
آداب الحج
السبت 12-6-2021
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك : أول ما نريد أن نبدأ به هو أن نقول طريق السعادة هو طريق العلم فمن أرادت أن تكون سعيدة مسعدة مع أهلها وبيتها وأولادها وجيرانها فهي الملتزمة بشرع الله عن طريق أهل الله، ومن أرادت أن تلتزم بشرع الله لوحدها فلن تصل لشيء ومثالها مثال التي تريد أن تتعلم الخياطة بدون الخيّاطة الماهرة عندها ستخرج ثياباً سيئة، وكذلك من يريد أن يتعلم الطيران وحده إذا استطاع أن يطير فنهاية أمره أن يهلك نفسه والركاب معه وكذلك هو طريق السعادة والإيمان الذي يكون على أصوله بالصحبة الصالحة.
ونحن ما زلنا في مدرسة الحج وهي الأكاديمية التي حوت العلوم الكثيرة قال تعالى: ((ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)) والكفر هنا ليس الكفر العام بل هو كفر جزئي وهذا معناه أن جزءاً من الإيمان قد تعطّل لأنه كفر برفض الحج وهو قادر على ذلك فقد حرم نفسه من طاعة الله وامتثال أمره.
وذلك عند امتلاك القدرة والمال والاستعداد لكل شيء أما إذا كنت قد حججت مسبقاً فعليك عندها الالتفات لشيء آخر وعمل آخر فالمؤمن حياته كلها عمل وإنتاج وتمهيد الطريق للوصول الى الله بصدق النيّة والله يكرمك بالفضل ولكن عليك بكثرة الذكر وحضور مجالس العلم وحفظ كتاب الله وسنة رسول الله ويصال الدرس للناس لينتفعوا بها فلا تشربين وحدك وتتركين الناس عطشى كي لا يحاسبك الله على هذا الظلم فهذه أمانة سيسألك الله عنها.
وعندما تعلمين الناس وتدليهم عندها لا ظلم عليك ولا مسؤولية ولن يكونوا برقبتك ووزرك، كثير منهم مرضى ولكل مريض دواؤه… منهم من يحتاج لدواء للحسد ومنهم من يحتاج دواء للعقم ..وللمشاكل والنزاعات الزوجية… ومن أسرار الاستغفار أنه دواء للعقم ((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين…)) وإذا أرسلت لهم العناوين اللافتة التي تناسب حالهم ينجذبون لها ويجدون فيها دواءهم.
لذلك علينا أن نفعل شتى الوسائل لنغذي الناس ولا يكونوا طعماً لجهنم والنار، والشيخ كل غايته أن ينقذ الناس من أمراضهم ليعيشوا في جنة الدنيا والآخرة، فالطبيب ليست مهمته أن يقتل المريض وإنما يعالج المرض لينقذ المريض.
وآيات الذكر في الحج كثيرة من عرفات الى مزدلفة الى المشعر الحرام وكل المناسك وخليل الله إبراهيم عليه السلام أمر بالذكر وسيدنا محمد ﷺ أمرنا بذلك أيضاً ولكن تجد الناس لا يعلمون الغاية الحقيقية من الحج مثل الذي يرجم إبليس عدو الله ويتخلف عن طاعة الله.
فالحج كلّه منافع ((ليذكروا منافع لهم)) و قد أشار سماحة الشيخ محمود المبارك : والحقيقة هي التي أرادها الله لنا ليجتمع أهل الدول ورؤساؤها لينظروا في أمور بلادهم وصحة مجتمعاتهم والبشرية جمعاء، فالحج مؤتمر للبشرية جمعاء أما أعداء الأمة يزرعون الفساد بين العباد ليكون حجهم غير نافع أو بمنفعة قليلة.
والحاج عليه أن يجري دورة قبل حجّه قال النبي ﷺ: ((خذوا عني مناسككم)) فالنبي ﷺ بعث قبله سيدنا أبا بكر ليعلّم النّاس مناسكهم لذلك عليك أن تأخذي معك سيخاً عالماً أو عارفاً بأمور الحج وسننه، للأسف تجد الكثير من الحجاج قد حج وربما على كل واحد منهم 10 خواريف كفارات لأخطاء فعلها في الحج.
والحج موسم الإكثار من الذكر فأنت ما دمت ذاكراً فأنت موصول ومنوّر بنور الله مثله مثال البيت الموصول بالكهرباء، وإذا كان البيت مقطوع عن الكهرباء يعيشون حياة التعساء حياة أضل من حياة البهائم قال تعالى: ((إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ)) وكذلك الإنسان الغافل يأكل ويشرب بدون ذكر يرفع روحه، أما البهائم فكلها منافع من صوفها ولحمها وعظمها حتى روثها وبعرها تضعها في البساتين لتخرج لك الثمار والأشجار، لكن الانسان لا يحمل أي منفعة إذا ترك ذكر الله والوصال به.
لذلك عليك أن تقفي بين يدي الله خاشعة متذللة وتناجيه ها أنا قد بسطت إليك أكف الضراعة متوسلة إليك بنبيك محمّد صاحب الفضل والشفاعة، فتكونين بحال الذل والخضوع له سبحانه وتعالى لتحصلي العفو والمغفرة وهو الكريم الذي يحب العفو ((فإن كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة)) فهو الذي تجاوز عن المعسر كيف يتركك وأنت بهذه الحال لا والله لن يخذلك أبداً.
ولكن لا تكوني من أهل الهموم الدنيوية والطعام والشراب فمن كان همه ما يدخله في جوفه ستكون قيمته ما يخرجه من جوفه فعليك أن يكون همّك إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي وعندها تكونين من الذاكرين الحقيقيين وأنت في بيتك تحصلين أجر الحاج الكامل.
فإذا شعرت بفضل الله عليك وأنك مدينة له ومقصرة بين يديه يكرمك ويعفو عنك ولكن إذا وجدك تذنبين تحدياً وتسلطاً فلن تحصلي المغفرة، قال تعالى: ((إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك رسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون … آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون))
والآن علينا أن نتدارس عدة أمور يجب أن نتجنبها في الحج وهي ثمانية: أولها الجماع بين المرأة والرجل وإلا فعليهم أن يذبحوا أضحية لكل واحد منهم ويعيدوا حجهم في العام القادم حصراً، وكذلك ترك الكلام الذي يوصل للجماع أو اللمس بشهوة ونحو ذلك وهذه من أخطر الأمور وذلك من مواقيت الحج ولبس الإحرام والنية للإحرام.
وإحرام المرأة يكون بتغطية كامل جسدها مع الكشف عن الوجه واليدين فقط وإذا خافت الفتنة تضع غطاء على وجهها دون أن تلمسه حتى تأمن الفتنة أما إذا أرادت وضع حجاب على وجهها كل الوقت فعليها ذبح أضحية.
ويحرم على الحاج الطيب لا شماً ولا أكلاً ولا أي وسيلة من وسائل التطيب والروائح مثل الصابون أو العطر والشامبوهات ذات الرائحة.
ويحرم لبس المخيط من قميص وبنطال وجوارب ونحو ذلك فكل مخيط ممنوع حتى الثياب الداخلية ما عدا فوطة تسترك من سرتك لركبتك وأخرى تسترك من السرة للكتف.
ويحرم تغطية الرأس والقدمين حتى لو كان نائماً يحرص على كشف قدميه وهو نائم.
ويحرم حلق الشعر أو نتفه بأي وسيلة كانت وإذا احتاج أن يحك جلده فيفعل ذلك بكف يده أي بباطنها كي لا يسقط من شعره شيء فإذا سقط شعرة أو ثلاث فعليك دفع كفارة أو تصوم ثلاثة أيام.
ويحرم قص الأظافر إلا للضرورة كعرق ملح أو شيء مؤلم من الأظافر.
ويحرم قطع الشجر ونحوها ويحرم صيد البر أما صيد البحر فمسموح، وبذلك يتخلص الحاج من نفسه الشريرة المؤذية ويصبح مؤمناً حقيقياً يليق به أن يقف بين يدي الله.
والآن نريد أن نؤكد على أهمية ذكر الله في هذه الأيام المباركة الفضيلة من ذكر جهري وخفي وحضور مجالس العلم قال النبي ﷺ: ((غنيمة مجلس العلم المغفرة)) وإن لله ملائكة طوافين يبحثون عن مجالس العلم والذكر فإذا وجد أحدهم بغيته ناداهم هلموا إلى بغيتكم فتأتي الملائكة وتجعل من نفسها حلقاً حتى تصل الى السماء فإذا انتهى المجلس انفضوا حتى يسألهم الله عن العباد ماذا يريدون من مجلس الذكر فتقول الملائكة رب إن عبادك يسألونك الجنة ويتعوذون من النار فيقول الله تعالى اغفروا لهم جميعاً حتى لو كان فيهم مبغض مخرب أو صاحب حاجة معينة.
ومع ذلك الله الكريم الحنّان يكرم الجميع بالفضل والمغفرة ويقول للملائكة هم القوم لا يشقى بهم جليسهم فيغفر لهم ويجدوا حلاوة الايمان ويعجبهم ما وجدوا في تلك المجالس ونسأل الله أن يثبتهم ويكرمهم بالمداومة لذلك علينا أن نكون ملازمين نعرف فضل تلك المجالس العظيمة فنؤدي واجباتنا الضرورية ونلحق بمجالس العلم، فالزوجة الحكيمة ترضي زوجها وتؤدي مسؤولياتها تجاهه عندها سيوصلك بيده لمجلس العلم ويعطيك الدلال والنعيم وكل ما تحتاجينه.
و قد اختتم سماحة الشيخ محمود المبارك : فالزوج عندما يجد البيت سعيداً مسعداً يساعدك على الالتزام والثبات وإلا تجد قلة التوفيق فتترك عناية زوجها وتنشغل عنه فيؤدي ذلك لخراب بيتها وخسارة زوجها لامرأة أخرى.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى الآل والأصحاب