
الجليس الصالح و الجليس السوء
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك بالقول :اللهمّ صلِ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
قال تعالى : ” يوم يعضُّ الظالم على يديه, يقول يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلا يا ويلتا ليتني لم أتّخذ فلاناً خليلاً لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً “.
تذكّر أيّها القارئ والمستمع , ذلك اليوم الذي يعضُّ الظالم على يديه ندماً , حيث اختار صحبة الأشرار, فالمرء مع من أحبّ , ثم بيّن الله كيف خذله الشّيطان من بعدما جاءه الهدى والحقيقة , اسلك مسلك العلماء , قبل أن يأتي يوم تندم ولا ينفع الندم .
فالدنيا مثل النّاعورة ترفعك , فتشاهد جميع النّاس , وعندما تخفضك أصبح النّاس أعلى منك .
قصة : عندما أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيدنا معاذ إلى اليمن قاضياً , وسأله : بمَ تحكم ؟ قال : بكتاب الله , قال: فإن لم تجد , قال: بسنة رسول الله , قال : فإن لم تجد , قال : بالقياس , قال : فإن لم تجد , قال : اجتهد رأيي , فطبطب رسول الله على كتفيه , وقال ” الحمدلله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي الله ” .
اعمل لتمثّل رسول الله أو لتمثّل الشيخ في زمانه , وهكذا نخرج من المأزق قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه مالُ ولا بنون , يومٌ تُعرَض فيه الأعمال كالشّاشة.
لذلك اجتهد و اعمل بالدعوة , قال تعالى : “” وادعُ إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة “” .
لذا اعمل بالدعوة وارفع الظلم عن النّاس , قال عليه الصّلاة والسّلام ” الظلم ظلمات يوم القيامة “
واطلب العلم وتواضع للعالم , فمن صفة العلم : التواضع . فمن قلة الأدب والحياء إن لم تستشير شيخك ومعلمك في كلّ شيء صغيراً أم كبيراً , فعقل الشيخ أكبر وتقديره أكبر .
يوم القيامة تُحشر النفوس مع أزواجها , قال تعالى ” وإذا النفوس زوّجت ” , ليس زواج الأبدان إنّما المقصود زواج الأرواح , فمثلاً سيدنا نوح لا تُحشر معه زوجته لأنّها لم تؤمن وكذلك سيدنا لوط وكذلك فرعون الذي ظلم وتكبّر لا تُحشرمعه زوجته لأنّها مؤمنةٌ.
قال عليه الصّلاة والسّلام :” انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً , قالوا : يا رسول الله : هذا ننصره مظلوماً كيف ننصره ظالماً , قال : تأخذ فوق يديه أو تأخذ على يديه “
لذلك لا بدّ من مجالسة أهل العلم والذكر والدعوة إلى مجالستهم لنستفته في ديننا .
حيث سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيُّ جلسائنا خير ؟ قال : ” من ذكركم الله رؤيته وزاد في عملكم منطقه “.
فاعملوا بالدعوة ويسّروا على الناس ولا تعسِّروا , وانشروا محبة العملاء , حيث قال عليه الصلاة والسّلام : ” المرء مع من أحبّ “”
وكان يدعو : ” اللهمّ إني أسألك حبّك وحبّ من أحبّك ” , فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلّمنا هذا الدعاء .
هذا هو العلم يحتاج إلى ذكاءٍ وإلى صحبة شيخٍ.
العلم صيدٌ وقيُّده الكتابة .
فاكتب ما تعلمت وما سمعت .
قال الإمام الشافعي : أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلّا بِسِتَّةٍ سَأُنبئكَ عَن تَفصيلِها بِبَيانِ :
ذَكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ وَبُلغَةٌ وَصُحبَةُ أُستاذٍ وَطولُ زَمانِ.
لا تصحب إلا من ينهضك حاله ويدلك على الله مقاله .
قال عليه الصلاة والسلام :” الكيّس من دان نفسه , وعمل لما بعد الموت , والأحمق من اتبع هواها , وتمنّى على الله الأماني “
لنحاسب أنفسنا قبل يوم الحساب .
ختم سماحة الشيخ محمود المبارك بالدعاء : اللهمّ اجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، هداةً مهديين غير ضالّين ولامضلين وسلامٌ على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين..