
جزاء الصبر على المصيبة
4-11-2020
الحمد لله الذي شرّفنا بهذا القرآن العظيم الذي حوى لنا كل ما يسعدنا في دنيانا وآخرتنا، حوى القرآن العظيم الدّواء والشّفاء وبيّن الدّاء فالعاقل الذي إذا تعرّف على الدّاء أخذ الدّواء ووصل الى الشّفاء ويقول المولى جلَّ شأنه: ((وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خسارا)) الظالمين الذين انغمسوا في شهواتهم وكذلك قال جلّ شأنه: ((ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين)).
أيها المؤمن لا بد لك من مطبّات في الطريق، طريق الدّعوة ليس كلّه استراد والمحبّ الصّادق يستمر في طريقه لأنّ حبّه ينسيه التّعب فتجده يتحمّل المشّقّات والبلاء ويجد لذّة فيها لأنها في سبيل الله ، اذاً القرآن فيه شفاء ليس فقط للأجساد إنما للأرواح أيضأً والنبي كان يحدّث أن المؤمن اذا أُصيب بمصيبة فحمد واسترجع (أي قال إنّا لله وإنّا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها) إلا أبدله الله خيراً منها وآجره على مصيبته ، فسمع الحديث صحابي جليل ويقال أنّه أبو سلمة فرجع الى بيته وذكر الحديث الى زوجته وبعد فترة من الزّمن توفّي أبو سلمة فقال لها النّبي ﷺ: يا أم سلمة استرجعي، فقالت يا رسول الله هل يوجد أفضل من أبو سلمة؟ والعناية الإلهية كانت أنّها عدّتها فقالت: كنت أدبغ جلداً فدخل عليّ رسول الله ﷺ فتركت الجلد وغسلت يدي ورحبت به فقال: يا أم سلمة أنا أخطبك زوجة فقالت: يا رسول الله أنا لديّ ثلاث عيوب فهل تقبلني على عيوبي؟ فقال ﷺ: ما هي عيوبك؟ فقالت: الأول: أني أغار وأنت لديك الكثير من النّساء، فقال: وما هي الثّانية؟ فقالت: أنّي مسنّة، فقال وما الثالثة؟ قالت: لديّ أولاد، فقال ﷺ: أمّا الغيرة فأدعو الله عزّ وجلّ أن يذهبها عنك وأمّا أن تكوني مسنّة فأنا أيضاً مسنّ وأمّا الأولاد فأولادك أولادي أضمّهم إليّ، فقالت: مثلك لا يرفض يا رسول الله.
وكانت أم سلمة رضي الله عنها من أكبر الدّعاة الى الإسلام، ويُذكر أنه عندما تقدّم أبو سلمة لخطبتها قالت إنّك لا تقدر عللا مهري، مهري أن تدخل في الإسلام، فذهب أبو سلمة الى رسول الله وأعلن إسلامه وكان الصحابة يقولون: مهر أمّ سلمة من أغلى المهور.
وبعد أن تزوّجها النّبي ذكّرها أنك حين حمدت الله واسترجعتِ لم يخيّبك الله. ويبشّرنا النّبي بحديث آخر قال: إن أصابتك مصيبة قديمة مهما تكن فتذكرتها وحمدت الله واسترجعت عاد عليك الأجر مرّة أخرى.
قال ﷺ: ((ما من مسلم ومسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها فيحدث عند ذلك استرجاع إلا جدّد الله له عند ذلك فأعطاه على مصيبته))، هذه الأفضال الإلهية أنّ الله يكتب لك الأجر كلّما استرجعت لذلك الانسان عندما يكون الانسان في هذه الحياة يريد وجه الله ينسيه حبّه كلّ المتاعب وورد في حديث قدسي يقول المولى جلّ شأنه: يا ملك الموت قبضت ولد عبدي؟ فيقول نعم، قبضت قرة عينه؟ فيقول ملك الموت: نعم، فيقول: قبض قرّة عينه وثمرة فؤاده؟ فيقول: نعم يارب، فيقول الله عزّوجلّ: ماذا قال عبدي؟ فيقول: ياربّ حمدك واسترجع فيقول الله سبحانه وتعالى: ابنوا له بيتاً في الجنّة وسمّوه بيت الحمد والثّناء فالمؤمن عند مصيبته يكون صبوراً وشكوراً وغير العاقل يشتم ويغضب عند مصيبته فيخسر الأجر ويقع في سخط الله.
قال تعالى: ((وبشّر الصّابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)).
الصلاة الواحدة تكون بملء الدّنيا فكيف الصّلوات؟ عندما تزرع تحصد وإذا لم تزرع لا تحصد شيئاً إذا كان في قلبك الإيمان تسترجع وتحمد الله وتشكره والله يعطيك على الذّرة مجرّة لكن عليك أن تكون مخلص لله وتعمل لله فقط وليس لإرضاء النّاس.
في عهد سليمان كان هناك رجل عنده طير له صوت جميل (حسّون)وهذا الطّير يغرّد وهو في القفص فيوم من الأيّام يأتي طير ثاني ويقف فوق القفص ويصدر أصوات عالية ثم يهرب ومن وقتها لم يصدر الحسون صوتاً أبداً فجاء صاحب الحسّون الى النبي سليمان يشتكي له فطلب سيدنا سليمان الطير وسأله ماذا قلت فوق القفص فقال: يا نبي الله قلت له: أنت مسجون في قفص بسبب صوتك الجميل اسكت ولا تغرّد يفتحوا لك القفص وتصبح حر طليق، لذلك من صبر ظفر والحسون عندما سكت صاحبه تخلّى عنه ولو ظل يغرّد لبقي محبوساً فلا تكن عجولاً بالصبر يفرّج الله همّك.
ومن أجر الصّبر عند الله تعالى يقول المصطفى ﷺ: ((إنّ عظم الجزاء من عظم البلاء وإنّ الله تعالى إذا أحبّ قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرّضا فاختر لنفسك ما يحلو)).
ما أجمل الدّروس لو تصل لكل مكان مثل الماء تنفع كل شيء، قال ﷺ: ((المصيبة تبيّض وجه صاحبها يوم تسودّ الوجوه)) عندما يسترجع ويصبر يبيّض الله وجهه يوم تسوّد الوجوه.
وأما الحديث الأخير: قال ﷺ: ((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ حتى الشّوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه)).
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه هداة مهديين غير ضالين ولا مضلّين والحمد لله ربّ العالمين.