حادثة امحوها يا علي هي منهاج الفالحين

30-08-2020
الحمد لله حمداً يوافي نعمك ويدفع نقمك ويكافئ مزيدك سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
نعيش اليوم في هذه الأوقات المباركات مع حادثة عظيمة هي حادثة حصلت مع سيّدنا محمّد ﷺ لو عملنا بها لكنّا من السّعداء في الدّنيا والآخرة ، خصلة بسيطة قليل من يلتفت إليها ، النّبي ﷺ عندما ذهب إلى العمرة لم يأخذ معه إلا سلاح المسافر فتعرّضت له قريش ومنعته من الدّخول وخيّم في الحديبية وراح يتفاوض معهم وأرسل لهم سيّدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ليفاوضهم ومن شدّة الأمر وخطورته حاول النّبي ﷺ أن يرسل سيّدنا عمر رضي الله عنه فقال له: سوف يقتلوني لأنّه ليس لي أحد هناك يدافع عنّي بينما سيّدنا عثمان له أقارب في قريش يحتمي بهم فأرسل النّبي سيّدنا عثمان ، فظهر بين النّاس إشاعة تقول أنّه قتل فدعاهم النّبي ﷺ للبيعة على الموت أي أن نقاتل حتى نموت أو نفتح مكة ، فلمّا علمت قريش بذلك أرسلت سهيل بن عمر ليفاوض النّبي على أمر فيه ظلم للمسلمين وهو: أنّه من كفر من أهل المدينة وأراد أن يرجع إلى مكّة يسمح لهم ولا يتدخل فيهم أحد ،ومن آمن من أهل مكّة ممنوع عليهم أن يذهبوا إلى رسول الله بل يجب أن يبقوا في مكّة ويبرّحوا ضرباً حتى يرتدّوا عن دينهم.
وهنالك أيضا الكثير من الأمور الأخرى من بينها أنّهم قالوا له يجب أن ترجع إلى المدينة لأنّنا حلفنا باللّات والعزّى أن ترجع هذه السّنة وتعود السّنة القادمة ونأذن لك بعمرة ثلاث أيام فقط. فالنّبي ﷺ وافق على هذه الاتفاقية بينه وبين الكافرون بواسطة السّفير سهيل بن عمرو.
وفي جملة الاتفاق كتبوا: هذا ما قضى عليه محمّد رسول الله ﷺ وسهيل بن عمرو، فقال سهيل بن عمرو: لو نعلم أنّك رسول الله ما منعناك من الدّخول إلى مكّة وطلب أن يحذف كلمة رسول الله وكان الكاتب سيدّنا علي فقال النّبي ﷺ: امحها يا علي، فقال علي: والله لا امحوها يا رسول الله، فقال له النّبي: دلّني عليها وأخذ من ريقه الشّريف ومسحها وكتب محمّد بن عبد الله ثم قال: أهذا ما تريده يا سهيل؟ فقال نعم وتمّت الاتفاقية ووقّعت ورجع المسلمون بسلام.
العبرة والنتيجة من كلمة امحها يا علي أنّها استراتيجية لأهل العقول والنّظر البعيد وهي استراتيجية النّبي للحفاظ على مؤسسّة الإسلام والتي لم يستطع استيعابها أي انسان.
امحها يا علي هي تحوّل المسار من الجدل إلى مسار الهدوء الذي لا يضيع الوقت في الحروب، امحها يا علي هي خسارة في نظر النّاس لوقت مؤجّل لكن بعدها تحصد غنائم عظيمة، امحها يا علي هي خطوة تكتيكية للتّراجع ظاهرا الى الوراء لأجل قفزة استراتيجية عظيمة الى الأمام، لنعلم أنّ كلّ لحظة وكلّ دقيقة وكلّ حركة وكلّ عمل من أعمال النّبي هو قانون في حياتنا لنجاحها.
امحها يا علي هي تلك التي فتحت بها مكّة، امحها يا علي هي استراتيجية سيّدنا محمّد ﷺ مع الكفّار فما بالك مع الأصدقاء والأهل والأقارب، امحها يا علي تحتاج إلى نفوس ليس فيها العظمة، تحتاج نفوس ليس فيها القدرة ولا نشوة القّوة، وقول امحها يا علي ما أحوج أبناء الامّة الإسلامية لها لكي نستطيع فتح النفوس المغلقة التي شياطينها أشد من شياطين مكّة.
امحها يا علي لكلّ صاحب نفوذ مالي، لو يستخدمها لتوسّع نفوذه، ولكلّ مربّي امحها يا علي هي تراجع الانسان عن الخطأ إلى الصّواب ومن الرأي الضّعيف إلى الرّأي القوّي، وكان ﷺ يقول: “ما حلفت على شيء ورأيت أفضل منه إلا فعلت الذي هو أفضل وخير وكفّرت عن يميني”.
بعض النّاس يقول لقد حلفت يميناً ولا استطيع التّراجع عنه وكأن يمينه أعظم من يمين سيّد الخلق ، هذا هو الجهل وهذه النّفس الأمّارة وهذا الضياع أما الموفق لا يوجد عنده أنا ولكن عنده الحقّ حق، سيّدنا عمر عندما كان يريد تحديد مهور النساء فقال: ما رأيكم أن نحدد المهر 500 فالكل وافق بالإجماع وقالوا سمعنا وأطعنا وإذ امرأة من آخر الصّفوف وقفت وقالت : ما يكون لك ذلك يا ابن الخطاب أما تقرأ قوله تعالى:﴿ وإن آتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئا﴾ مباشرة قال سيّدنا عمر صدقتي أصابت امرأة وأخطأ عمر، هذه استراتيجية امحها يا علي.
امحها يا علي لكلّ وليّ أمر أي للزّوجة والأولاد والجيران إذا قال لك أحدهم أمر وكان مصيباً به فتراجع عن رأيك هذه امحها يا علي، أيضاً لكل مسؤول امحها يا علي تعطيك العزة والإنتاج والكرامة والثّبات، ولكلّ ابن وابنة..
كان ضيف عند سيّدنا عمر بن عبد العزيز فالسّراج خَفَتَ نوره أي نقص زيته فقام سيّدنا عمر بن عبد العزيز بنفسه بتزويد الزيت للسّراج فقال له الضّيف: يا أمير المؤمنين لو علّمتني كيف أضعه لفعلتها أنا فقال له: ذهبت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر لم ينقص مني شيء، هذه امحها يا علي بهذا العمل ازداد قدره عند الضّيف وارتفعت قيمته.
لكل زميل وزميلة ولكل جار مع جاره ولكل شريك مع شريكه ولكل انسان مع أخيه الانسان، امحها يا علي علامة فقد الأنانية، امحها يا علي صفة العقلاء والموفّقين وأهل الخبرة والنظر، امحها يا علي صفة أهل القلوب النّقية ﴿وما يلّقاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم﴾ امحها يا علي لأصحاب الفكر السّليم، وبقي علينا أن نقول: امحها يا قلب امحها يا عقل امحها يا نفس لنتعانق ونتصافح ونتحابب ونتزاور وتزداد المودة بامحها يا علي، اجعلها في كل عقدة تتعرض لها ” من تواضع لله رفعه الله”..
اسأل الله أن يجعلني وإياكم أهلا لهذه الكلمة العظيمة.. جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: