الحث على التعلم والتعليم

يقول المصطفى ﷺ: ((نضّر الله امرءً سمع منا شيئاً فبلّغه كما سمعه فربّ مبلّغ أوعى من سامع))
يحثّنا النبي ﷺ على التّعلم والتّعليم فمثلاً إن كنت في صحراء ظمآن ووجدت ماء وشربت لا يكفي أن تروي عطشك بل يتوجّب عليك أن تنقل الماء للآخرين وهكذا بدأ الدّين قال ﷺ: ((بدأ الدّين غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء فقالوا من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس)) أي قبل أن يتدهور وضع النّاس ينشرون العلم لأنّ هذا هو عملهم الذي أخذوه على عاتقهم يتعلّمون فيعملون ثم يعلّمون.
وهناك قول للسيد المسيح عليه السلام: من تعلّم ثم علّم دُعيَ في ملكوت السماء عظيماً، وأي شرف أن يكون اسمك عند الملائكة عظيماً، أما البلاء الأعظم إذا كان اسمك في الدّنيا بين النّاس عظيماً وفي الآخرة العكس يظن نفسه في الدنيا من العظماء وفي الآخرة يكون من السفهاء والعياذ بالله.
إذاً النّبي يدعو الله أن يجمّل وجهه ويجعله محبوباً عند الخلق من سمع شيئاً من رسول الله ومعنى سمع ليس بالضرورة أن يكون السمع مباشرة من رسول الله بل يكفي أن تكون قد بُلّغتَ بالحديث عن طريق العلماء من هيّأهم الله ليوصلوه لنا ولا نقول كما قالت الأمم السابقة سمعنا وعصينا.
((بلّغه كما سمعه)) أي دون زيادة أو نقصان قد يقول أحدهم أن زيادة الخير خيراً، يا بني لا تنفع الزيادة في كل الأماكن مثلاً الصّلاة أربع ركعات لا يمكن أن نضيف إليها ركعة ونقول زيادة الخير خير، مثل مقادير الطبخ لا يمكن أن تزيد الملح أو السمن من مبدأ زيادة الخير هنا تفسد الطعام وهناك تفسد الصلاة وكذلك كلام رسول الله يجب أن يبلغ بأمانة كما هو تماماً.
((رب مبلّغ أوعى من سامع)) قد يسمع الحديث أحدهم منك فيبلغه لمئة شخص وأنت قد بلغته لشخص واحد فقط، أو قد يسمعه منك فيعمل به ويكون لديه نهم للحديث وأنت لم تعمل به، لذلك بنيّ استخدم عقلك وزِنْ الكلام في موضعه في العزاء تكلم بما يناسب العزاء وفي الأفراح تكلم بما يناسب ذلك، الله جعل لنا فصولاً أربعة حتى نعطي كل فصل حقه تخيل إذا لبست قميص صيفي في فصل الشتاء ستفسد صحتك، لذلك رزقنا الله وإياكم الحكمة.
قال رسول الله ﷺ: ((ألا أدلكم على الأجود الأجود: الله الأجود الأجود، وأنا أجود بني آدم وأجودكم من بعدي رجل علم علماً فنشره ورجل جاد بنفسه لله حتى يقتل)).
يا بني عندما تعرف من هو نبيّك أصبحت تعرف موقعك من النّاس تعرف بأي مركب تريد أن تركب ومن تريد أن تتبع كل ذلك يجعلك تفتخر به فتزداد شكراً لله، أهل الجنّة عندما تخرج روحهم يمررها الله على الجنة والنار لينظر كيف لو كان له مقعد في النار وكيف أبدله الله بمقعد في الجنّة بإيمانه حتّى يزداد لله شكراً أما الكافر فينظر إلى مقعده في الجنة وكيف أبدله الله بمقعد في النار بعمله فيزداد حسرة.
أيضا المؤمن يكون بين قبره وبين الجنة باباً وبينه وبين النار باباً وبين السلام على الله باباً فمتى أراد سلَّم على حضرة الله ومتى أراد أن يرتع في الجنة ثم يعود إلى مسكنه وأما الباب بينه وبين النار فيطّلع منه على أهل النار والذين كانوا يستهزءون به ويؤذونه منهم ويحدثهم لو أنكم آمنتم لما وصلتم الى ما أنتم فيه الآن من العذاب والهوان ((فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون)) ثم يسألهم أين أموالكم وجاهكم الذي كنتم تعتزون به في الدنيا لماذا لا ينصركم ((مالكم لا تناصرون)).
كان النبي صلى الله عليه وسلم مرة مع سيدنا أبو ذر فشاهدا معزتين تنطح إحداهما الأخرى الأولى بقرون والثانية بلا قرون فقال النبي ﷺ: يا أبا ذر أتدري لم تتناطحان؟ قال لا يا رسول الله، فقال ﷺ: لكن الله يعلم وسيحاسبهما يوم القيامة فينبت لهذه قروناً فتنطحها كما نطحتها ثم يقول لهما كونوا ترابا وكذلك لجميع الحيوانات.
هذه القصة تدل على أن الحيوانات تأخذ حقها يوم القيامة من بعضها فكيف أنا وأنتم هل سنترك للناس حقوق علينا؟؟ إذا كان لأحدهم حقٌ عندك فسارع بتأديته وإذا لم تستطع إعادة الحق اعتذر لهم بمكالمة أو رسالة أو بزيارة إلى منزلهم وذكّرهم أنك ستؤدي حقهم في أقرب فرصة تتاح لك والأفضل أنه كل ما سمحت لك الفرصة لتأدية حقوق الناس سارع لذلك مع الاعتذار والله سيكون معيناً لك وكذلك عندما يكون الإنسان مديوناً وفي نيته أن يسد دينه يعينه الله على ذلك فيبارك له في رزقه.
“وأجودكم من بعدي رجلُ علم علماً فنشره”
((إن إبراهيم كان أمة وحده)) الأجود الأجود يحشره الله يوم القيامة أمة وحده وأنت بإمكانك أن تكون كذلك وأي فخر هذا.
“ورجل جاد بنفسه لله حتى يقتل”.
ليس أن يقتل قتلة سيئة أو كالانتحار هذا مصيره في النّار لكن إذا دخل العدو أرضك ليحتل مالك وعملك وبيتك ونساءك، يجود بنفسه تحت القيادة التي تقود البلاد فإذا كنت من الجيوش لا تهرب إنما عليك أن تواظب على حماية بلدك، ورحم الله من كانوا يجاهدون في ليلهم ونهارهم وكانوا يتعبون في توثيق العلم وكانوا يكتبون حتى يغلبهم النعاس بعضهم من شدة تعبه غلبه النّعاس فرأى في نومه أنّه دخل الجنّة فقال في نفسه: الآن ارتحت من النّسخ فمد يده وإذ وقعت على دواة الحبر وانكسرت فاستيقظ.
انظروا كم كانوا يتعبون في النسخ وهو ليس بالأمر السّهل لم يكن لديهم طابعة أو أدوات ثانية إنّما كانوا يقرؤون أسطر ثم يعيدون كتابته على ضوء الفانوس المعتم لكنهم كانوا مخلصين في عملهم وكان الله خير معين.
أما الآن فالله تفضّل علينا بأن يصلنا العلم ونحن في بيوتنا ويأتينا مكتوباً أو مسموعاً أو صوت أو صورة وبمجرد أن تضغط على الزر يظهر الدرس ومجلس العلم موجود أمامك ومع ذلك أصابعنا كأنها مشلولة عن النشر وهممنا مشلولة وهذا هو مرض الأمة ضعف الهمة، إذا لم نشد الهمة في العلم والتعليم ونشر العلم سيكون وقوفنا أمام الله وقوفاً طويلاً، فقد هيأ لك أحدث الوسائل التي توصل العلم الى أنحاء العالم بضغطة زر وأنت تتكاسل وتستحي من نشر العلم.
انظروا إلى من أحبّ المغنيات كيف حفظ جميع الأغاني مع ألحانهم، يا ترى هل حبّنا للنبي يشبه حبّهم للمغنين؟؟ هل تحفظ أحاديثه ووصاياه؟ وما الذي يدخل السرور على قلبه والأحداث التي مرَّ بها؟
رجاؤنا في هذه الأمة أن تكون كما وصفها النبي ﷺ ((أمتي كالمطر لا يدري أوله خير أم آخره)) وفي حديث آخر قال: ((الخير بي وبأمتي إلى قيام السّاعة)) نسأل الله أن يجعل فيكم ومنكم وأنا معكم من الصّادقين في محبتنا لله ولرسوله ولجمع السّنة ولتعلّم كل صغيرة وكبيرة وتدوينها وتثبيتها وتعليمها للنَّاس ونسأل الله أن يقبلنا.
الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه لما رُؤيَ بالمنام بعد الموت سُئل عن حاله فقال منَّ الله عليَّ بالمغفرة فقالوا بم؟ بصلاتك؟ بعلمك؟ بتعليمك للنّاس؟ وهو يقول لا، فقالوا: اذاً بم؟ قال: بكلام النّاس فيَّ ما ليسَ فيَّ. ونحن لا ندري إن تفضَّل الله علينا بالمغفرة بأي عمل يغفر لنا لكن علينا أن نبذل الجهد ولا نتوقف عن هداية الناس.
سأحمل راية الإسلام وحدي ولو أن العالمين لها أساؤوا.
فتلك عقيدتي سكنت فؤادي كما سكنت شراييني الدماء.
وإن كان الفناء سبيل خلد فمرحى ثم مرحى يا فناء.
و كلمة عقيدة أي عقدة أو ربطة ومنها جاءت تسميتها عقيدة أي عندما يعقد الإيمان على قلب المؤمن لا يفك إلا يوم القيامة، وإن كان الموت سبب الخلود في الجنة فأهلاً وسهلاً بك يا موت، جعلنا الله أهلاً لرفع راية الإسلام فعندما نرفعها نفتخر بها ، لذلك يا بني اشكر الله الذي جعلك من خدّام هذه الرّاية راية الإخاء والمحبّة وجمع القلوب، تحمل الطهر والمحبّة والإخاء للبشرية لا تعادي أحداً من الخلق فالخلق كلّهم عيال الله وأحبهم الى الله أنفعهم لعياله هذا هو الإيمان ومن حمله هو الذي يعزّ به فحامل الجوهر لولا الجواهر لم يساوي شيئاً.
إيمانك وعملك بدينك هو الذي يرفعك عند الله ويجعلك عظيماً هذا هو التكرّيم الباقي أما تكريم المنصب والمال والشهادات يفنى بموت الإنسان ولولا الحياء لما حضر أحد جنازته لأن أكبر همهم هو تقاسم الميراث من بعده أما عندما يوفقك الله وتحمل الإيمان والعلم هذه هي الرّاية الخالدة التي تفتخر بها ليس وحدك إنما أهلك وأولادك وأصحابك يفتخرون بك ((فمنّا الوليد ومنّا الرشيد)) إلى الآن نحن نفتخر بهم.
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين والحمد لله ربّ العالمين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: