الإقبال على الله بالتوبة

قال تعالى: ((ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)).
حتى تنتفع من القرآن يجب أن تنظر أنّ الآية موجهةٌ لك ولا تقول هذه لغيري ولا دخل لي.

الفضيل عندما سمع الآية شعر وكأنّ الله يخاطبه بالذات ((ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)) أي أنت مؤمنٌ بالله، وتقول: لا إله إلا الله ،ألم يأن الأوان لأن تستقيم وتتوب من أعمالك وتبدلها!! فمن توفيق الله له قال : بلى بلى آن الأوان، فتراجع وصحب أهل العلم وكان من فضلاء علماء زمانه وكانت له توبة تمحو الحوبة..

هذا خطاب للّذين آمنوا فإن كنّا من الذين آمنوا يجب أن نستجيب لله ،وكلٌّ منا يعلم ما هي ذنوبه وما نوعيتها، ويعلم ما هي أخطاءه التي لا يستطيع أن يتخلّص منها ويعزم على التوبة النّصوح ويستقيم ويغيّر الأصحاب، ثم لا تدري كيف يعينك الله عليها..
الشيطان يصّعبها عليك، أمّا الصادق إذا صدق يعينه الله ((ليجزي الله الصادقين بصدقهم)) .

اذاً :إذا كنّا من الذين آمنوا يجب أن نستجيب لنداء الله وعندما يتفضّل الله ويجعلك تتوب وتستقيم، طَهُر القلب من وساوس الشيطان وصار كالصحن النّظيف الذي يوضع فيه من لذائذ الطعام، لذلك يقول بعض الشعراء:
قلوبٌ إذا منه خلت فنفوس لأحرف الشّيطان اللّعين طروسُ.
وإن ملئت به وبنور ذكره فتلك بدور أشرقت وشموسُ.

) إذا خلا القلب من ذكر الله ومحبة الله ، أصبح نفساَ أمّارة بالسوء، بل أصبح أيضاً أوراق يكتب فيها الشيطان وساوسه فيكون كالبيت الخرب الذي لا يوجد فيه إلا الفئران والثعابين.
لكن عندما تنظفه وتملأه من الفضائل ومحبّة الله وصحبة أهل الله يشرق القلب وهذا هو القلب التائب الذي غيّر وبدّل وصحب واستقام ..

يُقال أنّ ابن المبارك قبل أن يبدأ بسلوكه في العلم كان يصحب أهل الطرب والموسيقى ،فسألوه: ما سبب توبتك؟ قال كان أحدهم يدقُّ على العود فسمعت العود يقول لي:قوله تعالى: ((ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ))ألهمه الله ذلك، فقال: بلى يارب آن الأوان، فترك اللّهو وصحب الصالحين وكان من فضلاء زمانه.

أيضا مالك ابن دينار كذلك قبل أن يتوب كان مُسرفاً في المعاصي وخصوصاً شُرب الخمر وكانت له ابنةٌ صغيرة، وتوبةُ مالك ابن دينار وحدها مدرسةٌ عظيمةٌ، فكان يشرب الخمر وطفلته صغيرة في خطواتها الأولى، تأتي إليه وترمي عنه كأس الخمر وهو من محبته لها لا يؤذيها او يضربها، وكلّما كبرت هذه الفتاة كانت تخرِّب عليه المعاصي، ثمّ صارت تتكلم وتنطق فتسأله ما هذا الذي تشربه؟ يقول لها: خمر، فتقول له :إنّ رائحته نتنة فلا تشربه مرة أخرى.
وتولع مالك بن دينار بطفلته بشكلٍ غريبٍ، حتى جاء يوم وفقدها وحزن عليها بشكلٍ كبيرٍ، من حزنه بعد الدّفن نام فأكرمه الله بعنايةٍ إلهيةٍ ورأى في الرّؤية أنّ القيامة قد قامت ورأى الأهوال ورأى نفسه يهرب منها وإذ بوحشٍ كبيرٍ يتبعه، يريد أن يلتهمه فيلتقي بإنسانٍ عجوزٍ جالسٍ، يستنجد به ، ويقول له: أنا ضعيفٌ لا استطيع حمايتك؟ لكن اذهب في هذا الاتجاه لعلّك تجد من يساعدك ، فيركض فيجد ناراً عظيمةً ، ثمّ يسمع صوتاً يقول له: ارجع فإنّك لست من أهلها، فيعود إلى الرّجل العجوز ويطلب منه الحماية ، فيقول له: لا استطيع حمايتك فأنا ضعيف ؟لكن اذهب ناحية ذلك الجبل ،فيذهب فيسمع أصوات أطفالٍ تنادي: يا مريم(أي ابنته) قومي واشفعي لأبيك فيستبشر بالخير عند سماع اسم ابنته، ثم يُقبل إليها فتأتي إليه وتمسك بيده اليمنى وتُوقف الوحش بيدها اليسرى فيعود أدراجه .
فيسألها يا بنتي ما هذا؟ فتقول: تدري من هذا الوحش؟ فيقول: لا، فتقول: هذه ذنوبك، وهذا الرجل العجوز هو حسناتك، أفلا تتوب وتستقيم وتتلو عليه الآية ((ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)) فيقول لها: بلى يا بنتي آن الأوان، فيستيقظ من نومه ويُعلن توبته ببركة هذه الطفلة الصغيرة التّي ماتت واحتسبها عند الله.

نحن كلنا نحتاج الى توبة، لا داعي لأن ننتظر الى أن نفقد أحداً لا سمح الله، مهما تكون تائب أنت بحاجة الي توبة
النبيﷺ كان وهو يدرّس وهو يحدّث يُسمع منه أكثر من 70 مرة أستغفر الله وأتوب إليه، لذلك نحن محتاجين أن نتوب ونكون على صفاء وطُهر ونقاء ثم نحمل العلم إلى الناس ونرغّبهم في التّوبة، لأننا إذا بلّغنا الناس وأرشدناهم يخفّ الظّلام ويكثر النّور ونتراحم فنستحق من الله قوله:(ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء)
كل واحد منّا يجب أن يتذكّر قوله تعالى:( (كلّا إذا بلغت التَّراقي وقيل من راق وظنَّ أنَّه الفراق والتّفت السّاق بالسّاق إلى ربّك يومئذ المساق))
أي إذا بلغت الرّوح الترقوة والتّفت السّاق بالسّاق أي عندما يكفّنون الميّت ويكون قد حان الموت هنا يكون حان موعد السّفر إلى الله.
والموت في الحقيقة على حالتين:
المجرم مثل العبد الهارب يحضرونه الى سيّده ليأخذ نصيبه
والمؤمن الضائع يعود إلى ربّه مثلما حدث مع النّبي ﷺ عندما بدأ النزع وبدأت السيّدة فاطمة تقول واكرباه يا أبتاه فقال النّبي ﷺ لا كرب على أبيك بعد اليوم هنا تبدأ السّعادة عند لقاء الحبيب بحبيبه.

سيّدنا ابراهيم عندما جاءه ملك الموت فسأله قابضٌ أم زائر قال بل قابض فقال: كيف تأتيني قابض ولم تنذرني؟ فأوحى الله إلى ملك الموت أن أعلمه بالإنذارات فقال له: أسنانك التي فقدتّها هل كانت هكذا عندما ولدت فقال لا قال: اذاً هذا إنذار، وظهرك المقوّس هل كان هكذا قال: لا ، فقال: وهذا إنذار، وعصاك التّي تحملها لتتكئ عليها إنذار، وكنت ترى المسافات البعيدة ولم تعد ترى إلا القريب فهذا أيضاً إنذار، ثم قال ألا يكفيك السّواد الذي تحوّل إلى بياض (لأن سيّدنا ابراهيم أول من شاب في الاسلام) شعرك الأسود الذي تحوّل الى أبيض هذا أكبر إنذار، فلما رأى سيّدنا ابراهيم أن ملك الموت قد أحاطه من كل الجوانب قال: كيف يقبض الخليل روح خليله؟ فقال ملك الموت الأعجب من ذلك أن الخليل لا يريد مقابلة خليله فقال سيّدنا ابراهيم: أفي الموت لقاء؟ قال: نعم فقال: إذا اقبض.

لذلك نحن وأنتم كيف حالنا مع الموت؟ قل اللّهم أحييني مادامت الحياة خيراً لي وتوفّني إذا كان الموت خيراً لي وتزود له ((وتزودوا فإن خير الزاد التقوى))
إذا هذا النّذير قد جاءك فاسمع ماذا يقول للإنسان
يقول: جاءك لوعيك وعنفوانك وشبابك وقوّتك وغناك، ذكرَّك الله وأرشدك الله بطاعته فتماديت وعصيت، وها هو اليوم يعود إليك ليسألك عن ماضيك ويُذكرّك بما اقترفت من ذنوب وأهملت من طاعات وأضعت أوقاتك فتقول عند ذلك ربٍّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت فيأتيك النداء: كلّا إنّها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون.

يا بني ألا تحّب أن ترضي الله؟ فاسمع كيف يرضى الله ويفرح بتوبتك.
يخبرنا النبي في الحديث: أوحى الله تعالى إلى داوود: ((يا داوود لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم وشوقي لترك معاصيهم لماتوا شوقاً إلي وتقطّعت أوصالهم من محبتي، يا داوود هذه إرادتي في المدبرين عني فكيف إرادتي في المقبلين علي)).
هذا شوق الله للمدبرين فكيف بالمؤمنين ومثلهم كمثل الطفل الذي يلعب بالكهرباء لا عقل ولا وعي كذلك الذي يعصّي الله لا عقل له ولا وعي، كيف تعصي جبّار السموات والأرض القادر بخثرة صغيرة أن يجعلك شخص مجنون
وبخثرة صغيرة يجعلك نصف مشلول، بكلّ شيء أنت تحت رحمته أيعصى هذا الإله؟؟ لذلك الله يفهّمنا ويفهمهم
والتوبة إعلان الصلح مع الله تعالى فإذا أقبلنا على الله وأعلنّا الصلح في هذا العام المقبل علينا واستقبلناه بتوبة وطاعة واخلاص وعمل ونشر للهداية والمحبة والإخاء بين النّاس متى ما أتى الموت تكون جاهز له وحينها يكون لقاء الحبيب مع حبيبه
أما إذا ظللنا غير مهتمين لساعة الموت حينها ستذهب بأوساخك والذي يذهب بأوساخه سيحتاج دخول الحمّام، والحمّام هناك هو جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.

نسأل الله أن نكون وإياكم من التائبين المخلصين المستقيمين الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه هداةً مهديين غير ضالين ولا مضلّين والحمد لله رب العالمين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: