العلم المنجي

19/9/2019
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس بالدعاء : اللهمّ صلّي على سيدنا محمد سيّد الأنبياء والمرسلين, سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهمّ افتح على قلوبنا فتحاً يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك. سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك. اللهمّ إنّا نسألك من جودك وكرمك وإحسانك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ودعاءً مستجاباً وشفاءً من كلّ داء.
يقول المولى جلّ شأنه في محكم كتابه من سورة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو يصف لنا أهل النّدامة يوم القيامة فيقولون: ((ربّنا أخرّنا إلى أجلٍ قريب نجب دعوتك))
إذاً كي لا نقع في النّدامة يجب أن نسعى لإصلاح أنفسنا, وإصلاح أبنائنا هذا يعني أنّك إذا أردت أن تجعل من ابنك ميكانيكي وأي ميكانيكي نسمح لك بتعليمه ذلك أمّا إذا لم تكن أنت ميكانيكي فعليك إرساله لميكانيكي مختص بذلك يتعلمها ويعرفها على أصولها .
وكذلك إذا أنت متعلّم بالشرع فتعلّم ابنك الشرع مع العلم مع العلم أنّه من الصعب ذلك ونسأل الله لنا ولكم التوفيق.. إذ لا بدّ من الذي يريد تعلّم .قيادة السيارات لدورات يتعلم من خلالها قيادة السيارة.
يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الخلق كلّهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
فإذاً علينا أن نصلح أبناءنا ..ولكن كيف؟ سيدنا داوود عليه السلام تمنّى على الله قال :اللهمّ كن لولدي سليمان كما كنت لي .
فردّ الله عليه يا داوود قل لولدك سُليمان أن يكن لي كما كنت لي أكن له كما كنت لك. ذلك يعني أنّ دعاءك لأبنائك وحده لا يكفي بل عليك إذا زرعت وحصدت أن تعلّم ابّنك يزرع مثلك ليحصد مثلك…..فطلب سيّدنا سليمان ملكاّّ…
لا ينبغي لأحد من بعده… ذلك بقوله: ربّ هب لي ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي فاستجاب له سبحانه وتعالى دعاءه

ومن الميزات التي أُعطيها أنّ الجبال تسبّح معهم والطير تسبّح لهم الطير والهدهد.
فقام الهدهد لوحده بإدخال بلاد اليمن في الإسلام.
ونقول كلمة الإسلام علماً أنّه في زمان الأنبياء سليمان وداوود لأنّ كل الأديان اسمها إسلام تبعاً لرسولها. أي أنّ كل مسلم أسلمَ واستسلمَ لأمر الله في كل عصر وكل شرع وكل زمان مع كل نبيّ. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ((النّاس معادن)) فعليك أن تختار المعدن الذي ترغب أن تكون عليه.
ذهب أم فضّة أم نحاس أم حديد . كما سمى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الدّنيا قائلاً فيها: (ظلٌّ زائل) ,
وقال تعالى :{وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} .
ومع ذلك إنك طفي وسط النّهار تنظر لظلك الذي كنت مغروراً به تجده زال واختفى كذلك الدّنيا . قال تعالى:{ولا تغرنّكم الحياة الدّنيا ولا يغرنّكم بالله الغرور}.
بعضهم قال في تفسير الغرور أي الدّنيا وغيرها وبعضهم قال الغرور هو إبليس وجنوده هؤلاء أخطر علينا من الجن الذينّ لا نراهم حيث أن الجن تعرف وسوسته وتستطيع أن تطرده فوراً عنّدما يوسوس لك بأعمال من فقه للشرع و لكن عندما يأتيك صاحبك و تقول له : ذاهب للجامع لأحضر مجلس علم يقول لك : الآن ليس وقت العلم اجلس معي و علّمني أنت و كلّما شرعت بتعليمه شيئّاّط يفيده قطع عليك حديثك ولم يستمع لك و بذلك منعك من حضور مجلس العلم و لم ينتفع هو منك أيضاً و بذلك يكون من الذين نتعوذ منهم في قوله تعالى : { من الجنّة و النّاس } أي علينا أن نتعوذ من هذبن النوعين من الجن والناس .
قال صلّى الله عليه وسلّم : ” النّاس هلكى إلّا العالمين ، والعالمون هلكى إلا العاملين ، و العاملين هلكى إلا المخلصين ، و المخلصون على خطر عظيم “
في شرح الحديث أنّك بالعلم تنجو . مثلما أنّك بتعلّمك للتجارة تربح كذلك إذا كنت حاهلاّ بالتجارة تخسر حتى و إن تاجرت بشيء قليل . ما بالك إذا كان الأمر معلق بأمر دينك الذي هو أغلى شيء .
نحن لا نمانع أن تتعلم أمور دنياك و كسب المال و مهنتك و صنعتك لا بأس بذلك .
أما الدّين فهو مصيرك الذي إن يوصلك لفندق اسمه الجنّة بمئة نجمة ، أو يوصلك إلى جهنّم بلا نجوم نهائياً فخذ لنفسك ما يحلو لأنّه لا يوجد سوى هذين الفندقين فقط .
ـ كما أنّه العلم بدون عمل هلاك إذ أنّه إذا ملكنا السلم ولم نعمل به نهلك ,مثال ذلك : عنّدما تعلم أنّ الأفعى سامّة أو أنّ كأس ما يحوي سُمً و لم تتجنبه و قمت بالشرب منه تهلك وتموت …و بالتالي تعلم بالعلم و نكون مخلصين لله تعالى لا نريد طمع و جشع و دنيا ومظاهر و فخر و تناسب لأنّه لا يقبل منه شيء و لا يصل فيه شيء .
ـ أما في شرح المخلصين على خطر عظيم فلها شرحين :
*الأول : عندما تصل لمرحلة الإخلاص فأنت ارتقيت لمقام عظيم و عنّدها أي زلة تهوي بك للأسفل فعليك أن تحافظ على هذا المقام .

  • الثاني : عندما نقول لا خطر لها أي لا شبيه لها فذلك تصل لمرحلة لا شبيه لها.

هذه الدرجة التي وصلوا إليها بالعلم والعمل والإخلاص و التوفيق هي درجة لا شبيه لها من الكمال.
نعود لوصف النّدامة.. بقوله تعالى ((ربّنا أخّرنا إلى أجل قريب)) فهي صفة لا تكون للمؤمنين وإنّما تكون صفة الحمد لهم, قال تعالى: ((الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنّة)) تعبّر الآية الكريمة أنّك تبني القصور وتغرس الأشجار في الدّنيا لتحصل عليها في الآخرة .
قال صلّى الله عليه و سلّم )) إنّ لكلًّ منّكم وكيل في الجنّة ,إذا قرأ القرآن بني له القصور, وإذا سبّح حمد وذكر غرست له الأشجار وإذا كف (توقف) كفّ. أي أنّك عنّدما يعمل هذا الكفيل لك بالجنّة وإن تتوقف يتوقف هو عن العمل أيضاً.
فعنّدما تذهب إلى الجنّة ترَ كلّ شيء جاهز من قصور وأشجار وأنّهار وحور عين , وعندّما تقصّر ولا تعمل بالدّنيا تتركك خاوي لا يحوي شيء.
فاختر لنفسك ما تريد…
والعلم مفروض على كل مسلم ومسلمة . قال صلّى الله عليه وسلّم برواية: ((على كل مسلم ومسلمة)) ولتجنّب الهلاك عليك بالتزام العلم والعلماء ليس أن تفضّل التلفاز والجوال وكلّ ما يلهيك عن العلم وترمي ما ينفعك جانباً فيرميك الله في جهنّم ولا يسأل عليك.
عنّدما يمرّ العلم استمع له لعلّ الله سبحانه وتعالى بكلمةً يحيي قلبك .
كلمة تغيّر مسير حياتك من حافة النّهر إلى النّجاة والحياة.
ففي مرّة من المرّات سأل سيدنا الشيخ محمود أحد الأحباب عن سبب تغيير حياته فأجابه عندما سمع الشيخ يقول في أحد المجالس أنّ كلب أهل الكهف صحبهم مدّة ربع ساعة فبقيّ معهم وحُشِرَ معهم في الجنة , حسب قول النّبيّ (ص) : (كلب أهل الكهف معهم في الجنّة).
عنّدما صحب الكلب أهل الكهف من سفح الجبل للغار كان معهم في الجنّة , فما بالك نحنُ عنّدما نصحب أهل الصلاح والتّقوى مدّة من الزمن ,شهر أو شهرين, سنة أو سنتين.. فأين نكون؟؟ وبهذه الكلّمة تغيّرت حياة الرجل مئةً وثمانين درجة , وأراد أن يكون من أهل الهداية ويتخلّص من الشقاء التي كان عليها وانّتفع بهذه الكلمة فعلاً فتاب ورجع للهداية والصلاح ودرس الشريعة وأصبح من المؤمنين.
وبشرنا سماحة الشيخ محمود المبارك أن : هذا فضل العلم فالعلم نجاة والجهل جهالة من العلم ننال الفضيلة بالّدنيا والآخرة, والملائكة تفرد أجنحتها ليمشي عليها طالب العلم فيكفي لنا ذلك شرفاً.
قوله صلى الله عليه و سلم : ( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم )
حتى الطفل عندما يحصّل العلم يحصّل الخير الكثير، ففي قصة في زمن سيدنا هارون الرشيد عندما دخل على أحد قرّاء القرآن الكريم و طلب من أحد التلاميذ أن يقرأ له للمكان الذي وصل فيه في الحفظ ، فردّ التلميذ أنّها سورة عبس ولكن ردّد سورة الشرح فتعجب هارون الرشيد من ذلك و سأله عن السبب فقال : أردتُ لك أن ينشرح صدرك بقراءتي و لم أرغب أن أتلو عليك سورة عبس في هذا الصباح و لا يتعكر صفو أمير المؤمنين .
فتعجّب هارون الرشيد و الشيخ من فطنة و ذكاء هذا الولد و قام بصرف جائزة له يكافأه و يشجع أقرانه ووعده بطلب خاص ينفذّه له عندما يريد و بعدها دخل هارون الرشيد على شخصية على أحد المصانع و سأل صاحب المحل عن إنتاجية السمسم و كمية الصحين التي يحصل عليها من أوزان مختلفة من السمسم حتى وصل معه كمية سمسم كم يصدر عنها طحيناً و أجابه الرجل عن كل أسألته بعلم وثقة تامة .
وقال أنّه : معلّم بصنعته بصفته يعرف كل شيء عنّها ولكن عنّدما سأله عن فرائض الوضوء لم يعرف وعن المسح عن الخفين لم يعرف أيضاً و عنّدما عرّفه هارون الرشيد عن شخصية تلعثم الرجل و خاف أنّه عرف كل شيء عن صنعته و لم يعرف شيئاً عن أمور دينه .
و بذلك توّعد له هارون الرشيد بعقوبته على مرأى جميع المملكة أن يقطع رأسه بدلاً من سجنه ليكون عبرة للنّاس.
و بذلك نذكر ما يقال في ذلك الموقف : ” أعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً ” …عنّدما ذهب الرجل لبيته مهموماًّ مكدّراً أخبر أهل بيته بذلك و بدأ البكاء فقام الولد الذي ذكرناه عن سورة الشرح بتهدئة أهله لأنه بيّنَ أنّه ابن هذا الرجل و قال لهم : سوف أطلب الشفاعة وردّ العقوبة عن أبي من هارون الرشيد لأنه وعدني بمكافأة مما حصل معه ، وعندما بلغ هارون الرشيد ذلك قال للولد : نِعم الولد وبئس الأب ، فقال الولد :بل نِعم الولد و بئس الجد .
لأن أبي علّمني و جدّي لم يعلّم والدي . فأعفى هارون الرشيد عن والده و أعطاه مكافأة أخرى على حسن كلامه و فكره .
ـ كما قيل في العلم : ” العلم يبني بيوتاً لا عمادا لها و الجهل يهدم بيوت العز والكرم
و لكن كيف علينا أن نتعلم ؟؟ هل بقراءة الكتاب ؟؟ هل بقراءة كتاب الطب نصبح أطباء …؟ لا ..لا يمكن ذلك أبداً .
ولو حفظت القرآن الكريم عن ظهر قلب لن تصبح المؤمن المطلوب الذي ينقذ شرع الله و بذلك تكون تعرف تقرأ الآية و تحفظها ولكن لا تعلم معناها . فلابد لك ممن يشرح لك القرآن و أحكامه و فرائضه و كل شيء فيه مع السنة الشريفة التي تكمل القرآن و تشرحه . المعنى من ذلك أنه لا بدّ من أصحاب الاختصاص في كل صنعة لينقلها على أصولها .
وإلا فنحن نكون مدّعين ومغرورين ومثال على ذلك عندما تقرأ كتاب في السباحة تأتي لتسبح على الواقع فتغرق و تموت ولكن عليك تعلّم السباحة من السبّاح الماهر الذي يتقن أمور السباحة لتنجو .
قال صلى الله عليه وسلم : ” خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه ” وليس من قرأ القرآن وقرّأه
وهكذا نصبح نوّرث القراءة للأجيال التي تأتي بعدنا ..وهكذا …بدون فائدة ونصبح فتنة للذين كفروا فيقولون لو أنّ الإسلام دين صحيح لكان المسلمون أفضل حالاً ، مثال ذلك عندما يعمل أحدٍ من جيرانك أو أصحابك أو الحاكم عليك …يجب عليك أن تشكره وتثني عليه حتى يفعل عملاً خيراً غيره ولكن بدلاً من ذلك نبحث عن الأخطاء و الأعذار ..!
في قصة رواها الشيخ عن إمام مسجد صعد للمنبر و أخذ يشكو من مختار البلدة الذي قام بتعبيد الطريق الذي يوصل لبيته فقط ولم يعبّد باقي الطرقات أو طريق المسجد فقام المختار بإنزاله من المنبر وطرده و سحب الموافقة لإمامته للمسجد …
الإسلام يريد لنا في هذا الموقف الحكمة والنصح الرشيد فعلى الإمام المؤمن أن يشكر فعل المختار ويثني عليه أمام الناس وتشجيعه على تعبيد باقي الطرق و منه طريق المسجد
فقال صلى الله عليه وسلم : ” من لم يشكر الناس لم يشكر الله ” فالحكمة و الكلام الفاضل يمدح المختار ويزمه توفيق لأهل البلدة . وعلينا نحن أيضاً أن نتخذ الشكر سبيلاً للمسؤول وغيره ، لراعي الأغنام ، الفلاح ، ولكل الناس …..
فعندما تشكر على العمل القليل تحصل على الثاني الكثير…فيا ولدي هذا هو العلم النافع الذي تأخذه من أصحابه
ـ إذ أنّ ديننا ثلثه حكمة، قال تعالى : { يعلّمهم الكتاب و الحكمة ويزكّيهم }
فإذا لم تجد لك من سيعلمك الحكمة تفشل ومن لم يعلمك الكتاب (أي القرآن) تفشل أيضاً
و من لم يعلمك التزكية فينظف لك قلبك تفشل في دينك وكل علومه ، فيكرهك الناس ويكرهون مركبك الذي تسير فيه …
فما رأيك بالعسل عندما يوضع بإناء متسخ هل يأكل منه احد؟؟ وهكذا يجب أن تزكّي نفسك وتطهرها ثم تضع فيها العلم النافع حتى تستفيد الناس من هذا العلم .
ختم سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس قائلاً : أسأل الله ان يبلغني وإياكم ممن يستمع القول ويتبع أحسنه ، هداة مهديّين غير ضالين ولاّ مضّلين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: