تربية الأبناء على الإيمان – حفظ اللسان

2020- 12- 23

استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس قائلاً :

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان على سيّدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين نتذاكر في هذه الساعة المباركة أمراً عظيماً غفل عنه الناس أننا نبني لأبنائنا جناح واحد وهو جناح الدّنيا وهو لا يغني من جوع ( قيل يارسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال ثمّ من ؟ قال أمك ، قال ثمّ من ؟ قال : أمك ، قال ثمّ من؟ قال : أبوك ) ، النبي يقول أمك وهو يقول زوجتي نحن نعلم أنّ الزوجة مكرّمة أمّا الأم هي التي ربتك .

قصة أم مع ولدها اليتيم تسكن بجوار نهر دجلة مضى يوم من الأيام والماء يجري حولهم والنهر طاف عليهم وعندما رأت ذلك حملته فوق رأسها وأخذت تعالج الماء فغرق كل شيء عندها وسلمت هي وابنها وهي تقول الحمد لله الذي سلّم لي ولدي عندما خرجت من هذه المحنة أخذت تربي ابنها بمساعدة أهل الخير وتعلّمه كيف يحضر الأموال ويديرها ونسيت أن تعلّمه أمور دينه وعندما كبر وتزوج …أمرته زوجته أن يلقي بأمّه في دار العجزة وكانت هذه هي مكافأتها.

قال الشاعر : أرى الكلب لا ينسى منك الجميل بلقمة وإن نال منك الجور والطرد والضرب وإن عاش في نعماك الدهر كلّه ذو لؤم عليك بأدنى هفوة يعلن الحرب ، فجناح واحد لا يوصله لمكان وهو جناح الدّنيا ودائماً نحتاج لجناح ثاني وهو ” واتقوا الله ويعلّمكم الله ” ، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : ( من أمسى وله والدان راضيان عليه أمسى وله بابان مفتوحان إلى الجنّة ومن أصبح وله والدان راضيان عليه أصبح وله بابان مفتوحان إلى الجنّة ومن أمسى وله والدان غاضبان عليه أمسى وله بابان مفتوحان إلى النار ومن أصبح وله والدان ساخطان عليه أصبح وله بابان مفتوحان إلى النار ) .

والدة الشافعي رضي الله عنه كانت تبحث في كلّ مكان عن شيخ يعلّم ويربي لها ابنها فهاجرت حتّى وصلت لمكة للعراق للشام للمدينة وهي تبحث عمّن يربّي لابنها جناح الآخرة مرّةً من المرّات أخذت مبلغ من المال إلى رئيس التجار وطلبت أن يتاجر لها بهذا المبلغ فطلب أن يرسل ابنها معه حتّى يتعلّم التجارة فعندما أرسلت ابنها قالت للتاجر أبقي المال معك فرفض وقال دعيه مع ابنك فقامت بوضع المال بأسفل ثوب ابنها وخاطت له الثوب وأرسلته مع التجار و بالطريق ظهر لهم قطّاع طريق فأتى رئيس اللصوص إلى الشافعي وقال له : ماذا أحضرت لنا أيها الغلام ؟ فقال له معي 400 دينار فتعجب اللص وتساءل وقال أين هم ؟

فقال في ثوبي فتأكد اللص من وقال له هل تعلم من نحن ؟ قال له الشافعي نعم أعلم أنتم لصوص تريدون سرقتنا ولكنّي تعلّمت من أمّي أن أتكلّم الصدق دائماً وأعطيت لها عهداً ألّا أكذب فتأثّر اللص كثيراً من حال هذا الغلام الذي لا يكذب وهو في حال سرقة وخداع فنادى أعوانه اللصوص وأمرهم أن يعيدوا كلّ ما سرقوه كرامة لصدق هذا الغلام العظيم .
سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( الحلال يذهب ؟ قال : نعم ، قالوا والحرام ؟ قال : هو وأهله ) والصدق كذلك ينجي فعلينا أن نربّي أبناءنا على الصدق كل واحد منّا يريد من ابنه أن يصبح طبيباً او مهندساً ا وطيّاراً ويهمل جناح الآخرة ، قالوا يارسول الله وما النجاة ؟ فقال : أمسك عليك لسانك ، أي توقف عن اللغو والغيبة والنميمة ، وقال رسول الله : ( وليسعك بيتك ) ، أهل بيتك اعتكاف لكل خير .

وتابع سماحة الشيخ محمود المبارك بحديث : وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم المؤمن بهذا الوصف فقال : ( المؤمن كالنحلة إن أكل ، أكل طييّباً ) أي يسمع كلام الخير والفضيلة ويعرض عن الكلام الفارغ ، عليك أن تفكّر بغذائك الروحي والقلبي قال تعالى : ” وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى ” فالمؤمن هو الذي يغذّي روحه على كلام الله ورسوله الكريم على يد العلماء وأهل الله الاختصاصيين فليس كل شيخ يستطيع أن يهضم كلام الله وكلام نبيّه ويقدّمه لك كالشفاء الذي يعالج روحك ويداويها .

وها هو ذا نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم خير دليل لنا فقد كان قرآناً حقيقياً يمشي على الأرض لأنّ القرآن في زمانه لم يكن مكتوباً وإنما آيات متفرقة وها نحن مثالنا إذا لم نكن قرآناً بأفعالنا وأخلاقنا فلا قيمة لنا مثل المخطط الهندسي للبناية فهكذا الناس تجلس تحت المخطط ولا يدخلون لقلب الشيخ كبراً وترفعاً ولا يستفيدون شيئاً فتجدهم يهلكون عندما تأتي الأمطار وتنزع كلّ المخطط .

قال صلّى الله عليه وسلّم : ( المؤمن كالنحلة وإذا أخرج أخرج طيّباً ) أي أنّه يتكلّم بكل خير وفضيلة فإذا سمعت االفضائل بأذنيك ستخرجها فضائل بلسانك بعد أن تستقر في قلبك وروحك ، ( وإذا وقف على عود النخل لا يؤذيه ) ونحن ما حالنا يا ترى ؟ ماذا نفعل بمن نجالس ونخالط هل نؤذيه أم نكون لطفاء معه ، المؤمن خفيف لطيف فالنبي وصف لنا هذا الوصف حتّى نصبح نحن على هذا المستوى من الذوق الرفيع .

بعض الأحاديث قال سيّدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه : أو نؤاخذ على ما نقول ؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : وهو يداعبه ( ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يُكبّ الناس على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم ) فاستخدم لسانك لأبنائك حتّى تبني عندهم جناح الآخرة والتقوى وحاسبهم على العلم الذي يفوتهم ، والله تفضّل علينا وأدخل العلم إلى كل مكان في هذه الدّنيا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة أنت دلّهم على منبع الماء وهم يقررون أن يشربوا أو لا .

وأخبرنا سماحة الشيخ محمود المبارك أن: يوم القيامة إذا لم تكن أخبرتهم عن مكان نبع الماء سيحاسبوننا أمام الله لأننا عرفنا مكان الخير ولم ندلّهم قال صلّى الله عليه وسلّم : ( أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكَ على خطيئتك ) نحن نبكي على كلّ شيء إلّا الخطيئة ، الله سبحانه وتعالى يعرف بكاءنا إذا كان صادقاً أم كاذباً فغداً في الآخرة البكاء من شدة العذاب يكون دماً وليس دمعاً .
قال تعالى : ” ولا يؤذن لهم فيعتذرون ” فتراهم لا يؤذن لهم بالكلام أبداً مدة أربعين سنة ” ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون ” ثمّ يأتيهم الرد بعد أربعين سنة ” اخسئوا فيها ولا تكلّمون” وسبب ذلك لأنهم ضاعوا في الحياة الدّنيا وحصدوا ثمار أعمالهم .

وفي حديث آخر سأل بعض الصحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال : ( كن كحلس بيتك وعليك بخاصية نفسك ودع عنك أمر العامّة ) أي الزم بيتك مثل الحصيرة التي تلازم الأرض وعليك أن تنشغل بشؤونك فقط ولا تتدخل بشؤون غيرك وخاصيّاتهم وانشغل على أهل بيتك بالذكر والعلم ولا تنشغل بالأمور العامّة التي لا تنفعك .

سُئل النبي صلّى الله عليه وسلّم مرّةً ( فقيل له : بشرنا يا رسول الله بما يسرّنا ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : هل تضمن لي ما بين لحييك وما بين فخذيك أضمن لك الجنّة ) وهذه أمور بسيطة اضمن لسانك ولا تتكلّم أموراً بدون نفع ، رحمَ الله من كان يقول : احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنّك فإنّه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقائه الشجعان .

هذا اللسان الذي لا تعرف قيمته من سيعلّمك كيف تستخدمه ؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ( دع قيل وقال ) ، ( إنّ الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) فهذا شيء يبغضه الله ورسوله ونحن لا نزال معلّقين بهم وانشغلنا عن ابنائنا وقصّرنا في حق تربيتهم ، وكذلك عليك أن تدع كثرة السؤال إلّا بما يخدم دينك وإيمانك .

وختم سماحة الشيخ محمود المبارك قائلاً : قد أمرنا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن نعلّم أبنائنا حب النبي وآل بيته وتلاوة القرآن ومن ضمن آل بيت النبي أن نحبّبهم بالعلماء والمشايخ لنربط قلوبهم بقلوب أهل الله الصافية ونرتقي بهم في معالي الجنان فيصبح ابنك أخذ شهادة دنيوية ومعها جناح الإيمان فهو صالح تقي فيصبح خير وصلاح لكل المجتمع والبلد بأكملها فحافظوا على بيوتكم وصلة الأرحام وبر الوالدين حتّى نكون منبع الصالحين والأبرار والصّديقين وحسن أولئك رفيقا .وسلامٌ على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين .

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: