حقيقة الإيمان قول و عمل

استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس بالدعاء : اللهم إنَّي أبرء إليك من حولي وقوتي والتجئ إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين.
أخوة الإيمان: الإيمان قولٌ وعمل وليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل ونحن الآن في شهر فضيل مبارك من الأشهر الحرم افتتح الله به هذه السنة الهجرية وهذه علامة تدل على فضل الله وكرمه أن افتتح السنة بشهر من الأشهر الحرم التي يجب على المؤمن أن يكون فيها حذر لأن الله تعالى قال ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فيهِنَّ أَنفُسَكُم وَقاتِلُوا المُشرِكينَ كافَّةً كَما يُقاتِلونَكُم كافَّةً وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقينَ))[التوبة: ٣٦] أي على المسلم أن يكون ضابطاً نفسه بكل ما يستطيع من قوة كي لا يقع في الإساءة وكأنَّ الله يأمرنا أن نفتتح السنة بالأدب والسلوك والإخلاص .
هذا شهر محرم جعله الله في بداية العام لنحني فيه طوعاً لله زيادة عن غيره لنكون داخلنا طائعين سالكين ونرجوا من الله أن نبقى على هذا التواضع وهذه الصفات طوال العام.
ومن القول الذي علينا أن نحوله إلى عمل الإيمان بكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل بحديث عن جابر رضي الله عنَّه: ((مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا)) جميعنا نحفظ هذا الحديث ونعرفه لكن من منَّا يُطبقه؟! الموضوع لا يتعلق بالبنزين فهناك سيارات لو وضعت لها كميه كبيرة من البنزين لا تتحرك وبعضها يكفيه كوب واحد لتوصلك إلى المكان الذي تريده، فعلينا أن نستدرك ونحول الكلام إلى عمل فلا يكفي قول بلا عمل ولا عملاً بلا قول فالله تعالى يقول((وَمَن يَعمَل مِنَ الصّالِحاتِ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلمًا وَلا هَضمًا)) [طه: ١١٢] والأخلاق تظهر عندما يستفزك أحدهم أو يغضبك فجودة السيارة تتضح في صعودها أما حال الهبوط فجميع السيارات والدراجات والطنابر تهبط فأرنا أخلاقك وحلمك عندما يجهل عليك أحدهم هل تحلم؟ هل تصبر؟ أم ترد الإساءة بالإساءة؟!
إن كنت ممن حلمت وصبرت واحتسبت فهنيئاً لك وإن كنت عكس ذلك فإيمانك عبارة عن صورة والصورة لا تغني ولا تسمن من جوع فصورة العروس مثلاً لا تنجب الأطفال ولا تنظف البيت ولا تطهو الطعام، نحن نريد حقيقة الإيمان وحقيقته قول يتبعه عمل وليس الإيمان بالتحلي فلا يغرُّك أنك ممن عرفت الشيخ فذلك لا ينفعك إن لم تكن تعمل بعمله فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للسيدة فاطمة (( يا فاطمة بنت محمد اشتري نفسك من الله فإني لا أغني عنك من الله شيئاً، يا عباس عم رسول اشترِ نفسكَ من الله فإني لا أغني عنك من الله شيئاً يا صفية اشتري نفسك من الله فإني لا أغني عنك من الله شيئاً لا تأتيني الناس بأعمالها وتأتوني بأنسابكم))
فالصَّادق لا ينتسب لنبيه وأهل العلم من بعده بالكلام فقط بل بالعمل فكم مره سمعنا من شيخنا رحمه الله يقول: ((إذا كان أولادي ممن لا يذكر الله فلن أتعرف عليهم يوم القيامة ))
فإذا لم تكن ذاكراً لا تظن نفسك من الناجين يوم القيامة، من الآن ضع مقياساً وامشِ عليه كم تذكر في اليوم ؟ إذا كنت ممن لا يذكر فنفسك والشيطان يضحكان عليك فتنبه فالنسب يوم القيامة ذكر الله وعندما يوجد ذكر الله سيكون معها التوفيق والاخلاق الحسنة وسيبعد الله عنك أصدقاء السوء ويُبدلك بأصحاب يشجعوك على عمل الخير ويزيدون في إيمانك وثباتك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا ، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ)) الثرثار كثير الكلام باللغو واللهو ويكثرونه بغير حق أما المتشدقون الذين يتوسعون في الكلام ويلوون ألسنتهم ويفتخرون وقيل الذين يستهزءون بالناس.
يا ترى من أي الفريقين تريد أن تكون؟ من أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى التي سقفها عرش الرحمن، الخدم فيها هم الملائكة وازواجك من الحور العين، فيها ما تشتهيه نفسك وما تلذ به عينك خالداً مخلداً فأي شرف هذا ؟!
كلمة خالدون سعادة بحد ذاتها لأهل الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)): يُؤتى بالموتِ يومَ القيامةِ كَبشًا أملَحَ، فيقالُ: يا أهلَ الجنَّةِ، تَعرِفون هذا؟ قال: فيطَّلِعون خائِفِين مُشفِقين. قال: يقولون: نعم. قال: ثمَّ يُنادى أهلُ النَّارِ، تَعرِفون هذا؟ فيقولون: نعم. قال: فيُذبَحُ، ثمَّ يُقالُ: خلودٌ في الجنَّة، وخُلودٌ في النَّارِ))
فلو قال لأهل النار أنتم ماكثين فيها مئة مليار سنة لفرحوا لأنهم سيخرجون في نهاية الأمر لكنَّ كلمة خلود قصمت ظهورهم، ولو قيل لأهل الجنة أنتم ماكثين فيها مئة مليار سنة لحزنوا لأنهم نهاية أمرهم سيخرجون من النعيم وكم من الصعب أن ينتقل الإنسان إلى الذل بعد أن كان عزيزاً.
إذاً خالدين فيها بجوار الله ينظرون إلى وجهه صباحاً ومساءً قال تعالى((وُجوهٌ يَومَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)) وقال تعالى: (( وَوُجوهٌ يَومَئِذٍ باسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفعَلَ بِها فاقِرَةٌ)) فمن أي الفريقين تريد ان تكون من هؤلاء أم من هؤلاء.
كلنا بالتأكيد يريد الجنة ونعيمها ولنضرب مثالاً على ذلك كلنا يريد الغنى لكن الغنى لا يأتي دون بذل الجهد والعناء إنما يحتاج للأخذ بالأسباب بأن تذهب للسوق وتتاجر وتبيع وتشتري فإذا كان الغنى يحتاج إلى جهد وتعب فكيف بالجنة ألا تحتاج إلى عزيمة وإرادة والله سبحانه وتعالى يبين لنا أن كلا من أهل الجنة وأهل النار يحتاجون للإرادة ﴿مَن كانَ يُريدُ (من الإرادة) العاجِلَةَ (الدنيا) عَجَّلنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَن نُريدُ)) تجده يجري وراء الدنيا ويأخذ بالأسباب فلا يحرمه الله إياها لكن النهاية (( ثُمَّ جَعَلنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصلاها مَذمومًا مَدحورًا﴾[الإسراء: ١٨] لأنه لم يجعل للآخرة اعتباراً ثم قال تعالى في الآية التي تليها ((وَمَن أَرادَ الآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعيَها))إذا لا تكفي الإرادة فكلنا نحب ان نكون من أهل الآخرة لكن هل نسعى لها كما يجب، اذا كان الجواب لا إذاً لن تصل فلابد مع الإرادة الأخذ بالأسباب فمثلاً إذا أردت تنظيف يديك فالصابون لوحده لا يكفي و الماء لوحده أيضاً لا يكفي فلا بد من اجتماع الاثنين معاً وهناك شرط ثالث (( وَهُوَ مُؤمِنٌ)) فلا تنفع الإرادة مع السعي مالم يوجد الإيمان فالطائرة لا تحلق في السماء مالم تستكمل الشروط ((فَأُولئِكَ كانَ سَعيُهُم مَشكورًا)) [الإسراء: ١٩] الله يشكرك وشكر الله مغفرته وعطاءه ورضاه وقربه فيعطيك القرب بالفردوس الأعلى بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال(( ذَرِ الناسَ يَعملُونَ ، فإنَّ الجنةَ مِائةُ درَجةٍ ، ما بيْنَ كلِّ درَجتيْنِ كمَا بين السماءِ و الأرضِ ، و الفِردوسُ أعْلاها درجةً و أوْسَطُها ، و فوقَها عرْشُ الرحمنِ ، و مِنها تَفَجَّرُ أنْهارُ الجنةِ ، فإذا سألتُمُ اللهَ فاسْألُوهُ الفِردوسَ)) فما أعظم هذه الجيرة ! لكنَّ هذه الجيرة تحتاج إلى استعداد وتهيئة فأنت في الدُّنيا لا تستطيع أن تجاور العظماء والأغنياء ما لم تجتهد وتصل إلى غناهم لتشتري بجوارهم فكيف بك إذا أردت ان تجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! كيف يجب أن يكون سعيك وامتثالك لأمره صلى الله عليه وسلم.
((مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا)) كثيرٌ منا يسمع فلان نصراني لكن أخلاقه أفضل من أخلاق كثير من المسلمين أو نسمع فلان لادين له (كافر) وأخلاقه ومعاملته تفوق معاملة المسلمين ، هذه وصمة عار في حقنا نحن المسلمين لماذا يكون الكافر والنصراني أفضل مني ومنك؟
يا ابني لو خسرت من جهدك ومالك ووقتك حتى تنشر وتبث الصورة الجميلة عن الإسلام فافعل فأنت الرابح فلأن يهدي الله بك رجلا واحد خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت فالإسلام أجمل من ملكات الجمال وأجمل من الجمال ومهما تُقدم وتفعل لتظهر جماله لن تستطيع أن تُظهر إلا القليل من جماله فتَشرف بأن تكون دليلاً ومرشداً وداعياً للإسلام بأعمالك وستجد الناس يدخلون برغبه ومحبة.
ذُكر لي قصة أحدهم يعمل في بلاد أوربية يبيع ملابس نسائية جاءه رجل ليشتري لزوجته (جاكيت) فعرض له جاكيت بسعر أربعمئة وخمسين دولاراً وعندما سأل عن جاكيت آخر يشبهه قال له هذا بمئة دولار فقط فدُهش الرجل عن هذا الفارق بالسعر مع أنَّ الاثنين متشابهين كثيراً وسأل عن السبب فأجابه أنَّ النوعية تختلف فسأله الرجل : كان بإمكانك أن تبيعني الجاكيت الذي ثمنه مئة دولار بسعر ذاك دون أن يدري أحد ؟!فأجابه: لكن الله يدري وحدثه عن الله ودين الاسلام فما كان من الرجل إلا أن أسلم .
انظروا الى هذا البائع كيف دعا إلى الإسلام بخُلق الأمانة، إذاً أوصل الاسلام بأعمالك لا مانع من الأقوال لكن عندما يقارنوا بين قولك وعملك يخرجون بدل أن يدخلون لأنهم أخذوا فكرة جمال الاسلام ونفروا منه عندما رأوا أفعالك وسوء خلقك وقلة أمانتك.
وإذا المقال مع الفعال وزنته خف المقال ورجح كل فعال
فالعمل هو الذي سيستقر في أذهانهم أما كلامك جيد في البداية لكن دع عملك يوافق كلامك حتى تكون داعٍ مخلص وتكون سبب في دخولهم الإسلام.
دخل أحد الشيوخ على أحد الخلفاء فقال له الخليفة: اقرأ لنا من كتاب الله حتى تنجلي قلوبنا فقرأ عليه ((اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يخرجون ….))فقال له الخليفة : قف لقد أخطأت يدخلون وليس يخرجون، فقال الشيخ كانوا يدخلون أما اليوم عندما يرون أعمالي وأعمالك فإنهم يخرجون.
شيء مؤسف أنَّ أحد الإخوان كان يَدرس في دولة أوربية وبأسلوبه وحكمته استطاع أن يجعل أستاذه يعتنق الإسلام هو وزوجته وشاء الله أن يُعين هذا الاستاذ الذي أسلم سفيراً في دولة لبنان فدعاه أحد المسلمين لتناول الطعام عنده فقبل تلك الدعوة رغبة في زيادة إيمانه وليسمع منه ما يقوي صلته بربه فلما دخل إلى البيت وجد زوجة المسلم قد ظهرت بلباس يخالف الشرع فسألهم ألستم مسلمين قالوا بلى ولكننا غير ملتزمين .
((إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا ، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ، قالوا : يا رسولَ اللَّهِ، قد علِمنا الثَّرثارينَ والمتشدِّقينَ فما المتفَيهقونَ ؟ قالَ : المتَكَبِّرونَ((
المتكبرون: الَّذين يتَكبَّرون على النَّاسِ بكَلامِهم وبالاستِعلاءِ عليهم بفَصاحتِهم في أقوالِهم وبيانِ عَظمتِهم في أفعالِهم. والمتكبر يظن نفسه ضامن الجنة بعمله ويزدري عمل غيره وهذا هو البلاء الأعظم كان سيدنا ابو بكر الصديق يقول والله لو بعث الله منادياً ينادي كل الخلائق تدخل الجنة إلا رجل لظننت أني ذلك الرجل هذا كلام مَن كلام الصديق الذي قال فيه الله(( “ثاني إثنين إذهما بالغار…….”والذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه(( ما لِأَحدٍ عندَنَا يَدٌ إلَّا وقَدْ كافأناهُ ، ما خلَا أبا بكرٍ ، فإِنَّ لَهُ عِندنَا يَدًا يُكافِئُهُ اللهُ بِها يَومَ القيامَةِ ، ومَا نفَعَنِي مَالُ أحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعِني مالُ أبي بِكْرٍ ، ولَوْ كنتُ متخِذًا خَلِيلًا ، لاتخذْتُ أبا بكرٍ خلِيلًا ، أَلَا وَإِنَّ صاحبَكُمْ خليلُ)) مع هذا بقي خائفاً هذا الخوف وهذا دليلٌ على الإيمان بينما الآن نجد أحدهم يصلي صلاة كلها وساوس ويظن نفسه سيكون في صدر الجنة ولا ندري هل سيثبت على إيمانه أولا؟ الله أعلم.
ثم يبين صلى الله عليه وسلم لنا حتى يقطع الجدل والمجادلة .في حديث أبي أمامة الباهلي ((مَن تَركَ المراءَ و هوَ مُبطِلٌ بُنِيَ لهُ بَيتٌ في رَبَضِ الجنَّة ومن تركه وهو محق بني له في وسطها……،/
فتابع سماحة الشيخ محمود المبارك موضحاً : عندما تجد إنساناً تقول له يا أخي الآن ليل وهو يقول لك لا بل نهار أنظر إلى الضوء و…….لا داعي أن تجادله فهو كفيف القلب والبصر فلا تُضيع وقتك معه لأن هذا الحوار والجدال لن يثمر (وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً)فالملائكة لا تعرف مزحاً أو لا كله كذب فإذا كذبت على حيوان سُجَّلت عليك كذبة وسُجِّلت عليك مخالفة فقد ورد عن الصحابي عبد الله بن عامر بن ربيعه قال دعتني أمِّي يومًا ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قاعدٌ في بيتِنا فقالت ها تعالَ أعطيكَ فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ما أردتِ أن تعطيهِ قالت أعطيهِ تمرًا فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أما إنَّكِ لو لم تعطِه شيئًا كُتبت عليكِ كَذِبةٌ. وعن عائشة قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أفلي رأس أخي عبد الرحمن ، وأنا أقصع أظفاري على غير شئ ، فقال : مهلا يا عائشة أما علمت أن هذا من كذب الانامل.
وكانوا اذا سمعوا من رجل حديث للنبي صلى الله عليه وسلم ثم رأوه يكذب على دابة تركوه وتركوا أحاديثه.
فكم نقع في أشياء مهلكة ونظن أنها بسيطة كمثل كذبة نيسان فكم من البيوت خُرِّبت وكم من النساء طُلقت وكم من أشخاص انتحروا من وراء كذبة نيسان.
((وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) وحسن الخلق متى يظهر ؟! يظهر عندما يجهل عليك أحد ويسيء إليك فتحلم عليه.
كان بعض الشيوخ يُدَرس فدخلت عليه امرأة وأخذت تسبه وتشتمه وفي نهاية كلامها قالت له: الآن عرفت أنك كاذب فقال لها جزاك الله خيرا، الحمد لله الذي ارسل إلي من يُعَرفني بنفسي.
وسيدنا ابن عباس رضي الله عنه جاءه أعرابي وبدأ يشتمه أمام طلابه فأنصت إليه فلما انتهى من كلامه قال له : إن كنت صادقاً غفر الله لي وإن كنت كاذباً غفر الله لك وسأله هل لك من حاجة فقال الرجل لا فقال ابن عباس أكرموه فقال الرجل أشهد أنك ابن عم رسول الله أي أنك من بيت النبوة فهذه اخلاق الأنبياء قابلت اساءتي بالدعاء لي والعطاء والاكرام .
فعليك يا بني أن تكون أخلاقك كأخلاقهم فإذا أساء لك احدهم سامحه وأكرمه وقدم له هدية فإن لم يكن ممنوناً لك بلسانه فسيعترف ضمنياً بقلبه أنك مؤدب ومحترم ويتأسف على نفسه أنه بغير أدب ولا تربية ولا أخلاق وفي هذا يقول الله تعالى:
فعلينا ان نحول هذه الآية إلى عمل.
يا ابني: ألست محب لرسول الله؟! ألست مقتدٍ به؟! إذا عليك ان تتصف بصفاته فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَما أَرسَلناكَ إِلّا رَحمَةً لِلعالَمينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] وقال: ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١] فعليك باتباع النبي بأن تكون رحيماً بمن حولك رحيماً بأهلك وجيرانك وموظفيك وأن تكون رحيماً مع من يجهل عليك فقد ورد عن أنس بن مالك أنه قال: كُنْتُ أمْشِي مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ برِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أثَّرَتْ بهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِن شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ له بعَطَاءٍ.
إذا اجعل قدوتك رسول الله وقابل فظاظة الجاهل بالحلم عليه وأعطه ابتسامة وكلمة طيبة تؤلف بها قلبه فتكسب محبته فإذا أحبك سلَّمك قلبه وعندها ازرع له الورد بدل الشوك وازرع له الاشجار المثمرة فمعاملته السيئة كانت بسبب قلبه البور الذي لا يحوي سوى الأشواك والاذى.
ختم سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس قائلاً : أسال الله لي ولكم التوفيق جعلنا الله ممن يستمع القول فيتبع أحسنه هلة مهديين غير ضالين ولا مضلين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: