المحب الصادق في طريق السلوك

24-11-2019

يصف الله تعالى لنا ما هو المؤمن في كل زمان في حادثة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون فيقول تعالى: ((وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)).
إذاً المؤمن ناصح أينما كان لكن بالحكمة والموعظة الحسنة كما بين ذلك الله تعالى بقوله: ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)).
ووصف الداعي وصفاً آخر فقال: ((َلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)).
فهنيئاً لمن نذر نفسه لدعوة الله لأنه ركب مركوب الحب، والمحب لا يستطيع إلا أن يذكر عن حبيبه.
هذا الذي منّ الله تعالى عليه واستظل تحت أغصان شجرة الحب ليستنشق ريحها الطيب وينظر إلى أزهارها الجميلة ويأكل من ثمرها وينعها.
المحب سعيد عندما يلتقي بمن يذكره بمحبوبه فعندما يجلس الإنسان مع أصحابه ويتحدث عمن يحب تجده مطروباً بهذا الحديث يجد اللذة عندما يصف محبوبه أمام أصدقائه وهذه صفة الداعي.
الحب يكون في الإنسان والحيوان وفي جميع المخلوقات فعندما تلقح الأشجار إذا لم تكن هناك مودة والنوعية ذاتها فلا يقبل الطعم، عليك أن تأتي من فصيلتها حتى تقبل الطعم فلا يمكن أن تطعم مشمش بتفاح.
ومن محبة المخلوقات لله تعالى أن الشجرة تنبت للأعلى باتجاه حبيبها، ضربت بجذورها الأرض ورفعت رأسها للسماء.
الحب لا يكون إلا بعد التوافق بين النوعين المتحابين…
لا يمكن الجميل يحب القذارة فلا تناسب بينهما..
((الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)).
وقال النبي ﷺ: ((لو دخل مؤمن إلى مكان فيه تسع وتسعون منافقاً ومؤمن واحد لم يجلس ذلك المؤمن إلا بجوار المؤمن)) دون أن يعرفه كذلك الحب العكسي ((لو دخل منافق إلى مكان فيه تسع وتسعون مؤمناً ومنافق واحد لا يستأنس إلا بالمنافق)) هذا التوافق بين المحبين.
علينا أن نشكر الله ونعترف أننا مدينين له أن جعل حبنا لأهل الكمال…
لأهل القرب…
لأهل الأنس…
هذا كله من فضل الله: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى)).
((ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ)) كان بين فرعون وقومه لكن العناية الإلهية اختصته واختصت كذلك زوجة فرعون.
الله تعالى يبين لنا كيف أن هذا الرجل كان حكيماً أخفى إيمانه ولم يستهتر بأن الله معه وسيدنا موسى عليه السلام معه بل دعا بالحكمة والموعظة الحسنة فلم يقل يا كفار يا فجار… قال: ((يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ)) والرشد هو طريق الفلاح والنجاح والسعادة وهكذا المؤمن يدعو… أعطني يدك لأدلك على طريق السعادة طريق الفضيلة طريق السلامة طريق: ((لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ))
حافظوا على هذا الحب نمّوه بكثرة ذكر الله ومجالسة من ينمّي فينا حبنا لله ولرسوله ﷺ ولأحبابه.
لكن حتى يصل الإنسان لمرتبة الحب العالية لا بد وأن يجد المصاعب.
رحم الله من قال: لا بد دون الشهد من إبر النحل.
كذلك نحن لا بد لنا من الإيذاء ولا بد لنا من يعادينا ويفسد حبنا حسداً…
قد يُرغّبك بأن لديه الأفضل… هؤلاء هم قطاع الطريق على أهل الله…
في بداية الدعوة مع سماحة الشيخ رجب كان هناك البعض يروا أن الجامع ممتلئ فيأتون ويتفردوا بضعفاء النفوس ويخرجوهم لكن لم ير أحداً خرج وبقي على الخير الذي فيه إلا وتغيرت حياته وتغير سعيه… فلما تغير غذاءه تغيرت حياته.
وفي كل زمان نجد هذه البضائع وأهلها.
أما إذا لم يعرف العسل من لدغة واحدة يترك العسل…
يترك الدعوة..
((أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)) دون اختبار..
عندما تأخذ شيء إلى الصائغ لا يشتريه دون أن يحرقه ليختبره إذا كان ذهب حقيقي أو لا…
إذاً ما هي إبر النحل التي نقاومها حتى نستكمل الحب الذي هو كبساط الريح الذي نجد العبادة فيه خفيفة ولها لذة وسعادة؟!
إبر النحل أن تقاوم شهواتك…
تجاهد نفسك الأمارة…
تصارع رغباتك التي لا يرضى بها الله تعالى تقاومها حتى لو وجدت المشقة…
وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم
فالشيطان إن قال لك اذكر يكون له غاية كالكبر مثلاً
أما الميول الشرعي المأذون به نعمله طائعين لله ذاكرين له غير غافلين عنه جل جلاله.
المحب الصادق هو الذي لا يغيب محبوبه عنه لا في ليل ولا في نهار.
قيل إن سيدنا موسى عليه السلام سأل رب العزة في المناجاة: ((يا رب من يسكن غداً في حظيرة القدس ويستظل بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟)). وسُميت حظيرة القدس لأنها محظورة إلا من دُعي إليها.
قال له تعالى: ((يا موسى أولئك الذين لا تنظر أعينهم في الزنا (لا ينظرون إلى غير حلالهم) ولا يبغون في أموالهم الربا ولا يأخذون على أحكامهم الرشا (الرشوة).)).
ثم قال تعالى فيهم: ((طوبى لهم وحسن مآب)).
لكن شخص ترك لنفسه هواها ولم يقاوم عينه ولم يخالف شهواتها فيقول الله خلق الجمال لننظر إليه… إذاً الله يرسل لك من ينظر إلى الجمال الذي في بيتك… إلى أهلك. فكما تُدين تُدان والكيل الذي تكيل به تكتال. لكن غضوا يُغضَّ عنكم وعفّوا تعفّ نساءكم.
المؤمن يرتقي أكثر فيعامل الخلق كلهم بكمال الحقوق كي لا يأتي يوم القيامة إنسان يأخذ من حسناته فيقول النبي ﷺ: ((لتؤدُنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء))
كم سيطول الأمر إذا كان كل الخلائق ستحاسب! ((إِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) فالحاسوب تعطيه المسائل العديدة والأرقام الطويلة خلال ثوان يعطيك الناتج…
هذا صنع الخلق فما بالك بقدرة الخالق الله سبحانه وتعالى!!
يقاد: أي يأخذ حقه.
كما قال النبي ﷺ ((قد لنفسك يا سواد)) كان النبي ﷺ ينظم صفوف المقاتلين في الجيش فدفع سيدنا سواد بالسواك ليرجع إلى الخلف.
فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله رحمة.
فالنبي ﷺ أعطاه السواك ليأخذ حقه منه.
فقال سواد: يا رسول الله أنا صدري مكشوف فاكشف عن صدرك.
فكشف النبي ﷺ عن صدره فأسرع سواد إلى صدر رسول الله ﷺ وقبله.
فقال النبي ﷺ: ما هذا يا سواد.
قال: يا رسول الله أنت أعلم نحن مقدمين على معركة وأرجو أن أكون من الشهداء فأحببت أن يودع جسمي جسمك.
فالذي سيأخذ حق الشاة ألن يأخذ حق إنسان ظلمته؟! فلا تُحرم حظيرة القدس…
الشيخ سيشفع لك لكن عندما تفعل النقائص فلا تستحق أن يشفع لك…
سيد الخلق الرحمة المهداة يوم القيامة يتبرأ من بعض أصحابه عندما يأتي إلى الحوض ليشرب فالملائكة تدفعه. فيقول: هذا من أمتي.. تقول الملائكة: يا رسول الله إنك لا تدري ما أحدث بعدك.. فيقول ﷺ: خذوه سحقاً سحقاً…
كذلك نحن إذا غيرنا فالشيخ يتبرأ مننا.
لا أحد يغتر بنسب ولا قرب ولا محبة ولا… ولا… ولا… النبي ﷺ يقول لابنته: ((يا فاطمة بنت محمد اشتري نفسك من الله فإني لا أغني عنك من الله شيئاً)) فاحذر الالتفات.
الذي يركب الطائرة أو القطار يرتاح من المشي.. وإن اختار المشي فإنه اختار الهلاك..
وهكذا الحب طريق السلامة والراحة والسرعة وتأدية الفرائض بشوق ولذة يقف بين يدي الله محبة لا يريد أن يرفع من السجود حباً…
أما الذي قلبه معلق بالدنيا فينقر صلاته كنقر الديك..
فلا نكون على حال الصلاة التجارية ولا الذكر التجاري…
فالبضائع نوعين: أصلي وتقليد.
فأي نوع تريد دينك؟! تقليدي رخيص؟ أم الأصلي المقبول الذي له ثمار تتغير أحوالك ومراتبك فيه؟
هذا يحتاج لجهد ومقاومة لشيطانك وتقيس كل عمل بمقاييس الشرع هل هذا العمل يُرضي الله؟ يُرضي رسول الله ﷺ؟ يُرضي أسيادنا؟ إذا كان الجواب نعم فأسرع إلى العمل…
وإلا ففر منه كما تفر من الأسد في البراري…
لا تطمع أنا محب عندما يأتي الأمر من الله تنقطع بفتنة صغيرة…
النبي ﷺ سيد الخلق طول عمره يدعو: ((يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك)).
فبعض نساءه قالت: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وما زلت خائفاً.
قال: ((كيف لا أخاف والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)).

فالقلب سمي قلباً لكثرة تقلبه.
فأحياناً تجد حلاوة العبادة وأحياناً تجدها ثقيلة…
بإخلاصك تسهل العبادة عليك لتعاظم حبك.
لكن بتخاذلك وتكاسلك ورضاك بالذنوب الصغيرة تثقل عليك العبادة لأنك لم تخلص لله تعالى، وضعت معه حب الدنيا والشهوات والميول فثقلت…
فإذا تفردت لله بمحبته، منَّ الله عليك وحملك على بساط الحب، وأسكنك تحت أغصان شجرة الحب، وأنت في رغد العيش حتى يأتيك الرحيل إلى مكان أفضل: ((فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)) في الفردوس مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً…
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين…
والحمد لله رب العالمين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: