
حديث الغار
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس بالقول: الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه والآل وأصحاب وسلم…. “”…..
بيْنَما ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ المَطَرُ، فأوَوْا إلى غَارٍ في جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ علَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عليهم، فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ، فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا، لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ، فَقالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إنَّه كانَ لي وَالِدَانِ شيخَانِ كَبِيرَانِ، وَامْرَأَتِي، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عليهم، فَإِذَا أَرَحْتُ عليهم، حَلَبْتُ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ، فَسَقَيْتُهُما قَبْلَ بَنِيَّ، وَأنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَومٍ الشَّجَرُ، فَلَمْ آتِ حتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُما قدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كما كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بالحِلَابِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِما أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُما مِن نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذلكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا منها فُرْجَةً، نَرَى منها السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ منها فُرْجَةً، فَرَأَوْا منها السَّمَاءَ.
وَقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إنَّه كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ ما يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فأبَتْ حتَّى آتِيَهَا بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حتَّى جَمَعْتُ مِئَةَ دِينَارٍ، فَجِئْتُهَا بِهَا، فَلَمَّا وَقَعْتُ بيْنَ رِجْلَيْهَا، قالَتْ: يا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَفْتَحِ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا منها فُرْجَةً، فَفَرَجَ لهمْ.
وَقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عليه فَرَقَهُ فَرَغِبَ عنْه، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حتَّى جَمَعْتُ منه بَقَرًا وَرِعَاءَهَا، فَجَاءَنِي فَقالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي، قُلتُ: اذْهَبْ إلى تِلكَ البَقَرِ وَرِعَائِهَا، فَخُذْهَا فَقالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلتُ: إنِّي لا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، خُذْ ذلكَ البَقَرَ وَرِعَاءَهَا، فأخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا ما بَقِيَ، فَفَرَجَ اللَّهُ ما بَقِيَ. وَزَادُوا في حَديثِهِمْ: وَخَرَجُوا يَمْشُونَ. وفي حَديثِ صَالِحٍ يَتَمَاشَوْنَ إِلَّا عُبَيْدَ اللهِ فإنَّ في حَديثِهِ: وَخَرَجُوا وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهَا شيئًا.
وفي رواية : أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ، حتَّى آوَاهُمُ المَبِيتُ إلى غَارٍ وَاقْتَصَّ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَديثِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ غيرَ أنَّهُ قالَ: قالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّ كانَ لي أَبَوَانِ شيخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُما أَهْلًا وَلَا مَالًا وَقالَ: فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِئَةَ دِينَارٍ وَقالَ: فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ منه الأمْوَالُ، فَارْتَعَجَتْ وَقالَ: فَخَرَجُوا مِنَ الغَارِ يَمْشُونَ…
وتابع سماحة الشيخ محمود المبارك متحدثاً عن العبرة : نأخذ العبرة من قصة الثّلاثة أنَّ أحدنا يجب أن يكون له خبيء من عمل صالح قام به في الرّخاء لينفعه في الشّدَّة …هل فكَّرتَ في أن تدّخر رصيداً لآخرتك….. نستفيد من حديث الغار …أولاً..عندما تفضّل الوالدين على الأولاد وهم يبكون بين يديك ..ليس لشيء إلا لأنّك تعظّم الوالدين امتثالاً لأمر الله تعالى “وبالوالدين إحساناً”.ثانياً ..عندما تترك الشّهوة وهي في أوجها وقد وصلت لها بكلّ سهولة وهي أمامك….تتركها مخافة الله تعالى. ثالثاً..عندما لا تنتظر أجراً ماديا أو شكراً على عمل شاق قمت به …وأنت غايتك الإخلاص لله تعالى عند هذه الثلاث فأنت تحصّل القرب من الله تعالى…وتحصل على ودَّهُ ورضاه….كيف تمتلك تلك الإرادة التي حصَّلها صاحب الشّهوة الذي امتنع عند شهوته مخافة الله ..
مصنع هذه الإرادة عند أهل الله..تبنيها كما تبنى حبّة القمح ..وتصبح سنابل ..”كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء”عندما ترى الدنيا مثل الناعورة ترفع أناساً وتذل أناساً”يعزُّمن يشاء ويذلُّ من يشاء”..لكن لايعزّ إلا من بذل الجهد الكثير …من سهر الليالي في القيام والذّكروالعبادة والعمل الصّالح ….-علينا أن نسير مسلّمين لقانون الكون…
.النّاس في خيرٍ ماتباينوا فإذا تساووا هلكوا ..هذه حكمة هامّة..قصّة حدثت مع سّيدنا موسى..،لما دعا ربَّه يارب أغنٍِ لي قومي أراد أن يغيّر نظام الكون…ولما أستجاب الله دعاءه أغنى القوم ..وقعدوا بلا عمل …تعطّل عند سيدنا موسى المزراب أصبح يسقط الماء على البيت وتعطّل الباب الخشبي والنوافذ فأخذ موسى يذهب إلى مصّلح المزارب ثم النجار…وهكذا كلّ واحد منهم يقول له :الله أغناني ولا حاجةَ لي بالعمل ،فعرف سيدنا موسى الحكمة وطلب من الله أن يعيد كل واحد إلى ،عمله في خدمة الآخرين ……
وبذلك يعود توازن الكون. ويكمّل النّاس بعضهم بعضاً وهذه سنّة الحياة..علينا أن نعتدل في كلّ شيء..قال عليه الصّلاة والسَّلام “سدّوا وقاربوا “.الأزمة الحقيقية هي فقدان المربّي فقدان الشّيخ..هناك الجامع الذي بتألف من جدران ..وليس جامع يجمع القلوب..الجامع الحقيقي (جمع القلوب على المحَّبة والتأخي )الشّيخ هو الذي يذكّرنا ويعلّمنا ويرعانا وينصحنا ويحمينا..ربّ العزة يقول “أنا جليس من ذكرني “وأنت مشغول بمتاع الدَّنيا،…….
ختم سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس بالقول: يا بني انتبه …..الذّكر بين النّاس على ثلاثة أقسام، ١الذكر العام وهو ذكر اللسان والقلب غافل (ذكر العوام)هناك من يقول لا اله إلا الله بلسانه وعمله غير ذلك يقول الله له (كذبت)!٢ذكر الخواص: يفكّر في لا اله إلا الله ..٣ذكر خواص الخواص :الذكر القلبي…… هو مع الله في كل نفس وفي كل نظر وفي كل خاطر..القلب ذاكر عندما يفرح القلب يفرح الجسد كلّه ،عندما يحزن القلب يحزن الجسد كلّه،عندما يخاف القلب يخاف الجسد كلّه ،عندما يذكر القلب يذكر الجسد و كلّه وهذا الكنز العظيم ..نحن علينا أن نتدرّج في مراحل الذّكرلنصل إلى مرحلة خواص الخواص بإذن الله تعالى ‘الجسم مني للجليس مجالس وحبيب قلبي في فؤادي جليسي’ *أسأل الله أن تستقرَّ هذه المعاني في قلوبكم وأن ينفعكم بها…وأن يشّرفكم الله في نقلها لغيركم زادكم الله توفيقاً وإحسناً__ومع سلامةالله