهك يوم القيامة فيرى أسيادنا ما صنعنا في حياتنا فهناك إما يفتخرون بنا وإما يتبرؤون من بعض الأشخاص ويقولون له: كيف لك بعد أن جالستنا وبيَّنا لك الطريق وشرحنا لك كل شيء و رغَّبناك ولم نترك طريقة من آيات وأحاديث وأمثال ونُكت إلا واستخدمناها لهدايتك ومع كل هذا أتيتنا بهذه الأعمال المخزية فوالله هذا العتاب وحده من أهل الله كافٍ أن يحرق قلبك أكثر من ذنوبك، فأنت حينها بهذه الأعمال التي أتيت بها لن يكون لك الجرأة أن تطلب من الشيخ أن يشفع لك لأنه سيقول لك: أنا لا اشفع لولدي إن كان قد أخذ في مدرسته علامة الصفر ولو أنه أخذ 75% لما طلبت من المعلم أن ينجحه أيضاً لأنه لا يستحق النجاح أضعف الإيمان أن يصل إلى درجة 95 بالمئة فأتواسط له حينها عن هذه الخمسة بالمئة الباقية. فأسيادنا يشفعون لك إن لم تكن في حياتك كما قال الشاعر:
راحت مشرقاً و رُحت مغرباً شتَّان بين مشرقٍ ومغرِّب
فتجد أن أعمالهم وطريقتهم وأساليبهم التي مشوا عليها شيء ونحن نغير ونبدل وتركنا ذكر الله وتركنا الهمَّة وتركنا الدعوة وأوكلناها للشيخ فقط.
لم يكن هناك على زمن النبي صلى الله عليه وسلم شيخٌ واحدٌ فقط ولكن كان كل مؤمن داعي فأن تعمل بالدعوة هذه مسؤولية كل شخص. (( لَتأمُرُن بالمعروف ولَتَنْهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو صالحوكم فلا يستجاب لهم )). فيسلط عليكم الله شرار القوم فتجد ذاك الشخص الذي لا أحد كان يعطيه الاهتمام والقيمة يصبح هو المتسلط عليك ثم إن الصالحين يدعون ليلاً ونهاراً ولكن الله لا يستجيب وهذا كله من قلوبنا التي أصبحت أشد من الصخور لأن الله تعالى وصف الحجارة فقال ((وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله )) انظر كيف أن الحجر يهبط من المكان العالي خشيةً من الله وكيف أن قلب هذا المتكبر لا يخشى ولا يتقرب من الله.
قال: اعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب من شئت فإنك مفارقه.
إياك أن تحب إلا الباقي فإن أحببت الفاني فإما أن يفارقك وإما أن تموت قبله فيحزن عليك وتحزن عليه فعليك أن تحب الباقي الذي لا يفنى، هذا الحب الذي أينما تكون يكون معك فتراه في الدنيا معك و في البرزخ معك و في الآخرة معك وفي الجنة معك فماذا تريد أكثر من هذا النعيم. واعلم أن هذا الحب هو الحب الذي ينفعك فأنت حينما تحب الباقي هو الذي سوف يزودك بالعلم و يزودك بالصحة و إذا دعيته يستجب لك ويفرج همومك وإذا شكرت يزيدك وإذا ذكرته يذكرك. فدائماً هو الحصن الحصين لك فهذا الذي يجب أن تحبه ومن طبيعة البشر كلها أنك عندما تعطي شخصاً وردةً يحبك لأجلها فكيف ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يُخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين « أي ثلاث سجلات » ديوان للعمل الصالح وديوان فيه ذنوبه أي للأعمال السيئة وديوان لنعم الله عليك )).
ثلاث كتب أي واحدة منها سترجح في ميزانك عندما يبدأ الحساب؟ انظر كيف أن النعم مسجلة علينا أيضاً.
قال ثم يقول الله سبحانه وتعالى لأصغر نعمة «اختر واحدة من النعم التي تراها بعينك صغيرة» يقول الله تعالى لهذه النعمة خذي ثمنك من عمله الصالح. لو أن الله تعالى قال لشعرة من الشعرات أو لكليةٍ من الكلاوي أو لطحال او الأمعاء أو للمعدة أو للمخ أو للأذن والسمع أو للأسنان او للأنف أو لإصبع واحد من أصابعك أو…أو…أو.. يقول لنعمة واحدة فقط من هذه النعم تعالي فخذي ما تستحقيه من ثمنٍ من الأعمال الصالحة لهذا العبد فهل تعرف ماذا سيكون ثمنها؟ إن كنت متعبداً على مذهب سيدنا نوح الذي عاش في قومه معلماً 1000سنة إلا خمسين عاماً ويقال أن قبلها كان هناك 250 سنة أي 1200 سنة وقيل 1250 سنة عاش فلو أنك تعبدت عبادة سيدنا نوح لما وفَّيت ثمن هذه النعمة.
انظر إلى نعم الله كم هي غالية وثمينة عندما يقول الله لهذه النعمة تعالي وخذي ثمنك من عمله الصالح قال: فتستوعب عمله الصالح كله، فتقول أنت حينها أين صلاتي أين صيامي الذي أفتخر به أين صدقاتي وحَجي و زكاتي انظر كيف أن نعمة واحدة أخذت كل هذه الأعمال ثمناً لها ولم يكفها فقال استوعبت عمله الصالح كله ثم تتنحَّى أي تبتعد قليلاً وتخاطب رب العزة فتقول وعزتك وجلالك ما استوفيت أي لم استرد كامل ثمني هذا بعد أن أخذت كل شيء و لم يبقَ من حسناته و أعماله الصالحة شيء فهذه أصغر نعمة كان ثمنها كل هذا فعليك أنت تعرف كم هي نعم الله عظيمة.
من فضل الله تعالى علينا أنَّ هناك رحمة انظر إلى رحمة الله كيف يعوض لك ثمن هذه النعمة قال عندما تقول هذه النعمة وعزتك وجلالك ما استوفيت قال وتبقى الذنوب والنعم، بعد أن نفذ العمل الصالح بقي هناك ذنوب العبد عليه وبقية النعم التي تنتظر أن تستوفي حقها.
قال: فإذا أراد الله أن يرحم عبده وهذا فقط يكون لمن كان في الدنيا يعمل على مبدأ إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. فإن كان من الراحمين في الدنيا وأراد الله به الرحمة في الأخرة انظر إلى كرم الله ماذا يفعل قال يقول الله تعالى للعبد: (( قد ضاعفت لك حسناتك وتجاوزت لك عن سيئاتك)) هذا هو الكريم كيف لا تحبه والله إن الدَّواب لتحبه وإن النمل يحبه (( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين )) إذاً فلماذا أنت تاركٌ لصلاتك ما دمت أنك أتيت طائعاً من البداية ؟ السبب هو أن ابليس يوسوس لك ويقول لك تتوب غداً ويُلبسك نظارة سوداء فترى الدنيا من حولك سوداء و يُعطي شخصاً آخر نظارةً حمراء فيرى الدنيا حمراء و ذاك يعطيه نظارةً صفراء فيري الدنيا صفراء.
عد إلى حبيبك المنعم الذي عندما خلقك عاملك كأنك آدم زمانك وكأنه ليس هناك مخلوقٌ غيرك فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (( إن الله ليعامل كل واحد منكم كأنه آدم زمانه )) فبعد أن نزل أبونا آدم إلى الأرض كيف كانت عناية الله تعالى به ورعايته له كي يولد البشرية هذه كلها والآن يعامل الله تعالى كل واحد منَّا بهذه اللطافة و هذا الحنان والعفو العطاء و النعم كأنك آدم زمانك لأنه سيخرج من نسلك أمم فتكون مَثلك كمثل يا بني آدم، تجد الناس يقولون يا بني رائد يا بني محمود يا بني أحمد يا بني علي فستخرج أممٌ منك وأنت ابوهم.
فهذا الرحيم انظر ماذا يقول لك:
قد ضاعفت لك حسناتك وتجاوزت لك عن سيئاتك ووهبت لك نعمي، لكن أنا في البداية حاسبتك على نعمة صغيرة لترى كيف أن كل حسناتك وأعمالك الصالحة كانت ثمناً لنعمة واحدة فقط. فنحن لا نعرف قيمة الجوهرة إلا بعد أن نذهب إلى الجوهرجي فيقول لنا ويعرفنا أن ثمنها 100 مليون فتجد أن نظرتنا إليها كانت قبل أن يعرفنا بها نظرة استخفاف وانتقاص لكن عندما وضح لنا قيمتها صحينا من سكرتنا، لذلك أصغر نعمة استوعبت كل العمل الصالح وعادت الى الرحمن تقول وعزتك وجلالك لم يوفني هذا العبد.
رجل من بني اسرائيل كان معتكفاً في مغارة 500 عام فقد كانوا يعيشون أعماراً مديدة كسيدنا نوح. ولأن هذا الرجل كان صادقاً بنيَّته قال: لن أخرج من هذه المغارة أبداً وسأبقى أتعبد الله فيها فأخرَج الله له رُمَّانة تعطيه كوزاً في الصباح و كوزاً في المساء وعنده نبعة ماء يشرب منها. أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال: عندما مات قال الله سبحانه وتعالى للملائكة أدخلوا عبدي الجنَّة برحمتي فقال: يا رب بل بعملي «أي أين ستذهب عبادة 500 سنة فكان معتقداً أنه سيدخل الجنة بعمله» .فقال الله سبحانه وتعالى للملائكة: إذاً حاسبوا عبدي. قال فأخذوا عبادة 500 سنة ووضعوها في كفة من كفات الميزان ووضعوا في الكفة الثانية نعمة البصر وقيل نصف نعمة البصر أي عين واحد قال: فطاشت الأعمال من خِفَّة وزنها أمام نعمة البصر فرجحت العين فقال الله: عبدي وفني حق نعمتي «أي ادفع ثمن العين». كل هذا و لم يبدأ بعد حساب المخ والأذنين والسمع و …و…(( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )). ليس فقط في الدنيا ولكن قال تعالى: (( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )).
فعندما قال تعالى عبدي وفني قال العبد: يارب من أين لي أن أوفيك؟ قال تعالى: إذاً أدخلوا عبدي النار. فقال العبد: يارب أدخلني الجنَّة برحمتك وليس بعملي، فقال له تعالى: إذاً أدركتك رحمتي.
انظر كم نحن مدينون لله تعالى بكل شيء فلا ترى نفسك بصيامك وقيامك فنحن نعمل شكراً لله الذي سيرحمنا بهذه الرحمات و يكافئنا و أعطانا وسيعطينا ثم لا يأخذ ثمن شيء فماذا تريد أكرم من هكذا ديَّان؟ ومن كرمه تعالى أيضاً قال: يأتي رجل يوم القيامة ليس له من الأعمال الصالحة شيء فيقول له تعالى: ماذا كنت تصنع إذاً ؟ فقال يا رب كنت أُدين الناس وأبعث الأشخاص الذين يعملون عندي كي يستردوا لي الدين فأقول لهم: إن أعطوكم الدَّين خذوه وإن لم يكن لديهم ما يعطوكم إياه فسامحوهم وليس لدي من العمل غير هذا. فيقول له تعالى: نحن أولى منك أن نسامح فبما أنك سامحت عبادي وعفوت عنهم أسامحك اليوم أنا ادخل الجنة ((وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم)) إذاً من يَرحم يُرحم وهذه الخصال نتعلمها من الصحبة الصالحة.
فصاحب عالماً تقيَّاً تنتفع به
فصحبة أهل الخير تُرجى وتُطلب
وإياك والفُسَّاق أن تَصحبنهم فصحبتهم تُعدي وتَعدي وهذا مجربُ
كما قيل طيناً لاصقاً أو مؤثراً « أي صحبتك للأرذال و أصحاب النفوس القذرة العصاة الذين لا يحللون حلالاً ولا يحرمون حراماً ولا يحملون رحمة ولا شفقة في قلوبهم هؤلاء يكونون كالطين عندما تضربها على حائط فتلتصق به فإما أن يلصقون بك وإما أن يؤثرون فيك».
كذا دُودُ مَرْجٍ خُضرةً منه يَكسِبُ « أي كدودة الربيع التي تكتسب من الحشائش اللون الأخضر وتكتسب اللون الأصفر عندما تكون بين أعشاب يابسة ذات لون أصفر و تكتسب ألوان الشجر عندما تكون على شجرة. هكذا هي الصحبة التي تجعلك تَرحم كي تُرحم
ثم قال: وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل. فلا تزعل إذا يوماً ما فاتك قيام الليل وقال لك شخص يا عديم الشرف. قل له حينها: نعم صدقت وهذا لأني لم أُصلي الليل اليوم فأنا أشهد على ذلك ولا تأخذك العزة بالإثم.
ثم قال: وعزَّه استغناؤه عن الناس. أي يا أيها المؤمن اعمل جهدك أن لا تحتاج إلا الله و لتكن دائماً ذو اقتصاد قوي ولتكن يدك هي العليا ولا تكن هي السفلى فهذه توصل إلى الاستقامة.
كذلك من أسباب الاستقامة كثرة الاستغفار لأن الله تعالى يقول: ((فاستقيموا إليه واستغفروه)).
ومن أسباب الاستقامة أيضاً صلاة الليل لأنها لا ينالها إلا مَن أحبه الله. يقول الله تعالى: (( يا جبريل فيقول جبريل: نعم يا رب فيقول تعالى: نيم عبدي فلان فإني لا أحب أن أسمع صوته «أتريد أن تكون من هؤلاء؟» وأيقظ عبدي فلان فإني أحب أن أسمع صوته)) هذه النعمة لوحدها تداويك و تجعلك تستيقظ وإذا لم تستيقظ فأنت من الذين قال فيهم الله: يا جبريل نيم عبدي فإني لا أحب أن أسمع صوته وهذا يدل على وجود الذنوب فعليك أن تسارع بالتوبة فجميعنا علينا أن نعود إلى الله تعالى بتوبةٍ نصوحة لعلَّ أن نكون في هذا الشهر الفضيل من الفائزين المتفوقين.
ومن أسباب الاستقامة أيضاً الصلاة المستقيمة « أي في أحكامها وفي صدق التوجه فيها من خشوع وحضور وفهمٍ للآيات فهناك من الأشخاص من تراه يقرأ ((أفلا يشكرون)) و يكمل القراءة دون أن يقول: «الحمد والشكر لله» و يقرأ أيضاً (( فسبح بحمد ربك )) ويكمل دون أن يقول «سبحان الله»
وتجد من الناس من يقرأ ((إن الله لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون)) ويستمر بالقراءة فيصبح هو من الذين لا يشكرون دون أن يعلم فهنا عليك أن تتوقف عن القراءة وتشكر الله.
وفي آخر سورة التين يقول تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم: ((أليس الله بأحكم الحاكمين)) هنا الله يسألنا فعلينا أن نقول:« بلى وأنا على ذلك من الشاهدين» تقول ذلك بصوت خفيف جداً تُسمع به فقط نفسك كي لا تزعج المصلين الآخرين.
و عندما يقول تعالى: ((أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى)) من آخر سورة القيامة تقول: «بلى قادر وأنا على ذلك من الشاهدين» (( من نطفةٍ إذا تُمنى)) فالله قادر أن يخلق الإنسان
فإن مررت بآيات التسبيح سبح وإن مررت بآيات الشكر اشكر.
الطريقة الرابعة في تحصيل الاستقامة هي عمل الحسنات بالجوارح والنيَّة أي بيدك ولسانك وبكل حركة من حركاتك فالعين لها عمل واللسان له عمل واليد لها عمل وكل عضو من جسدك له عمله الخاص به فاعزم على عمل الخير ودع الجوارح تطبق هذا العمل وعليك أن تكون صادقاً في العزيمة ليس فقط بالأماني سأصنع وسأصنع دون عمل ولكن صمم وإنوي وحدد لنفسك مدة لإنجاز العمل الذي تريد القيام به.
نسأل الله تعالى القبول واستعطاف قلب الرسول و جعلنا الله من مَن نستمع القول فنتَّبع أحسنه.
المدة التي استغرقها تفريغ الدرس 10 ساعات.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: