الأدب ومدارسه

22- 8 – 2020
بسم الله الرحمن الرحيم وأفضل الصّلاة وأتمّ التسليم على سيّد الأنبياء والمرسلين .

عندما نقرأ قول الله سبحانه وتعالى : ” وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ” ، إلى أن طرده الله سبحانه وتعالى بسوء أدبه ، لذلك ما أحرانا أن نتفقه في هذه الفقرة ، المتعبّد يتعبّد العبادة الكثيرة ثمّ يقع في قلّة الأدب فيخسر كما خسر إبليس ، عبادة إبليس ما زالت إلى الآن قائمة وعندما يطغي الإنسان يبتعد عنه ثمّ يقول له : إنّي بريء منك إنّي أخاف الله ربّ العالمين .

عندما نسمع بعض الرجال علّم ابنه عدد هائل من الأحاديث الضعيفة ثمّ قال له : يا بني هذه الاحاديث لا تصلح فقال الابن : لماذا علّمتني إياهم ، قال له : باقي الأحاديث صحيحة أما التي علّمتك إياها من أجل أن لا تقع فيهم ، لاحظوا كيف كانوا يخافون على الإنسان أن ينحرف بقلّة أدبه فيخسر ما بنى من عبادات .

الله تعالى يعلّمنا في سورة النّور كيف نأدّب أبنائنا بقوله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبيّن الله لكم الآيات والله عليم حكيم ” ، أي أدّب ولدك أن لا يدخل إلّا بعد أن يستأذن إذا كنت في حجرتك مع أهلك ، عندما نعلّم أولادنا آداب الدخول على المنزل ، آداب الخروج من المنزل ، آداب الدّخول والخرج من الحمّام ان يسمّي بالله ويتعوذ من الخبث والخبائث ويحمد الله الذي صرف عنه السوء .

نحن نسير على صراط دقيق من خالف أو انشغل يسقط عن هذا الصراط فهذا هو صراط الأدب إن كان مع حضرة الله جلّ جلاله الذي لا يفارقك قال تعالى : ” وهو معكم أينما كنتم ” ، وكذلك الأدب مع الملائكة أيضا الذين لا يفارقونك في اللّيل ولا في النّهار في لفظك وعملك وسيرك ونومك ” ما يلفظ من قول إلّا لديه رقيبٌ عتيد ” ، كلّ هذا يسجّل عليك ، ” إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق بالحق ” ، تسجيل الله اشدّ من هذا ” وإن تبدوا نافي أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ” .

عندما المؤمن يعلم هذه الأمور ويتأدب فيها يكون كالشجرة التي أصبح لها شرش وانتفعت وانتفع منها صاحبها ، فهذه من آداب الإسلام كلّ شيء له أدب كذلك الوقت له أدب من لم يتأدّب في وقته ويصرف الوقت بدون فائدة فهذه قلة أدب مع الوقت ( من لم يتأدّب في الوقت فوقته مقت ) ، الوقت يصبح أشدّ الغضب يوم القيامة فهذا الوقت إن تركته فارغ أو لهو أو معصية سوف يصبح مظلم يوم القيامة ، صاحب الأدب يدك بساعة ما لا يدركه غيره بسنة .
لذلك ما أحوجنا إلى هذه الأمور لكي نتفقه بها حتّى لا نخسر عبادتنا .قال بعض الحكماء : الأدب يطوي لك المسافة ويذهب عنك الهم ، همّ الطّريق والمخاطر والانقطاع عن العلم هذا قول الحكماء رضي الله عنهم الذين مرّوا بتجارب ويعطونا ثمرة تجاربهم ، النبي عليه الصّلاة والسّلام يقول : ( إنّ الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم وهو غير عابد )، وصل لهذه المرتبة بحسن خلقه .

بعض الاحباب يمكن أن يغلط معك فمن أدبك أن تعذره لا يوج أحد معصوم كلّ ابن آدم خطّاء قال النبي : ( التمس لأخيك سبعين عذرا ) وفي رواية ( مع كل عذر سبعين عذر ) ، أي لا يجب معاتبته ولا أن تزعل منه ولكن بلطافة تلمّح له دون أن تحرجه ، والنصيحة يجب أن تكون بينك وبينه ( من نصح أخيه سرّاً فقد زانه ومن نصح أخيه جهراً فقد شانه ) ، لذلك من صفاته صلّى الله عليه وسلّم وأخلاقه الكريمة كان إذا أراد أن ينصح رجل لا يقول يا فلان لماذا فعلت كذا يقول ما بال أقوام يفعلون كذا فلا يُعرف من هم الأقوام إلّا المخطئ .

لذلك عندما قلّ الأدب لم تعد تبقى آداب للمسجد ، ومن علامات السّاعة في آخر الزمان رفع الأصوات في المساجد ، يقلّ الأدب لا يحترموا المسجد الذي يقال عنه بيت الله لذلك ادخل إلى بيت الله بسكينة وبقدمك اليمنى وصلّي على النبي واسأل الله أن يفتح عليك باب الرّحمات تجلس وأنت ضيف وتطلب منه ، أنت الكريم الذي دعوتني إلى بيتك فرضاً عليّ وأنت في بيته اطلب منه وناجيه بأدب .

إذا تفضّل الله عليك بهذا وهذا لا يكون إلّا بمجالسة الأدباء والتّعلم والإصغاء إليهم والتّكلم معهم ( إذا جالست العلماء فاحفظ لسانك وإذا جالست الأولياء فاحفظ قلبك ) من أجل ألّا تشرد لأنّهم يصبّوا في قلبك العلم والحكمة والأدب والخير لاتدع عقلك يشرد فأنت تأخذ أغلى من جوهر الدّنيا ( من كان همّه ما يدخله في جوفه كانت قيمته ما يخرجه من جوفه ) ، عندما تخرج الجوهرة من الغلاف لا يبقى له قيمة وهكذا الجسد عنما تخرج منه الروح لا يبقى له إلّا الدفن في التّراب ” منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى ” .

لا تكونوا خدّام للجسد ( يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته وتطلب الربح مما فيه خسران عليك بالروح فاستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان ) انتب لروحك وزكّيها ” قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها ” ، أنت لا تستطيع أنت تزكّي نفسك قال تعالى : ” هو الذي بعث في الأميّين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ” .

الله سبحانه وتعالى تفضّل علينا ” اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ” ، يقول بعض الأئمة الإمام أبو يوسف تلميذ الإمام أبو حنيفة قال : من كثرت أدب أبو يوسف مع أبو حنيفة بشّره أبو حنيفة قال : ياولدي سيأتي اليوم الذي تأكل فيه الفالوذج في صحون الفيروذج أي ستأكل الحلويات على صحون الملوك .
جاء يوم من الأيام تشاجر هارون الرشيد هو وزوجته على أمر ، ووجدوا على الفراش نطفة رجل فاستدعوا أبوا يوسف ، جاء أبو يوسف قال لهم : هذا من الخفّاش وانحلّت المشكلة فقالوا له : ستتحلّى عندنا لأنك حللت مشكلة كبيرة ، لاحظوا كيف الادب له ثمار . شخص آخر من تلاميذ الإمام أبو حنيفة اسمه زُمر دخل عليه الإمام ابو حنيفة وكان يتوضأ فلم يقم له أدباً واحتراماً لأنه يتوضأ ، العلماء أسقطوا أحاديثه لم يقبلوا أن يأخذوا بعلمه ، انظروا كيف العلماء لهم حسّ بالرّاوي لهم إحساس خاص .

قال سيّدنا علي رضي الله عنه لسيّدنا أبي بكر : يا أبا بكر بمَ سبقتنا ، النبي أعطاك وسام ما أخذه أحد ( ما طلعت الشّمس ولا غربت على رجل بعد النبيّين أفضل من أبي بكر) ، وقال سيّدنا علي آمنتُ طفلاً وآمنتَ شيخاً ، وأنت زوّجته ابنتك وأنا ابنته زوجتي ، أنا ابن عم النبي وأنت يجمعك الجدّ الرابع بمَ سبقتنا إذاً ، قال الصدّيق رضي الله عنهم أجمعين قال : يا أبا الحسن صحبتُ النبي فأحسنت صحبته ،

عندما دخل سيّدنا ابو بكر من النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى غار ثور فأخذ سيّدنا ابو بكر يسد جميع الثقوب إلّا ثقب واحد وضع قدمه عليه خوفاً من أفعى أو حشرة تؤذي النبي ونام الني صلّى الله عليه وسلم على فخذ سيّدنا أبو بكر فجاءت أفعى ولسعت قدم سيّدنا أبو بكر وهو لم يتحرك كي لا يوقظ النّبي ولكن غلبته الدّمعة وسقطت على خدّ النبي صلّى الله عليه وسلّم فاستيقظ النبي صلّى الله عليه وسلّم ومسح من ريقه الشريف على قدمه ودعا له . فدى النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه فحفظه الله ببركة دعائه وريقه الشريف صلّ الله عليه وسلّم .

يا أبا الحسن صحبت النبي فأحسنت صحبته وأحببت النبي حباً فاق حبّي لنفسي لذلك كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول : ( لا يؤمن أحدكم حتّى أكون احبّ إليه من ماله وولده ووالده ونفسه التي بين جنبيه ) ، وعندما سيّدنا عمر سأله قال : أحبك يا رسول الله أكثر من مالي وولدي ووالدي ولكن ليس أكثر من نفسي ، قال : ما كمل إيمانك .

وما راجعت ُ النّبي يوماً في شيء ، لذلك في الحديبية عندما عقد النبي صلّى الله عليه وسلّم صلح مع قريش سيّدنا عمر اعترض وقال : يا رسول الله لماذا نرضى بالإهانة ؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : ألزم غرزك يا عمر فإني رسول الله والله إنّ الله لا يخزيني ، فذهب سيّدنا عمر إلى سيّدنا أبو بكر فقال سيّدنا أبو بكر : ألزم غرزك يا عمر فإنه رسول الله ، والله إنّ الله لا يخزيه ، فسكت سيّدنا عمر وهو غير راضي عن الاتفاقيّة ، وعندما أصبح الصحابة يزورون أقربائهم في مكّة ويتكلّمون معهم عن الدّين والإيمان وإذ دخل عدد في الإسلام أكثر مما لو أصبحت معركة ، فأصبح فسيّدنا عمر يوزّع صدقات كفّارة لهذا الاعتراض .

هذا من الأدب الأمر الذي لا تقتنع به اصبر، مرّةً خرج سيدنا الشيخ رجب هو وأصحابه إلى عين الحضرة وبدأوا بالتحضير والترتيب وأحد من طلاب العلم أصبح يقفز على السرير ويقول هكذا ينام الشيخ وقلل أدب كثيراً فزلّت قدمه وانقطع عن الجامع لأكثر من أربع سنوات . أيضاً أشخاص كثيراً يظنّون أنّهم أن متى ما أرادو يستطيعون أن يحضروا إلى المسجد لا يعلمون أنّ الله هو الذي يأذن لهم . أحد الأشخاص أراد أن يخرج إلى الحبّاكة فقالت له زوجته : قل إن شاء الله فقال لها : لماذا إن شاء الله ؟ فخرج من بيته صباحاً فأرسل الله له اثنان من الشرطة الفرنسية وسألوه عن مكان فدلّهم على الطّريق قالوا له: اذهب أمامنا فرفض فضربوه حتّى وصل إلى المكان وعندما رجع في المساء قال لزوجته : ضربوني إن شاء الله .

من آداب الاستئذان لا يجوز أنت تنادي العالم باسمه ولا يجوز للمرأة أن تنادي زوجها باسمه بل تقول يا أبو فلان ولا يجوز للرجل كذلك أن يناديها باسمها ، النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان يكنّي السيّدة عائشة ولم يكن لها أولاد ، ومن آداب المرأة مع زوجها أن تستقبله وتوّدّعه خلف الباب هذه المرأة التي تحافظ على حبّ زوجها ولا يلتفت عنها هذه المرأة الموفقة ، أما قبل الزواج يكون الرضا مع الأم والأب وبعد الزواج يكون الرضا مع الزوج ، قال عليه الصّلاة والسّلام : ( إذا ماتت المرأة وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنّة ) .عندما تفهم المرأة هذه اللّغة تصبح سعيدة مسعدة .

الأدب مع الوالدين لا يجب ان تنظر لوالديك وأنت عابس وبعيون جاحظة ( من شدّ حاجبيه في وجه والديه فقد عقّهما ) . قصّة العابد الذي نادت عليه أمّه ولم يردّ عليها لأنّه يصلّي فقالت له : إن شاء الله لا تموت إلّا وأنت تنظر في وجوه الزانيات فاستجاب الله الدعاء وجاءت امرأة حامل وادّعت عليه أنّه أبو الولد فقال القاضي : اذهبوا واهدموا الصومعة على رأسه واحضروه لي ، فذهب توضأ وصلّى ركعتين وجاء عند الغلام وقال : بسم الله من أباك فنطق الغلام أبي الرّاعي فلان وانكشفت الحقيقة ، فدعوة أمّه أصابته .

ومن آداب الوالدين أن ينظر في الأرض إذا تكلّم معهما ولا ينظر بشدّة إليهما ، كلّ هذا يدلّ أنّ الإسلام يريدنا مثل الذهب الصّافي الذي لا يوجد فيه أي شائبة ، لو نعلم حقيقة ديننا كلّه فضائل وآداب وأخلاق وقيم .

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: