
إصلاح الأعمال في رمضان
السبت 10/4/2021
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك :بفضل الله ومنّته قد اقتربنا من شهرنا الحنون الذي أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النّار وذلك لمن رحم النّاس ورحم نفسه وغفر للنّاس وأعتق نفسه من النّار ومن شهواتها وأعتق غيره من شهواته فأرشده إلى الهدى وأنقذه من النّار، هذا الضيف الذي يأتينا بالنفحات والقربات والخيرات ويرحل عنّا بذنوبنا وأخطائنا فيجب أن نجلّه ونعطيه من أوقاتنا واهتمامنا ولا نقضيه في مشاهدة المسلسلات وضياع الوقت.
قال النبي ﷺ: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) فيجب أن يكون تلفازنا سماع العلم وتلاوة القرآن وحفظ الأحاديث وانشغالنا بنشر العلم والهداية فهذا الشهر هو موسم الدّعوة وإخراج النّاس من الظّلمات الى النّور فالشّياطين مصفّدة والطريق نزول والكلمة سهلة وتخترق القلوب فتنقذ النّاس مما هم فيه.
قال تعالى: ((ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)) هذا فعل أمر من الله تعالى وهو فريضة ويعاقب الإنسان بتركه، ونحن مأمورون بالدّعوة في رمضان وغيره لكن حالياً الموسم خصب والأشغال قليلة، ومن كان همّه ما يدخله في جوفه كانت قيمته بما يخرجه من جوفه.
والصحابيات الكريمات وكل مؤمنة مخلصة وداعية لا تنشغل بثيابها لأنّ المؤمنة تزيّن الثياب والذهب أمّا عكسها فهي تتجمّل بهم فكونوا ممّن يجمّلون الثياب والذّهب، نحن غاليين لأننا وضعنا في قلوبنا محبّة الله ورسوله وأهل بيته وأحبابه وأوليائه الصّالحين. ولأننا نأخذ من أهل الله محبّة الله على أصولها.
شهر رمضان أوّله رحمة إذا تراحمنا، قال تعالى: ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) فكل واحدة منكن تتفقّد أقاربها وجيرانها وأهلها وتقدّم لهم أي شيء من الطعام والمؤونة أو حتّى نصيحة خير، قال النبي ﷺ: ((الدّين النصيحة فقال الصحابة: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامّتهم))
كيف يكون النصح لله؟؟ أن نكون عباداً صالحين صادقين في امتثال أمره فنحن وما نملك لسيّدنا وننفذ ما يأمرنا به وننتهي عمّا نهانا عنه.
وأمّا النصح لرسوله فهو كمال اتّباعه قال تعالى: ((قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله)) القاطرة في القطار تكون على سكّته وتتبعه في كلّ حركاته وسكناته وإذا فعلت عكس ذلك ستقع عن السكّة وتدمّر نفسها، فاتبّاع النبي صلى الله عليه وسلم أن نفعل ما فعله والموفّقة عليها أن تتبّع أهل الله وتسمع كلامهم ونصحهم وتنفذ وصاياهم فمن سار على خطا نهج النبي دلّ ذلك على حبّ رسول الله وحب الله.
و قد أشار سماحة الشيخ محمود المبارك :وأمّا النصيحة لكتاب الله فهو العمل به والتخلّق به وتلاوته وتعليمه للغير والقراءة ليست للتفاخر والتباهي وإنمّا للفهم والتفكّر حتى إذا قرأت الكثير بدون فهم لا يساوي ربع من القراءة بفهم وعلم وتدبير قال تعالى: ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)) فالقلب إذا كان عليه القفل الذي يحجبك عن فهم كلام رسول الله فعليكِ أن تدعو الله وتسأليه أن يدلّك على من يدلّك عليه فمن لا يتعلّم القرآن ويفهم علومه فهو مقفل القلب.
وأمّا النصح لأئمة المسلمين أي لِوُلاة المسلمين أي حاكم البلاد فعليك أن تنصحي له وإن لم ينتصح لا تخرّبي خلفه حتى لو كان هناك بعض الهفوات وعليك أن تنصحيه سرّاً قال النبي ﷺ: ((من نصح أخاه سراً فقد زانه ومن نصح أخاه جهراً فقد شانه)) ومن نصح بطريقة فظّة لا يستفيد من ننصحه شيئاً.
بعض الرّجال وهو مالك بن دينار أراد أن ينصح الوالي الذي كان يعرف بالبزخ والترف وصرف الأموال في غير مكانها فطلب لقاءه فلم يسمحوا له فقام بشراء لباس من خيش يشبه لباس الوالي وقام بتقليده في موكب يسير فيه في البلاد فسأله الوالي ألا تعرف من أنا؟؟ فقال بلى، أنت الذي أوّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بينهما تحمل العذرة، فقال له: زرنا يا مالك، وأذن له أن يزوره ويحدّثه فتغيّرت حاله وكان هو المهلّب بن أبي صفرة، بصدق طلبه استطاع جعله من كبار الصّالحين.
رجل آخر أراد نصح الوالي فلمّا كان يسير في موكبه ناداه باسمه فانتبه له الحرّاس وحذّروه من قلّة أدبه فسأله الوالي ماذا تريد؟ فقال: أولاً لا تؤاخذني ولا تغضب مني إذا ناديتك باسمك فإني أنادي ربّ العالمين باسمه ولا يغضب مني، وإني أريد أن أنصحك لأنّ النبي ﷺ قال: ((الدّين النصيحة فقال الصحابة: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامّتهم)) وأنت إمامنا فقال له تفضّل فلقد ملَّ قلبي من المدح، فقال: اعلم أيّها الوالي أن الدنيا لو دامت لغيرك لما وصلت إليك، أيها الوالي انظر الى قصورهم وانظر الى قبورهم، إن الدنيا إذا حلّت أوحلت، وإذا كست أوكست، وإذا انجلت أوجلت، وإذا أينعت نعت، أيها الملك.. كم من قبور تبنى وما تبنا وكم من مريض عدنا وما عدنا وكم من ملك رفعت له علامات فمات، فقال له الملك جزاك الله خيراً أنقذتني من غفلتي.
ومعنى إذا حلّت أوحلت: أي أن الدنيا إذا فتحت بابها لأحد تلتصق به وتشغله وتتربع في بيته وقلبه إلا إذا كانت هذه الدنيا هي التي توصلك إلى الله ورضاه فالعاقل هو الذي يسخّر دنياه لآخرته، وهذه النصيحة تساوي كل المدح والمال فمتى نتوب ونأخذ العظة والعبرة ونعود الى الله؟ قال النبي ﷺ: ((لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تحرموها أهلها فتظلموهم)) فالحكمة يجب أن تكون في مكانها فإذا أعطيت لمن لا يستحقها فقد ظلمناها وإذا لم تعط لمحتاجها فقد ظلمناه.
إذاً رمضان شهر الدّعوة ونشر الإسلام وذلك بحكمة ولطف وحنان، مثل من كان نائماً على سكّة القطار وهو قادم ليدهسه فإذا قمت بركله بقوّة وعنف ليقوم من مكانه لن يستجيب لكلامك وستخسرينه ولكن عليك باللطف أن توقظيها من المخاطر المحيطة بها، وأنت كذلك بالحكمة تصلين للقلوب وتكسبين سماع كلمتك وبهذا تنتقلين من محطة الى أخرى في السّلوك والدرجات العليا، إذاً عليك أن تنقذي النّاس من النّار بالمعروف.
في أحد القرى سقط رجل في بئر واجتمع النّاس حوله ليخرجوه فلم يستطيعوا فرآهم رجل حكيم فسألهم ما الأمر فقالوا له أنه سقط في البئر ونقول له هات يدك فلا يستجيب لنا فنظر إليه فقال له: خذ يدي فأخذها فأخرجه فتعجبوا لذلك فقال لهم نظرت إليه فوجدته شحاذاً اعتاد على كلمة خذ ولا يعرف معنى أن يعطي.
وكذلك الدّعوة بحاجة لحكمة وعليك أن تأتي لكل واحد من الباب الذي تحبّه قال تعالى: ((ولباس التقوى ذلك خير)) ونحن الآن نقوم بالتحضير للباس الآخرة الذي حصلته بالتقوى وحفظ القرآن والتشجيع على كل خير.
قيمة العلبة بما تحويه وكذلك هو حال القلب فإذا حوى محبّة الله وأهل الله والجوهرة الإيمانية التي هي أغلى من الذهب والجواهر والأموال صار غالياً وثميناً أمّا اذا تركته فارغاً قام الشيطان بملئه بالقذارات والأوساخ، إذاً عليك في رمضان أن ترحمي النّاس وتخرجيهم من بحر الدنيا والغرق فيها وتحولي محبوباتها الدنيّة الى محبوبات راقية، قال النبي ﷺ: ((من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه)) فمن كان على ضلال وشرور عليك أن تنصحيها وإلا سيكون عليك الحق والعتب منها لماذا لم ترشديها؟
و قد اختتم سماحة الشيخ محمود المبارك : اسأل الله أن تكونوا من أهل الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين والحمد لله رب العالمين.