
الحذر من أهل الفساد
السيرة النبوية الشريفة الحلقة 68
( 5/11/2021)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
خير القول والسير سيرة الحبيب المصطفى منها ننال الأسوة والعبر فذكر لنا سماحة الشيخ محمود المبارك أنه عندما لم يحصل النبي صلى الله عليه وسلم على القافلة التي خرج من أجلها، حيث أنه كان يريد أن يردَّ أموال المهاجرين إليهم، لأن قريشاً سلبت أموالهم وعادتهم وآذتهم، فأراد أن يتعرّض لقوافلهم وأن يحاصرهم اقتصادياً، لأنهم جمعوا من المال ما يقارب نصف مليون دينار ذهبي
وأرسلوه بتجارةٍ إلى الشام بقيادة أبي سفيان، ولكن الله أراد أمراً آخر، فلم يلتقِ بها النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ يستشير أصحابه، فأجاب الصحابة جواباً أسرَّ النبي صلى الله عليه وسلم سروراً عظيماً، فاستبشر النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم.
و أخبرنا سماحة الشيخ محمود المبارك أنه كان أبو سفيان قد بعث لقومه بأنه هو والقافلة قد وصلوا إلى حدود مكَّة، ولا داعي للحرب، ارجعوا سالمين.
ولكن فرعون هذه الأمَّه أصرَّ على استكمال السير حتى يرِد بدراً، وكانت بدر راحةً للقوافل لأن فيها الماء، فأراد الوصول إلى مكة لشرب الخمور وأكل اللحوم ليرى الجميع قوَّتهم ويهابوهم وألا يتعرّض لقوافلهم.
فقد كان كلام أبي جهلٍ عظيماً إلا أنه كان يستخدمه في الباطل، فيجب علينا أن نأخذ الحكمة منهم ولكن نستخدمها من أجل ديننا.
ثم حصلت مناقشاتٌ بين سادة قريش، فقام حكيم بن حزام «تكون خديجة رضي الله عنها عمَّته» وقد أهداها زيد بن حارثه خادماً لها، الذي قدَّمته هديةً للرسول صلى الله عليه وسلم بعد الزواج،
وله مواقفُ جميلةٌ بالنسبة للإسلام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش لمقاطعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعشيرته، وعلَّقوها على الكعبة وألا يتعاملوا معه أبداً، فكانت مقاطعةً ظالمةً جائرةً وخرجوا من الشُّعب حتى أتى الله بالفرج.
وعن قدرة الله قال سماحة الشيخ محمود المبارك : أن حشرةٌ من الحشرات يُقال إنها السوسة أكلت كلّ كلمةٍ جائرةٍ من الصحيفة إلا اسم الله لم تقترب منه… رأى النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا بأن الصحيفة قد أكلتها السوسة وأخبر عمه بذلك، فقال له أخاف أن أخرج لأخبر الناس فأعود بالخيبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فلا تخف، فجاء أبو طالب إليهم وأخبرهم أن القارضة أكلت الصحيفة إلا اسم الله، وعندما تحققوا من الأمر علموا أنه على حق.
فالحكيم بن حزام أخذ موقفاً، ولكنَّه لم يستطع أن يُظهر إيمانه، ولكن بعد فترةٍ وجيزةٍ اتفق مع بضعة أشخاص بأن يقوموا ويعلنوا أمام الكعبة بأنهم ظلموا محمداً وعشيرته ويطالبوا بعودتهم.
وفعلاً قاموا بذلك، فقال أبو جهل: إن هذا كلامٌ دُبّر له في الليل.
وكان قد قدم زيد بن حارثه لخديجة رضي الله عنها والذي أصبح فيما بعد عبداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسمُّونه بحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عبداً لأنه أُسر هو وأمّه، فأُطلق سراح أمه، أما هو فبيع بسوق العبيد، واشتراه الحكيم، فمشى مع النبي صلى الله عليه وسلم وأحبَّه من قبل النبوة.
فمن شدَّة محبَّة النبي صلى الله عليه وسلم له نسبه إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: زيدٌ ابني يرثني وأرثه ولكن بعد ذلك نزلت الآيات بأن يردَّه إلى أبيه.
سنعود إلى موضوعنا… فها هو سماحة الشيخ محمود المبارك يحدثنا أنه كان حكيمٌ من عقلاء قريش، لم يعجبه كلام أبي جهل، فذهب حكيم إلى رجلٍ عاقلٍ اسمه عُتبة…وكان عتبه أكبر رجال قريش، وكان سيّد في قومه، وقال له: يا أبا الوليد أنت أسنّ رجلٍ في قريش، وسيّدها المطاع.
وكان له بعض المواقف أيضاً، عندما بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليرجعه عن الإسلام، فقرأ النبي عليه الصلاة والسلام عليه بضع آياتٍ من سورة فُصّلت، فوضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أُنشدك الرَّحم لا تكمل.
فعاد إلى قومه وقال لهم: اتركوا هذا الرجل فإنه يقول قولاً عظيماً ليس بسحرٍ ولا شعوذةٍ.
فقالوا له: هل أدخلك الإسلام؟ اشتراك؟ أم أخذ عقلك؟ إلا أنه رجع لعقله القديم وقال: هذا سحر.
فيجب علينا أن نتعلم بأن نكون مع جماعةٍ صالحةٍ تشدُّنا إلى الإيمان، لأن الجماعة التي ستكون فيها سوف تؤثر عليك سواءً سلباً أو إيجاباً، فيجب أن تنتقيَ من تجالس.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصحبْ إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي).
وقد قيل: مَثل القلب كمثل القصر، يوجد فيه غرف استقبال، ولكن لا توجد فيه إلا غرفة نومٍ واحدة.
ولذلك قال لنا سماحة الشيخ محمود المبارك أن لا نُدخل على قلوبنا إلا الله، وأما البقيَّه فاستقبلهم في غرف الاستقبال.
قال: يا أبا الوليد اعدلْ الناس عن الحرب، فلا حاجة لمثل هذه الحرب. فقال له: أجل يا حكيم سأفعل، ولكن من يضمن ابن الحنظلة؟؟ (يقصد أبا جهل حيث كان يُنسب إلى أمه).
فقال حكيم: قم حدّث الناس فلن يغلب الرجل كثرة، فقام عتبة وقال: أيها الناس، لقد سمعتُ بأن تجارتكم في أمان، وأن الذي أُرسل صادقٌ وأمينٌ وهو أبو سفيان، أرسل إليكم عدم الخروج إلى الحرب.
لأن أبا سفيان هو زعيم قريش في ذاك الوقت، فإني أرى أن نرجع ولا نَرِد ماء بدرٍ فإنها حربٌ لا أراها إلا قرون، ينظر الرجل في وجه الرجل يكرهه يقول هذا قتل أخي، وهذا قتل أبي وعمي، فإنما هم أهلكم.
ونترك محمداً للعرب فإن أصابوه فقد كفيتم منه، وإن ظهر محمد فعزّه عزّكم، فقام أبو جهل وقال كلمات يستفزّ بها عتبة فغضب عتبة… فأقسم عتبة أنه أول من يخوض الحرب.
هامش: (عندما دخل هارون الرشيد على شيخ القرَّاء وسأل كلاً منهم إلى أي سورةٍ وصل، فقال له هذا وصل إلى سورة عبس… فقال هارون الرشيد: يا غلام أسمعنا واجبك، فقام الغلام وقرأ سورة الانشراح، فبُهِت الشيخ وبعدما انتهى سأله واجبك سورة عبس لماذا قرأت ألم نشرح لك صدرك؟
فقال له: لأني لا أريد أن أقرأ لأمير المؤمنين في الصباح عبس وتولى، بل أريد أن أقرأ ألم نشرح لك صدرك حتى يشرح له صدره.
واصل حكمة عتبة بن ربيعة فمضوا باتجاه بدر.
وافق أغلبية أهل مكة لأبي جهلٍ، بينما لم يوافق بنو زهرة، فرجعت إلى مكة لذلك كانت رؤية عاتكة عمَّة النبي صلى الله عليه وسلم أن الصخرة عندما تكسرت دخل منها كل بيت من بيوت مكة فلقة إلا بيوت بني زهرة.
وكانت رؤياها بأن هناك رجلٌ واقفٌ على جبل الصفا ونادى يا أهل مكة انتبهوا إلى ما سيحصل بكم، ثم تدحرجت صخرةٌ كبيرةٌ فنزلت على أهل مكَّة وتفتتت، وكل بيت دخل إليه فلقٌ إلا بيوت بني زهرة لم يدخل منها شيء، لأنه عندما حدَّثت عاتكة أخاها العباس قال لها: اكتمي.
تسرَّب الخبر فوصل إلى أبي جهل فجاء إلى العباس وقال له: ألم يكفِ بأن رجالكم أصبحت أنبياء، ونساءكم أيضاً ستصبح أنبياء؟!!! فقال له العباس: لماذا تقول هذا؟ فقال له: أختك ترى رؤيا بأن هناك أمور ستحصل لأهل مكَّة عما قريب، وحدَّثه عن الرؤيا.
كان عدد جيش قريش 1300فعندما انسحب بنو زهره أصبحوا 950.
و سماحة الشيخ محمود المبارك ذكرنا بأن هذه جميعها دروس لنا حتى نميّز “أبا جهلٍ” في زماننا هذا، فكل إنسان يقطعك عن المعلم والذكر والدروس سيوصلك إلى المهالك.
احذروا من أهل الفساد والشيطان الذي يكون على شكل بني آدم، فهذا أخطر من الشيطان الذي لا يُرى.
كان مصدر الدين في زمانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآن مصدر ديننا المعلم والشيخ، لنأخذ منهم ما ينفعنا في الدنيا والآخرة.
وسلام ٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين.