
ثمار التزكية
2020- 10- 21
اللهمّ لا علم لنا إلّا ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم .
في هذا الشهر الفضيل الذي ولد فيه سيّد الخلائق أجمعين وهو شفيع الجميع يوم القيامة ليبدأ ربّنا بالحساب فمن كان إلى الجنة فهو إلى الجنّة ومن كان إلى النار فهو إلى النار.
في هذا الشهر العظيم على المؤمن أن يغتنم هذه النفحة الإلهية ليرتقي ولو ضربنا مثلاً على ذلك كيف أنّ الله يجعل لنا في رمضان العبادة سهلة كذلك في هذا الشهر الفضيل عناية الله بخلقه كرامة لحبيبه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم .
هذه النفحات الإلهية كما قال بعض الحكماء : المعصية للقلب المنير كمصباح السيّارة سيأتي الذنب ويحجب النور فيتيه صاحبه . أولياء الله لهم كلمات في العمق يبيّن لك أنّ نور قلبك الذي منّ الله به عليك ” مثل نوره كمشكاة في مصباح المصباح في زجاجة ” ، كذلك سمّي بالران “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ” ، فالران يمنع النور الذي يدخل إلى القلب والمعصية تمنع النور أن يخرج من القلب .
حتّى نتخلّص من هذه الأشياء لابد من المزكّي ” هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ” ، حاشا أن يحرم من أتى بعدهم وهو القائل ” وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم ” ، فالمعلّم هو الذي يزكّي نفوسنا ويهذّبها ويرقّيها مثل هذا المعلّم كمثل الطّباخ الذي يهيأ الطعام وينادي للجياع لسكب لهم الطعام فكلّ هذا من أجل أن يأتي أحدنا إلى مجلس العلم باكياً متحسراً يلتجأ إلى الله ويسأله حصّته هل سأعود بأوساخ صحني أم سأعود بصحن نظيف فارغ أم بصحن مملوء من الخير والغذاء ” وتزوّدوا فإن خير الزّاد التقوى ” .
بضاعة أهل الله غالية فلنحرص عليها بضاعة أهل القرب الإلهي والجنّة والسّعادة ، ما هي صفاتهم يوم القيامة يقول تعالى في محكم كتابه في سورة النحل : ” الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون ” . قال عليه الصّلاة والسّلام : ( لا بورك لي بيوم تشرق به الشّمس لم أزدد به علماً ) لأنّه بالعلم يأتي القرب ، لا ننكر كلّنا مذنبين ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ( داؤكم الذنوب ودواؤكم الاستغفار ) .
بهذه الحياة علينا أن نصبر عندما تأتي المصيبة تكون امتحان لك فهل تصبر تأخذ ثلاثمئة درجة عندما التقى بعض الفاسدين بامرأة جميلة لكنها تقية مصونة فقال لها يريد أن يوقعها في المعصية فقال : وزينّاها للناظرين فلمّا سمعته قالت : وحفظناها من كلّ شيطان رجيم فقال لها : بل هي فتنة ولكنّ أكثرهم لا يعلمون فقالت : واتقوا فتنةً لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّةً واعلموا أنّ الله شديد العقاب ، لم تترك له مجال فقال : نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا فقالت: لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا مما تحبّون ، ” وأتوا البيوت من أبوابها ” اسلك الطّريق السّليم فقال الرجل : وإن كان ذو عسرةٍ ؛ قالت : حتّى يغنيهم الله من فضله ، فقال والذين لا يجدون ما ينفقون ، فقالت : أولئك عنها مبعدون ، أي بالحرام لا يمكن فمن شدة غيظه لم يجد وسيلة إلّا ولعنها ولعن أمثالها فقالت : للرجل مثل حظ الأنثيين ، أي تلعن اللعنة فيأتيك لعنتين ، هكذا المؤمن يصدّ بالكلمة الطيبة والفاسق يستخدم القرآن لمصالحه .
يقول عليه الصّلاة والسّلام : ( الثبر ثلاث صبر على المعصية وصبر على الطّاعة وصبر على المصيبة ) فمن صبر على المصيبة حتّى يردّها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمئة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ومن صبر على الطّاعة كتب الله له ستمئة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض إلى منتهى الأراضين ، أي إلى الكواكب الأخرى ومن صبر على المعصية ، وهنا من النادر إذا تهيأت المعصية للرجل والمرأة أو تهيأ المال أو الرشوة كتب الله له تسعمئة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش مرتين .
عليك أن تعرف نفسك هل أنت عبد المنعم أم عبد النعم ، إذا كنت عبداً للنعم فأبقى كذلك إلى يوم القيامة أمّا إذا كنت عبد المنعم يجب أن تشكر المنعم وتطيعه ولا تعصيه هذا هو العبد الحقيقي فالعبودية يجب أن تكون عبد في كل شيء ، عليك أن تكون عبد في كلّ الأحوال كان لك رباً في كلّ الأحوال فمتى دعوته استجاب لك .
قال عليه الصّلاة والسّلام : ( إذا صلّى العبد في العلانية فأحسن وصلّى في السرّ فأحسن قال الله هذا عبدي حقاً ) الله يشهد لك بالعبودية ، نحن لا ننكر أن هناك شيطان لكن عليك أن تجاهده ، قال صلّى الله عليه وسلّم : ( ما منكم إلّا وله شيطان قالوا وأنت يارسول الله قال وأنا إلّا أنّه لا يأمرني إلّا بالخير قالوا لماذا ؟ قال : أسلم ) أي لا يأمر النبي إلّا بخير لكثرة مجاهدة النبي في تقويمه . كيف نتخلص من الشيطان ؟ نتخلص بالتزكية ، أن تحب المعلّم ويحبّك المعلّم أيضاً .
والتزكية لها ثلاث ثمار تعطيك الإرادة وهذه الإرادة تجعلك تتخلّى عن أشياء أدمنت عليها ، ومن ثمارها أيضاً الاختيار فإذا كان الاختيار على الإرادة الإيمانية فلا تختار إلّا ما يرضي الله ويختاره الله لك فهنيئاً لك أما إذا كان الاختيار على نفس أمارة ستختار المهالك والمعاصي وما يغضب الله إذاً فالتزكية أثمرت الإرادة وأثمرت الاختيار فيأتيك التوفيق من الله .
الله سبحانه وتعالى خصّكم بهذه المجالس مجالس التزكية والعلم والرباط والحب فكونوا أهل لهذا الاختصاص ، اختصّكم الله لحمل هذه الرسالة النبوية وعمل الأنبياء خصّكم لإنقاذ الناس الغرقى من بحر اسمه دنيا فالغريق في بحر الماء يسمّى شهيد أمّا الغريق في بحر الدّنيا فمصيره إلى جهنّم وبئس المصير .
وهذا التخصص له شرود أولها علو الهمّة وثانيها يجب أن يكون لديك صفاء القصد أي قصدك الله وثالثها صحة السلوك أي تسلك بطاعة عمياء لا اعتراض فيها كما أنك مع الطبيب في طاعة عمياء لا اعتراض فيها حتّى تصل إلى الصحة الجسدية والشيخ حتّى يوصلك إلى الصحة الإيمانية حتّى تكون بالقرب والأنس والمشاهدة أن تشهد أن الله يسمعك ويراك فتُشل الأعضاء عن المعاصي ، هذا علو الهمة وصفاء القصد وصحة السلوك هذه الأسباب التي تطهر القلب وتجعلك من أهل الاختصاص وهذه كلها من ثمرات التزكية التي أثمرت إرادة وأثمرت اختيار وأثمرت توفيق .
فشدّوا همّتكم واشكروا الله على هذه الموائد وأكثروا من ذكر الله وخاصةً في هذا الشهر فأكثروا من الصلاة على رسول الله وعرّفوا برسول الله بأنّه رحمة ليس للمسلمين إنّما للعالمين وكانت الأنبياء من قبله رحمة لقومها وجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم رحمة للعالمين لأنسها وجنّها .