
تهيئة الأرواح لرمضان
درس سيدنا الشيخ محمود المبارك السبت 3- 4- 2021
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس قائلاً بسم الله الرحمن الرحيم وأفضل الصّلاة وأتمّ التسليم على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين يقول المولى جلّ شأنه في محكم كتابه ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ” هذا الخطاب للذين آمنوا أي فرض علينا الصيام وهو أمر من الله حتّى نصبح في صحّة وسعادة لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : ( صوموا تصحّوا ) وجعلها كلمة مطلقة تقاس على الجسد والنفس والروح ، هذا الشهر الفضيل العظيم ننتظره ونهيئ أنفسنا له والبلاء أنّ الناس تهيئ لبطونهم وطعامهم ولا يهيئون لقلوبهم فخسروا خسراناً مبينا .
علينا أن نعد لأجسادنا لا مانع لذلك ولكن الأولى أن نهيئ لأرواحنا برنامجاً نخرج منه في آخر رمضان بجائزة كبرى من أعظم جوائز الدنيا وهي العتق من النار قال تعالى : ” ومن زحزح عن النار فقد فاز فوزاً عظيماً ” فالمؤمن في هذا الشهر العظيم يضع بينه وبين النار سداً عظيماً كما وضع ذو القرنين سدّاً ، قال صلّى الله عليه وسلّم ( اتّقوا الله ولو بشقّ تمرة ) ، ( أفطروا الصائمين ولو بمرقة لبن ) حتّى ترتفع الدرجات ويكتب الأجر كما للصائم لا ينقص فيه شيء فيخرج بذلك المؤمن بأجر عظيم من شهر رمضان الكريم .
ليلة القدر ليست جائزة واحدة وإنما جوائز شتّى عديدة لا تحصى منها صفاء القلب والقرب من الله تعالى والأنس وشفاء الجسد من الأمراض مثاله مثال المعمل الذي نجري له صيانة في شهر من السنة وهذا الشهر هو ركن من أركان الإسلام قال صلّى الله عليه وسلّم ( بني الإسلام على خمس ) من بينها الصيام مثاله مثال البناء الذي يحوي أركان تقوم عليها وبعض الناس حرموا بركات الشهر بصحبتهم الفجّار والفاسقين الذين يفتنون الناس ويقنعوهم بالإفطار والعياذ بالله ويوم القيامة يعاقبون ” وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنّا تصيباً من النار فقال الذين استكبروا إنّا كلٌ فيها إنّ الله قد حكم بين العباد ” .
فهل نحن مستعدون لهذا الشهر الفضيل بالتوبة النصوحة وردّ المظالم وتشدّ عزائمنا والإكثار من الذكر فأفضل العبادات الذكر وتلاوة القرآن ولكن لا نهمل بيوتنا وأزواجنا وأولادنا فالعاقلة لا يوجد لديها وقت لتضيعّه في مشاهدة التلفاز …التقوى أن تغمضي عينيك وتذكري الله وشيخك واقف ليأخذ الإذن لك لتدخلي الحضرة الإلهية حتّى يُفتح لكِ الباب وتحصلي الوصال مع الله سبحانه وتعالى.
وتابع سماحة الشيخ محمود المبارك : النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر ذلك للصحابة وآمنوا به وأكّد الله تعالى ذلك بنزول سيّدنا جبريل عليه السّلام بهيئة رجل عند رسول الله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : بينما نحن عند رسول الله في مكان يُقال له الروضة وهو مكان مجلس العلم والذكر قال صلّى الله عليه وسلّم : ( بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة ) قال صلّى الله عليه وسلّم : ( إذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا وهي مجالس العلم والذكر) .
كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلّم الصحابة في الروضة ، بينما نحن عند رسول الله في الروضة طلع علينا رجل شديد بياض الجلد وشديد سواد الشعر لا يُرى عليه آثار السفر فجلس عند رُكبتيه ووضع كفيه على فخذيه ، وفي هذا درس لنا أن نأتي بأناقة بين يدي الشيخ ونتطيّب ونكون بأجمل حلّة ففي زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم أتت امرأة وطلبت أن يعلّمها النبي أمور دينها فأمرها أن تذهب وتتحنّى وتتجمّل لأنّ الدين جمال .
الصحابة الكرام لم يعرفوا هذا الرجل وعندما وضع يديه على فخذيه صلّى الله عليه وسلّم فقال : يا محمّد أخبرني عن الإسلام فقال : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وتقيم الصّلاة ( أي استقامة الصّلاةكاملة ) فعندما تكون صلاتك مستقيمة وتناجي الله وهدفك إلهي أنت مقصودي تحصلي على الصّلاة المطلوبة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وغير ذلك لن تحصلي شيئاً .
مرّةً أتى خادم لأبي بكر رضي الله عنه فأخذ منه بعضاً من حليب كان مع الخادم وعندما شرب القليل منه أبعده عن فمه فسأله عنه فقال عندما قمت بالتنجيم لأحد الأشخاص فقام أبو بكر رضي الله عنه بتقيّؤ ما قد شرب ودعا ربّه ربّ لا تؤاخذني بما امتصته العروق فقلب أبي بكر كالقماش الأبيض الذي يظهر فيه أي غبار ، مرّة حضرنا طعام مع شيخنا فشعر من أول لقمة أنّ الطعام من مشرك ، فالصلاة ثقيلة إلّا على الخاشعين فعليك أن تحسني أداءها .
الفقير تكون أركان إسلامه ناقصة فلا زكاة له ولا يستطيع الحج أيضاً لذلك الإسلام أمرنا بالغنى حتّى نستكمل أركان إسلامنا ، كمالة الحديث ( وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان ) فصوم رمضان فريضة على كل مسلم ومسلمة حتّى لو مرضنا علينا أن نقضي ما فاتنا من صيام حتّى لو أتى الحيض نفطر ثمّ نقضي بعد رمضان مع عدم التأخير فلو تأخرنا لرمضان الذي يليه وجب علينا القضاء مع كفّارة عقوبة على تأخير أمر الله فالموفقة لا تصبر حتّى تقضي دينها خوفاً من أن تموت.
) وتحج البيت) إذا استطعت ، فكلّما قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم شيئاً ما يقول له الرجل صدقت مع العلم أنّه السائل المتعلّم ، قمّ قال له أخبرني عن الإحسان فقال : (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ) ، فعندما تكون لوحدك في خلوتك فالله والملائكة معك أينما كنت ( فإن لم تكن تراه فإنّه يراك) من رحمة الله فينا لم يُؤذن لنا أن نرى الله حقيقةً سيّدنا موسى عندما سأل الله أن يراه قال : ” فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكاً ” ، ” ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعاً صفصفا ” ، ” فخرّ موسى صعقاً ” ، فالله لم يقل له لا تستطيع أن تراني وإنّما أراه ذلك بشكل عملي .
علينا أن نعبد الله كأننا نراه وإيماننا يقيني ونتخيّل بقلوبنا وعقولنا وجود الله معنا ، فقال جبريل عليه السلام : صدقت ، قال الصحابة : فعجبنا يسأله ويصدّقه ثمّ قال : (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه بعد أن سأله عن الإيمان) فهل نحن نؤمن بالله وأنّه شديد العقاب ” نبئ عبادي أنّي أنا الغفور الرحيم وأنّ عذابي هو العذاب الأليم ” فالنبأ هو الخبر من حضرة الله أنّه غفور رحيم لمن أطاع الله والتزم أوامره أمّا العذاب الأليم لمن عصا ولم يلتزم أوامر الله ، الملائكة يصوّرون حياتنا بالصوت والصورة ويعرضونها علينا يوم القيامة ” يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه ” فننظر حياتنا في كل حركة من بدايتها لنهايتها .
قال تعالى : ” إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا ” يسألك الله لمَ أحببت غيري فالله لا يعذر أحدنا على الجهل فالعلم فريضة لا حجّة لك فيه لأن الله سبحانه وتعالى تفضّل علينا بوسائل التواصل التي توصل لنا العلم ونحن في بيوتنا وجانب أزواجنا إن منعونا عن الحضور الحقيقي فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كوني خلوقة معه …وادعي الله أن يجعل فرجاً ….عندها سوف يخضع زوجك لما تريدين من صدقك ولكن غير الموفقة التي تقصّر في حقّ زوجها فهو بذلك لا يرغب بحضورك الدرس لكن علينا أن نري أزواجنا الخير والصلاح بعد حضورنا الدرس .
عندما نؤمن بوجود الملائكة علينا أن ننتبه لأعمالنا وأقوالنا ” يومئذٍ تعرضون فلا تخفى منكم خافية فمن اوتي كتابه بيمينه يقول هاؤم اقرؤوا كتابيه إنّي ظننت أنّي ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية ” هل تخسري كل ذلك من أجل كذب وضياع وقت فعندما تؤمني بوجود الملائكة تتأدبي ، كذلك علينا أن نؤمن بكتب الله كلّها تلك الكتب السماوية قبل تشويشها فالصيام قد كتب في كل الأزمان فنحن نؤمن بكتبهم ورسلهم ونأخذ منهم وعليهم أيضاً أن يؤمنوا بكتابنا ورسولنا ويأخذوا منا .
ونؤمن أيضاً بالقدر مع التمييز بين القدر الذي كتب علينا والقدر الذي اخترناه مثال ذلك ندع النوافذ والأبواب مفتوحة في البرد الشديد وتنام فتستيقظ مريضة وتدّعي أنّه قدر الله وقضاؤه لكن هذا كلام خاطئ وتعتبري منتحرة إذا توفيت وإنما القدر الذي كتبه الله هو بعد أن تأخذي بكل الأسباب إذا مرضت فهو قدر وتؤجري عليه وإذا توفيت فأنت شهيدة .
(فقال جبريل عليه السلام : صدقت ، فقال : فأخبرني عن الساعة قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنّما الساعة علمها عند ربي وما المسؤول أعلم من السائل) وهذا من رحمة الله وكرمه لأنّه إذا علمنا وقت الموت ستموت نفوسنا ، فقال : أخبرني عن أماراتها فقال : أن تلد الأمة ربّتها ، كالذي يجلب خادمة فيتزوجها فتجلب الولد الذي يصبح سيّد والدته الجارية ، ومن علاماتها أن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة يتعالون في البناء .
فذهب الرجل وتركهم فقال النبي اذهبوا وانظروا الرجل فذهبوا فلم يروه فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : هذا جبريل أتاكم ليعلّمكم دينكم ، وختم سماحة الشيخ محمود المبارك قائلاً : ونحن مثالنا مثال الصحابة نجد الشيخ يعلّمنا مثل سيّدنا جبريل أمور ديننا فهل آمنا أم ليس بعد؟ فالموفقة تعمل بالدعوة وتُخرج من بحر الدّنيا عدة نساء فأنت ما استطعت عليك أن تنشري مجالس العلم المباشرة على الزوم مثل الذي أحضر العشرة المبشرين بالجنة في أيام قليلة فكانوا من خيرة الناس فاعملوا بالدعوة وأحضروا الناس لينتفعوا معنا .
اسأل الله العظيم التوفيق والصلاح ودوام الخير