سيدنا موسى عليه السلام الجزء 6- الحلقة 28

سيدنا موسى عليه السلام الجزء 6- الحلقة 28
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك : نتذّاكر سيرة الأنبياء والرسل الذين قال فيهم الله عزوجل :((أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)).
فوصلنا في سيرة سيدنا موسى عليه السلام عندما خرج من البحر ومنَّ الله عليه سبحانه وتعالى بالنجاة وإغراق فرعون وبعدها طلب منه الخلوة في الطور لقوله تعالى :((وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ )). فأمر الله سيدنا موسى عليه السلام أن يبتعد عن الناس ويختلي مع ربه ليدخل في مدرسة الله لقوله تعالى :(( الرَّحْمَنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ)). وكذلك كما خلى النبي ﷺ في غار حراء ، كما أنَّ السيدة الصديقة مريم خلت مع ربها في مكان اختارهُ لها سيدنا زكريا عليه السلام لتربيتها ، وهكذا جميع الأنبياء والرسل ، فالقصد نحنا هنا سنتكلم بخلوة سيدنا موسى عليه السلام مع ربه وعن الحوار الذي كان بين الله عزوجل وبين سيدنا موسى عليه السلام ، فالله سبحانه وتعالى كان يُخاطب سيدنا موسى عليه السلام ، فلنستمع إلى هذا الحوار الذي كان في الطور في هذه الخلوة المباركة لقوله تعالى :((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) . وكما قال سبحانه وتعالى أيضاً :(( يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ)). فقال موسى عليه السلام (إلهي، هل أكرمتَ أحداً مثل ما أكرمتني، حيث أسمعتني كلامك..؟). فقال الله عزوجل :(يا موسى، إنَّ لي عبادًا أُخرجهم في آخر الزمان، فأُكرمهم بشهر رمضان، وأنا أكون أقربَ إليهم منك؛ فإنِّي كلمتك وبيني وبينك سبعون حجاب، فإذا صامت أمة محمد وابيضت شفاههم، واصفرت ألوانهم، أرفع تلك الحُجب وقت الإفطار، يا موسى طوبى لمن عطش كبده، وجاع بطنه في رمضان، فلا أجازيهم دون لقائي ، وخلوف أفواههم عندي اطيب من ريح المسك. ومن صام يوما من رمضان أستوجب عندي مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). فكم من
القرب بينه وبين الله عندما كلمه الله عزوجل ….؟ كان بينه وبين ربه قرب جيد بل كان قريب جداً ، إذن يا إخواننا شهر رمضان كرامة من الله فيه تُحط الخطايا والذنوب وتُرفع الدرجات ويُضاعف الأجر إلى سبعين ضعفاً ، فهنيئاً لمن اغتنم هذا الشهر الفضيل وجمع فيه الزّوادة لقوله تعالى :((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ)).
فإن الله عندما كلم سيدنا موسى عليه السلام بالطور كان بينه وبين الله سبعين ألف حجاب ، فيا الأحبابنا اشكروا الله أن جعلكم من أمة سيدنا محمد ﷺ ، أي أن الله يكون في رمضان أقرب إلينا من حبلِ الوريد ، فما زال ربنا يتقرب إلينا فعلينا بالطلب…و الدعاء… والإستفغار ….والتوبة ….والبكاء…والندم…لا يكون هّمك أكلنا وشربنا ، فأنظر إلى هذه الكرامة….!!! كرامة الصائم يوم القيامة لقاء مع حضرة الله لذلك قال النبي:( يُعرفوا الصائمون يوم القيامة بِريحِ أفواههم ، فَيُقال لهم ادخلوا من باب الريان).ومن يأتي ليدخل من هذا الباب وهو ليس من الصائمين يُقال لهم كما ورد في القرآن الكريم لقوله تعالى :(( وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ )).فتظهر عليهم علامات ومن جملة العلامات التي تظهر عليهم ليس لهم رائحة المسك في أفوههم وعلامتهم أيضاً كما يقول الله سبحانه وتعالى :((وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا)). أي يكون لونهم أزرق من أثر العذاب في نار جهنم.
وعندما يرى سيدنا موسى عليه السلام ما لأمةِ سيدنا محمد ﷺ من كرامة فيطلب من الله عزوجل أن يكون له كذلك فيقول الله عزوجل لا بل لأمة محمد عليه السلام فقط ، فكل أمة جعلت لها من الخصائص فمنهم من جعلت لهم الأعمار الطويلة وبعض الأمم سخرت لهم الريح وجعلت الجبال تسبح معهم وسخرت لهم وبساط الريح أيضاً فكل نبي من الأنبياء الله جعل له خاصية ، وإن الله خص هذه الأمة بأن جعل لهم هذا الشهر الفضيل الذي بدأنا نودّعه قاب قوسين أو أدنى ، فغداً نقول إنتهى رمضان ، فهنيئاً لأهل الصيام وهنيئاً لأهل القيام ، فوصيتي لكل مُحب ومُستمع وقارئ أن يبقى كما كان في رمضان مخلص ومراقب لله كما كان لا يأكل ولا يشرب حتى لو خلى في حجرته ولو خلى في بيته ومع أهله وطعامه وشرابه نجده مبتعد لا يفطر ولا يشرب لماذا…؟ لإنه يقول إن الله معي وشاهدٌ علّي وناظرٌ إلّي ، فعندما تتخرج من مدرسة رمضان فيكون في كل حينه و في كل وقته يتذّكر أن الله معه دوماً وشاهد عليه وناظر إليه ، أما هؤلاء الذين إذا ما انتهى رمضان رجعوا إلى غَيّهم ومعصيتهم لله وكأن الله انتهت مراقبته لهم في رمضان فقط فيقع في المعاصي فيا بُني إن كنت منهم فأنت عابد لرمضان ولست عابد لله ، إن كنت عابد لله حقيقةً فيجب أن تعبد الله في رمضان وفي غير رمضان ، أما في رمضان يكون مراقب لله ويعمل الأعمال بإخلاص لماذا…؟ لإنه يعمل العمل لا ينتظر من يمدحه،فأنت في حجرتك صائم وتستطيع أن تفطر ولا أحد يعلم بك لكن أنت صائم لوجه الله سبحانه وتعالى فهذا هو الإخلاص،فيا بُني كما كنت في رمضان مخلص فلتزم بإخلاصك بعد رمضان أيضاً ،كما كنت في رمضان مراقب لله فلتزم بمراقبتك لله بعد رمضان أيضاً ، كما كنت سخي تُطعم الطعام وتشعر بالفقراء والمساكين ابقى بعد رمضان على إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ،والصلاة بالليل والناس نيام ، تدخلون الجنة بسلام
أما عند إنتهاء رمضان ترك القيام وترك التهجد وترك السحور وترك الصيام أيضاً ، يابُني النبي ﷺ كان يقول :(خيرُ الصيام صيامُ داود كان يصومُ يوماً ويفطرُ يوماً).لإنه لم يكن رمضان مفروضاً عليه وكان سيدنا سليمان يصوم ثلاثة الأيام من أول الشهر وثلاثة الأيام في وسطِ الشهر وثلاثة أيام في آخرِ الشهر ، والنبي أيضاً كان يصوم كل الإثنين و خميس ، إذن يا بُني إن أمكنك الصوم في يومي الإثنين والخميس وإن لم تستطع فصم ثلاثة أيام البيض وهم الأيام الثلاثة عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر العربي فهذه الأيام من الشهر القمري يُسَمُّون بالثلاث البيض فكثير ما كان النبي ﷺ يحثُ على الصيام فيهم فإن لم تستطع فصم كل من يومي الإثنين والخميس ، فعندما سُأل النبي ﷺ عن صيام يوم الإثنين قال :(ولدتُ فيه، وترفع الأعمال فيه إلى الله ، وأحبُ أن ترفع أعمالي وأنا صائم ).
فيا إخواننا فضائل الصوم كثيرة فلا تهجر الصوم بعد رمضان ولا تهجر الصدقة بعد رمضان ، ولا تهجر الذّكر بعد رمضان أيضاً ، حافظ على ذِّكرك وعلى صلتك بالله ومراقبتك له ، حتى تكن حقاً ممن خضعت للدورة في رمضان ونجحت فيها ، أما إذا خضعنا لدورة تعليم قيادة السيارة وعند إنتهاء الدورة نسينا كل ما تعلمناه في هذه الدورة لإننا لم نمارس ما تعلمناه ، فماذا استفدنا إذن…؟ فيجب علينا أن ندوام على العلم الذي تعلمناه ونطبق العلم فإن ذلك يؤدي إلى رسوخ العلم وثباته فينا ويصبح فينا ملكي أي تستطيع قيادة السيارة وأنت تتكلم مع صديقك ، فإذن بعد رمضان أيضاً علينا أن نتابع حبنا للخير و صلتنا بالصيام وصلتنا بالأرحام والناس وأن نكون مصلحين نجمع الناس على الألفة والمحبة وعدم التفرقة والبغض ، نزرع المحبة والإخاء ولا نزرع الحقد والكراهية ، نزرع البشرى لقول النبي ﷺ :(بشِّروا ولا تنفِّروا).فهذه هي صفة المؤمن كلُ أيامه رمضان وكل أيامه مع الله ، كل أيامه في قرب، فالله سبحانه وتعالى قال :(( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)) ولم يقل رب العزة أنه قريب فقط في رمضان ، فإن الله سبحانه وتعالى معنا في رمضان وفي غيرِ رمضان ، الله معنا وشاهدٌ علينا وناظرٌ إلينا اقرأ إن شئت قوله تعالى : ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)).فهنيئاً للموافقين الذين يتخرجون من رمضان فتكون أيامهم كلها رمضان وليس المقصود كلها صوم وإنما كلها رمضان كلها خير وبركة وصلة الأرحام والإنفاق والصدقات وزرع الخير والمحبة والبشرى لوصية النبي ﷺ :(إذا أصبحت صائماً ، فأصبح مُبْتَسِمَاً). أي استيقظ وأنت تبتسم ، وصيام السنة بعد رمضان الذي قال فيه السيد المسيح عليه السلام :(إذا أصبحت صائماً فدهن شفاهك بالزيت).اي لا تدّع أحد يعلم بأنك صائم لإنهم عندما يَرَوْنَ شفاهك يابسة فسيقولون لك أأنت صائم…؟ وعندها سيدخل الرياء إلى قلبك فعندما تَدهن شفاهك بالزيت فيحتسبون عند رؤيتك أنك أكلت وخرجت من البيت ، لإن كل عمل يكون في السر والخُفْيَّة يكون كله الإخلاص ، فمعنى الإخلاص برمضان أي أنك تعمل الطاعة مخفية لا أحد يدري فيها الإ الله ، فيمكنك أن تدخل إلى حجرتك وتأكل وتشرب وتقول أنا صائم ولا أحد يعلم بك الإ الله فهذا هو الإخلاص أنك في حجرتك والطعام والشراب من حولك وأنت صائم لا تأكل ولا تشرب ، فحافظ على إخلاصك بعد رمضان ومراقبتك لله وتعمل خيراً وإخلاصاً لله لا تنتظر مدح الناس لك ولا تخشى مَذّمةِ الناس لك أيضاً ولكن فقط تقول في نفسك إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي فليكن هدفك الله فإذا كنت على هذه الحالة فيا هنيئاً لك ، فهذا هو سيدنا موسى عليه السلام انظر كيف منَّ الله عليه بفضله جل جلاله أكرمه وأعطاه ونجّاه وكرّمه وأكمل له الدورة بعد الثلاثين يوماً إلى عشرِ الأيام آخرى ، فأنا وأنت نستطيع بعد رمضان أن نخلص لله لو بعشرِ الأيام ليس بالصيام إنما نخلص بأن نكون مراقبين لله فلتكن صلاتنا على وقتها وقيامنا وتلاوتنا للقرآن وإخلاصنا ومحبتنا لله وكأنك ما زلت في رمضان ولا مانع من أن تفطر بعد رمضان بثلاث الايام أو الأكثر ، فإذا أكملنا بعد رمضان بعشرِ الأيام فالنبي ﷺ يُبشرُنا بقوله :(من أخلص لله أربعين صباحاً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه).أي أنك ستصبح حكيم وتنطق بالحكمة والمعرفة وتنطق بما هو شفاء للقلوب فلهذا نحنا نريد أن نكمل الدورة من أجل أن ننال هذا الفضل الذي يفجر لنا ينابيع الحكمة لإن الحكمة في القلب موجودة معك كما ورد في بعض الأثر :(لا تقولوا إن الحكمة موجودة في السماء فنعرج لنأتي بها، ولا في البحر فنغوص ونأتي بها ولا تقولوا أن الحكمة في تُخم الأرض لنأتي بها ، إنما الحكمة في قلوبكم).
فكيف سوف نأتي بها إذن يارب…؟ قال :(تخّلقوا بأخلاق الذاكرين وكونوا لي عباداً مخلصين).أي تخلق بأخلاق الذاكرين والمُخبتين لله وكن عبداً صحيحاً لله فأخرج لك الحكمة من قلبك على لسانك، لكن كي تتخلق بعذه الأخلاق عليك أن تخضع لأربعين يوماً على الأقل فمن واظب على أربعين يوماً في خلقٍ أصبح سجية فيه وكأنه يلبسه لبساً أي اصدق مع الله أربعين يوماً يصبح الصدق أحبُ على قلبك من كل شيء حتى لو قدموا لك الأموال لتكذب فأنت ترفض ذلك بشدة وتقول لهم لا أدخل في صنف الكذّابين من أجل شيء دنيوي ومن أجل المال والطمع وغيره ، وأيضاً واترك الدخان أربعين يوماً و إلزم الإستفغار والصلاة على النبي ﷺ وبعد أربعين يوماً سيصبح بينك وبين الدخان كراهية وليس فقط الدخان أيضاً الأركيلة والشّدة والزهر وغيرها مما تُضيع به وقتك الذي هو أغلى من الجوهر ، وقتك الذي هو أغلى من الذهب ، فغداً ستنظر لنفسك فتقول لم يكن لدي العقل لكثرة ما أضعت من الوقت الثمين الذي اكتسب به رضاء الله والجنة ، فعليك أن تواظب على الطاعات في رمضان وفي غيرِ رمضان
ولنرجع إلى سيدنا موسى عليه السلام عندما انتهى من كلامه مع رب العزة وأخذ الألواح أي التوراة المكتوبة على الألواح ورجع إلى بني إسرائيل فأخبره الله عزوجل بقوله: ((إِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ )). فرجع و رأى قومه مفتونين و قد صُنِعَ لهم صنماً ، كما أنهم بعد أن نجاهم الله من فرعون وعند دخولهم القرية على الفور طلبوا من سيدنا موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً فسيدنا موسى عليه السلام أخذ يفهمهم أن أهل القرية عبادتهم للأصنام باطلة وأنتم إلهكم هو الإله الحق الذي أنجاكم من فرعون ، انظروا ماذا فعل بفرعون ونجاكم أنتم من البحر واغرق فيه فرعون ، لكنهم قوماً فاسقين نسأل الله السلامة ، وعندما رجع سيدنا موسى من جبل الطور أيضا رأهم يعكفون على عبادة العجل ، فسألهم ما هذا …؟ فقالوا له صَنعهُ لنا السَّامِرِيّ ، مع العلم أن السَّامِرِيّ أشرف على تربيته سيدنا جبريل عليه السلام في المغارة ، وسيدنا موسى عليه السلام ربّاهُ فرعون ومع هذا كله أصبح سيدنا موسى عليه السلام رسولاً من أولي العزم ، فعندما كان سيدنا جبريل عليه السلام في المغارة أخذ السَّامِرِيّ من آثار فرس جبريل عليه السلام وعرض على بني إسرائيل وقال لهم مازال موسى عليه السلام ذهب ، تعالوا لأصنع لكم إلهاً وطلب منهم أن يأتوا بالذهب الذي استعاروه من قوم فرعون عندما أخبر سيدنا موسى عليه السلام بني إسرائيل بالرحيل ليلاً لقوله تعالى :((فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ، وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ، إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ )).
فطلب منهم سيدنا موسى عليه السلام في الصباح أن يكونوا على الاستعداد ليلاً للرحيل وأخبرهم أن فرعون سيلحق بنا ليقضي علينا ، فعندما خَبِروا بذلك فأصبحت كل إمرأة من بني إسرائيل تطلب استعارة الذهب من جارتها وأقاربها وأصدقائها أيضاً من قوم فرعون ، فجمعوا الذهب الكثير ، وعندما انطلقوا ودخلوا في البحر كان الذهب معهم وعندما خرجوا بقي الذهب معهم أيضاً وعندما عَلِم سيدنا موسى عليه السلام بذلك فقال لهم :(هذا لا يجوز ) .فَسَألهم لماذا فعلتم هذا ….؟ فقالوا له :(فعلنا لنأخذ الغنيمة منهم).فقال لهم سيدنا موسى عليه السلام :(عليكم أن تعيدوا الذهب لأصحابه). فقالوا 🙁 أين نحنا الآن من قوم فرعون لنُرجع الذهب لأصحابه) ، فسألوا سيدنا موسى عليه السلام ماذا سوف نصنع به….؟). فقال لهم سيدنا موسى عليه السلام :(لا تلبسوه ، اجمعوه جميعاً وقوموا بدفنه) .فالقصد هنا بعد أن دفنوه اغتنم الفرصة السامري (موسى السامري) وقال لهم أتوني بالذهب الذي قمتم بدفنه لأصنع لكم عجل من الذهب حيث كانت مِهْنَتُهُ صائغاً ، لتقوموا بعبادته حتى يأتي موسى عليه السلام ويراه فإن أُعْجِبَ به بقيتم عاكفين على عبادته وإن لم يُعْجِبهُ صنع ما يشاء به ، انظروا إلى هذه الحيلة….!!!! فالقصد هنا السامري كان رجلاً خبيث ، فجمعوا له الذهب الذي كانوا قد دفنوه وأتوا به فصاغ الذهب وسكبهُ وجعله صنماً على شكل عجل وجاء بالأثر الذي هو من فَرَسِ جبريل عليه السلام وقَذَفَهُ في العجل فأصبح العجل يُعطي صوت خُوَار وقال فجعلوه إلهاً لكم لقوله تعالى :((هَذَا إِلَهُكُمْ وَ إِلَهُ مُوسَى فَنَسِىَ)).أي أن سيدنا موسى عليه السلام نسي أن هذا هو ربهُ وذهب ليبحث عن إِلَهاً له في الجبل ، وقال لهم أنتم اعبدوا إلهكم فأصبحوا يعبدون العجل ، فعبدوه مدة حتى رجع سيدنا موسى عليه السلام وقِيل أن المدة هي أربعين يوماً ، والآن البعض منهم يقولون إن الله لا يُعذبنا سوى المدة التي عبدنا فيها العجل وهي أربعين يوماً ، فما هذا الجنون….؟ نسأل الله السلامة
و قد أشار في ذلك سماحة الشيخ محمود المبارك : فالقصد عندما أصبحوا عاكفين على عبادة العجل فجاء سيدنا موسى عليه السلام و رأهم يعبدون العجل أشتد غضبه و ذهب إلى أخيه هارون وأخذ بِلِحيتهِ و جرّه وقال له كيف كان لك أن تُضيعَ الأمة ….؟ لماذا لم تخبرني…؟ فقال له سيدنا هارون كما ورد في القرآن الكريم :((يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتي وَلَا بِرَأْسِي إِنّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَني إِسْرَائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلي)). فالقصد هنا أي أن سيدنا هارون عليه السلام حاول منع بني إسرائيل عن عبادتهم للعجل فلم يستجيبوا له ، فذهب سيدنا موسى عليه السلام إلى السَّامِرِيّ ، فسألهُ لماذا فعلت هذا….؟ فأجابه السَّامِرِيّ هكذا جاء ببالي لقوله تعالى :((وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)) . فأخذ العجل سيدنا موسى عليه السلام وصاغهُ حتى أصبح سائلاً ، مثل الرصاص عندما يصوخ على النار ، ودخل مسافة في البحر وألقى الذهب المُصوّخ في البحر خَشْيَةَ من أن يَصِلَ إلى أحدهم قطعة من الذهب فَيُقَدِسُها أو يجعلها حُلّي ليلبسها ، فألقاه في البحر كي لا يستطيع أحد أن يصل إلى شيء منه ومع هذا كله بقي العجل يخطر ببالهم والعياذ بالله نسأل الله السلامة ، وبعدها ركّزَ سيدنا موسى عليه السلام أحوالهم وبدأ يعلمهم ويقرأ لهم من التوراة فكان يؤمنون به في الصباح ويكفرون به في المساء ، يؤمنون به في المساء يكفرون به عند الصباح حتى جعلوا له الشيب في رأسه (أي ألحقوا بسيدنا موسى عليه السلام العذاب من كثرة معصيتهم له ).فمثلُ هذه الأمم كانت مصيبة ألحقت الشيب بأنبيائها بالمعنى المجازي اي لم يتركوا وسيلة للضرر إلا وألحقوها بهم ، فسيدنا محمد ﷺ تأمروا عليه لقتله وبعثوا له أربعين رجلاً وقِيل سبعين فارس حول بيته من أجل القضاء عليه عند خروجه لصلاة الفجر لم يتركوا طريق إلا و رصدوه لقتله ، عندما عجزوا عن ذلك وضعوا جائزة لمن يأتي بمحمد ﷺ وصاحبه أحياء أم أموات فينال ثلاثمئة جمل ، فكان الجمل الواحد ثروة ….!!!! فما بالك بثلاثمئة جمل فهي ثروةٌ كبرى ، لكن يا بُني عندما تكون مع الله فإن الله يحميك بخيط عنكبوت ، فعندما صعدوا إلى الغار فإن الله وضع لهم خيط العنكبوت فحسب الكفار أن هذا الغار منذ أكثر من مئة سنة لم يدخله أحد ، فلو كان وضع على باب الغار دبابة لدخلوا إلى الغار لكن خيط العنكبوت عند الله أقوى من الدبابة ، فكن مع الله ، فالله يعطيك القوة ويحميك ويعصمك بأقل الأشياء كلفةً
فالقصد جاهد معهم سيدنا موسى عليه السلام إلى أن أنساهم العجل و مع هذا كله كانوا يذّكرون العجل بين الحين والآخر ويقولون لو أن كنا نرى العجل لكان أفضل فمازالوا يذكرون سيرته حتى قال الله فيهم :((وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ)). أي أشْرِبُوا عبادة العجل في قلوبهم كمثل النشّافة عندما تُنَشْف نقطة الحبر ، أو كالمحارم عندما يُوضع عليه الماء كيف يتشربه…؟ فالقصد يا إخواننا من الممكن أن يكون لنا أكثر من مليون عجل فلا تظن هم فقط الذين أُشْرِبَ العجل بقلوبهم ، فكلُ ما شغلك عن مولاك فهو دنياك ،فأحذر من أن تصبح الدنيا عجل فيك لقوله تعالى :(( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً)).
فعندما تُسأل من هو إِلهك …؟ تقول له (الله) ، فانظر هل أنت مُطيع لله أكثر ….؟ أم أنك مُطيع لشهواتك أكثر ، فنراه مطيع لهواه أكثر من طاعته لله ، إذن أنت عبدُ الهوى وأنت واقع في شرك وأنت لا تدري فإن الله يُحذرك من أن تُطيع هواك أكثر من طاعتك له سبحانه وتعالى ، فيا بُني عندما تبتعد عن النور يُصبح على عيناك غِشَاوَة ولا ترى البصيرة فانظر في نفسك ولا تقل هؤلاء كان لهم عجل ونحن يُصيبك الغرور بنفسك لإنه ليس لدينك عجل ، فنظر على قلبك وطّهر نفسك ولا تنظر إلى عيوب غيرك ،
فمن رحمة الله سبحانه وتعالى أيضاً طلب من سيدنا موسى عليه السلام أن يأتي بسبعين رجلاً إلى الطور مرة آخرى من أجل أن يأخذ عليهم الميثاق ، فعندما ذهبوا إلى الطور أصبحوا يطلبون رؤية الله والتفاوض مع حضرة الله جل جلاله و أصبحوا يتعالون ويتكبرون ، فإن الله رفع من فوقهم الجبل وقال لهم أتأخذون ما أتيتكم بقوة..؟ وأما أخسف بكم الجبل ، وذلك مما يدل على العناية الإلهية أي أن رب العزة يريدنا أن نصبح مؤمنين كمثل الآباء عندما يخوفون أولادهم عند عدم دارستهم بعدم اعطائهم الخرجية واطعامهم الطعام من أجل مصلحته ، فرب العزة غنيٌ عنا وعندما رفع الجبل من فوقهم من أجل أن يكونوا مؤمنين لقوله تعالى :((خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).
أي أن سيدنا موسى عليه السلام جاء بالسعادة التي هي في الألواح فيها هدى ونور فلذلك طلب منهم أن يكونوا مؤمنين من أجل ان يدخل الهدى والنور في قلوبهم ،
و قد اختتم سماحة الشيخ محمود المبارك : وبذلك نكون قد أتممنا سيرة سيدنا موسى عليه السلام ولنتمم سيرة الأنبياء والمرسلين الذين منَّ الله عليهم ولنتعلم من مدارسهم ومن علومهم ومن حِكَمِهمْ ونرجو من الله أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته في جنان النعيم مع الأنبياء والصديقين والشهداء و الصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: