
اتقوا الشبهات
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد على سيدنا محمد إمام الذاكرين وقائد الغر المحجلين وعلى آله ومن اقتدى بهديه إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً وشفاءً من كل داء، اللهم إني أبرء إليك من حولي وقوتي والتجئ الى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين علمنا يا مولانا ما ينفعنا وينفع الخلائق اجمعين.
النبي صلى الله عليه وسلم أُرسِل بمهام كثيرة ومن هذه المهام يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وهذه نعمةٌ من نعم الله عندما تجد الطبيب الذي يبين لك المواد السامة من المواد البروتينية إلى المواد الغير ذلك فيكشف لك عن هذه الحقائق وإذا لم يكن لديك طبيب يبين لك هذه الامور تقع في أمور تكون سببا في هلاكك جسدك وهكذا النبي يبين لنا حقائق الأمور من أجل أن نبتعد عنها كي لا نقع في هلاك أرواحنا ونفوسنا وقلوبنا فأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نجتنب الخبائث والشبهات.
فقال صلى الله عليه وسلم :((إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات)) وفي رواية أخرى ((بينهما أمور متشابهات)) لو ضربنا مثالاً على ذلك يوجد عندنا لون أبيض ساطع ولون أسود هذه امور ظاهرة بين الحلال والحرام وكذلك بينهما لون أخر يُضَيع الناس لا أبيض ولا أسود يا تُرى ماذا سنعمل به هل نضمه الى الحلال ام الحرام ،قليل الإيمان يضمه الى الحلال ويحلله ويعطيه فتوة من عنده، أما العاقل فيرده إلى أهل الاختصاص فعندما يرده اليهم كمثل الطبيب الذي تسأله عن الدواء إذا كان نافعاً للمرض الفلاني فيجيبك إما انه نافع أو ضار أو انتهت مدته أو ……
المهم صاحب الاختصاص هو الذي يكشف لن الحقيقة ويبنها لنا فنسلم من الداء الذي كنا سنقع فيه.
وهكذا في الإيمان أمرٌ حلالٌ ظاهرٌ وأمرٌ حرامٌ بينٌ ولكن بينهما أمر ثالث متشابه
((لا يعلمهن كثير من الناس)) أي ليس كل أحد يعرف هذا المتشابه هل هو منسوب للحلال أم للحرام
((فمن اتقى الشبهات)) عندما تعترض لأحد شيء لا يعلمه أحلال هو أم حرام فالموفق هو الذي يبتعد عنها ويقول لنفسه لا اريد ان أأكل او ألبس من أشياء ليست حلال مئة بالمئة لماذا ادخل شبهات ممكن تكون حرام فتفسد لي مالي وأهلي وإيماني
((فمن اتقى الشبهات فقد استبرئ لدينه وعرضه)) (كرامته)حافظ على دينه وكرامته فلا يتهمه أحد
((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) فالشبهات كالزحليقة التي توصلك إلى الحرام والحرام يوصلك الى المهالك.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث بعض الصحابة يقال عُجرة وغيره فقال لهم ((ما نما من الحرام فالنار اولى به)) فمن ربى لحمه من الشبهات والحرام فجهنم أولى به والجنة لا حصة له فيها.
وحتى نستوعب اكثر ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال
((كالراعي يرعى حول الحمى)) الحمى الزرع المحمي والزرع بجواره محميٌ أيضاً وبين هذه الأرضين مسافه قصيرة من الأعشاب لتأكلها الدواب فإذا لم يكن الراعي حريص عليهم وواعي ومنبه اليهم يتخطوا الأعشاب الى الارض المحمية إما يميناً او شمالاً فيأكلوا من الزرع دون أن يشعر هو فيقع في الحرام.
فضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال كالراعي يرعى حول الحمى يوشك ان يرتع فيه أي مسافة قصيرة تدخل الغنمة الى الارض المحمية وتأكل من الحرام فلا يوجد تلك المسافات الواسعة حتى تكون الغنمة بعيدة عن الزرع
وعندما ترعى أغنامك وتأكل أغنامك من زرع إنسان له مكانة من حمى من له مرتبة ماذا يفعل بك ؟ يأخذوا لك الغنمات منك كما حصل في عهد سيدنا سليمان ((وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ))سورة الأنبياء الآية رقم 78
إذ يحكمان في قضية عرَضَها خصمان، عَدَت غنم أحدهما على زرع الآخر، وانتشرت فيه ليلا فأتلفت الزرع، فحكم داود بأن تكون الغنم لصاحب الزرع ملْكًا بما أتلفته، فقيمتهما سواء
فقال سيدنا سليمان لأبيه أنا لدي حكم يا أبي اذا سمحت لي ((فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ))فحكم على صاحب الغنم بإصلاح الزرع التالف في فترة يستفيد فيها صاحب الزرع بمنافع الغنم من لبن وصوف ونحوهما، ثم تعود الغنم إلى صاحبها والزرع إلى صاحبه؛ لمساواة قيمة ما تلف من الزرع لمنفعة الغنم
فكانت هذه الحادثة قصة تأديبية لجميع الرعاة لينتبهوا على أغنامهم بان لا تدخل أرضا ً محمية
إذاً بين الحلال والحرام أمر متشابهة ومن اقترب من المتشابه كمن دخل في مكان ضيق أمرٌ صغير ويدخل في الحمى، لكن لمن هذا الحمى؟ لملك؟! لرئيس؟! لوزير؟! إنما حمى الله.
((ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه))
الله حرم علينا اشياء او النبي بيَّن لنا الحرام ((الحرام ما حرم الله ورسوله ))
النبي حرم أشياء علينا أن نبتعد عن الشبهات حتى لا نقع في الحرام لأن الحرام حمى الله وانت لا تستطيع أن تتعدى على حمى إنسان له مكانة فما بالك تتعدى الحرام والشبهات وتقع في محارم الله فالله قال لك هذا حرام فإذا فعلته كنت كمن يتحدى الله فاحتمل اذا اخذك بالعذاب وانواع العذاب لا يعلم بها إلا الله فقارون خسف به الارض وهناك أمم اتتها الصيحة وامم اغرقها وانواع العذاب كثيرة فلو جعل نقطة دم تتخثر في عرق يغذي عقلك لتوقف الغذاء وفقدت عقلك واصبحت أضحوكة لم ينفعك مال ولا بيت لماذا؟ لانك تعديت على حدود الله والله يقول ((ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه))
يا ناطحا جبلا ليوهنه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) وأشار إلى صدره الشريف على الجانب الايسر مكان القلب فإذا ركبت سيارة سائقها مجنون سيوصلك إلى الهلاك أما إذا كان عاقلاً صاحب دين ستكون قيادته من أجمل ما يكون، وكذلك القلب هو القائد للجسد فيقودك إلى الخير إذا ربيته على الخير وعالجته من أمراضه لأن الله تعالى يقول في سورة البقرة(( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا)) فالمرض عندما يكون في بدايته ولم يُعالج يتفشى ويزداد لأنك لم تسرع للطبيب ((ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون))(( قولوا أمنا وماهم بمؤمنين ))
ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب، القلب إشارة لأولي الالباب جمع قلب لب عندما نريد الجوز نحن نريد لبه وكذلك الفستق والموز كل ذلك نبحث عن قلب الثمرة (لبها) فكل شيء بلا قلب يصبح ضرر ليس له نفع
النبي صلى الله عليه وسلم قسم الأمور إلى ثلاثة أقسام حرام وحلال ومتشابه كل ذلك حتى يبين لنا الطريق السليم ليسلم لنا ديننا فلا نقع في المتشابه فالذي لا يُعرَف هل هو حلال أم حرام فعلى العاقل أن يبتعد عنه أو يرده إلى أهل الأختصاص ليحصل على الفتوة إن كان حلالاً أخذه وإن كان حراماً حافظ على نقاء دينه وكرامته فابتعد عنه.
أما أن لا تسال عن حكمه هذا على مذهب النار أخضر يابس هات يقال أن سيدنا سليمان قبل أن يموت لم يدل الجن على أنه سيموت فارتكز على عصا وأوهم الجن بأنه يصلي ويقال أن مدير الجان كان أصم لا يسمع فحدد لهم سيدنا سليمان أعمالا ً ليقوموا بها ووجههم وعندما يأتوا لمدير الجان ويسألوه نحرق الأخضر أم اليابس؟ فيجيبهم أخضر يابس هات فبقيوا في عملهم حتى سيدنا سليمان طالت وفاته وسوست العكازة وأكلتها النمل فانكسرت ووقع على الأرض هذا يبين لنا حرص الإنسان على العمل والدأب والابتعاد عن الشبهات والحرام.
مثال الراعي أي انتبه لنفسك فأنت ترعاها بالحلال فإذا غلبتك مثل الغنمة بدها الحرام لأنها أمارة بالسوء اذا لم تكن مرقيها ومربيها عند أهل الإختصاص حتى تتحول من أمارة إلى لوامة ومن ثم إلى مطمئنة ومن ثم إلى راضية ومن ثم إلى مرضية من قبل الله وصلت الى المراتب العالية إلى(( رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ))ثم بين صلى الله عليه وسلم أن القيادة تعود للقلب فعندما يفرح القلب يفرح الجسد ويشارك بكل حركاته فتصفق اليدين ويرقص الجسد وإذا أتى خبر محزن حزن القلب وبحزنه دمعت العين وظهر ذلك على الوجه
وعندما ترى منام مفزع مع العلم أن جسدك لم يذهب للمنام إنما روحك فقط أي قلبك تقوم من نومك فزع ترتجف من رهبة المنام فجسدك وروحك مثل القاطرة والمقطورة عندما تمشي على الاستراد تتبع المقطورة القاطرة فإذا نزلت القاطرة إلى الواد تبعتها المقطورة وكذلك جسدك وروحك مع بعضهم عندما يفرح القلب يفرح الجسد وعندما يحزن القلب يحزن الجسد كذلك عندما يؤمن القلب يؤمن الجسد وعندما ينافق القلب ينافق الجسد
لا تنظروا الى أحدهم وهو يصلي اختبروه بالأمانة تجدوه كذاب ما في امانة متل واحد أخذ القط على الحج لما رجع أراد أن يطبخ لحمة فأحضر اللحمة وذهب ليحضر باقي الأغراض عندما عاد وجد القط قد أكله وعندما بحث عن القط وجده يقرأ أوراده فقال له(صلاة شوق /كثيرة/ زمات يوق /ما في/) وهذا واقع المسلمين اليوم تراه يكثر من الصلاة أما إذا أردت أن تعرف معدنه دَينه جربه او سافر معه وإذ تجده غثاء بلا طعمة وتجد داخله الصدا والبلا.
إذا لم يكن قلبه مؤمن لن يكون جسده مؤمن حقيقي تجده يركع ويسجد وصلاته كلها شرود يحسب ويخطط وهو في صلاته وفي حجه.
أحدهم أخذ معه قط على الحج وعندما عاد القط قررت الفئران أن تخرج وتلعب معه بما أنه حج وأصبح متدين فاقترحت إحدى الفئران أن تخرج وتفحص حجته فما إن رآها القط حتى هجم عليها فقالت للفئران (صحيح حج لكن قفزاته ما زالت هي هي)
وهذا هو بلائنا نجد أحدهم يصلي ويحج وكذباته وغداراته وفجوره وقلة أمانته وغيبته كما هي، سبب ذلك لأنه إذا لا يوجد من يربيه. فلا تفرح بعبادتك إذا لم يكن هناك المربي والمشرف فستكون عبادتك اذا لم يدخل عليها شيء سيدخل عليها الرياء (أنا صليت ، حجيت، تصدقت، عملت كذا وكذا…….)والرياء يفسد العمل
افرح عندما يهيئ الله لك مربي يربيك فيصبح عملك القليل ثقيل في الميزان لأنك اصبحت تخشى الله في وحدتك تخاف الله وتعبد الله لله وليس للناس، تعمل العمل الخيري وترجو من الله القبول ،بينما إن لم يكن من يصحح لك مسارك تعمل العمل ويدخل اليه الرياء ومن ثم تفرض على الله القبول (لازم الله يتقبل )وعمله لا يُقبل.
اسعوا الى مجالس العلم والتربية حتى تَصلح نفوسنا الأمارة بالسوء ويحولها إلى نفس لوامة فيصبح ضميرك الضمير الحي يؤنبك على كل صغيرةٍ وكبيرةٍ لماذا هذه الشبه ؟لماذا لم تستشر أهل الاختصاص حتى يفتوها لم؟ لماذا تركت هذه الطاعة؟، لماذا عملت هذه الرذيلة؟، تصبح نفسك من الداخل تحاسبك كأنها شريك معك يدقق عليك، هذه هي النفس اللوامة لذلك الله أقسم بها يمين في سورة القيامة ((ولا أقسم بالنفس اللوامة ))ثم بعد ذلك إذا تابعت في مجالس التربية تنتقل من النفس اللوامة الى النفس المطمئنة لأنك أكثرت من ذكر الله وذكر الله يجعل النفوس تطمئن ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب))وإذا لم تطمئن لقلة ذكر الله ستكون النفس القاسية ((فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ))
الويل توعد به الله للمشركين ((وويل للمشركين )) وللمكذبين ((ويل للمكذبين)) وأيضا الويل ((ويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ))
قلبه كالصوان لا يتحرك كالسيارة تكون من أجمل ما يكون ملمعة لكن الموتور عاطل يشترك صاحبها في السباق فيخرج أسود الوجه قد خسر كل تعبه على السيارة لأن الموتور الأساسي في السيارة لم يعطه حقه فالحقيقة في السيارة هي موتور ودواليب فإذا كان الموتور شغال تقضي لك حاجاتك ولو كانت بدون دهان ولو بلا…..
وكذلك الانسان حقيقته قلب ((إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد ))فإذا لم يكن قلبك مُصنَّع لن يكون القرآن لك ذكرى والله يقول((فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين))
اللهم اجعلنا من المؤمنين الذين ينتفعون بالذكر وينتفعون من عبادتهم .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.