شهر ترفع فيه الأعمال الى الله

يقول المولى جل شأنه في محكم كتابه: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾.
الله سبحانه وتعالى منَّ على هذه الأمة في هذا الشهر ومنهم من قال في شهر رجب أن حوّل القبلة (اتجاه الصلاة) الى الكعبة المشرفة وأكثر الأقاويل أن هذا حدث في شهر شعبان في ليلة النصف من شهر شعبان
وهذا الشهر الفضيل الذي نحن في بدايته له ميزة عند رسول الله بل ميزات كثيرة ومن هذه الميزات أنه كان يكثر فيه الصلاة والصيام وعندما سئل ﷺ عن كثرة الصيام والتعبد في هذا الشهر قال: “ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وترفع فيه الأعمال إلى الله فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم “.
إذا يجب أن ننتبه في هذا الشهر ترفع إضبارات أعمال الناس إلى رب العزة جل جلاله وهذا معناه أيها الغافل أصلح حالك بتوبة نصوحة حتى إذا رفع عملك يرضى ربك عنك ويتجاوز عن سيئاتك ويغفر لك ويرحمك

إذاً ترفع في هذا الشهر الأعمال على الله فحسنوا أعمالكم.
مادام سيد الخلق كان يحسن أعماله ويكثر فيه الصيام ويكثر الدعاء ويقولﷺ في بعض الأحاديث: “دخل شعبان فطهروا أنفسكم وأحسنوا نياتكم فيه “
أي مادام دخل شهر شعبان فحسن العمل وطهر النية واستعد للعطاء الالهي كي تهيئ نفسك للعطاء الإلهي فإذا دخلت لشهر رمضان وأنت مهيأ ومزود مثل السيارة عندما تكون مهيأة ومزيتة ومزودة تدخل في السباق وتنال الجوائز وأنت أيضا عندما تدخل شهر رمضان بثمرة شهر شعبان عند ذلك تقطف ثمرة شهر رمضان العتق من النار.

وهذا الشهر الفضيل كذلك له ميزات كن أمهات المؤمنين أي نساء النبي رضي الله عنهن أجمعين يكثرن الصيام مع النبي ما كان عليهن من قضاء، إذاً المرأة إذا رأت زوجها يصوم تصوم ما عليها من قضاء أما أن تدعه مفطر وتصوم من دون اذنه فله الحق أن يفطرها وعليها الإثم وله الأجر، انظر إلى الإسلام ما أجمله أعطى كل ذي حق حقه.
مادام وصفه النبي فقال هذا شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان وترفع فيه الأعمال إلى الله فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم إذا هذه أيام فضيلة لا نستهزئ بها ولا نغفل عنها مادام النبي يقول أن كثير من الناس يغفل عن هذا الشهر فلنحذر من الغفلة عنه ولنكثر من الصيام والعبادات ولنحسن ما استطعنا أخلاقنا لعل الله أن ينظر إلينا فيرانا على هذه الاستقامة فيكتب لنا استقامة دائمة بعناية منه وفضل ورعاية
تشبه بالكرام إن لم تكن مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
وهنا النبي ﷺ عندما كان يحدث عن ليلة النصف من شعبان يذكرهم ﷺ بما فيها من فضائل ومغفرة من الله لأعداد كثيرة من الناس ،فلنسمع أمنا عائشة عندما بعث النبي ﷺ أنس هذا الخادم الصغير الذي لم يتجاوز عمره ال9 سنين أرسله النبي إلى أمنا عائشة في حاجة فقال لها: يا أماه أعطني الحاجة لرسول الله فإني تركته يحدث عنن ليلة النصف من شعبان فقالت: اجلس أحدثك بحديث رسول الله فجلس أنس ين مالك عند أمنا عائشة وأخذت تحدثه قالت: كانت ليلتي فطلب منها أن يناجي ربه فقام فناجى ربه فصحت من الليل فبحثت عنه فلم تجده فقالت في نفسها لعله ذهب إلى جاريته القبطية (أي ماريا)

ويروي سيدنا أنس في الحديث…. فقالت: اجلس يا أنيس أحدثك بحديث ليلة النصف من شعبان قالت: تلك الليلة كانت ليلتي من رسول الله فجاء ودخل معي في لحافي فانتبهت من الليل فلم أجده فقلت لعله ذهب إلى جاريته القبطية فخرجتُ أبحث عنه فمررت بالمسجد فوجدته يصلي (وفي رواية وقعت رجلي على رجله) فوقفت أسمع ما يقول فسمعته يقول: سبحانك سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي وهذه يدي وما جنيت بها على نفسي يا عظيما يرجى لكل عظيم اغفر الذنب العظيم سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره ثم رفع رأسه فقال: اللهم ارزقني قلبا تقيا نقيا من الشرك بريا لا كافرا ولا شقيا ثم عاد ساجدا فسمعته يقول: أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، أقول كما قال أخي داوود: أعفر وجهي في التراب لسيدي وحقَّ لوجهٍ سيدي أن يعفرُ ، ثم رفع رأسه فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله أنت في وادٍ وأنا في واد فقال: يا حميراء أما تعلمين أن هذه ليلة النصف من شعبان؟ إن لله عزوجل في هذه الليلة عتقاء من النار بعدد شعر غنم بني كليب (أو كلب وهو اسم قبيلة) إلا ستة نفر مدمن خمر ولا عاق لوالديه ولا مصرٍ على زنا ولا مصارم ولا قتات”
(انظر ما أجمل كلام الحبيب حين يناجي حبيبه وما أجمل هذه الدعوات من حبيبنا المصطفى وهو يناجي ربه في هذا الشهر الفضيل، تشبه بالكرام إن لم تكن مثلهم ، وأكثر من المناجاة حتى تخرج من شهر شعبان بهمة عالية وتدخل رمضان فتؤدي حقه وتنال فيه العتق من النار)
 “وشق سمعه وبصره”
من الذي شق لك سمعك وبصرك ؟؟ لو تركك بلا عيون أهل الدنيا كلها لايستطيعون أن يجلبوا لك سمعا وبصرا وإن صنعوا لك العينين فتكون عين زجاجية .
 اذا ماذا قال داوود ؟ “قال : أعفر وجهي في التراب لسيدي وحقَّ لوجهٍ سيدي أن يعفرُ”
يا إخواننا هذا التواضع لله، يقال إن فرعون أطال الله في عمره لأنه كان يأتي بصفوة الرماد ويسجد عليها في الليل ويقول يا إله السماء ارحم إله الأرض وأعن إله الأرض، أي أن هذا في نظره تواضع لكن منعه من الإيمان بسيدنا موسى التعالي والتكبر “وحقَّ لوجهٍ سيدي أن يعفرُ” أي يجب أن يتعفر وجهي من أجل جلالك وتعظيمي لسلطانك واعترافي بذلي وتقصيري وذنوبي.
 ” فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله أنت في وادٍ وأنا في واد”
أي كما قال الشاعر: يبني الرجال وغيره يبني القرى شتان بين قرى وبين رجال
النبي قائم للتهجد في هذه الليلة الفضيلة في هذا الشهر الفضيل شعبان الخير الذي يتشعب فيه الخير الكثير لرمضان، النبي يقوم ويتهجد وتتورم قدماه وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وعندما يُسأل عن ذلك يقول: أفلا أكون عبدا شكورا؟ ونحن لسنا نأمن المغفرة وحالتنا يرثى لها وبعضنا يقوم وبعضنا لا يقوم ومع ذلك متكبرين ونسأل الله لم ينزل علينا هذه الابتلاءات وهو من رحمته يهزنا هزا خفيفا لم يبدأ بنا بالعذاب الأكبر فدعونا نلحق التوبة.
قوم يونس عندما أعلنوا توبتهم رفع الله عنهم العذاب وأعاد لهم سيدنا يونس وأخرجه من عمق البحر وبطن الحوت بدعوة واحدة ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ كلنا نقولها لكن هناك فرق بين القلب الموصول إذا قالها وبين القلب المقطوع، وفي فرق بين المدفع وبوري المدفأة هم يتشابهون بالشكل فقط.
يقال إن قريتين اختلفوا مع بعضهم فأحضرت إحداهما بواري المدفأة وجعلت منها مدافع فلما وضعوا فيها الديناميت وأشعلوها انفجرت فأحرقت وقتلت كل من كان حولها فأهل القرية قالوا إذا كان هذا ما فعلته بنا معناها القرية الثانية احترقت بالكامل وهم في الحقيقة لم يؤذوا القرية الثانية بشيء.
ونحن دعوتنا تخرج من أفواهنا فلا تصل لأعلى من رؤوسنا أصبحت قلوبنا مثل بواري المدفأة لأننا لا نتراحم ولا نعفو عن بعضنا ولأننا ابتعدنا عن حقيقة الإسلام، الإسلام كالماء النازل من المطر يعطي السعادة والحياة أما اسلامنا أصبح كالماء الذي اختلط بالفضلات فأصبح يعطي المرض والهلاك والموت.
دعونا في هذا الشهر نعلن التوبة ونصلح شأننا مع حضرة الله ونتراحم، القوي يرحم الضعيف والصغير يحترم الكبير والكبير يحنو على الصغير وكلنا كالجسد الواحد نتراحم وانظروا إلى رحمة الله كيف يرفع الله البلاء ويغير الأحوال ب (كن)
لذلك عندما قال ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ قال الله: ﴿فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين﴾ وهذا فضل إلهي لكل واحد يخطئ ثم يعود إلى الله يغفر له ما أكرم من هذا الإله؟؟ أعاده لقومه وآمنوا وأعزهم الله ورفع عنهم البلاء، لا شيء بعيد عن الله لكنها نفوسنا المريضة قال تعالى: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ وقال ﷺ: “إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وإن جلائها ذكر الله وتلاوة القرآن”
لنعد إلى الاستغفار وتلاوة القرآن ونتراحم ونعود للاستغفار واستبشروا بالخير إذا مشينا على هذا الطريق والذي يريد أن يبقى مغمض العينين ويمشي فالهلاك ينتظره والذي يصم آذانه ﴿وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير﴾ لذلك أعذر من أنذر
 “إن لله عزوجل في هذه الليلة عتقاء من النار بعدد شعر غنم بني كليب”
وهو اسم قبيلة عندها من الأغنام مالا يعد ولا يحصى وفي هذه الليلة الله يعتق (ومعنى يعتق أي إذا كانت أسمائهم مسجلة عند سيدنا مالك يمحوها ويسجلها عند سيدنا رضوان بالجنة هذا معنى أعتقهم من النار) ويعتق الله في هذه الليلة أكثر من عدد شعر أي صوف غنم بني كليب فاجتهد أن تنالك هذه المغفرة وينتقل اسمك من عند سيدنا مالك من العذاب والهلاك والشقاء إلى نعيم الجنة وفردوسيها وثمارها وحورها وصحبة من فيها من ملائكة وأنبياء ورسل وصحابة وتابعين وأولياء وصالحين.
 “إلا ستة نفر” رب العالمين يغفر لهذه الأعداد الهائلة إلا ستة
1- مدمن خمر 2- عاق لوالديه
3- مصر على زنا (لا يحترم الأشهر الحرم ولا يعرف أفضالها)
4- مصارم (أي من لا صاحب له مثل الشوكة لا يمر عليها أحد إلا تتعلق بثيابه وتجرحه)
5- قتّات
يجب أن تطهر نفسك من هذه الخصال لا كذب ولا نميمة ولا بهتان ولا فتن بين الناس ولا نعلق الناس ببعضهم مثل حمالة الحطب تنقل الكلام من ناس إلى غيرهم وتفتن بينهم، يقول لأحدهم فلان تكلم عليك بكذا وكذا أمامي وأنا أنقل لك الأمانة هذا جاهل وسيكون هو سبب في الكوارث التي ستحدث ويعلل ذلك بصدقه وأمانته هذا يرمي الفتن ويسمي نفسه صادق تب إلى الله قبل أن يحل عليك سخطه، هذا حال بعض الناس يريدون عمل الخير فيفعلون بجهلهم بدل الخير شراً وهم لا يدرون الفرق بين الخير والشر
لذلك يجب أن نعيد حساباتنا في هذا الشهر الفضيل الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله ونكسب المغفرة ولا يكون فينا من هذه الصفات التي تحرم صاحبها المغفرة وعلينا أن نكثر من سماع العلم والأوراد والاستغفار والصلاة على النبي ولا إله إلا الله وقراءة القرآن لا نجالس ولا نترك قلبنا يميل عن الحق إلى الباطل بصحبة الفاسدين ، لأن صحبة الفاسدين حتى لو لم تعمل الفساد لكن عندما يحل عليهم البلاء ينزل بك أيضاً وعندما ينزل الملك بالغضب والبلاء على المذنبين ويكون بينهم صالح يقول يارب إن بينهم رجل صالح فيقول الله عزوجل أول ما تبدأ ابدأ به لمجالسته لهم
لا تجلس بكذا أماكن لا فائدة لك منها، قال ﷺ: “مثل الجليس الصالح والجليس السوء كنافخ الكير وبائع المسك..”
جالس الصالحين لتكون معهم كبائع المسك إما أن يعطرك أو تجد منه ريحا طيبة ولا تجالس الدجالين الفاسدين أهل الغيبة والخمر والبهتان الذين يفرقون بين الناس ويزرعوا الضغائن والعداوة بدل الألفة والمحبة لذلك دعونا نتوب توبة نصوحة في بداية هذا الشهر الفضيل حتى تمر علينا ليلة النصف من شعبان ان شاء الله بمغفرة كاملة جاهزة حتى نستقبل شهر رمضان ببركة وطهر ونقطف على طهارة “أنتم عتقائي من النار” نسأل الله أن يجعلنا وإياكم أهلا لذلك جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والحمد لله رب العالمين…

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: