
الحرص على الكسب الحلال
جميعاً نعلم أن العمل ثمين والطاعة غالية فبعد أن نقدّم الجهد والتعب ونحصّل بفضل الله ورحمته الحسنة يجب ألا تكون رخيصة بين أيدينا فنقع في أعمال نخسرها، ومن هذه الأعمال نذكر عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما قال: ( تليتُ هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ كُلوا مِمّا فِي الأَرضِ حَلالًا طَيِّبًا﴾ فقال سعد: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني مُستجاب الدعوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد اطبْ مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يُتّقبل منه عملاً أربعين يوماً وأيّما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ).
ليس القصد بالعبد فقط الذكور بل النساء أيضاً. السحت هو أكل الحرام.
ليس القصد من طيب الطعام اللحم إنما القصد أكل الحلال الذي لا يوجد فيه شبهة، الخبز اليابس مع الماء في الحلال أفضل من الخروف المحشي الذي فيه شُبهة فإن الخبز اليابس في الحلال يساعدك على الطاعة التي تتحول فيك إلى القوة أما الخروف في الحرام يزيدك بعداً من الله وقسوة في قلبك.
هذا الحديث يدلنا على أن نكون أكثر حرصاً على الإيمان والحسنات فإذا أخذنا مثالاً شخص أكل لقمة حرام أربعين يوماً لم يقبل منه عملاً، وفي اليوم التاسع والثلاثون عاد وأكل لقمة حرام ثم لم يُقبل منه أربعين يوماً وهكذا يتم تجديد أكل الحرام فأين أصبحت أعماله يوم القيامة؟! سيقول حينها أين عملي يا رب؟! فيقول الله: لم يُقبل منك لم يبلغك الحديث النبوي بهذا.
في قديم الزمان لدغت أفعى جملاً فقاموا بذبح هذا الجمل وتوزيعه على أهل القرية فتسمم الناس جميعهم فانظر كيف أن لدغة هذه الأفعى صغيرة جداً لكن مفعولها كبير، فملعقة صغيرة من السَّم تخرّب كل شيء. لهذا يجب أن نحرص على أعمالنا ولا نشتري الدنيا الفانية بالأخرة الباقية.
عندما ترى شخص يشتري سلة النفايات بمئة ليرة ذهب تقول هل هذا مجنون؟! وهكذا الذي يفضّل اللقمة الحرام ويأكلها ويخسر عمل أربعين يوماً ﴿قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا﴾
هذا الشخص يرى نفسه أنه يفعل الخيرات الكثيرة من صوم وصلاة وزكاة وحج و…و…. و لكن في الحقيقة في أكله للحرام لا يرتفع له عملاً إلى السماء ويصبح مطرود ومحروم وهو لا يدري والبلاء الأعظم أن الشيطان يغرّه بطاعته هذه ولا يدري أن الخرق في السفينة ولو كان صغيراً يُغرق السفينة بأكملها.
كانوا من قبل يبتعدون عن الشبهة وليس الحرام. الشبهات هي التي لا تعلمها حلال أم حرام فلا تحلّلها أنت لأن جميع الناس تفعلها، كل إنسان له قبره وله وقفة بمفرده بين يدي الله وله سؤال خاص فيه فلا تقتدي بالناس فمن تشبّه بقوم حشر معهم.
ابتعد عن الشبهات فالصحابة يُقال أنهم كانوا يتركون ثلاث أعشار الحلال من أجل أن لا يقعوا في الشبهة.
الشيطان يغرّك ويقول لك فرصة هي صفقة خذها ثم تب. من الممكن وأنت تأخذها تموت فتموت على سوء الخاتمة وقد تكون هذه سبب فتنتك ﴿ وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ ﴾
فإياك أن تدخل مال الحرام إلى أولادك، والله لو دخل السّم على طعامك وتوفيت خير لك من أكل لقمة حرام لأنك إن متّ بالسّم تكون شهيداً، أما مال الحرام الذي تنوي أكله يجعلك تفلس وجسد نبت بالحرام و السحت فالنار أولى به. هذه الخسارة التي ليس بعدها خساره.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم .
أنت في الدنيا قبل أن تشتري شيء تحسب المال أكثر من مرة لكي لا تفشل أمام الناس، فأولى لك أن تحسب أعمالك؟ هل تدخلك الجنة أم لا، هل هذا العمل فيه أخلاص لوجه الله؟
يجب أن تتّقي الله وتقي نظرك وسمعك من الحرام فهل أنت مسيطر عليهم؟ إن لم تكن مسيطراً عليهم سيدفعونك للهلاك.
إياكم أن تخسروا أعمالكم فبعد أن تكون قد وصلت إلى الطّابق الخمسين تنزل إلى الطابق الأول بسبب شهوة نفس أو لقمة حرام أو لذّة حرام أو عمل حرام ذلك هو الخسران المبين فحتى وإن كان في الأمر شبهة ابتعد عنه فالشبهة بريد الحرام، ابحثوا عن الرزق الحلال ولو أتعبكم ( مَن أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له ) فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحثُّ على طلب الرزق الحلال فقال: ( اجملوا في طلب الدنيا )
………
الله ييسر لك الحلال فلا تنحرف ولا تصحب أهل الشبهات لأنهم سيغروك ويقولون لك نحن مأذون لنا بأكل الميتة و يجلبون لك من الفتاوى، قل لهم أنا عندما أكون في صحراء ومقطوع من الأكل ووصلت إلى الموت ولا يوجد إلا اللحم الميّت مأذون لي عندها الأكل بقدر قيام و بقدر حاجتي لكي لا أموت فقط في صحراء مقطوعة و ليس بين الناس فبين الناس بإمكانك أن تبيع وتشتري.
فلا تأكل الحرام و تخسر الجنة و جوار الله الذي هو أغلى من الدنيا و الآخرة والنظر إلى وجه الله و السلام من حضرة الله ( وسلام قول ) تسمعه وتتلذذ وتطرب سبعين ألف عام من سماع صوت الله عندما يقرأ لك من القرآن، ويقال أنه يقرأ من سورة ياسين ويقال طه، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ من القرآن و سيدنا داود من حسن صوته يقرأ من الزبور.
هذه السعادة ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر.
إذا كنت أفقر أهل الجنة تحتاج ألفي عام كي تدور على ملكك كله. تخسر هذا بلقمة حرام؟! لا تجعل الشيطان يسيطر عليك وقل في نفسك لو كان الشيخ معي هل أقوم بأكل هذه اللقمة؟ لا تأكلها، فمن الأولى أن تخشى النبي وتستحي منه والأولى أن تخشى الله لأنه معك. لا تفرح بالصلاة والقيام ولا بالصيام فمثلاً عندما تقول أنا زارع مساحة واسعة من الأرض أقول لك دعني أرى ماذا أنتجت وماذا يوجد لديك رصيد الآن، فإن لم يكن هناك ثمار من هذه الأرض حينها أقول لك أعد الزراعة.
الفقر هو الذي يدفعك تسجد للحرام، وعلاج الفقر هو الجد والعمل بنشاط فتبدأ عند الفجر، يجب عليك أن تذكر لطلوع الشمس. النوم بعد الفجر جريمة. وبعد أن تنتهي من الذكر لطلوع الشمس تنطلق إلى عملك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( باكروا في طلب الرزق والحوائج فإن الغدو بركة ونجاح ).
هكذا يعلّمنا النبي كي يتبارك عملك عليك أن تجتهد وأن تباكر في عملك وانظر حينها كيف تكثر عليك البركة.
ثم يقول عليه الصلاة والسلام: ( إذا سبَّب الله لأحدكم رزقاً من وجهٍ فلا يدعه حتى يتغير له ).
لا تبحث عن غير عملك و يوجد لديك عمل حتى ينقطع أو يهيئ لك الله عملاً أفضل منه. لا تضع قدمك في مكان إلا عندما يكون ثابت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( أيها الناس إني والله ما آمركم إلا بما أمركم الله به، ولا أنهاكم إلا عمّا نهاكم الله عنه ).
الأمر كله من عند الله ﴿وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الأَقاويلِ لَأَخَذنا مِنهُ بِاليَمينِ﴾ ﴾ لماذا اليمين؟ لأنها أقوى. ثم قال ﴿ثُمَّ لَقَطَعنا مِنهُ الوَتينَ﴾ معنى الوتين هو عرق معلق بالقلب قطعنا عنه الحياة والقصد أن من يتكلم زيادة عن الله يقطع عنه الحياة .
إذاً تجملوا في الطلب والله الذي نفس ابي القاسم بيده أن أحدكم ليطلبه رزقه كما يطلبه أجله.
عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم يقول والذي نفسه أبو القاسم بيده وكثيراً ما كان يقول والذي نفس محمد بيده.
ملك الموت ينتظرك حتى تنته أيامك فيبحث عنك و يقبض روحك أينما كنت وكذلك الرزق يتبعك كما يتبع أحدنا ظلُّه.
عندما تمشي في العصر يصبح خيالك خلفك أما عند الضحى في الشمس يصبح خيالك أمامك.
هكذا يتبعك يرزقك لكي يؤدي لك ما فرضه الله لك . اجمل الطلب فرزقك مقسوم
لا تكن للعيش مجروح الفؤاد إنما الرزق على رب العباد.
حتى لو مررت بظروف مجاعة اصبر فهذا الصبر مهما كان شديداً عليك أفضل من أن تصبر على نار جهنم .
كانت المرأة سابقاً من شدة حرصهم عندما يخرج زوجها للعمل تقف عند الباب تودّعه وتغطيه وصية وتقول: اتّق الله فينا فإن لنا صبراً على الجوع وليس لنا صبراً على النار.
القصد إن أطعمتنا لا تجلب لنا إلا حلالاً وإن لم تستطيع لا تجلب لنا الحرام فنحن نصبر على الجوع ولا نصبر على نار جهنم إن أكلنا مال الحرام .
انظروا كيف توصي المرأة العاقلة زوجها والقصد يجب عليكم أن تعلّموا نساءكم على الإيمان لأنك إن لم تسع إلى تربيتها التربية الإيمانية سوف تحثّك على فعل الشبهات والحرام. ﴿يَومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أَخيهِ وَأُمِّهِ وَأَبيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنيهِ﴾.
النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الأصحاب إذا ذكرت الله أعانك وإذا نسيت ذكّرك.
يجب أن يكون الزوج خير صاحب وخير صاحبة الزوجة. أنت كن عوناً لها وهي يجب أن تكون عوناً لك على الحرام.
نار الدنيا أخفُّ حرارة من نار جهنم بسبعين مرّة ضع يدك على نار الدنيا التي هي مخففه سبعين مرة عن نار جهنّم لن تستطيع تحمّلها فكيف بنار الآخرة.
فلا تغرك نفسك ولا تتعامل مع أكل الحرام بقلّة اهتمام.
كان سيدنا أبو بكر يوماً عطشان فجاءه العبد ومعه حليب فشرب منه سيدنا أبو بكر كمية قليلة، وبعد أن شرب عصى قلبه فقال للعبد: من أين أتيت بهذا الحليب؟ قال العبد: تكهنت لشخص وغلبته فسلبته الحليب فوضع سيدنا أبو بكر أصبعه في حلقه وتقيأ الحليب ثم أسرع و شرب ماء وعاد وتقيّأ لكي ينظّف معدته من آثار الحليب الذي يوجد فيه شبهة، وكرّر ذلك أكثر من مرة ثم قال : اللهم إني أستغفرك مما امتصّته العروق، لأن الحليب سريع الهضم وقام يصلي ويسأل الله أن يغفر له لأنه لم يكن يعلم.
انظر كيف أن الله أعطى سيدنا أبو بكر إنذاراً مباشر في قلبه، فإذا كان لك قلب يعطيك إنذار وهذه نعمة أما القلب الذي لا يعطي إنذار ولا يشعر يأكل الحرام فلا يُرفع له العمل أربعين يوماً ويكون من المفلسين يوم القيامة.
إذاً تجمّلوا في الطلب وإذا تعسر عليكم ولا يوجد شيء اعلم أنك في امتحان واختبار والله يخبا لك رزقك.
﴿وَفِي السَّماءِ رِزقُكُم وَما توعَدونَ فَوَرَبِّ السَّماءِ وَالأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثلَ ما أَنَّكُم تَنطِقونَ﴾
ايعطيك الله و يمنع عنك بحكمته لأنه يعلم فيمنع عنك الآن لأنها ستمر عليك أيام تكون فيها أشد ما تحتاج إلى المساعدة فيرسلها لك حينها. فإن تعسر عليك شيء فاطلبه بطاعة الله وليس بمعصيته وليس بالحرام.
الرزق يأتي بتقوى الله( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره.)
اعلم أن أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك فعدوّك الأول هو النفس والثاني إبليس فإن تحالفا عليك يميل القلب إليهم. القلب اسمه قلب لأنه يتقلّب بين الروح والملك و بين النفس والشيطان والدنيا ،عندما يميل القلب لهم تميل كفة الميزان لهم لذلك تصبح الدنيا و التكاثر همك أما إذا انتصرت على نفسك و قمت بتزكيتها و تحويلها إلى نفس لوّامة ومطمئنة و راضية و مرضية.
النفس عندما تصبح لوامة تقف مع الملك والروح فيصبحوا ثلاثة مقابل واحد وهو الشيطان والدنيا (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)
وكذلك الدنيا تغرك لكن أنت تنتصر عليها أما إذا خسرت قلبك و أصبح من حلف الشيطان هذا الخطر الأكبر، لذلك أكثروا من ذكر الله حتى تنظّفوا الروح من هذه النفس الأمارة، بقدر ما تكثر من ذكر الله وصحبة ومجالس وتلاوة قرآن تطهر روحك.
كلما طهرت روحك تنضم إلى القلب والإلهام الرحماني وبقدر ما تهملها تميل إلى الدنيا و الشّيطان و تتّسخ من السواد الذي فيه.
( قد افلح من زكّاها ) ليس للشيطان على أولياء الله سبيل ولا يؤثر عليك لأن أنت لديك القوة والطاقة الروحية ، والنفس والقلب والملك معك فلم يعد للشيطان عليك تأثير.