إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا

يا ربنا لك الحمد والشّكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، اللّهم إنّا نسألك كم جودك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ودعاءً مستجاباً وشفاءً من كل داء .

يقول تعالى : ” إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنا مسؤولا ” ، الله سبحانه وتعالى أعطاك هذه النّعم من الحواس أعطاك اذنين واعطاك عينين وأعطاك فؤاد واحد قال تعالى : “ما كان لرجل أن يكون قلبين في جوفه ” ، وهذه الحواس إمّا أن تكون سبباً في دخولك الجنّة أو تكون سبباً في هلاكك ، ولكن لماذا بدأ الله سبحانه وتعالى بالسمع قبل البصر؟ لأنّ جهاز السمع يعمل في الطّفل قبل البصر . وذكر الله تعالى الفؤاد بالآية الكريمة بهذا المسمّى لأنه موطن الحب وكأن الله يقول لك أنّ هذا الفؤاد موطن الحب فخصّصه لي .

سيّدنا ابراهيم عليه السّلام أدخل ولده اسماعيل هذه المنطقة من الفؤاد وأحبّه حب زائد عن الطبيعي ، أنت مسموح لك أن تحب مالك وأهلك ونفسك لكن بشكل طبيعي ، إذا أحببت غير الله ووضعته في مكانة خاصّة من قلبك وقعت في الشرك يقول تعالى : ” أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وعلى بصره غشاوة ” . فالنبي صلّى الله عليه وسلّم يحذرنا ويقول : ( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه ) ، أي لا يجب أن تتدخل في كلّ شيء وتسأل عن كلّ شيء .

وفي حديث آخر يقول صلّى الله عليه : ( طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه وأنفق الفضل من ماله ) ، أي ترك الكلمة غير اللازمة ، ويقول صلّى الله عليه وسلّم : ( كلّ كلام ابن آدم عليه لا له إلّا أمرٌ بمعرف أو نهيٌ عن منكر) ، إذاً يجب أن نحذر من كثرة الكلام إلّا الكلام الذي فيه ذكر الله وتذكير النّاس بلقاء الله أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر وإلّا فالباقي كلّه يكون علينا .

وبيّن صلّى الله عليه وسلّم خطر الكلمة فقال : ( إنّ الرجل ليتكلّم الكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها في نار جهنّم سبعين خريفاً ) ، أنت ترى الكلمة لا بأس بها ولكن عند الله تكون عظيمة فيهوي بتلك الكلمة سبعين عاماً من الخريف للخريف عام ، والسبعين خريف سبعين عام ، النّار ليست انتقام من الله ولكن عندما يكون معك ذنب عليك أن تدخل النار حتّى تنظف من هذا الذنب قال تعالى : ” طبتم فادخلوها سالمين ” ، أي أنت معافر فادخل الجنّة أمّا إذا ما زلت مريض فلا تدخل حتّى تشفى في نار جهنّم ، وفي تفسير آخر عن معنى طبتم أنّكم تطيّبتم وتعطّرتم .

النبي صلّى الله عليه وسلّم عندما أخبرنا أنّ الله سيسألنا عن عمرنا وشبابنا فيما أفنيناه فهو بذلك يحذرنا من تضييع أوقاتنا لأن العمر محدود ومقسوم لنا فيجب أن نشغل أعمارنا وأوقاتنا جيّداً ، إذا كنت واصل لأرحامك ، بارٌّ لوالديك فالله سبحانه وتعالى يجعل فيهم البركة .
كما أخبرنا النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّ الله سوف يسألنا من علّمك ماذا عملت بهذا العلم الذي علّمك إيّاه رب العالمين فتقول لم أتكلّم وإن تكلّمت لا أحد يسمع لي فعندها تلجمه الملائكة بلجام من نار ( كاتم العلم يوم القيامة يلجم بلجام من نار ) ، كلّ من يعلم علم ما ولا يبلّغه سيلجم بلجام من نار ، فكلّنا يعرف ثواب الاستغفار والصلاة على النبي أو التهليل أو التسبيح الذي يملأ الميزان فلم لا نبلّغ ؟

كانت المرأة في زمن رسول الله عندما تجلس مرّة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم مدة يوم أو يوكين تلازم دروسه صلّى الله عليه وسلّم وعندما ترجع إلى قومها تبدأ بتعليمهم ودعوتهم فتحضر نصف القوم إلى الإسلام ، ليس شرطاً أن تقول أنّك لا تملك العلم الكافي أنت تملك علم كافي فعندما تقول بسم الله يفتح لك الهاتف بينك وبين أهل الله فيعطوك العلم ويمدّونك بالمدد .

وبعد ذلك يسألنا رب العالمين عن المال فيما أنفقناه ؟ وللمال سؤالين من شدّة خطره له سورين يحرسوه أول سور الأسنان وثاني سور الشفاه ومع ذلك نقول كلمات تجرح القلوب ( جراح السّهام لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللّسان ) ، لأنّ القلب كالزجاج إذا انكسر لا يلتحم ، فكم عليك أن تحافظ على شعور الغير كي لا تجرحه بلسانك .

فعندما تجيب ربّ العالمين من كسب مالك أنّه من مكان ما ، فهل أنت تعبت لتحصل عليه بالحلال أم ذهبت وكذبت وراوغت الآخرين لتحصل عليه ؟ مرّة حصل مع رجل فقير توفي حيث كان بالعادة عندما يموت الشّخص يقوم أهله بإحضار خيمة ويقرؤون فيها القرآن لمدة ثلاثة أيام بأجرة ليرة ذهب يومياً ، وعندما توفي هذا الرجل بحث أهله عن قارئ للقرآن بأقل من ليرة ذهب فوجدوا شخص رضي أن يقرأ لهم ثلاثة أيام كلّها بليرة ذهب .

فجلس وبدأ يقرأ للميت وعندما بدأ القراءة رأى رجلين مرعبين قادمين باتجاهه فشعر بالخوف والرّعبة منهم لأنّ عيونهم تخرج منها الشرارة وأنيابهم مثل قرون القبر، وهكذا وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم منكر ونكير وملائكة عذاب القبر، فتشاور الرجلان الخيفان مع بعضهما هل نحاسب الميّت أم الحيّ ؟ فقال الآخر نحاسب الحي أولاً لأنه سيهرب أمّا الميّت لا مهرب له

فأتوا لهذا الرجل الفقير ليحاسبوه ، فردّ عليهم على ماذا سوف تحاسبوني أنا فقير جداً ؟ فقالوا سنسألك أولاً عن الحبل الذي تربط فيها وسطك ، فقال : اشتريتها من المحل الفلاني فقالوا: هل هذا المحل حلال أم حرام ؟ فقال: لا أعلم، فقالوا: عليك أن تسأل هل هو حلال أم حمل للمسروقات ، ثمّ سألوه من أين أتيت بالمال قال : عملت سابقاً في مزرعة مدة نصف نهار فأعطاني هذا المال ، فقالوا له : عندما عملت عند الرجل هل عملت بجد وإتقان وتستحقّ هذا المال أم أنّك أهملت وضيّعت ولست أهلاً للثقة ؟

ولا زالوا يسألونه بكلّ التّفاصيل كلّ الأمور المتعلقة بتلك الحبل حتّى طلع الفجر ، وعندما أتى أهل الميّت فتفاجأوا ورأوا أنّهم تركوه بشعر أسود فأصبح أبيض فسألوه ماذا حصل؟ وأعطوه الليرة الذهب فقال لا أريد شيئاً أبداً فقالوا : لماذا ؟ فقصّ عليهم ما حدث معه وأخبرهم ماذا حصل فقط بأسئلة تلك الحبل . لذلك نحن سوف نسأل عن مالنا وعن كلّ شيء ، فاحذر أن تدخل لبيتك شيئاً من الحرام .

عندما سُئل النبي صلّى الله عليه وسلّم يارسول الله : المال يذهب ؟ قال: نعم فتعجب الصّحابة وأكّدوا عليه أنهم يسألونه عن الحلال فردّد وقال : نعم الحلال يذهب فقالوا له : والحرام ؟ فقال : الحرام هو وأهله ، لذلك عندما تحضر الحلال لبيتك يجلس خلف الباب فإذا ذهب يذهب لوحده أمّا عندما تحضر الحرام فيجلس في صدر البيت وذلك من خبثه فإذا ذهب يذهب هو وأهله .

الله تعالى أعطانا أجساداً قويّة لنقوى بها على فعل الخير ونبتعد عن كلّ إثم وشر ، وسوف يسألنا عنها ولماذا لم نتقرب بها من حضرة الله؟ فنصل بأجسادنا إليه من خلال من خلال أداء العبادات والطّاعات والفرائض فنصل بهذا الجسد إلى ربّ العالمين ومرضاته وجنّته فعندما يفنى الجسد أو يموت هذا الجسد لو صليّت بروحك ألف صلاة لا يقبل منها شيء لأنّ الله أراد منك أن تتعبّد بجسدك فتحصل على القصور والثّمار والشّراب اللّذيذ من لبن لا يتغيّر طعمه وعسلٍ مصفّى وخمرٍ لذّةٍ للشاربين .

ورد في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يصف لنا كيف يبول الشيطان في آذاننا عند النوم ليمنعنا من الاستيقاظ لصلاة الفجر فقال صلّى الله عليه وسلّم: (،إذا أراد الإنسان أن ينام عقد الشيطان على قافيته ثلاث عقد في كلّ عقدة يقول له : نم عليك ليلٌ طويل فإذا استيقظ وقال: لا إله إلّا الله تنحل أول عقدة وعندما يقوم ويتوضأ تنحل العقدة الثانية وعندما تصلّي تنحل العقدة الثالثة وتصبح طوال نهارك نشيطاً ، وإلّا بال الشيطان في أذنيه ) .

فكيف لنا أن نعرف إذا الشيطان قد بال في أذنينا أم لا؟ عندما نسمع العبرة والموعظة الحسنة ونطبّقها وننفّذها نكون بذلك بعيدين عن الشيطان، وعندما نسمعها ونتركها في مكانها فبذلك يكون الشيطان قد بال بأذنينا ، إذاً احفظوا حواسكم من المعاصي ، فالمعاصي تأتي من الغفلات والغفلات تأتي من مجالسة الغافلين، أمّا بمجالسة الذّاكرين فأنت تكتسب الحسنات لأنّه يذكّرك بحديث أو آية أو نصيحة حتّى الطّرفة من الصالحين تذكّرك بالله سبحانه وتعالى ، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ( لا تصحبنّ إلّا مؤمن ولا يأكل طعامك إلّا تقي) حافظ حتّى على طعامك فلا تطعمه إلّا لرفيق الصّلاح والخير والإيمان .

اسأل الله لي ولكم التوفيق ، جعلنا الله وإيّاكم ممن نستمع القول فنتبع أحسنه هداةً مهديين غير ضالّين ولا مضلّين وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: