حياة المحب بعد الممات

بعض الصّالحين ممّن وفّقه الله وجمع الرّزق الكثير الذي هو تزوّدوا فإنّ خير الزّاد التقوى اسمعوا ماذا ينشد عند موته كان يقول:
موت المحبّ حياة لا انقطاع لها قد مات قوم وهم في النّاس أحياء
أي يمشي بين النّاس ولكن ميّت إذا سألته ما هو هدفك في الحياة يقول لك أن يكون عندي سيّارة ويكون لديّ قصر، العصفور لديه بيت هزاز أي أن العصفور أرقى منك ولا يسأل عن الآخرة ولا يسأل أننا سوف نقف بين يدي الله حفاة عراة، ولا يسأل أنّه يوجد جهنّم وبئس المصير ميّت بشكل نهائي.
أنا أعرف شخص توضأ وصلّى الضحى وتوجّه إلى القبلة وقال لربّ العالمين: أنا جاهز، وقبض روحه، وبعض منهم دفن أحد الصّالحين فسمع عند قبره هاتف يقول: الحمد لله الذي أوصل الحبيب إلى حبيبه راضياً مرضيّاً، يا بني جلّ جلال الله الذي أذلّ بني آدم بالموت وجعل الدّنيا دار حياة واختبار وامتحان وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء لذا دعونا ندخل الى مدرسة الله ونسبها بالحب.
بعض الصّالحين رأى في المنام رجل في الجنّة يتبختر في حظيرة القدس (في دار الآخرة يسمح لك بالمشي فيها أمّا في الدّنيا غير مسموح ما عدا أرض المعركة) فقال له: ما هذا؟ ألم تنهنا عنه فقال: هكذا يمشي الخدّام في دار السلام عند الملك العّلام.
ازرعوا حتى تحصدوا والله الذي لا إله إلا هو إلا فهجموا لتندمون على كل ساعة فرطتموها بغير عمل صالح، لا تنشغلوا بما انشغل به النّاس بأموالهم وبطونهم، أنت عامل في هذه الدّنيا اعمل لوحدك والفرق بينك وبينهم أنّك تعمل لوجه الله وأنّك ترسل الحسنات إلى البنك الإلهي هناك حتى إذا رجعت تجد في البنك الإلهي الخير الكثير من رصيدك.
وبعض منهم عندما أحضروه إلى قبره وجدوا القبر مملوء بالريحان وقال حفّار القبر منذ قليل حفرته ولم يكن فيه شيء وانتشرت رائحته في كلّ المقبرة. وبعض النساء كانت تدعى المسكينة فتوفيّت فرأوها بعد موتها فقالوا لها كيف أنت يا مسكينة فقالت: أنا لست بمسكينة أصبحت الغنيّة فقالوا لها: كيف حالك؟ فالت: وما حال من أبيحت له الجنّة أرتع فيها كيف أشاء، فقالوا لها: بم؟ قالت: بمجالس الذّكر.
جاء رجل الى أخيه وكانا متحابّان في الله فطرق بابه فقال له: من أنت قال: أنا أنت، فقال له: يا أنا ادخل، فأنشد أحدهم قائلاً:
عجبت منك ومنّي أفنيتني بك عنّي أدنيتني منك حتّى ظننت أنّك أنّي
أي من كثر المودّة والمحبّة لا أعرفك من نفسي ولا تعرفني من نفسك، قال الصدّيق رضي الله عنه يوماً: من ذاق خالص حبّ الله يوماً استوحش عمّن سواه وترك لأجله ما يهواه.
بعض منهم رأى فتاة فأرسل ليخطبها فقال له أبوها: نقدها غالي عليك فقال له: اطلب ما تشاء، فقال: أن تصلّي خلفي أربعين يوماً وتصلّي الضحى وتحضر الدرس، فلازم على صلاة الجماعة خلف الأب (الإمام) وبعد الأربعين لم يعد ليطلبها فأرسلوا له أحد الأشخاص ليقول له ماذا حصل معك؟ فقال: يا وصال أنتِ سبب الاتصال لا تكوني سبب الانفصال.
لمّا ذاق لذّة وحلاوة الإيمان والمجالسة لذكر الله يعني لا يبقى لديك لذّة طعام ولا نساء ولا ملك، لو تعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا بالسّيوف. يا بني مدرسة الحب هي مدرسة أهل الذّوق والكمال، رحمة الله على من كان يقول:
إنّ المحبّ نهاره مستوحش بين العباد يسير كالمتفرّدِ
فالعين منه قريرة كبيه يرجو لقاء الواحد المتوحّدِ
يا حسن موكبهم إذا ما أقبلوا نحو الإله مع الحبيب محمّدِ
واسعَ أن تكون مع هذا الوفد وفد المحبّين لله ونصل إلى هذه المرتبة، قال بعض الصحابة : لننظر في حياة النبي وعبادته فسألوا زوجاتهم وبناتهم لأنّ زوجات النبي كانوا يخبرونهم فقالوا: النبي في مكان ونحن في مكان آخر، تعالوا لكي نضع مخطط للعبادة، فقال الأوّل: أنا أصلّي الليل ولا أفتر، وقال الآخر: وأنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال الثّالث: وأنا أعتزل النساء، وقال الرّابع: وأنا لا آكل اللحم، وفي اليوم التّالي علم النبي بذلك فذهب إلى كبيرهم وسأل أين الرّجل؟ فقالت زوجته: ليس هنا، فقال لها: أصحيح أنّهم اجتمعوا على كذا وكذا، فقالت: يا رسول الله إذا بلغك ذلك فالذي تقوله حق، فالنبي ﷺ بعد الصّلاة خطب بهم وقال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا والله إنّي أتقاكم وأخوفكم لله، والله إنّي أصوم وأفطر وأصلّي وأفتر، وأتزوّج النساء وآكل اللحم.
أعط قلبك لأهل الله واذهب لأي مكان بمجرّد أن يشدّوا الحبل وصلت إليهم، وفي الآخر أقول لكم بشارة من سيدنا محمّد ﷺ قال رسول الله ﷺ: ((غنيمة مجالس العلم المغفرة)) وأسأل الله سبحانه وتعالى لكلّ المحبّين منكم والمخلصين أن يجمعنا تحت لواء سيّدنا محمّد ﷺ والمقصّرين يلحقون بالرّكب ويبيعون هذه النفس الأمّارة.
كلّنا خدم لكلّ النّاس، الخلق كلّهم عيال الله وأحبّ الخلق أنفعهم لعياله، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن نستمع القول فنتّبع أحسنه هداة مهديّين غير ضالّين ولا مضلّين والحمد لله ربّ العالمين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: