
القرآن الكريم
درس النساء الاسبوعي 30/12/2021
٢٦_جمادى الأولى ١٤٤٣
(ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه )
بسم الله الرحمن الرحيم
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس قائلاً : أفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، عندما تقرأ في كتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم ، الله جلّ جلاله يبيّن لنا قوله تعالى (( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً )) والكتاب يوضع للحساب ، وسوف نسأل عن أعمالنا إذا لم يشملنا عفو الله سبحانه وتعالى عملاً عمل ، وماذا أردنا بأعمالنا وما هي مقاصدنا وغاياتنا، فنسأل عن كل آية أربع أسئلة ، السؤال الأول هل قرأتها فإذا كان نعم فهنيئاً لك ، وإذا لم تقرأها سوف تحاسب على تقصيرك ، فإذا أتتك آية من إنسان له مكانة عظيمة تضطر لقراءتها وتجاوب عليه ، فلماذا لا تقرأ كتاب الله العظيم، وهو خالق السماوات والأرض، ثم السؤال الثاني :هل عملت بها ؟! فما عذرنا لعدم تحويلها لعمل ، وماحجتك عند الله ، ثم: هل بلغتها لغيرك ؟! ولكننا نجد المسلم وكأنهم صم بكم عميٌ فهم لا يفقهون إلا من رحم ربي ، وإلى متى هذا التقصير ألا نرى ونعتبر من الموتى وكيف المقابر مملوءة ولا نستيقظ قبل أن يوقظنا ملك الموت أو منكر ونكير في القبر ، ولكن إذا بقينا غافلين دلّ ذلك على أن مصيرنا شنيع …ولماذا سمى الله هؤلاء الناس مجرمين؟ لأنهم أجرموا وأهملوا هذه الرسالة العظيمة التي تحمل سعادتهم، فما أمرنا الله إلا لأمر فيه صالحنا وما نهانا إلا عن شيء فيه ضررنا وشقاءنا، إن الله غني عن العالمين ، والله هو الغني وأنتم الفقراء، فعندما نمتثل أمر الله يدك ذلك على أنّا فعلاً موفقين ولنا الرضوان والجنة، وعندما نخلف فقد اخترنا العذاب والشقاء ، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما قرأ حديث قدسي( ياعبادي ، وإنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيها إياها ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)) لذلك عندما يوضع الكتاب وسنسأل عن آيات القرآن كلها فهذا أمر مخيف ، فالله يتجاوز عن بعض التقصيرات ، ولكن المهمل للقرآن كله ولايهتم للرسالة هذه والمرسل لها فعندما يقع عليه قوله تعالى (( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى )) كما قال سبحانه لفرعون بظلمه وذنوبه ، فالله لا ينظر لكبير أو صغير ، أو غني أو فقير، أو ذو مال وسلطة ولكن الله قال : (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) فالكتاب الذي يسجّل عليك من قبل الملائكة الذي وصفهم الله في قوله (( وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) يسجّلون كل صغيرة وكبيرة على صاحبها ، وعندها وعندها يحضرون كل الأعمال فلا يغيب منها شيء ، سواء خير أو شر ، فإذا أمنت لهذه الآية فقط (( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها )) أو آية (( وهو معكم أينما كنتم ) وعندها تكون لك قلعة تحصّنك من كل الذنوب ، والله معي شاهد علي ، وأنت المنتفع من هذا الإيمان ، فيا ابني نحنا صرنا نقرأ القرآن بالمقلوب ، فالقرآن يقول ((محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )) فترى واقعنا بالعكس ، من أراد أن يأكل بالمقلوب لن ننتفع وكذلك من يرتدي الحذاء على رأسه والبنطال تحته ، وإذا لم نرجع للتلاوة النبوية ونكون باللطافة رحماء على أنفسنا ، ولو كان لا قوة لنا أن نكون أشداء على أعداءنا ، فليس لنا نظهر القرون ونناطح بها ، وقد أصبحنا سلعة بيد أعدائنا يسلطوننا على بعضنا مثل العصا وهم ينظرون ويضحكون علينا ، سبب ذلك فقدان الشيخ المربي المعلم ، فانظر للجوامع الآن من هو الإمام ؟! شخص تقاعد وانتهى من وظيفته فاستلم الإمامة والخطبة مع العلم أن كل الناس على العين والرأس ، ولكن هذا لا يقود أمة وعقل وفكر ، فهو أتى لهذا العمل ولم يأتي غيره لأن الراتب قليل ورضي به وغيره لم يرضى ، فبُخلنا على جوامعنا جعلنا متفرّقين ، وأئمتنا وخطبائنا من عامة الناس ، فمتى سوف تستيقظ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ستكون هنّاتٌ وأمور مشتبهات)) أي شرور وفساد في الأمة ، فهو صلى الله عليه وسلم يحذّرنا كي لا نقع فيها ، وأمرنا (( فعليك بالتؤدة لئن أن نكون تابعاً بالخير أفضل من أن تكون متقدّماً في الشر )) فصلى الله عليه وسلم لم يترك لنا كبيرة أو صغيرة إلا وبينها لنا (( ما فرّطنا في الكتب من شيء )) وهو الذي لا ينطق عن الهوى …فالتأني مطلوب في هذه الأزمة، وتكون على مذهب ولا الضالون آمون ولو أتيت الخير متأخراً وتريّثت حتى بانت لك من الظلام الحقيقة، ولكن من سيسارع ويعمل يكون في مقدمة الشر وكان خاسراً ونادماً …ثم قال عليه الصلاة والسلام ( إن الله يحب المؤمن المتبذّل الذي لا يبالي ما لبس ) وهناك أناس يدققون ويتكلّفون في لبسهم ويقولون قد انتهت الموضة الفلانية ويتكبّر في الملابس الجديدة ونحوها ويترك الملابس التي قبلها، ومن رحمة الله أن ظهرت لنا تلك الأمراض حتى تخلصنا من هذه النفوس، فهل من العقل أن ترمي ثيابك وهي صالحة للاستخدام بمجرد أن يقول يهودي ما أنه قد انتهت موضتها؟ هل أنتِ مسلمة أم أنك قطعة من قطع جهنّم؟! فإذا لم تتوبي وترجعي للإسلام الحقيقي ، فتجدها عندها مئات الأحذية والألبسة وتتطلب المزيد من زوجها ،وتعيش الحياة نكد بنكد ، وهي الكذابة المنافقة وليست بمسلمة …فمن كان سمعاً وطاعة للموضات ليس بمسلم ، فمن تشبّه بقوم حشر معهم ، فكم توب كان عند سيدنا النبي وأصحابه ؟! مع العلم لا نحرمك من الثياب ولكن باعتدال ، وعقل والمصيبة فوق كل هذا ننسب أنفسنا للدين، والشاعر يقول « طلع الدين مستغيثاً إلى الله وقال: العباد قد ظلموني يتسمون بي وحقك لا أعرف أحد منهم ولا يعرفوني » فإسلامنا أصبح كلام بكلام دون واقع حقيقي، وهذه مصيبة((لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون )) فإذا كانت عقولنا وراء الموضات والتقليد الأعمى فأين سنصير ؟! والآن إذا جاءنا موسم أعياد المسيح وغيرها ، عليك أن تجامله وتعايده ملاطفة لجيرة أو صداقة ونحوها ، فلا مانع من ذلك ما دمت تعرفه أنه على غير حقيقية ولكن البلاء الأعظم أن تؤمن بإيمانه وتؤيده ، فنحن نؤدي الواجبات لكل الأديان ونحب كل الأنبياء ، فسيدنا عيسى عين وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عين لنا كذلك ،وكذلك سيدنا موسى وابراهيم ونفرح بهم كلهم ولا نقرّ بأخطاء معتقداتهم …وبالعودة للمؤمن المتبذّل نروي أن النبي كان يلبس ما يجده ، ومرّة لفّ قطعة قماش عليه سوداء وجدها وقد تكون لإحدى نسائه، وإذا لم يجد مرآة يستعمل وعاء ماء لتنعكس عنه صورته صلى الله عليه وسلم، وكذلك في الطعام يأكل ما وجد…والآن حالنا كلها تكلّف ويريدون تصدّر المجالس، مع العلم قيل من الحكماء رحمه الله ، إذا لم يكن صدر الجالس سيداً فلا خير فيمن صدرته المجالس ،فإذا جلس في الصدّارة من جليس لأعمال والمناصب ونحوها فهذا لا خير فيه ، وهذا الموضع ليس له ، فالوظيفة تلك لن تدوم له ولكنّ الصدارة مع الله والعبودّية له والتوكل عليه وحمل كتابه سبحانه وتعالى كما تجد في زماننا المرأة تريد ذهباً وألماساً وتحمل زوجها مالا يطيق غيرة وحسداً من أقاربها وجيرانها مع العلم قد يكون أزواجهن يحضرون لهنّ ذلك من مال حرام أو رشوة ، ونحن نقول لها لا مانع أن تحضر شيء مشابه للذهب من اكسسوار وزينة رخيصة الثمن فإذا ضاع أو سرق فلا أسف عليه ولا غلبة في شرائه ، فهل الألماس الأصلي يختلف عن التقليدي فيعطي الحرارة والدفء أو الدواء ؟! وهناك مثل يقول: رزق الكلاب على المجانين ، فالله يريد أن يكسي الفقراء فتأتي تلك المجنونة والمهووسة بالموضات لترمي ثيابها وتحضر غيرهم فيأخذهم الفقراء ، فبجنون الأكابر يلبس الفقراء والمساكين ، مع العلم أن لهم وقفة طويلة بين يدي الله على هذا الإسراف والتبذير …ولو نظرت إلى المرأة اليهودية في فلسطين عندها ثلاث أثواب واحد للعمل وواحد للبيت وواحد للأفراح ونحوها ، ونحن لدينا الخزانات تغص بالملابس ولكن هل من مزيد (( إن المبذرين كانو إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً)) فدعونا نرجع لديننا وكفى بنا نأكل العقوبات من الله بسبب ابتعادنا عن دينه وتعاليم القرآن، وكذلك ابتعدنا عن هديه صلى الله عليه وسلم حيث رأى مرة سيدتنا عائشة ترتدي ثوباً وتتفاخر به فأعرض عنها، فقالت: يارسول الله ما ذنبي؟! فقال: إن الله معرض عنك ما دمت في هذا الثوب تتزاهين فيه فخلعت الثوب وتصدّقت به …كذلك أتى وفد النجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أرسل إليهم ليتفاوض معهم ، وعندما أتوا يرتدون الحلل والذهب وسلموا على النبي فلم يردّ عليهم السلام وتركهم ودخل للداخل فانتظروه مدة من الزمن ولم يخرج إليهم حتى صار يوم كامل ولم يستقبلهم في أي وقت من أوقات الصلاة حيث يخرج للصلاة فقط دون أن يسلم عليهم ،فذهبوا إلى العباس وسألوه عن سبب هذا، فقال: لعلكم في هذا اللباس يعرض عنكم النبي ، فغيّروها وعندما سلموا بعدها سلّم عليهم ، وسألوه لماذا لم ترد علينا السلام يارسول الله؟! فقال صلى الله عليه وسلم ( دخلتم ومعكم الشيطان فكيف أردّ عليكم السلام) وهذا كله كبر وتفاخر لا يجوز، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم درس بليغ بتصرّفه هذا ، ونحن الآن يا بني لا نقول لك لا تلبس ولا تأكل فالله يقول: ((كلوا من طيبات ما رزقناكم)) وعيش الحياة السعيدة ولكن ضمن شرع الله والحلال المسموح ،ولا تصير مثل مذهب الدجاج الذي يفسد برجليه أكثر مما يأكل بفمه ، فالشرع جعل لنا مساحة نعيش فيها بسعادة ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) ولكن عندما ننسى الله نصير باسم الإسلام نظلم ونبذّر ونظلم بعضنا البعض ، والله يقول:((كلوا واشربوا ولا تسرفوا)) وإذا خالفنا فعلينا أن نتحمل النتيجة في أنفسنا وأولادنا وحياتنا كلها ..وبالعودة لقوله تعالى: ((ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه )) ولم يقل تعالى وترى المؤمنين مشفقين لأنهم كانوا يعرفون ما لهم وما عليهم ويحسبون حساب كل شيء فوصفهم الله بقوله :((هاؤم اقرأوا كتابيه إني ظننت أني ملاقي حسابيه )) فالمؤمن يتيقّن من حساب الله والوقوف بين يديه، فلم يكن يقصّر في أعماله، ولكن المجرم هو الذي وصفه تعالى (( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون )) في سورة السجدة….فهل نحن ياترى معرِض عنا الله في ثيابنا ونحن نتفاخر فيها ؟! أما من تباهي جارتها وغيرها، حتى لا تخربي لها بيتها إذا لم يكن زوجها يحضر لها كتلك الثياب نفسها…فتكوني سبب طلاقها ويا ويلك من الله حيث سينقلب كل ذلك عليكِ يوم القيامة، فلا ترتدي أمام الفقراء مالا يستطيعون شرائه ، والأشد من ذلك من تستعير ثياب أو ذهب حتى تحتال على الناس وتظهر ما ليس عندهم أمام جيرانها فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يسمح للمرأة أن توقد نار ليخرج دخان حمّامها إذا لم يكن حقيقة، فسألت مرّة هل تسمح لي يارسول الله أن أتشّبّع؟! فقال: لا، التشّبّع زور …ومعنى أتشبّع أن أظهر للناس أني مع زوجي ومع العلم زوجها عنده ظرف ولم يحصل شيء بينهما، فلم يسمح لها بذلك. فإذا لم يكن هنالك دين تعمّ الفوضى ونصير مثل الوحوش في البرية بدون حدود و شرع ومخافة الله…فنسأل الله أن يتلطّف بنا ويوقظنا قبل أن تنزل بنا صاعقة من الله أو عذاب(( إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها )) مع العلم أن زلزال بسيط في الأرض يوقع الأبنية على رؤوس أصحابها فما بالك عند الزلزلة الكبرى ((ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً)) وختاماً نصحنا سماحة الشيخ محمود المبارك : دعونا نتوب لله ونتقرب إليه بالعمل الصالح والصحبة الصالحة وننبذ هذه العادات والتقاليد والموضات التي تظهر لنا من قبل أعدائنا، فيصير مصيرنا إلى جهنم وبئس المصير….أسأل الله لي ولكم التوفيق، جعلني الله وإياكم هداة مهديّين غير ضالين ولامضلين ومع سلامة الله.