
القلوب أربعة
الله سبحانه وتعالى كثيرٌ ما حثَّنا و أمرنا بذكره وبكثرة ذكره إن كان جهراً وإن كان سرَّاً وإن كان فكراً وعقلاً وتفكيراً ((يتفكَّرون في خلق السموات والأرض)) هذا التَّفكُّر هو نوع من أنواع الذكر فكما أنَّه متعارفٌ بيننا أن الانسان عندما يتفكر بديونه يزداد همَّاً ولو كان في ظلمات الليل ،فرغم أن أبوابه مغلقة ولا أحد يدق عليه الباب لماذا يزداد همَّاً إذا تفكر بدينه ؟؟هذه هي الرابطة، فعندما نتفكر في خلق السموات والأرض إذاً نحن مع الله مراقبةً وحضوراً وخشوعاً وتعظيماً لجلاله على قدرته هذه. عندما نتفكر في خلق السماوات والأرض، هذا الخلق الهائل الذي عندما ندرسه نجد أن أرضنا التي نعيش عليها لا تساوي نقطة حبر أو نقطة قلم رصاص بالنسبة للمخلوقات الأُخرى في السماء.
الصحابة الكرام رضي الله عنهم من حرصهم على تأمين الآخرة كانوا يأتون إلى رسول صلى الله عليه وسلم يسألونه عن خير عمل يقومون به .
جاء صحابي جليل اسمه قَبيصة رضي الله عنه وأرضاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت الظهر أي وقت الحر الشديد، فسأله النبي صلى الله عليه و سلَّم :ما جاء بك في مثل هذا الوقت !! «أي في هذا الحر الذي ينبغي فيه أن يكون في بيته فليس هناك من شمسية تحميه ولا الماء البارد الذي يروي عطشه فلا بدَّ وأن هناك أمراً خطيراً فلذلك سأله النبي صلى الله عليه وسلم سؤال التعجب هذا» ماذا قال ذلك الصحابي الجليل؟ قال: يا رسول الله كَبُرَت سِني، جئت تعلمني “أي تعلمني شيئاً لأمر ديني أنجو به من عذاب الله وأدخل الجنَّة” فقال له صلى الله عليه وسلم يا قبيصة إذا صليت الصبح فقل سبحان الله العظيم وبحمده ثلاث مرات ” لاحظ مجيئه ولاحظ سؤاله ولاحظ كيف أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الدواء القليل الذي يُثمر فنحن نتعجب ماذا سيكون أثر هذه الكلمات على النفس ! انظر كيف وصفها النبي بأنها دواء لعدة أمراض فقال: (( إذا صليت الصبح فقل سبحان الله العظيم وبحمده ثلاث مرات تُعافى من العمى «هذه أُولى الثمرات » والبرص والجُذام «الجذام الذي نسميه نحن الآكلة تأكل المفاصل واحد الآخر» والفالج.
كلمات بسيطة تقولهم في الصباح يحمونك من كل هذه الأمراض ولكن ((وما يُلقَّاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيم))
فعلينا أن نحرص عليها وأن نعلمها لأبنائنا و إخواننا وأخواتنا ونسائنا وبناتنا. إذاً سبحان الله العظيم وبحمده ثلاث مرات بعد صلاة الفجر نأخذ ثمرتها :
1- تعافى من العمى «أي أن الله يحمي لك نظرك»
2- يحميك من البرص هذه الخصلة الثانية.
3- ويحميك من الجذام الذي ليس له دواء
4- يحميك من الفالج المقصود به الشلل. انظروا إلى هذه العناية الإلهية كيف جعل الله تعالى لنا أغلى الأدوية في أقل الكلمات فكم نحن مدينون لحضرة الله بكل شيء.
ثم أراد النبي صلى الله عليه و سلم أن يفهمه قيمة مجيئه، فقال له: يا قبيصة ما مررتَ بشجرٍ ولا حجرٍ ولا مَدَرٍ إلا واستغفر لك «أي أنك عندما تخرج من بيتك تريد العلم تستغفر لك الأرض والشجر والمَدَر أي التراب الجامد» فهل استغفار الأرض هذا مقبول عند الله ؟ الجواب: نعم لأن الأرض لا تأكل الربا ولا تدخن ولا تؤذي جارها وليس فيها الذنوب لذلك الشخص الذي ليس لديه ذنوب يكون دعاءه مستجاب واستغفاره مقبول.
و هناك بعض الأحاديث أن الطير في السماء يستغفر لهذا الشخص وكذلك النمل في جحره والحوت الذي هو سمك في الماء كذلك يستغفر لك، كل هذا لطالب العلم فلو عرفنا قيمة العلم نطلبه 23 ساعة و نلتفت إلى الدنيا ومشاغلها ساعة واحدة والله يكفينا بهذه الساعة الواحدة كل هموم الدنيا ((ومن يتقِ الله يجعل له من أمره مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) ((ومن يتق الله يكفه الله)).
ثم قال: يا قبيصة قل: اللهم إني أسألك من عندك «أي مما عندك»، وأنزل عليَّ من فضلك «انظروا إلى سيدنا موسى عليه السلام عندما جاء إلى بلد شُعيب ووقف عند البئر و سقى لبنات شعيب وعندما انتهى ذهب وجلس تحت شجرة وقال: (( ربي إني لما أنزلت إليَّ من خيرٍ فقير))، أي أنا لا أملك شيئاً وأنا على بابك فجاءه من يأويه ومن يزوجه ومن يجعل له حصَّة بالأغنام ومن يجعله صهراً له. انظروا إلى العناية الإلهية والكرم الإلهي وكيف أنك عندما تفتقر بين يدي الله يغنِك الله، ولكن عندما ترى نفسك غني على الغني تأتيك المحن متتابعة فتكون في أعلى عليين فتنزل إلى أسفل سافلين.
ثم يقول له النبي: قل و أنزل علي من فضلك وأنزل عليَّ من رحماتك وتفضَّل علي وأنزل عليَّ من بركاتك.
النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه هنا أن افتقر إلى الله واطلب منه وهو القريب الذي يقول: ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان)).
هؤلاء المستكبرين على الدعاء وصفهم ربهم فقال: ((إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)) أي مذلولين ومهانين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء مخ العبادة)) فإذا كنت أنت أو كان ابنك أو زوجتك بلا مخ فماذا ستكون الفائدة منكم؟
فعليك أن تعرف أنَّ عبادتك مخها الدعاء فدائماً ابقَ منكسراً على أعتاب الله وإن ملكت السموات والأرض أنت فقير وأفقر الفقراء إلى الله فلا تصنع مثل ما صنع ابليس فتقول: ((أنا خير منه))
فالله تعالى يأمرنا أن ندعيه، لذلك قال بعض الحكماء في بعض أبيات الشعر:
لا تسألنَّ بُنَيَّ آدمَ حاجةً وسَلْ الذي أبوابه لا تُغلق
الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنَيَّ آدم حين يُسأل يغضب
اطلب من الله الذي أبوابه دائماً مفتوحه ويسمعك ولا تطلب من شخص مغلقٌ أبوابه لا يراك ولا يشعر بك لأنك إن سألت شخصاً أعطني تأخذه العزة بالإثم ويغضب أما رب العزة اذا لم تسأله يغضب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنَيَّ آدم حين يـُسأل يغضب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أعرف في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله)) هذه المضغة هي القلب.
كرَّر ربُّ العزة القلبَ 135 مرَّة في القرآن. (( القلب السليم))، ((القلب المريض))،((قلوبٌ لا يفقهون بها ))، (( إنَّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب )). أليس يوجب علينا هذا التكرار 135مرَّة أن نفهم أن القلب هو قطعة غالية علينا أن نسعى لإصلاحها فنبحث عمَّن يصلحها لنا. عندما أقول لك مثلاً موتور السيارة….موتور السيارة…موتور السيارة وأكرر ذلك مراراً وأنت لا تعطي اهتمامك لهذا الأمر وتنشغل بالدواليب والمساحات والزمامير تجد أنه عندما يبدأ السفر والسباق تندم أشد الندم لأنك لم تفهم على الذي أرشدك.
ربُّ العزة جلَّ جلاله يفهمنا أن هذا القرآن لا يمكن أن نفهمه إلا بقلب سليم ((إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب)). ليس المقصود هنا قلب اللحم الموجود في الجاموس و الخيول والطيور والأسماك والبشر إنما هذه هي مضخة الدم فقط ولكن ضمن هذه المضخة هناك صفة روحية إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا لم تسعَ لإصلاحها فإن هناك من ينتظرك كي يفسدها ويخربها كما ينتظر الظلام إطفاء الكهرباء، فلاحظ أنك ما إن تطفى الأنوار ترى الظلام يدخل مباشرة وهكذا الشيطان ينتظرك حتى تغفل وتبتعد عن الاختصاصي الذي يحرث قلبك ويرمم فيه فيدخل ليفسد لك كل شيء وإذا فسد القلب يصبح كل عضو في جسدك بلاء عليك.
أحد الصالحين كان يفهم هذه اللغة فكان يلازم على مجالس العلم ليصلح قلبه. وفي ذات يوم أراد أن يخرج إلى الدرس فقالت له زوجته: إلى أين أنت ذاهب؟ فقال لها: إلى مجلس العلم فقالت له: لا تذهب اليوم فلدينا الكثير من العمل، فقال لها: وما هي هذه الأعمال؟ فقالت له :الطحين في المطحنة عليك أن تحضره كي نصنع الخبز ونطعم أطفالنا، والفرس ضاعت والبستان يحتاج إلى سقاية واليوم هو دورنا في الماء فإذا لم نسقِ اليوم لن يعود لنا دور الماء إلا بعد 15 يوماً وعليه فإن البستان سيبقى ثلاثين يوماً دون سقاية وستموت الأشجار فلا داعي لذهابك اليوم إلى الدرس. فقال لها هذا الرجل الموفق: أريد أن أسالك سؤالاً: إذا جاءكم نبأ وفاتي ماذا تصنعون؟ قالت له: إذا متَّ ندبر أمرنا بأنفسنا. فقال لها: احسبي أنني مِت ودبروا أموركم بأنفسكم ولا تطمعي أبداً أن أترك الدرس ولو هُدم البيت وذهبت 100 طحنة و100 بستان و100 فرس ثم خرج. حضر الدرس وعاد إلى منزله بعد العشاء وعندما فتح باب المنزل رأى كيس الطحين بجانب الباب فدخل وسأل زوجته: من أحضر لنا كيس الطحين؟ فقالت له: إنه جارنا ذهب ليحضر طحينهم وبسبب حَوَلٍ في عينيه لم يعرف طحينه من طحيننا فأحضر كيسنا بدلاً من كيسهم وعندما وصل إلى بيته قالت له زوجته: هذا الطحين ليس لنا إنه لجيراننا اذهب وأعطهم إياه فأحضر لنا طحيننا جزاه الله خيراً. حمد الرجلُ اللهَ وسألها مرة أُخرى: رأيت الفرس في الخارج كيف عادت؟ قالت له: بعد أن ذهبت كان يلحق بالفرس وحشٌ فهربت منه ودخلت مسرعة إلى البيت. فحمد الله مرة أُخرى ثم قالت له زوجته: اذهب لترى البستان فإنه يحتاج إلى سقاية، فقال لها: أحضري لي العشاء أولاً وبعد ذلك أذهب للبستان ولكن حاش وكلا أن يصنع الله لنا اثنتين ويترك الثالثة (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)) (( ومن يتق الله فهو حسبه)). بعد العشاء لبس ثياب العمل وأخذ أدوات الزراعة وخرج إلى البستان ليرى وضع الماء وإذ بجاره عندما رآه قد تأخر ولم يأتِ لسقاية بستانه أخذ الماء ليسقي بستانه هو وقرَّر أن يعطيه دوره من الماء في اليوم التالي. وبعد أن سقى هذا الجار بعض الأشجار نام تحت جذع شجرة وبدأت الماء تسير وتفيض على أرض الرجل الموفق لأن أرضه تقع في منطقه أخفض من أرض هذا الجار فكان الله تعالى يجريها و يفتح لها الطرقات حتى سقت كل الأشجار وعندما جاء هذا الرجل ورأى جاره نائم وكيف أنه سقى بعض الأشجار من بستانه ورأى أيضاً أن بستانه مسقي بشكل كامل سجد شكراً لله وبدأ يبكي ويقول: يا رب صنعت واحدة فقط أنني ذهبت إلى بيتك لأتعلم ديني وأنتفع به وأنور قلبي فصنعت لي ثلاثة. ثم ذهب إلى بيته. في تلك الليلة رأى في المنام ربَّ العزة يقول له: عبدي أنا لم اصنع لك فقط ثلاثة ولكن صنعت لك 100 لكن أخرت لك عندي 97 و أكرمتك بثلاث فقط.
الغاية من هذه القصة أنك عندما تسعى أن تكسب الله و أن يتاجر لك الله ترى أن الله يتاجر لك التجارة الرابحة غير الخاسرة وإذا أراد الله أن يعزَّك (( فإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت)).
فاسعوا واكسبوا رضاء الله وأول خطوة هي أن تكسب رباطك بقطار أهل الله، هذا الرباط الذي يوصلك إلى محبة الله و محبة رسول الله و محبة أهل الله (( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) فكل إنسان مسؤول عن أعماله.
نعود إلى حديث رسول الله عندما وصف القلوب فقال:
القلوب أربعة « أي أربع أنواع فلنتعرف على قلوبنا من أي هذه الأنواع الأربعة هي كي نداويها إذا كانت مريضة و نحافظ عليها إذا كانت صالحة».
أولاً قال: قلبٌ أجرد فيه مثل السراج يَزهر «أي مُنَوَّر» وذلك قلب المؤمن وسراجه فيه نوره. «اسم الله. الله نور السماوات والأرض». هذا القلب هو القلب السليم المنور باسم الله تراه مليء بالطمأنينة، فالبيت عندما تشعل فيه النور تجد هناك الخيرات الكثيرة ولا تجد أحداً يؤذي أحد ولكن عندما يكون فيه الظلام ترى من يسكن هذا البيت كلهم متخبطين ببعضهم هذا كسر يد هذا وهذا يصرخ وهذا يبكي و تجد حالة الويل بينهم لعدم وجود النور فيه. ((ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور)) إذاً اسعَ أن يكون قلبك دائماً فيه اسم الله. (( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دريٌّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية)).
إذاً أي نوع من الاشجار هذه إن لم تكن شرقية ولا غربية؟ هي شجرة شرقية وغربية فشجرة الزيتون عندما تُصيبها الشمس من المشرق تُعطي 50 بالمئة زيت وعندما تُصيبها شمس المغرب تعطي 50 بالمئة من الزيت ولكن عندما تُصيبها الشمس من المشرق والمغرب فإنها تعطي زيت مئة بالمئة.
فعندما نقول شرقية أي أنها لا ترى سوى شمس المشرق ومحجوبة الشمس عنها من المغرب ببناء أو أي شيء آخر. وغربية أي أنها ترى الشمس فقط بعد العصر ولكن الصبح لا ترى الشمس من الغرب من بناء أو أي شيء آخر. لكن هذه الشجرة غربية وشرقية معاً (( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نورٌ على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال)).
هذه كلها أمثال الزجاجة والمصباح النفس والروح والصلة بالله واسم الله في القلب هو الذي يشع هذا النور حتى يضيء أمام جلساء الحقائق و يهتدوا بهداك. أي أنك عندما تمشي في الليل و تحمل بيدك بلجكتوراً وتمشي على الطريق السليم تجد أن كل شخص يمشي على خُطاك قد نال السلامة و وصل إلى المكان الآمن لأنه يمشي وراء شخص يمشي على نور ولكن والعياذ بالله تمشي وراء شخص ليس له من نور تجد أنك عندما يقع في البئر تقع وراءه دون إرادتك لأنك تتبعه خطوة بخطوة وهذا اتباع الهلاك فمن اتبع الهالك فهو هالك مثله لكن (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون)) اتبع من يمشي على الهدى والنور والتوفيق الالهي والمؤيد بوحي الله ومن هو يمشي بتوجيه الله ((وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)).
في معركة حنين هرب الجيش كله إلا 17 شخصاً ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الغَلبة ستكون للأعداء فالتجأ إلى الله فألهمه الله أنْ خذ حفنةً من الرمل وارمها عليهم فعندها أمر النبي صلى الله عليه و سلم البغلة التي يركبها والتي تُسمى دُلْدُلْ، فقال لها: إلبدي دلدل أي نامي على الأرض فنامت البغلة. انظر كيف أن البغال تفهم على سيد الخلق و هناك من البشر إلى الآن لا يفهمون فماذا ينتظرون كي يفهموا!!
فبعد أن نامت البغلة مدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يده الشريفة وأمسك حفنة من الرمل وهو راكب عليها وقرأ(( حٓــمٓـ شاهت الوجوه)) وألقي هذه الحفنة من الرمل على الأعداء فلم يبقَ واحدٌ منهم إلا ودخل في عينيه من هذا الرمل. فجلسوا على الأرض ولم يستطيعوا أن يكملوا القتال فأمر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء ال17 الذين معه في المعركة أن يأخذوا الوَتر من القوس و يُكتفوا به الأعداء دون أن يؤذوهم وأرسل عمه العباس ينادي الصحابة الذين هربوا وكانوا قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبة من قبل فناداهم أن يعودوا وعندما عادوا وجدوا أن النبي صلى الله وسلم والصحابة الذين معه يُكتفون الأعداء ويأسرونهم فكان النصر بحفنة رمل.
عندما تكون مع الله ، يقلب لك الله موازين الحياة بكُنْ دون أن تكلفه شيء (( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأتي بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز)) فلا تظن أن هذا شيء صعب على الله ويسبب له التعب و يحتاج إلى أدوات و… و ..و.. لا إنما هي كُنْ فيكون، فاكسبوا هذا المولى بالقلب السليم واسعوا دائماً أن يكون قلبكم منوَّراً بذكر الله ومحبة أهل الله ومحبة القرآن فالآن يهلُّ علينا هذا الشهر الفضيل الذي هو عبارة عن خَلوة فلنكثر مع الصيام الذكر و تلاوة القرآن وحاول أن تصنع لنفسك برنامجاً تتخرج به في نهاية هذا الشهر وتصل إلى القلب السليم الذي إذا حصلت عليه فأنت السعيد المسعد لغيرك .هذا القلب السليم الذي هو قلبٌ سمَّاه رسول الله أجرد أي كالثوب الأجرد من الأوساخ أي أنه ثوبٌ نظيف.
النوع الثاني قال: وقلبٌ أغلف مربوطٌ على غلافه، فذلك قلب الكافر. هذا القلب لا يريد أن يرى شيئاً من الحقيقة كلما أتيت لتقنعه يأبى أن يقتنع كما قال الله تعالى: (( صمٌّ بكمٌ عميٌ)) لا يسمع ولا يريد أن يفهم فهذا قلب الكافر.
والنوع الثالث قال: وقلبٌ منكوس «كالوعاء عندما تقلبه والسماء تمطر فكم سيحوي هذا الوعاء من مطر؟ ولا ذرة ماء فتراها تمطر كل الليل و لكنه لم يجمع من الماء شيئاً لأنه مقلوب وليس هناك من يسوي هذا الوعاء كي يمتلئ بالماء» هكذا يكون قلب المنافق.
والنوع الرابع قال: و قلبٌ مصفح «أي يحتوي الوجهين» فيه إيمانٌ و فيه نفاق. ترى هذا القلب كقطعة الأرض عندما يكون فيها زرعٌ طيب ويلتقى بماء طيب تُخرج الطيبات والنبي صلى الله عليه وسلم سمَّى هذه الزرعة (( البقلة )) انظروا إلى هذا السر العظيم فلماذا اختار البقلة؟ لماذا لم يقل ريحان او ياسمين او…أو… قال: لأن البقلة بقليلٍ من الماء تكبر و تتكاثر بسرعة كبيرة جداً. فهذا القلب المصفح قابل أن يصبح منافقاً وقابل أن يصبح مؤمناً فهو يقبل الوجهين فيه إيمان وفيه نفاق.
ثم قال: الإيمان فيه كمَثل البقلة يمدُّها ماءٌ طيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدُّها الدم والقيح. القرحة عندما يأتيها الدم تُخرج الإنتان الالتهاب و الألم فبأي المادتين غلبت عليه التزم إما أن يصبح كله إنتان وأوساخ و…و…إلخ فتضعف حينها البقلة فيه وتذوب لأن غذاءها قد انقطع والقرحة تكبر و تستشري لأن غذائها يصلها باستمرار ولكن إذا أوقفنا هذا الدم والقيح الذي ينمي القرحة فيتدفق الماء الطيب لسقاية البقلة فتخضر الأرض كلها وتختفي القرحة.
فعلينا أن نحافظ على قلبنا إن كان قلب المؤمن وإن كان قلبك هذا القلب فهذا فضلٌ من الله وتوفيق
أما إذا ابتُليت بالكفر لأن الإنسان قد يعيش في بيئة تساعده على هذا الأمر فعليك أن تسعَ أن تجد من يفك لك الرباط عن قلبك لترى الحقيقة والقلب إذا رأى الحقيقة والتُقى فإن عمى عينين ليس يضير.
فلو كنت أعمى بجسدك لا يضرك هذا لأن القلب أبصر الحقائق فاسعى أن تصلح نفسك قبل أن يأتي سيدنا ملك الموت يخرجك من الدنيا وأنت كافر ((خالدين في النار أبدا)) والعياذ بالله.
أما الفئة الرابعة والتي هي القلب المصفَّح فإن فيه من النوعين فإذا كنت من هذا النوع أيضاً فلتسارع أن توقف الذنوب التي تمد القرحة وأن تقطع العلاقة مع زملاء السوء الذين يساعدون في انتشار هذه القرحة فتكثر ذنوبنا وتخرج رائحة الانتان بين الناس ولتكن علاقتنا معهم طلاق بائن لا رجعة فيه وأكملْ علاقتك ووطدها وكبرها مع الصالحين الذين هم الماء النقي الذي يسقي قلبك وكلما شرب قلبك من هذا الماء الصافي يكثر خيرك ويكثر عملك الصالح فهذه البقلة هي الخير الموجود فيك فتخضر أرضك وكم هو الفرق كبير بين الأرض المخضرة وبين الأرض المليئة بالإنتان والمجاري. إذاً فلنسارع إلى العمل الغني بالفكر والعقل لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لابد للمؤمن من مؤمن يحسده…« فعليك أن تنتبه لهذا الأمر أيضاً فأحياناً يأتيك الضرر من مؤمن آخر لا يستطيع أن يحصل على ما حصلت عليه أنت فيحسدك. فأنت مثلاً قد أذاقك الله طعم الإيمان وجمعك بالصحبة الطيبة و حضور مجالس العلم أما هو فلم ينل ما نلته أنت فيبدأ يكيد لك كي يقطعك بكل الوسائل فاحذره غاية الحذر وإن كان مؤمناً» ومنافق يبغُضه..« المنافق يبغضك كأنك عدوه. فما هو سبب ذلك؟ السبب هو ((في قلوبهم مرض)) و كافر يقاتله..« لو استطاع هذا الكافر لقضى عليك نهائياً» ونفسٌ تخالفه . فكلما أردت فعل عملٍ تريد به خيراً إما تؤجلك أو تمنعك فتقول لك مثلاً: نَم قليلاً فلا يزال هناك وقت لصلاة الفجر، ولا داعي للصوم الآن فأنت متعب و لو استطاعت أن تجعلك تفطر في رمضان لفعلت. هذه النفس الأمارة بالسوء عليك مخالفتها في كل الأمور إلى أن ترتقي وتصبح سمعنا وأطعنا فتُيقن حينها أن دار السعادة هي في طاعة الله.
اشتهر رجل كافر بأنه يكاشف و كلما جاء شخص إليه يخبره هذا الكافر كل شيء عنه من هو.. ولماذا أتى لزيارته فكاد أن يفتن الناس بفعله هذا. سمع به أحد الشيوخ فقال في نفسه: هذا سيكون سبباً في إبعاد الناس عن دينهم و إيمانهم عندما يتحدث لهم عن هذه الأمور الغيبية فأخذ خنجره وقرَّر أن يذهب ويقتله وعندما وصل إلى داره طرق الباب فوقف هذا الرجل الكافر وقال له: أنت الشيخ فلان أتيت ومعك الخنجر لتقتلني فقال له : أجل سأقتلك سواءً علمت بمجيئي أم لم تعلم فقد فتنت الناس عن دينهم فقال له: إذاً أمهلني قليلاً. فقال له الشيخ: سأمهلك وها أنا أنتظرك هنا أمام الباب إلى أن تخرج، فغاب هذا الكافر نصف ساعة ثم عاد وقال للشيخ: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله والآن أفتح لك الباب فلن تستطيع قتلي بعد أن نطقت الشهادة وعندما خرج سأله هذا الشيخ لماذا أسلمت؟ فقال له هذا الرجل: أترى كل هذه المنزلة التي وصلتُ لها من مكاشفة قال: نفقا.قال الرجل: هذه المنزلة وصلت لها بمخالفة نفسي، فعندما أتيت لتقتلني سألت نفسي ماذا أصنع؟ قالت لي: إياك أن تضعف وتسلم فعرفت أن الخير في الإسلام وهي تنهاني عنه فأهلكت نفسي وأسلمت.
فبمخالفتك لنفسك ترتقي ونحن لا نريد أن نخالف أنفسنا فقط لهذه الأمور الغيبية فنحن لا نريد أن نكون سبباً في أن نفتن غيرنا، نحن نريد أن نخالف أنفسنا لأن الله تعالى أمرنا بمخالفتها (( إن النفس لأمارة بالسوء)) فعليك أن تستمر في مخالفتها وإعطائها للمزكي كي يقومها حتى تنال الحصة الكاملة (( قد أفلح من زكَّاها)) أما ذاك الذي لم يرضَ أن يزكي نفسه في الدنيا قال (( وقد خاب من دساها )) فعندما تزكي نفسك وتنتصر عليها تصبح هذه النفس مساعِدة لك على مخالفة الشيطان وعلى تزكية القلب فيصبح الشيطان ضعيف بمفرده و ليس له عليك من سلطان.
القلب يسمى القلب لأنه يتقلَّب بين المَلك الذي يدعوك إلى الخير و بين النفس والشيطان اللذان يدعونك إلى الشر، فالملك الموجود على جهة اليمين يقودك للخير أما على جهة اليسار فهناك عدوين لك وهما النفس والشيطان ولكن عندما تجاهد نفسك وتزكيها تصبح هذه النفس عوناً للمَلك تساعدك على الشيطان فيصبح ((إن كيد الشيطان كان ضعيفا)) ليس له سيطرة عليك كي يوقعك في الذنوب وإن أراد أن يوقعك في الذنوب يحاول ذلك من بعيد فلا يكن له الجرأة أن يقترب منك ويكون هذا كله وهن بوهن ووسواس لا يؤثر فيك أبداً، أنت فقط عليك أن تجاهد نفسك كي تضمها للقلب وللملك الذي يدعوك للفضائل.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد النفس قال:
وشيطان يضلُّه. فلا بد أن تعرف من حولك كي تعرف كيف تعامل كل منهم.
الشيطان لا تطمع أبداً بهدايته ولكن اطمع دائماً بتضعيفه لأنه عدو، والشيطان مذهبه على مذهب العقربة عندما طلبت من الضفدع أن يوصلها من شاطئ النهر إلى الشاطئ المقابل فقال لها الضفدع: أوصلك ولكن بشرط أن تعطني عهداً بأن لا تلدغيني وتسمميني وأنت على ظهري فأعطته العهد بذلك وبعد أن صعدت على ظهره و بدأ يسبح بها في منتصف النهر عادت إلى طبيعتها المؤذية فإذا بها تلدغ الضفدع وتفرغ فيه سمها فقال لها: أين العهد والوعد الذي أعطيتني إياه؟ قالت له: لا تؤاخذني إنه الطبع الذي لا أستطيع تغييره فأنا لا استطيع السيطرة على نفسي، فقال لها: بما أنك بهذا الطبع المؤذي وأنا أيضاً طبعي الغوص في أعماق البحر فغاص الضفدع وقضي على العقربة.
القصد أن الشيطان لا يؤمَن جانبه، وإن أصبح من ضعفه هيكل عظمي عليك ان تحذره.
إذاً تعرف على قدرة الله من طريق ضعفك فإذا عرفت نفسك بالضعف عرفت ربك بقوته. مَن عرف نفسه بالضعف عرف ربه بالقوة وعمرك يبدأ بمعرفتك لله أما عمرك دون معرفته فهو لا شيء، والمعرفة تكون بالمحبة وكثرة الذكر.
لكن بعد المعرفة عليك أيضاً ألا تقف على حدٍ معين فعندما تعرف الذهب هل تكتفي بقطعة واحدة منه؟ وعندما تعرف الألماس هل تكتفي بخاتم؟
دائماً في هذه الأمور تصبح بك صفة من صفات جهنم وهي «هل من مزيد» ((يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد)) وكذلك المؤمن لا يكتفي من الأجر والثواب فيقول هل من مزيد؟
نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
المدة التي استغرقها تفريغ الدرس 9 ساعات.