
الخشية وثمّارها
5/12/2019
اللهم إنّي أبرئُ إليك من حولي وضعفي وقلة حيلتي و ألتجأ إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين علمّنا يا مولانا ما ينفعنا وينفع الخلائق أجمعين.
الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه في سورة الزمر بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثانيَّ تقشعر منّه جلود الذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}
هذا القرآن العظيم الذين كثيرٌ من النّاس أنا أتمنى أن يقرأه مثلما يقرأ في الجريدة (المجلة)لأنّه عندما يقرأ في الجريدة تجده يتفاعل مع الخبر, يتأثر في التهديد, ويسعى في الترغيب والترهيب يتأثر بهما لكن نجد كثير من النّاس يقرأ في القرآن وكأنه- يعني – ضمن بلاستيك ودخل في الماء ما وصل إلى جلده شيء وهكذا ما وصل إلى قلبه شيء أيضاً , القرآن يجب أن يتغذّى منّه القلب وتتغذّى منّه الروح وتتطهّر به النفس هذه صفة قارئ القرآن , الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابه فيه آيات متشابهات لكن من يزيغ في هذه الآيات القلوب التي فيها زيغ؛ فيها مرض.
قال : كتاباً متشابهاً مثانيَّ تقشعر منّه جلودُ اللذين آمنوا , تقشرُّ منّه جلود اللذين يخشون ربّهم بالغيب …
إذاً هذا الكتاب فيه نفعٌ لك , أمّا إذا لم تكون ممن يخشون ربّهم إذاً لا يوجد خشية ثمّ لا يوجد خوف ثمّ لا يوجد نفع ثمّ أنت لست مهتم بالتهديد ولا راغب بالوعيد , الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثانيَ تقشعرُ منّه جلود الذين يخشون ربّهم.. قال: ثمّ تلين بعدما تقشعرُ جلودهم قال: ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكرِ الله ,يعني جاءت في آيات أخرى تبيّن:
{آلا بذكرِ الله تطمئن القلوب }
{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكرِ الله }
أين المؤمن عن هذه الآيات؟ عن هذا الخشوع ؟
عن أن يقشعر جلده ؟
أن يخشى ربّه ؟
هذا عندما يكون الإنسان ميت ونغزه بالدبابيس لا يقول آااخ هذه ليست شجاعة ! وإنما هي موت !! وإن البلاء الأعظم إذا مات القلب “إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصمُّ الدعاة “ماذا يعني تسمع الموتى؟ يعني عندما كان النّبيّ يذهب إلى التربة يعطيهم درس وهنا القصد موتى القلوب هم الذين مدفونون بأجسادهم الترابيّة ,نفوسهم مدفونة لأن دساها:
{قد أفلح من ذكّاها وقد خاب من دسّاها} دسّ نفسه في النقائص , دسّ نفسه في شهواته فبَعُد عن الله وغفل عن هذه المعاني والأهداف الجليلة العظيمة وأٍم يخشى ربّه وممكن أن يعيش خمسين ,ومئة سنة (…) بين يدي الله على تقصيره وعلى ذنوبه وعلى مآبه لا يدري أين مستقره.
إذاً الخشية هي التي تسبب البكاء من خشية الله , البكاء من خوف الله , البكاء من لقاء الله.. وعندما يصل المؤمن إلى هذه الدرجة من الخشية النّبيّ يبشره (صلى الله عليه وسلّم ) قال: لا يلج النّار رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضَرع أي ؛ عندما نحلب الغنمة أو الماعزة أو البقرة يا ترى هل الحليب يعود إلى الضرع مرة أخرى ؟ لا يمكن!! قال: كذلك النّبيّ يُبشرك إذا كنت تبكي من خشية الله )إذا أضعت الجزدان تبكي! إذا فقدت ولد(لا سمح الله) تبكي!! غذا فقدت شيء ثمين تبكي !! وإذا فقدت الله؟
لا حياة لمن تنادي” لو ناديت لأسمعت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي”
ماذا وجد يا ربي من فقدك؟ لا شيء!!
أمّا العكس بالعكس ماذا فقد من وجدك؟ أيضاً لم يفقد شيء ..يعني أنت عندما يلتقي قلبك بالله ويصبح لك الوصال, وفقدت الدنيا بما فيها وبقيت تأكل من الحشائش وليس لك مأوى.. أنت الفائز لأن الله سيعوض عليك أكثر مما فقدت..
وذلك الذي فقد الله وكسب متاع الدنيا التي كلّها فناء,هذا ما وجد شيء !!ويعود إلى الله فقيراً ذليلاً مذنباً والعياذ ب الله ..!!!
لا يلجُ النّار رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع, ولا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخان جهنّم هذان لا يمكن أن يلتقيان مع بعضهما بنفس المؤمن تغبر في سبيل الله , جاء في سبيل العلم , جاء إلى بيت الله , جاء بهدف الإصلاح بين النّاس ,يمشي في الخير ويستنشق الغبار من هذا الدخان ولا يجتمع غبار في سبيل الله )ومنّهم من قال في المعارك أو غير ذلك لا يجتمع هذا الدخان وهذه الغبار مع دخان جهنّم..
على ماذا يدل هذا الكلام ؟
يعني ما زلت أنت في الدنيا تعمل كل جهدك في نشر العلم والهداية وطلب العلم وتبليغ رسالة الله ودلالة الخلق على الله وتسعى في نشر النفع والخير للبشرية فأنت تتغبر وتستنشق غبار
قال: لا يمكن بعد ذلك أن تدخل جهنّم ولا يمكن أن تدخلها ولا يمكن أن تشم رائحتها ولا تشم دخانها أبداً!! هذه بشارة من النّبيّ صلى الله عليه وسلم .
وكان يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه عندما كان جالساً معهم يحدثهم فبكى أحدهم بكاءً شديداً, فقال صلى الله عليه وسلم :لو شهدكم اليوم كل مؤمن – لو كل المؤمنين في الدنيا الآن جالسين معكم – لو شهدَكم اليوم كل مؤمنٍ عليه من الذنوب كأمثال الجبال الرواسي لغفر الله لهم ببكاء هذا الرجل.
لماذا؟
قال: وذلك أنّ الملائكة تبكي (تبكي الملائكة من بكاءه لأنّه يريد الله)
قال : ذلك أنّ الملائكة تبكي و تدعو له..
فتقول:(اللهم شفّع البكائيين في ما لم يبكي ).
هذه البضاعة لبعض النّاس كأنّك تتكلم بلغة الانكليزية لا يفهم شيء لماذا الله يُنبكى أمّامه؟
يُنبكى على الدنيا الفانية بين يدي الله لكي يغفر لك ليتجاوز عن سيئاتك ويرحمك ويرحم أمّة معك الله يرحم الأمة ببركته .
هذا الفضل الإلهِي المرتبة العظيمة التي وصل إليها هذا البكّاء أنّه يُغفر له و يغفر لأمةٍ معه ببركته .
قال: لو أنّ عبداً بكى من خشية الله في أمةٍ لرحم الله تلك الأمة .
ما هذا الفضل الإلهي؟
هذه البضاعة أين نحن غافلون عنها؟
متى سوف نستيقظ عنها؟
متى سوف نلتجئ على أعتابه نتذلل ونبكي في ليلنا ونهارنا ؟
حتى يبدل ذلنا عزٌ , يبدل فقرنا غنى , وبعدنا قرب ,ويبدل غفلتنا حضور وخشوع , ويبدل جفانا حب , هذا الحب الذي أيضاً بضاعة نادرة وغريبة لا أحد يعلم بها إلا من رحم ربي !! يعلم أن يحب أهله.. أمواله.. منزله.. سيارته.. هذا هو الحب ويسعده ودائماً منشغل فيه.
أمّا محبة الله ؟ضعه بالجانب!!
وأيضاً محبة رسول الله !! ب نفس المذهب المرأة تقول :(يقبرني الرسول وهي تاركة للصلاة) بالكلام لا يوجد أشطر مننا ؟!!
لو أنّ عبدٌ بكى من خشية الله في أمةٍ لرحم الله تلك الأمة!!(ما هذا الفضل الإلهي هذا؟!!)
بعض الأحاديث النّبيّ قال: من لم يبكي فليتباكى ؛مثّل بين نفسك أنّك بين يدي الله تباكى تباكى . – مثلما يقول المثل يعني – اجعل نفسك عم تبكي وبالتالي في المرة الأخرى عسى الله أن يهيئ لك وتبكي بالفعل .. صلى الله عليك يا معلم النّاس الخير …
- قالت عائشة: يا رسول الله أيدخل أحدٌ من أمتك الجنة من غير حساب ؟
- قال : أجل .
- قالت :من هم؟
- قال: من ذكر ذنوبه فبكى ..هذا ينضم إلى السبعون اللذين بشرهم النّبيّ بالجنة بغير حساب “سبعون ألف من أمتي يدخلون الجنة من غيرِ حساب” .
- قام رجلٌ منّهم اسمه عُكاشة وقال ادعو الله أن أكون منّهم .
- قال النّبيّ له: أنت منّهم.
- قام أحدٌ آخر منّهم قال : يا رسول الله ادعو الله لي أن أكون منّهم .
- قال سبقك عُكاشة.
هؤلاء السبعون ألفاً من يلحقهم؟!!
تذكر أفعالك وذنوبك كيف أنّي عملت العمل الفلاني والله يسمعني ويراني؟!!
وغداً الصوت والصورة سوف تظهر على التلفاز الرباني,
والله يقول: أقرأ كتابك!!وإذا الصحف نُشِرت وعرض لي هذا الذنب وأنا عنه غافل عن الله وجالس وأنا سعيدٌ بهذا الذنب وأنا أعمل أرٍكيلة !! أيُّ خزيٌ هذا يوم القيامة؟!!
يقولُ لك :عبدي ألم تعلم أني معك ؟
بشروك وأنذروك وخبروك ألم تعلم؟ والله يا ربي قرأت كثير عشرة ختمات وعشرين ختمة…لكن ماذا؟؟
يعني البورية كم تشرب فيها ماء إلا هي لا تشرب شيء,
فهي عبارة عن بورية حديد تشرب منّها وهي لا تشرب شيئا .
وهكذا القرآن يجري على ألسنتنا وكثير من النّاس لا يتأثرون ولا يقشعر جلدهم !!ولا تخشع نفسه!!ولا تدمع له عينه !! ولا متأثر ولا شيئا أبداً !!
يعني ؛ يا بني عندما تضع يدك على النّار تتأثر !! عندما تضع يدك في فم الأفعى تتأثر تعلم أنت أنه يوجد هنا من هلاكك!!
هذا قرآن فيه تهديد, وفيه قصة وأحكام وفيه قصص الأمم القبلية لكي يأخذ الإنسان درساً منّها.. ماذا فعل الله بالعُصاة ؟؟
أين وصلت أيامهم ؟
ماذا حصل لهم؟؟
دمرناهم تدميراً .
ألم تسأل نفسك أنّه ممكن أن يأتي دورك؟
{جزآهم جهنّم وبأس مصيراً}
لذلك يا أخواني خلينا نقرأ القرآن بتدبّر , بخشوع , ببكاء , هنا يصبح النفع بالقرآن ,هنا الفائدة بالقرآن ..أمّا أن نقرأ ولا يوجد أفضل منا بالتجويد الألفاظ ,لكن تجويد المعاني والعمل نحن بعيدين عنه!!
فهذا والعياذ ب الله هذا خاسر وهذا نادم…
أمّا الذي يخشى ربّه ما الذي له عند الله ؟
{إن الذين يخشون ربّهم بالغيب لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبير}
الله يقول لك أجر كبير ما دمت تخشى ربك بالغيب ,لك مغفرة وأيضاً أجرٌ كبير…
فلذلك يا أحبابنا الإنسان عليه مسؤوليات ثلاث: - أول مسؤولية بينك وبين الله.
- المسؤولية الثانية بينك وبين النّاس (يجب أن تعلم حقوق النّاس عليك) .
- ثالثاً حقُ نفسك عليك وحق نفسك عليها(نفسك ماذا تحتاج؟ تكسيها وتطعمها وتريد منّها طاعة الله ,تريد منّها تتزكى تريد منّها أن تكون محبة لله ورسوله ولأحبابه “صلى الله عليك يا رسول الله”).
إذاً القرآن حقيقته مدرسة.. لكن ماذا تُعلّم؟
تُعلّم الإنسان الحقوق ما هو له ؟
وأيضاً ما هو عليه من أجل أن يؤديها ..أمّا إذا تعلمنا الحقوق ما هو لنا وما هو علينا ؟أخذنا الذي هو لنا , وتركنا الذي هو علينا.
نحن قرأنا بالمقلوب مثل الذي قرأ قانون السير بأن الإشارة الحمراء تقف والخضراء تمشي وحفظ هذا القانون ثمّ جاء عند السير وعمل بالمقلوب عند الإشارة الحمراء يمشي وعند الإشارة الخضراء يقف!!هذا ينفد؟؟أم يصاب بعدة حوادث ؟!!
كذلك إذا قرأنا القران بالمقلوب الآيات المفرحة بكينا منّها والآيات المضحكة بكينا منّها !!كل هذا ونحن لسنا بسائليين!!! نسأل الله تعالى أن يردنا إلى دينه رداً جملاً..
لذلك من شروط الإيمان الخوف من الله تعالى
{وخافوني إن كنتم صادقين}
إذا كنت مؤمناً سوف تخاف من الله ..أمّا إذا لا يوجد خوف يعني لا يوجد إيمان ومافيها حساب ومافيها سعادة ولا بالدنيا ولا بالآخرة..!!!.
إذاً الخشيةُ ما هي؟ قال: الخشيةُ هي الخوف المقرون بالتعظيم لأنّه من صفة الصغير يخاف وصفة الكبير يخشى,
ومثالاً على ذلك: (الطفل مع والده يخاف أن يقطع عنه المال أو أن يشدّ له أُذنه وهذا يعني الصف الأول من الخوف. الصف الثاني أنّ الكبير لا يسأل ياريت لو أباه يضربّه لكن لا يخشى بقلبه عليه!!)هذا الفرق بين الصغير والكبير …إذاً “الخشية خوفٌ مقرونٌ بالتعظيم” .
لأنّ الله تعالى يقول: {وإيايّ فارهبون}
والخوف قالوا: قسمين رهبةٌ وخشية. فصاحب الخشية فيه الرهبة ..وصاحب الخوف لا خشية فيه!!
الخوف يعني متل الأطفال الصغار يخاف أن يجوع ,أن يبرد , يخاف أن يمنعوا المال عنه هذا خوف صغار العقول
أمّا خوف أهل الرقي والإيمان “إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي “
لذلك بعضهم كان يقول: “ليس قصدي من الجنان نعيمها إلا أنّي أريدها لأراك” يخشى أن يُحجب وجه الله عنه.
ثمّ بيّن في الختام صلى الله عليه وسلّم أن المؤمن الذي يخشى ويقشعر جسده
قال :” إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحادت عنه ذنوبه كما تحادوا أوراق الشجر في الخريف”
(كيف أوراق الشجر يابس إذا هززت الشجر اليائس تهر كل أوراقها)
قال : كذلك منّ الله عليك بأنك تذكر الله أو تقرأ القرآن أو تسمع مجالس العلم ويقشعر جسدك أي قشعريرة ؛(عندما يصبح الجو بارداً نقول أنه أقشعرّ بدنه, شعره يقف )
قال: إذا وصلت إلى هذا بواسطة ذكر الله أو تلاوة القرآن أو مجالس علم أو تذكرة من صديق أو أخ هذا يعني أن ذنوبك حتحتت وأصبحت بلا ذنوب مثل الشجرة في الخريف عندما أوراقها تحت وتصبح بلا أوراق …أي أصبحت بلا ذنوب بواسطة هذا الذي يقشعر جلده .
إذا اقشعر جلد العبد , تحادت عنه لكن من ماذا تكون القشعريرة ؟
يقشعر جلد العبد من خشية الله ,دع هيبة الله وخوف الله كلّهُ أمّامك , إن إذا قال لي ربي يوم القيامة أنه لن أي عذاب وأي شقاء وأي حرمان هذا؟!!
والله يا بني اذا دخلنا الجنة من غير رؤية الله سنعتبرها بأنها سجنٌ لنا.. وإذا أدخلنا جهنّم ونظر إلينا نظرة السرور والله لتكون النّار هي سعدتنا!!
لأن الغاية هي إرضاء الله جلّ جلاله ملك الملوك “إذا رضيت فكل شيئا حاصلُ”
الغاية والهدف إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي ..
من حصّل رضاء الله حصّل سعادة الدارين , ومن لم يحصّل سعادة رضاء الله وقع في شقاء الدارين بالدنيا ؛ ” ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا”
وفي الآخرة “ونحشره يوم القيامة أعمى”
يعني على مذهب فقراء اليهود !! (في الدنيا حطّاب وفي الآخرة وآّد)
أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن نستمع أحسنه هداةً مهديين غير ضالين ولا مضلين وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين …
ومع سلامة الله.