الأخذ بالنصائح

                         السيرة النبوية الشريفة
                               الحلقة 72
                              12/3/2021
                            27/ربيع الثاني/1443
                             بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سيذكر لنا سماحة الشيخ محمود المبارك اليوم حادثة عظيمة يجب أن نتعلم منها درساً بليغاً وهذه الحادثة هي مع صحابي جليل من عائلة مرموقة وقد أسلم وتخلى عن قبيلته لأنها بقيت على الشرك وهو أخ لأبي جهل وهو عياش بن أبي ربيعة رضي الله عنه صحابي جليل فواقعته وحادثته درس بليغ لنا هذا الصحابي الجليل من قريش من قبيلة تسمى بني مخزوم وكان لها مكانتها بين القبائل وكانت لها أعنة الخيل أي تستلم وزارة الحربية لقريش أي القيادة العسكرية وكان أطفالها يتدربون منذ الصغر على استعمال القوس والنبل والمبارزة أي فن الحرب والقتال وكانوا يدربوهم على ترويض الخيل وإصابة الهدف ولكن هذا الصحابي الجليل عياش بن ربيعة يكنى بأبي عبد الله وأخوه من أمه أبي جهل وأبو جهل كان اسمه عمر لذلك النبي في شدة محنته يدعو الله سبحانه وتعالى اللهم أعز هذا الدين بإحدى العمرين أي يا عمر بن الخطاب يا عمر بن هشام فالعناية الإلهية كانت من قسمة عمر بن الخطاب وحرم منها أبي جهل بسبب كبره وتعاليه فنبهنا سماحة الشيخ محمود المبارك أن في كل زمن هناك من يحرم من السعادة لأنهم يتكبرون ويتعالون على هؤلاء الضعفاء الذين جعل الله فيهم سر السعادة فلما سمع عياش بالإسلام مباشرة سارع إلى الإسلام مبكرا فهذه صفة الموفقين قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في مدرسته المشهورة دار الأرقم ابن الأرقم بخلاف أخيه أبي جهل الذي عاند إلى أن قطع رأسه بمعركة بدر حيث أن ابن مسعود علق رأسه بحبل وجره إلى خيمة النبي (العريشة) ثم أخبر النبي جئتك برأس جهل بن هشام فقال له ابن مسعود نعم منزل النبي من العريش والذي كان الوحيد الذي أصر على الحرب بمعركة بدر وجعل الناس غصبا تخرج للمعركة وحرضهم على القيام بذلك.
وقد بين لنا سماحة الشيخ محمود المبارك أن عياش كان يدعو إلى الإسلام ويستمع للقرآن ويقدم ماله في سبيل الله وقد استجاب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للهجرة الأولى إلى الحبشة لأنه عندما رأى النبي بأن كبار قريش قد تسلطت عليهم وآذتهم وعذبتهم فأشار النبي في الحبشة ملك عادل لا يظلم أحد تعيشون عنده بأمان فعليكم به فهاجر عياش إلى الحبشة ومعه زوجته أسماء بنت سلمة التي كانت تكنى بأم الجلاس رضي الله عنه روت عن النبي العديد من الأحاديث وولد العياش ولده عبدالله في الحبشة وعاد معه ولده وزوجته إلى مكة بعد أن أعلنت قريش مصالحتها مع النبي وأصحابه وبقي في مكة بجوار النبي صلى الله عليه وسلم حتى أذن الله لأصحابه بالهجرة إلى المدينة فتابع سماحة الشيخ محمود المبارك قائلاً : خرج عمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة حتى قدما المدينة لكن كانت هجرة سيدنا عمر بأنه الضعفاء يهاجرون سراً كي لا يقتلوهم ولا يؤذوهم أما سيدنا عمر جهز نفسه وسلاحه ولباسه وخطط في قريش وقال لهم أنا مهاجر فمن أراد أن تثكله أمه فليلحق بي فما استطاع أحد أن يلحق به فقدم المدينة عياش بصحبة عمر وأحست قريش بأن عياش فر وأخذت الألسنة تتناول أبو جهل بأن أخاه هاجر مع المسلمين وهو عدو لهم وكأنه في الباطن شيئاً وفي الظاهر شيئاً آخر فقالوا له تركته يتابع محمد بما جاء به ويفر إلى يثرب فلم يستطع أبي جهل أن يتحمل وصمم بالذهاب إلى المدينة لإحضار أخيه في جنح الظلام كانت مطية أبي جهل وأخيه الحارث بن هشام و وصلوا إلى المدينة والتقا الاخوة الثلاث الحارث وأبي جهل وعياش فقال لهم العياش ماذا تريدون فقالوا له بأن أمك متعبة ونذرت بأن لا يلمس شعرها مشطاً ولا تأكل ولا تشرب ولا تستظل بالشمس حتى تراك ولا ترتاح حتى تشاهدك فرقّ قلب عياش لأمه وأسر بقلبه ما عزمت عليه أمه فاستشار عمر فحذره عمر بأنها مكيدة ليفتنوك عن دينك فقال بل أب قسم أمي وخرج معهما عائداً إلى مكة وفي الطريق عدوا عليه وأوثقوه وربطوه ودخلوا به مكة نهاراً حتى يراه الجمع و كانهما يقولان افعلو يااهل مكة بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا فكان عمر يقول ما الله بقابل ممن افتتن حزناً ولا عدلاً ولا توبةً قوم عرفوا الله سبحانه وتعالى ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم فنصحنا سماحة الشيخ محمود المبارك أنه قد تأخذك المشاعر والعواطف والحب والحنان فيجب أن تأخد بنصحه برأيه ورأي غيره كل شيئ وألا تخسر دينك فأنزل الله على نبيه آيات قوله تعالى قل ياعبادي اللذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون * أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين)
فزاد سماحة الشيخ محمود المبارك : لأن عياش وقع في هذا الأمر ولم يأخد برأي عمر، فقال عمر :ما كتبها أو هو كتبها بيده وبعث بها إلى هشام بن العاص وعياش بن أبي ربيعة قال حتى كان يوماً والرسول بين صحابته في المدينة قال من يأت لي بعياش وهشام بن العاص فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة رضي الله عنهما بأن لك بها يا رسول الله وسوف يأتي بهم من سجون مكة أي هو أمر عظيم ومخاطرة بروحه ولكن الايمان ينتصر على كل المخاوف قال فأتاهم فتتبع الاخبار بعد وصوله لمكة اين موضعهما وكانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما امسى تسور عليهما وقطع القيود وحملهما على الجمل وقدم بهما على رسول الله وجاء عياش وهشام إلى أرض الإيمان و انضما إلى قافلة الصحابة الكرام وما كادت تأتي بدر الكبرى حتى قتل أبو جهل وأمية بن خلف ومجموعة أخرى من صفادير الكفر الذين فعلوا بالمؤمنين ما فعلوا وأخرجوهم من ديارهم وسلبوا أموالهم وهكذا صدق قول الحق سبحانه وتعالى (وكان حقاً علينا ان نصر المؤمنين)) فأخذ سيدنا عمر يبين له بأني قد نصحتك وان هذه مكيدة وسوف تخسر دينك كانت قطعت رقابهم فقال له : لقد فاتتني نصيحتك وقيل انه عياش لما اراد ان ينقذهم كان بينه وبين الضاهر إمرأة يريد ان يتزوجها الضاهر فعندها رأت عياش عندهم فقالت اليوم ستكون عندنا فقال لها الاسلام حال بيني وبينك فقالت إذاً سوف أصرخ و أظهر ذلك فقال لها افعلي ما شئتِ فصرخت فهرب من فوق الجدار فوقع على رجله فأصبح يمشي عارجاً ولم يستجب لها فهؤلاء المانيان قلن للصحابة تزوجوا بنا وستكفيكم المؤونة فاستشاروا النبي بما قالوا لهم لعل وعسى ان يسلمنّ فنهاهم النبي إن اسلموا فتزوجوهم ولكن لا يجوز العكس فهذا بلاء ، فكان عياش ما جلس مجلساً إلا وذكر عمر ونصيحة عمر فوعظنا سماحة الشيخ محمود المبارك فقال : حياة النبي وحياة الصحابة وحياة عياش جميعها دروس لي ولكم لنتعلم منها ونتعلم منهج حياتنا وكيف لا ننقطع عن دروسنا لنصل إلى الله ولا نقع في المشاكل فعندما خالفوا في أحد قلب الله لهم النصر إلى هزيمة رغم ان القائد كان سيد الخلق عليه افضل الصلاة والسلام فهذه مدرسة فقد التفوا الى الغنائم ونسوا في معركة أحد عندما التفتنا إلى الغنائم قبل ان يؤذن لنا قلب النصر الى الهزيمة وكذلك في حدود فرنسا في معركة بويتيه والتفوا الى الغنائم ولو انهم أخذوا درساً من أحد لأصبحت الآن أوروبا كلها مسلمة فكل حادثة حصلت جميعها دروس لنا فقد يكون في زماننا الآن أبو جهل لا يكون أخاك بل صهرك ، ابن عمك قريبك فعليك نصحه وإن لم ينصح ويستجيب لك فعليك تجنبه قبل ان توقع معه فقال سماحة الشيخ محمود المبارك يجب عليك ان تأخذ العبر المحمودة وليس المذمومة فقط مثل العبرة من نصيحة سيدنا عمر للعياش رضي الله عنهم وكيف الصحابة الكرام فدوا الدعوة بأرواحهم وأجسادهم وكيف امرأة فقدت زوجها وابنها وأبوها من معركة أحد كلما جاء خبر قتل احدهم فتقول لهم وكيف حال رسول الله فيقولون لها بخير الحمد لله فتقول الحمد لله كل مصيبة دون رسول الله جلل وكل مرة تقول لهم نفس الجملة فانتظرت حتى رجع النبي فاقتربت منه وهي تقول فداك يا رسول الله أمي وأبي وأخي وابني كل مصيبة دونك جلل لذلك عندما أم أيمن كان النبي يزورها هو وسيدنا عمر وسيدنا أبو بكر فلما انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما : بنا نزور أم أيمن فذهبا لزيارتها فلما أقبلوا عليها بكت فقالوا لها لماذا تبكين ألا تعلمين بأن رسول الله عند الله أحسن وأفضل له فقالت أجل أعلم ولكن أبكي على فقدان الوحي فانقطع خبر السماء وفي مشهد تبكي له القلوب قال سماحة الشيخ محمود المبارك : أثناء الهجرة كان أبو بكر يركض أمام النبي ثم خلفه ثم على جنبه فقال له النبي ما لك يا أبا بكر تفعل ذلك قال يا رسول الله أذكر الرصد أن يكون أمامنا فأركض أمامك فتأتي البهام بحب وأزيل الشوك من طريقك فأنا إن مت يوجد مني الكثير ولكن إن مت أنت فلا يوجد مثلك أحد فأذكر الرصد من الخلف فأركض للخلف فهذا كان همهم القائد والملهم والوحي نسأل الله لي ولك التوفيق وأن يردنا إليه رداً جميلاً.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: