
العصمة من الناس
درس النساء الأسبوعي 28/11/2020
استبشر سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس قائلاً : الله المتفضّل علينا بهذه الدّنيا التي هي قاعة امتحان واختبار ووصفها هكذا عندما قال: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)) أي ليختبركم، فهذه الدّنيا فيها مهالك وفيها نجاة والله تعالى ينجي المؤمن المتوكّل الآخذ بالأسباب المرتبط بشرع الله وأحباب الله أما غيره سيقع بالمهالك لأنّه هو من اختار مركب الهلاك وترك مركب السّلامة والأمان.
بحثنا اليوم هو عن العصمة من النّاس، والعصمة ذكرت مرتين في سورة المائدة عندما قال تعالى: ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين)).
“الله يعصمك من الناس” نحن أحوج إلى العصمة من الأنبياء والرّسل لأنّ الأنبياء والرّسل بطبيعة الحال مكرّمون وتتنزّل عليهم الملائكة ولهم أورادهم فهل تكفّل الله بالعصمة للأنبياء فقط؟؟ حاشا وكلّا، انظروا إلى ملوك الدنيا وعظمائها ألا يتكفّلون بوزرائهم وخدّامهم؟ وإذا أهين الخادم يقول رئيسه هذه ليست إهانة للخادم بذاته إنّما هي إهانة لسيّده.
إذاً عصمة الله في الحياة من شياطين الإنس والجّن وخصوصاً الذين يلعبون بالسّحر والشّعوذة والرّبط بين الزوجين أو الفراق بينهما أو التفريق بين الولد وأهله فكم نحن نحتاج هذه العصمة من الله لنحصّن بيوتنا وأنفسنا وأهلنا من هذه الأمور.
والآية الأخرى من سورة الأحزاب: ((قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة)) أي يا من رفضتم مركب السلامة واخترتم مركب الهلاك من سيعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو عقاباً ((ولا يجدون من دون الله ولياً ولا نصيرا)) وكذلك إن أراد بكم رحمة من يستطيع أن يمنعها عنكم؟؟ والرحمة لجميع الخلق الفاجر، والكافر وعابد الأوثان، لأن الله ربّ العالمين جميعاً وليس ربّ المسلمين فقط.
الله تعالى تفضّل علينا بالقرآن العظيم والنبي العظيم ﷺ الذي سيشفع لنا يوم القيامة في إقامة الميزان وبدء الحساب للخلائق، فيوم القيامة تذهب الخلائق إلى أبينا آدم وإلى سيدنا عيسى وسيدنا موسى ليشفعوا لهم عند الله لبدء الحساب وكل منهم يقول نفسي نفسي حتى يصلوا إلى سيدنا محمد فيقول: ﷺ أنا لها أنا لها ،قال: فآتي تحت العرش فأسجد سجوداً طويلاً فيفتح الله عليّ بأدعية لا يعلم بها إلا الله، فبينما هو ساجد يأتيه نداء من الله ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفّع ، ثم ينصب الميزان أي تفتح المحكمة ولولا ذلك تقف الخلق على رؤوس أصابعهم أربعين سنة ((وترى كل أمة جاثية كلّ أمة تدعى إلى كتابها)).
إذا عصى الإنسان ربّه تباعد عنه الملك واقترب منه الشيطان، فقد ورد أنّ العبد إذا كذب كذبةً واحدةً تباعد عنه الملك ميلاً، فعندما تكذبين يستحلك الشيطان ويوسوس لك وينفخ فيك أفكاره ويحدثك بأمور لا يعلمها إلا الله لأن الملائكة ابتعدت عنك فكم علينا أن نكون حريصين بالابتعاد عن الذنوب والمعاصي حتى لا يدخل الشيطان علينا ثم نحتاج بعدها إلى الإكثار من قراءة القرآن والأوراد والأذكار لأن الشيطان عندما نقرأ القرآن يحترق، وهو يتربّص بنا حتى تصلين إلى مرحلة السحر وغيره من الشعوذات.
ليست السعادة بالغنى والمادة ورحم الله من قال:
لست أرى السعادة جمع مال ولكن التّقيّ هو السّعيد.
وتابع سماحة الشيخ محمود المبارك : لذلك اجعلي بيتك جنّة ولو لم يكن فيه شيء ، اجعليه جنّة بنظافته ولطافتك واستقبالك لزوجك بالكلمة اللطيفة وكوني صمّاء عن كل كلمةٍ بذيئةٍ تخرج منه وتأكدي أن الله سيعوّضك، قلب المؤمن كبير وقد ورد في الحديث ((ما وسعتني أرض ولا سماء ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن)) قلب المؤمن أكبر من السموات والأرض فلماذا نضيّقه، لذلك كوني صمّاء حتى لا يخرب بيتك وتتحول حياتك إلى جحيم واحذري من صحبة قليلة الدين لأنها ستسرق زوجك وتدمّر حياتك وبيتك والشيخ لا يرضى عن هكذا صحبة أبداً لذلك كوني حريصة وخذي حذرك منها حتى يعصمك الله.
الله لم يقل في الآية الله يعصمك من المؤمنين بل قال من النّاس، لأن المؤمن ليس فيه ضرر وكلمة الناس تشمل كل إنسان غير مصنّع، مثل الحديد في الجبل لا يشتريه أحد بأبخس الأثمان لكن عندما يتصنّع ويتحوّل إلى طائرات تباع بملايين الدولارات وهكذا المؤمن هو المصنّع الذي لا يصدر منه ضرر.
إذاً القرآن أرشدنا إلى ما نخلّص به أنفسنا من السحر والشعوذة وعلّمنا كيف نحصّن أنفسنا منهم ((يتعلّمون ما يفرّقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحدٍ إلا بإذن الله )) لن يضر أحد بالسحر إلا بإذن الله ولأنك محصّنة لا يجدون وسيلة للوصول إليك فيلجأ بعض الشياطين والمفسدين إلى سكب الماء على باب دارك ولتتحصني من ذلك أولاً اقرأي من سورة يونس الآية 81 “فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين” وكرريها سبع مرات ، ثم ليفعلوا ما شاؤوا لن يضرّك شيء ما دام معك الحصن من القرآن العظيم.
ثم نقرأ من سورة الزلزلة ((إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأنّ ربّك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم فمن يعمل مقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره)) وتكرر كلمة أشتاتاً سبع مرات هذه أيضاً حصن لك.
يا حسرة على من ليس لهن راعي في هذا الزمان، أهل الله هم الذين تفضّل الله عليهم وجعلهم رعاة القلوب فكما للمزرعة يوجد حارس متسلح يحميها من اللصوص كذلك أنت ما دمت مع أهل الله متحصنّة بالأوراد فسيكون لك حماية، إذا عليك أن تأخذي بالأسباب ولنفرض مثلاً بيتك فيه ثلاثة نوافذ مفتوحة وأنت تسألين نفسك من أين يأتي الغبار والفئران؟؟ الأمر واضح والسبب هو هذه الفتحات أغلقيها وتذهب المشكلة، عندما يكون البيت نظيف والروائح فيه جميلة والابتسامة لا تفارق وجهك لن يؤثر فيه شيء من الشياطين أما ألا تهتمي لنظافته “لا يدخل الملك بيت فيه كناسة” وأنت حينها من أذن للشيطان بدخول البيت.
أيضاً إذا دخلت المنزل دون أن تقولي بسم الله أو تذكري اسم الله وقد ورد في الحديث أن العبد إذا دخل بيته وسمّى بالله قال الشيطان لأعوانه لا مبيت لكم وإذا قال عند العشاء بسم الله قال الشيطان لجماعته لا مبيت لكم ولا عشاء لأنه قد حصّن نفسه بكلمة بسم الله.
يا بنتي كل حركاتك يجب ألا تنسي ذكر اسم الله في غرفة النوم، قبل دخول الحمام، عند الطبخ، عند القيام بأعمالك المنزلية وتنتبهي إلى زوجك وأولادك كي لا يدخل الشيطان بيتك فإذا نسيتم التسمية قال الشيطان لأعوانه أدركتم المبيت والعشاء، وكل شيء لم يذكر عليه اسم الله يصبح حلالاً للشيطان، لذلك عندما وضعوا مرة سفرة أمام النبي وجاءت طفلة تمد يدها إليها أمسك النبي يدها وقال: بسم الله لأن الطفل لا يعرف التسمية فيستحل الشيطان الطعام من خلال يده.
سابقاً كانت كل العائلات منسوبة للشيوخ والمربيين وقليل أن تجد عائلة ليس لها نسب بالعلماء لذلك حصّني نفسك بالتزامك بروحانية أهل الله ،هذه اللغة قليل من يفهمها إلا من ذاق وعرف والشيطان عندما قال: ((وعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين)) أي المحصنين بذكرك وبالإيمان وهمهم الثبات عليه قال تعالى: ((إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)) لكن ليس العباد الذين تواكلوا وأهملوا، يا بنتي إذا رأيت مرض في بيتك الحقيه وعالجيه من بدايته مثلاً اذا اكتشفت في ابنك أنه يدخّن أخبري زوجك و تناقشوا بالموضوع بعيداً عنه وراقبوه عن بعد وتحدثوا عن مخاطر التدخين أمامه ونروي له قصص عن جيرانه المدخنين وكيف مرض فإذا لم يتركه مع كل هذه المحاولات ينبهه الوالد أنه يشتم منه رائحة دخان ولو علمت أنك تدخن سأفعل كذا وكذا ولا تضطرني أغضب عليك أو أضربك ، ولو اضطررت أن تمثل أنك تريد أن تضربه فتقف أمامك أمه لتمنعك عنه وكل هذا تمثيل على الولد لكي يرتدع عما يفعله.
النبي ﷺ كان يقول لأحد أصحابه (لا تلق عصاك) أي حتّى يرهب بها أولاده فلما يتمادوا في الأخطاء، فالولد والبنت اللذين يعيشان بين أم وأب هما تقويم لأولادهم ليصبحوا قرة عين لهما والمرأة الصالحة هي التي تساعد زوجها وتعينه على تربية أولادهم تربية صالحة.
لذلك دعونا نكون عبيد لله والله سبحانه وتعالى سمّى الأنبياء عبيداً ((واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنّه أوّاب)) أيضا ((واذكر عبادنا إبراهيم وإسماعيل واسحاق)) وقال أيضا: ((سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى)) وقال أيضاً ((الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب)) كل نبي كان يصفه بالعبودية ومعنى ذلك أنهم عبيد لله 100% ونحن كم نسبة عبوديتنا؟
كوني عبدة لله، خدمتك لزوجك هي عبودية لله لأن الله أمرك بخدمته كي ينشئ جيلاً إيمانياً والنبي ﷺ قال: (إنّ الله ليعامل كل واحد منكم من رجل أو امرأة كأنّه آدم زمانه والمرأة كأنها حوّاء زمانها) ثم كانت عناية الله بهم حتى يأتي هذا النسل، وكذلك يعتني الله بك لكن بشرط أن تكوني عبدة له وكيف يكون العبد مع سيّده؟؟ إذا ضربنا مثلاً العبودية سابقاً كانوا يقولون: العبد وما يملك لسيّده فهل أن أصبحت بكل ما تملكين لله؟؟ هذه هي العبودية.
((إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة)) نفوسنا مثل سحّارة البندورة المحمضة فإذا جاء من يعطيك عوضاً عنها صندوق من الذهب هل تتردد؟؟ كذلك الله يشتري منك النفس الأمارة بالسوء فإذا بعتها لله ماذا يعطيك الله بدلاَ منها؟؟ يعطيك نفساً لوّامة تلومك على تقصيرك في الصّلاة وتقصيرك في الذّكر وإذا لم تتزيني لزوجك ولم تستقبليه من الباب فأنت خاسرة أما إن امتثلت لأوامر الله حتى ترتقي بها تصبح نفساً مطمئنة ((يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)) مع الأنبياء والرسل في الفردوس الأعلى فيالها من مرتبة عالية.
((إنّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين)) حين نعود للعبودية يعود لنا عزّنا ووحدتنا وقوّتنا ونفتح الدنيا بأيدينا ليس فتوح الاستعمار إنّما فتوح الإخاء والمحبّة بين الأمم لا نريد إلا أن يسمحوا لنا بإضاءة الطريق أمامهم حتى لا يقعوا بالجور والظلم وإنما الإسلام كالطبيب الحنون يفتح الدنيا ليخلّصهم من أمراضهم مثل الأنانية والحسد والخرافة والسّحر.
قال رسول الله ﷺ: ((ليس منا من تطيّر أو تطير له أو تكهّن أو تُكهّن له أو سَحَرَ أو سُحرَ له)) وقال أيضاً: ((من أتى كاهناً أو كاهنة فصدّقه فقد كفر بما أنزل على محمّد)).
سيدنا محمّد أنزل عليه القرآن والله يقول: ((ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة ضنكاً)) فكيف بك إذا كفرت بالذكر والقرآن والدّين ستصبح حياتك ضنكاً وفي الآخرة جهنّم وبئس المصير أيضاً إذا كان في بيتك خرزة زرقاء أو شيء من التمائم أزيليها نحن لا نؤمن بالتمائم والحجب وكل ما تظنيه يجلب الخير والشر فنحن لا نؤمن إلا بالله ورسوله وكتابه وما علمنا النبي من أحاديث وآيات هذا ما نأخذ به.
العابد الحقيقي من يلتزم العلماء ويلازمهم كالظل حتى يأخذ منهم وليس العابد من ينعزل في صومعته وهو جاهل يتعبد الله، إذا أردت أن تتعبد عليك أن تتعبد بإشراف شيخك والآن يا بني خلوتك في جلوتك وأنت في عملكِ أصغي للدرس يبقى تفكيرك معلّق مع الشيخ هذا هو الحب الذي تزدوج به الأرواح، يجب أن تختلط روحك بروحانية أهل الله كما يختلط السكر بالشاي هل يمكن أن تفصلهما عن بعض؟؟؟ أبداً.
ختم سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس قائلاً : جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه هداة مهديين غير ضالين ولا مضلّين والحمد لله ربّ العالمين.