إلغاء الطبقية

السيرة النبوية الشريفة الحلقة (73)
10_12_2021
٦ جمادى الاخرة ١٤٤٣
بسم الله الرحمن الرحيم
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك الدرس قائلاً :حياة النبي صلى الله عليه وسلم بناءٌ متكامل، منهاج رباني.
بحثنا اليوم حول زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب وزينب ابنتها.
زواجه لها فيه قصَّة غريبة وتشريع عظيم فهذه السيدة زينب بنت جحش و أخوها المعروف بعبد الله بن جحش رضي الله عنهم وقد ذكرنا عنه بأنه كان قائد سريه نخلة الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم و استشهد في معركة أُحد.
وزواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب هو أكثر زواج انشغلت به الناس، وتحدّثت به، وتعجَّبت منه، وخصوصاً تكلّم فيه المنافقون وقليلي الإيمان والكفر والفجر في المدينة لأنّهم رءوا في زواجه اختلاف عادات الجاهلية.
في البداية قدَّمت السيدة خديجة عبداً للنبي صلى الله عليه وسلم هديَّة جاءها من حكيم بن حزام ابن أخيها، وكان السبب ببيع هذا الطفل في السوق ليكون عبداً بأن أمّه خرجت لتزور أهلها وهو صغير عمره ما يقارب ثمان سنوات، و حصلت معارك فوقعت في الأسر هي وابنها وكان اسمه زيد و عندما وقعت في الأسر أخذوا ابنها ليبيعوه في السوق عبداً.
ابن اخت السيدة خديجة المسمى بحكيم بن حزام كان نصيبه بأنه اشتراه وأعجبه وقدّمه هدية لعمَّته فكان زيد يخدمها.
وعندما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة قدمته السيدة خديجة هديّة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه العبودية قبل أن يؤمروا بالعتق.
توجّه والد زيد يبحث عن ولده فقالوا له بأنّه في مكة وأعطوه العنوان، فجاء أبوه يدفع له فدية ويأخذه، فعندما سأل قالوا له بأنه عند رجل اسمه محمد بن عبد الله فتوجّه إليه يريد فكَّ ولده من أسره، وكان معه أخيه، فجاؤوا إليه وطلبوا منه زيد وتوسّل إليه أن لا يطلب كثيراً من أجل الفدية.
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: فهل لكما في شيء خير من ذلك؟ فقالوا له: ما رأيك؟ فقال لهم: نخيّر زيد فان اختاركم فهو لكم ولا أريد منكم شيئاً، وإن اختارني فما أنا بالذي يرغب عمّن اختارني. فقالا قد زدتنا على النصف وأحسنت إلينا.
وعندما نادوا لزيد وخيَّروه فاختار زيد النبي محمد صلى الله عليه وسلّم وطلب من النبي أن يبقى في بيته ورفض أن يعود مع أبيه وعمّه إلى قبيلته.
وقال لنا سماحة الشيخ محمود المبارك أن هذا الموقف يعلّمنا بأن نعامل الناس بالأخلاق ولو كان من غير ديننا فإن عاملته بحسن الخلق واللطف والإحسان من دون علمه بإسلامك فعندما يعرف بأن هذه الأخلاق الحسنة التي صدرت منك أساسها الإسلام يعشق الإسلام وقد يكون سبب في إسلامه.
وقال زيد للرسول صلى الله عليه وسلم بل أبقى معك أنت، أنت لي بمنزلة الأب و العم ولا أختار عليك أحداً يا ابا القاسم، فتعجّب أبوه وقال: ويحك يا زيد تختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمّك و أهل بيتك؟!
قال زيد: نعم لا أختار عليه أحد أبداً. ورقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لوالد زيد و أراد أن يطمئنه فأخذ بيد زيد وذهب به إلى الحجرة وكانت قريش مجتمعة ونادى: يا معشر قريش اشهدوا من اليوم أن زيد ابني يرثني و أرثه.
فعند ذلك طابت نفس أبيه وعمّه وازدادوا سروراً لأن مشكلة والد زيد ليس أن يكون زيد معه لأن زيد أصبح شاباً و بلغ السن الذي ينفصل فيه عن أبيه ولكن المشكلة بأن يعيش ابنه عبداً بعيداً عنه
ولكن عندما وجد بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أعتقه وتبنّاه فاطمئنّ وعاد إلى قبيلته مسروراً وأصبح زيد منذ ذلك الوقت في قريش حرّاً وليس عبداً وأصبح اسمه زيد بن محمد ولم ينادوه زيد بن حارثه.
كان العرب يطلقون على العبد الذي يُعتق (بمولى) فلما نسمع بالسيرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أنه كان عبداً وأعتقه، مثل بلال الحبشي كان يقال له مولى أبي بكر لأنه اشتراه و أعتقه.
فكانوا يقولون زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النبوة.
وأما زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوج زيد كأي أب يريد أن يزوّج ابنه بالتبني في ذلك الوقت.
وبالتالي فإن زوجة الابن سوف تحرّم عن الأب، فعزم النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوّج زيد من ابنة عمته زينب.
وزينب كانت بعمر 36 سنة و كانت قريشية من بني هاشم وهم أعرق وأشرف بيوت العرب.
وصفتها الرواية بيضاء جميلة، وكان يريد صلى الله عليه وسلم من هذا الزواج كسر الفوارق الطبقية وأن الناس سواسيه كأسنان المشط ولكن أراد ان يقوم بتصرف واقعي في أسرته.
عرض النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة زينب الأمر فأبت ورفضت لأن بنات الأشراف لا يتزوجن من الموالي، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدّثها عن حسن أخلاقه ومكانته منه، ولكن زينب لم تقبل الأمر على الإطلاق و قالت يا رسول الله (وكان قد حصلت النبوة في وقتها): يا رسول الله لا أتزوجه أبداً.
فنزل الوحي بهذه الآيات ﴿وَما كانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسولُهُ أَمرًا أَن يَكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالًا مُبينًا﴾
فقالت السيدة زينب رضيته لي يا رسول الله فوافقت رضي الله عنها ولا أعصي الله ورسوله.
وهكذا تم الزواج بين زيد بن حارثه وزينب ابنة جحش ولكن لم يكن ذلك الزواج الناجح أبداً فالمودة والسكينة كانت معدومة.
فقد كان زيد رضي الله عنه أفنص ذو شفاه كبيره يقال عنه قصير وزنجي وهي قريشيه هاشميه ذو جمال وبياض ولأن زينب لم تنسى أبداً بأنها شريفة وابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم و أن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنه كان رقيقاً فكانت تعامل زيد بجفاء واستعلاء وربما كانت تؤذيه بلسانها.
أخبر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأنه سيتم إبطال عادة التَّبني و بالتالي يجوز أن يتزوج زوجة المولى.
وليس المقصود بإبطال عادة التبني النهي على كفالة اليتيم، ولكن لا يجوز أن يُنسب الطفل إلى غير أبيه فالإسلام نهى عن هذا لأنه يؤدّي إلى اختلاط الأنساب بينهما. ويحقّ لك إن طلَّق زوجته و أكملت عدتها أن تتزوجها، وهو ليس ابنك من صلبك.
وأخبر الله تعالى رسوله أيضاً بأنه سيتزوج زينب لكي يأخذ العرب درساً بأنه يجوز تزوج زوجة المتبنى، وهذا الزواج هو التصرف الواقعي والعملي الذي سيقضي على هذه العادة التي لا يرضا بها الله سبحانه وتعالى.
وهذا كان ترتيب الله سبحانه وتعالى أن يتزوج زيد من زينب ثم يطلقها زيد ثم يتم تزويجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا يتم إبطال واقعي و عملي لعادة التبني.
والسؤال هل كان هذا الزواج كافياً للقضاء على عادة التبني، أم أنه يكفي أن ينزل الله تعالى آية تنهى عن هذا الأمر كله؟

عندما يصبح الأمر واقعياً سوف يؤثّر في الناس أكثر، فهناك أناس لا يفهمون كلام الله ولا يعقلوه.
قال زيد عندما اراد ان يطلق زينب : لا والله يا رسول الله ما رابني منها شيء، ولكن لا يوجد بيني وبينها التودد والانسجام ولا رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعاظم عليَّ بشرفها، وفيها كبر علي و تؤذيني بلسانها.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله و أمسك عليك زوجك وعد زيد ليجرب مرّة أُخرى فكانت تزداد نفوراً منه فعاد زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم و شكا له وطلب منه مفارقة زينب، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في كل مرّة: اتق الله و أمسك عليك زوجك.
و النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن هذا الترتيب من الله تعالى عن طريق الوحي وما هي فوائده.
قلنا بأن أعداد المنافقين كانت كبيرة في المدينة، وهم يتربصون بالرسول صلى الله عليه وسلّم فإذا تزوج من زينب يقولون بأنه يأمر بعدم
زواج الأب من زوجة ابنه وقد خالف ذلك وتزوج من زوجة ابنه. قال وهو الذي يقوله أعداء الإسلام حتى الآن.
وقد عاتب الله نبيه من خشيته من كلام المنافقين في شيء قد أباحه الله.
حتى جاء اليوم الذي طلق فيه زيد زينب وانقضت أيام عدتها (ثلاثة شهور أو ثلاثة قروء) فنزل قول الله تعالى: ﴿وَإِذ تَقولُ لِلَّذي أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ وَأَنعَمتَ عَلَيهِ أَمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخفي في نَفسِكَ مَا اللَّهُ مُبديهِ وَتَخشَى النّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخشاهُ فَلَمّا قَضى زَيدٌ مِنها وَطَرًا زَوَّجناكَها لِكَي لا يَكونَ عَلَى المُؤمِنينَ حَرَجٌ في أَزواجِ أَدعِيائِهِم إِذا قَضَوا مِنهُنَّ وَطَرًا وَكانَ أَمرُ اللَّهِ مَفعولًا﴾
فالله سبحانه وتعالى هو ولي زينب الذي زوجها من الرسول صلى الله عليه وسلّم فأبطلوا هذه العادة التي كانت منتشرة في الكفر والشرك و عادات العرب القديمة. وبهذا يكون زيد هو الصحابي الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن، وقالوا هذا من فضل الله ولأنه تحمَّل مع النبي صلى الله عليه وسلّم العبء النفسي لهذا الموقف.
ثم بيَّن الله الحكمة من هذا الزواج لكي لا يكون على المؤمنين حرج، فكان المنافقين مع كل هذا البيان والدلائل والآيات يتحدّثون حرم محمد نساء الولد، وقد تزوّج زوجة ابنه.
ولا يزال هذا الموضوع أعداء الإسلام يستخدموه ويحرفون الكلم عن مواضعه فيقولون تخفي في نفسك محبّة زينب، وبأنه أصرَّ على زيد أن يطلقها.
نأخذ الحكم والعبر بأن الله متم نوره ولو كره الكافرون والمشركون، وهذا من فضل الله تشريع وأن نلغي الطبقية.
ذكر سماحة الشيخ محمود المبارك لنا قصة :جاء شخص إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وقد كان وجهه مليئاً بالحبوب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: لماذا لا تتزوج؟ فقال له: لا أحد يرضى أن يتزوجني، فقال له: اذهب إلى فلان و قل له بأن النبي زوجني من ابنتك.
فذهب وطرق الباب وقال لهم: النبي صلى الله عليه وسلم زوجني من ابنتكم. فنفر أبوها وقال: لم يلقى النبي سواك؟!
فسمعت الفتاة وقالت له يا أبتي اسأله وتأكد إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أرسله فأنا موافقه، فلم يلحق به ثم أسرع ذاهباً وراءه قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ويحدّثه عما قاله له، فدخل فقال: يا رسول الله يا رسول الله قبل أن يحدّثك فأنا موافق، وابنتي موافقة.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد وافقوا، فقال له: يا نبي الله لا أملك شيئاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: اذهب إلى عثمان فخذ كذا، واذهب إلى علي وخذ كذا، وعبد الرحمن بن عوف أحد التجار وخذ كذا، فجمع سعر ما ينام عليه و جهّز و حصلت غزوة فخرج فيها فاستشهد فتبسّم صلى الله عليه وسلم قالوا: لمَ تبتسم يا رسول الله؟ فقال: تخاطفته نساءه من الحور العين.
فختم سماحة الشيخ محمود المبارك بحكمة : نريد أن نبطل هذه العادات والفوارق الطبقية فهذه الأمور تدعي إلى الزنا وأمور كثيرة تُغضب الله وإن زوجناهم فإننا فتحنا بيتاً سيصنع لنا شباب وبنات و نسأل الله التوفيق لنا ولكم.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: