صفة المنافق

الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم على سيّدنا محمّد الصّادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين اللّهم إنّا نسألك من جودك وكرمك واحسانك علما نافعاً وقلباً خاشعاً ودعاءً مستجاباً وشفاءً من كل داء.
بيّن لنا النّبيﷺ أركان الإسلام الخمس لنأخذ منهم العبرة فقال: “بني الإسلام على خمس “
عندما يقول لك انسان بني الفندق على خمس فهل الخمس أعمدة هي الفندق بحد ذاته؟؟ أم أنّها الأساس الذي بني عليه الفندق!!، كذلك في الإسلام أنت مأمور أن تتم هذه الأركان ثم تلتحق بمن يملك الإيمان الذي قال فيه ﷺ: “الإيمان بضع وسبعون شعبة “، أي أنّك عندما تؤمن بهذه الأركان الخمس عليك أن تبحث عمّن يتم لك البناء الذي هو بضع وسبعون شعبة.
اليوم سنتحدث عن طابق من هذه الطوابق في قوله تعالى: ﴿مذبذبين بين هؤلاء وهؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا﴾.
الله يبيّن لنا في كتابه العزيز أنّ هناك أشخاص يسيرون مع الدّاعي أو النّبي لأجل منافع دنيوية، إذا أعطاهم النّبي من الغنائم فرحوا واذا لم يعطهم انقلبوا على عقبهم، إمّا ينتقدون أو يغتابوا النّبي ﷺ، بعض منهم من شدّة قسوته جاء إلى النّبي وكان له عباءةً خشنة فشدّه من رقبته حتى احمرّت رقبته ﷺ والرّجل يقول: أعطني من هذا المال لا مالك ولا مال أبيك فما كان من الرّحمة المهداة وصاحب الخلق العظيم إلا أن أجابه فقال: صدقت.
لم يقل له ما يؤذيه.. إذاً علينا أن نتخلّق بأخلاق النبوّة حتى يشهد الله لنا مثلما شهد لرسوله الكريم فقال: ﴿وإنك لعلى خلقٍ عظيم﴾، أنت أيضاً يجب أن تأخذ هذه الآية لتُحشر مع صاحب الخُلق العظيم ونسأل الله جميعاً أن نكون منهم.
والنّبي وصف الذين يكونون في المجتمع الإسلامي مذبذبين نزلت فيهم الآيات: ﴿إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا﴾ ووصفهم أيضاً: ﴿إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون﴾.
أيضاً وصف الذين اتّخذوا أيمانهم جنّة أي حماية وستارة كي لا تُسلب أموالهم ويُقتلوا فقال تعالى: ﴿اتّخذوا أيمانهم جُنّة فصدّوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون﴾ والنّبي قال عن المذبذب ذو الوجهين: أنّه لا يكون وجيهاً فالمؤمن لا يكون كالحرباء وإنّما له وجهة واحدة ظاهرة مؤمن، مسلم، مستقيم.. ولكن النّفاق أن تجلس مع رجل فتنتفع منه ثم تخرج فتغتابه.
والمؤمن عنده يقين بقول: ما قُدِّر لماضغيك أن يمضغاه لابدّ وأن يمضغاه هذا يقين المؤمن فلا تتلّون لأجل الحصول على المال والوظيفة ونتذبذب من أجل الدّنيا والطمع لأن ما قسمه الله لك سيكون لك، والله أقسم يميناً في سورة الذّاريات قال: ﴿وفي السّماء رزقكم وما توعدون فوربّ السّماء والأرض إنّه لحقٌ مثلما أنّكم تنطقون﴾، فهل تريد أعظم من هكذا يمين!! ربّ العزّة يقسم أنّ رزقك موجود لكن من رحمة الله أحياناً يفتح لك من العطاء بمقدار نصف انش وأحياناً بمقدار ربع انش وأحياناً بمقدار انشين هذا من تدبير الله وهل هناك أفضل من تدبيره؟ لا والله يا ربّ لا يوجد أحسن من تدبيرك فلك الحمد على كل شيء، اللهم دبّر لنا فإنّا لا نحسن التدبير.
يقول ﷺ في الحديث القدسي: “عبدي أطعني فيما أمرتك ولا تعلمني بما يصلحك فإني بخلقي عالم، إنما أكرم من أكرمني وأهين من هان عليه أمري”.
ثمّ بيّن النبي ﷺ لهؤلاء المذبذبين فقال: “لا تكونوا إمّعة تقولون إن أحسن النّاس أحسننا وإن ظلموا ظلمنا” أي لا تكونوا تبعاً للكاذبين والدّجالين وأهل جهنم وإنما كن تابع للمؤمنين حتى تحشر معهم ، والإمّعة أن تقول ما يقول النّاس وتفعل ما يفعلوه فهل يجوز لك أن تأكل القذارة إذا أكلها النّاس؟؟، مسيلمة الكذاب عندما أرسل النّبي له من يناقشه ويحاوره فقال له ما أنزل على محمّد أنزل علي فقرأ له الصّحابي: ﴿ والعاديات ضبحا فالموريات قدحا ..﴾ فقال مسيلمة وأنا أنزل علي والزّارعات زرعا والحاصدات حصدا والطاحنات طحنا والخابزات خبزا والآكلات أكلا ثم سكت فسأله الصّحابي لم َسكتت ولم تكمل ؟؟ إلى أين ستصل؟ هل هذا يشابه كلام الله؟؟؟ وهل إذا أغمض النّاس أعينهم ومشوا تفعل مثلهم أين عقلك؟؟ .
ألم تعلم مصير من يمشي مغمضاً عينيه؟ كذلك الأمر مع من يظلم ويكذب عليك ألا تتبعهم بل تتوقف عند هذا الحدّ ولا تقبل الحرام فيكون لك مكانة بين أهل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر قال ﷺ: “من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده فمن لم يستطع فبلسانه أو فليغيره بقلبه “.
أقلّها أن تلتجئ إلى الله بقلبك وتقول اللّهم هذا منكر لا أرضى به ربّك الذّي يعلم السّرّ وأخفى إذا أنزل البلاء لا يصيبك لأنّك أنكرت المعصية عندها يجعل الله لك حماية ووقاية قال تعالى: ﴿وما كان الله معذّبهم وأنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون﴾ .
اذا يجب أن تكون صاحب فكر وصاحب عقيدة راسخة قال ﷺ: ” وطّنوا أنفسكم إن أحسن النّاس أحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا”، يجب أن تعلم مع من تربط نفسك فلا تربط نفسك مع كلب ليأخذك إلى القمامة ولا مع قطار ذاهب باتجاه الوادي فتهلك نفسك ، الله أعطاك حواس خاصّة بك سمعٌ وبصٌر وذوقٌ لتنظر بعينيك وتبصر بهما لا لكي ترى بعيون غيرك وتتبعه دون تفكير وكي لا تقول ياربّ كنت أسير بسمع أمي وأمي كان سمعها خفيف ، أعطاك كل الحواس لتعيش بها وتحفظها ولا تدخل جهنم بها، قال تعالى:﴿إن السّمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا﴾ عندما تحفظهم يحفظك الله من نار جهنم .
لو أراد الله لك أن تقتدي بالنّاس لما أمرك بالاقتداء بالأنبياء والرّسل والعلماء وهذا الاقتداء هو الذي سيوصلك إلى سعادة الدّنيا والاخرة وعندما تقتدي بضال أو فاسد يوصلك إلى الهلاك، قال ﷺ:”ذو الوجهين الذي يجري مع كل ريح” وفي حديث آخر: “ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها” أي لا يكون له كرامة عند الله ولا قيمة لا في الدّنيا ولا في الآخرة يتلوّن من أجل النّاس والنّاس تعلم أنّه حقير وكذاب ولكنّهم يركبونه كما يركبون الدّابة .
ولا تظنّ أنّك يمكن أن تضحك على كلّ النّاس وتختبئ من أعينهم لأنّ لكلّ منا إحساس في داخله إن لم يكشفك أوّل يوم سيكشفك في اليوم الذي يليه أو الأسبوع أو الشهر الذي يليه لابدّ أن تكشف وتظهر منك رائحة النجاسة لذلك ابتعد عن هذه النجاسات النفسية والرّوحية التي تمنعك من دخول الجنّة ،وضرب النّبي ﷺ مثلا على هذه الفئة من النّاس فقال: ” مثل المنافق كمثل الشّاة العائرة قالوا وما العائرة يا رسول الله ؟قال :العائرة هي التّي بين الغسنين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة” ثم بيّن النّبيﷺ حول هذا الأمر مثال بليغ فقال: “مثل المؤمن والمنافق كمثل رهط وقعوا في نهر فوقع المؤمن فاجتازه فقطعه ثمّ دخل المنافق وبقي في عرض النهر محتار بين المؤمن الذي وصل لطرف النّهر وسلم ،وبين الكافر الذي بقي في طرف النّهر الآخر وكلّما توجّه تلقاء أحدهم عاد أدراجه للطّرف الآخر فمات في النّهر بين طرفيه فلم يصل للمؤمن ويصبح مثله ولم يبق مع الكافر في الطرف الأول.
وهذا حال المنافق لا يثبت إيمانه ولا يكون من أهل الكفر ولا نعرف بم يختم له، هكذا ضرب لنا النّبي المثل من أجل أن يكون عندك مبدأ وقاعدة وحبّ راسخ وايمان ويقين فإذا كنت تتواضع وتكرّم النّاس من أجل منافع دنيوية فأنت ذو وجهين منافق كذاب وهذا من أجل طمع وجشع ودنيا فانية أما إذا أتيت لشخص وتواضعت وخفضت له جناحك وتذللت لأجل دينك فذلك من أعزّ العزّ ولكن يا بني من يفهم هذا الفهم هو أندر من النادر إلا من رحم ربّي.
وأهل الدّنيا عندما يرون كيف دخل أهل الجنّة إليها يقولون: ﴿ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فهل إلى خروج من سبيل﴾ أي أنّهم في الدّنيا كانت قلوبهم ميتة وبعدها ماتت أجسادهم، لم لا تذهب إلى طبيب القلوب الذي يحيي قلوبكم ويبعث فيكم روح العلم والهداية والإيمان ولكن كنّا متكبرين ومحتقرين لأهل العلم والآن تُحتقر أيضاً.
هؤلاء كانوا عندما يذكر الله يكفرون ﴿إذا ذكر الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا﴾، القصد يا إخواننا أن نتخلّص من هذا النّفاق لأن الله وصف المنافقين فقال: ﴿إن المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار﴾ أي في أسفل السّافلين ﴿وقال الذين كفروا ربّنا أرنا الذين أضلانا من الجنّ والانس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين﴾
نسأل الله العفو والعافية ونسأل الله لكلّ منافق أن يرجع لصوابه ويتوب توبة نصوحة ويغير هذه الألوان فلا شيء ينفعك إلّا الاستقامة والثّبات والرّباط ونسأل الله سبحانه أن يثبّت قلوبنا وقلوبكم على محبته، زادكم الله توفيقاً وجعلني وإياكم ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه هداة مهديين غير ضالّين ولا مضلّين والحمد لله ربّ العالمين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: