يوشك أن تداعى عليكم الأمم

استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك الكلام قائلاً : الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يقول المولى جل شأنه ((كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَلَو آمَنَ أَهلُ الكِتابِ لَكانَ خَيرًا لَهُم مِنهُمُ المُؤمِنونَ وَأَكثَرُهُمُ الفاسِقونَ))[آل عمران: ١١٠]
وهذا فخر لكل مسلمٍ ومسلمة، نحن نفتخر بأجدادنا فهل يا تُرى أحفادنا سيفتخرون بنا؟!
كانوا خير أمة أخرجت للناس عندما كانوا ملتزمين مع من قال الله فيه ((يَهدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ بِإِذنِهِ وَيَهديهِم إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ))[المائدة: ١٦]
فأخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم من ظلمات الجهل وأكل الميتة والدم ووأد البنات والظلم وعبادة الأصنام فكانوا كالوحوش الكاسرة يغزي أحدهم أخاه ليسلبه ماله، لكن عندما جاء النبي الاختصاصي صنع منهم خير أمة أخرجت للناس، كمثل الجبل الذي يحوي على الحديد والفوسفور والمعادن الثمينة لكن لا يعلم بها أحد لذلك يطأها الناس الأقدام وهم لا يعلمون، لكن عندما يأتي الاختصاصي ويخرج هذه المعادن يُصَنّع من المواد الموجودة السيارة والطائرة والمركبة الفضائية.
((كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ)) وصفهم بخير أمة عندما تحلقوا حول من أخرجهم من الظلمات إلى النور فكانت صفاتهم ((تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللَّهِ)) فكانوا يسمعون الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعملون بها ثم يعلمونها إلى غيرهم، أما اليوم تجد النخبة ممن يستمع للدرس لا يُسمعه لابنه أو زوجته أو جاره بل يحتفظ به لنفسه حتى إذا مرَّ عليه الزمن نسيه وعاد كما كان كالأرض المالحة التي تأخذ البذور فتميتها بدل أن تنبت النخل والأشجار والثمار.
علينا أن نجتمع ونتحلق حول العلم والعلماء وأن نعطيهم آذاننا كما قال لقمان الحكيم لابنه)): يا بني جالس العلماء واصغ إليهم بأذنيك)) فالداعي يعطيك كلمات فيها سعادتك.
سألت مرةً أحد الأحباب عن سبب التزامه بالدرس فأجابني: في أحد الدروس ذكرتَ قصة أصحاب الكهف والكلب الذي مشى معهم من طرف الجبل إلى فم الغار فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ((وكلب أهل الكهف معهم في الجنة)) ثم عقَّبتَ على ذلك وقلت: ((يا ابني خذ الحكمة من هذه القصة؛ الكلب النجس الذي نجاسته مغلظة وتحتاج لغسل الإناء الذي يشرب منه سبع مرات إحداها بالتراب شهد له النبي أنه مع أصحابه بالجنة فكيف بنا وقد صحبنا الصالحين يوم ويومين وشهر وسنة أكثر أو أقل ؟ هل من الممكن أن لا نكون من أهل الجنة ! فالصحبة سبب لدخول الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يحشر المرء مع من أحب )) وبالصحبة تأتي المحبة فكما جالست الصالحين في الدنيا وأحببتهم لا يمكن أن يتخلوا عنك يوم القيامة.
فضيلة الشيخ رجب رحمه الله رأى رؤيا في رمضان ورأى نفسه في الجنة لوحده فقال للملائكة لي إخوان وأحباب في الدنيا إما أن أنزل إليهم أو يأتوا إلي فأخرجوكم إلي.
أيضاً أحد الإخوان رآني في المنام أنهم سيحتفلون بي فأسأل عن إخواني فيُقال لي إن إخوانك ليس لديهم أجنحة ليحضروا فأرفض الحضور إلا بوجودهم فيأتي الأمر أعطوهم أجنحة وابعثوهم إلى الشيخ محمود وعندما ينتهي الاحتفال يأتي أمر آخر بإبقاء الأجنحة عندكم (القصد من هذه القصص الصحبة )
لما صاحبوا المعلم صاروا خير أمة أخرجت للناس ونفتخر بهم إلى يوم القيامة فهل سيفتخر بنا أحفادنا أم أن وجوهنا ستسود من كثرة تخاصمنا وأكل بعضنا للحم بعض والطمع والجشع وهمنا كثرة المناصب والسيارات والبيوت و….. هكذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم آخر الزمان ((في آخر الزمان تكون قبلتهم نسائهم وبطونهم )) كل همه زوجته وما سيأكل ويشرب، أحدهم جاء للشيخ يبكي موت أبيه فأخذ الشيخ يواسيه بفقده فقال للشيخ أنا لا أبكي لذلك إنما أبكي كيف سأعيش فسأله الشيخ: ألم يترك لك مالاً! فقال ترك خمسة وثلاثين دولاراً. حسبنا الله ونعم الوكيل!.
كل همنا الطعام والشراب والطاعة الكاملة للزوجة؛ لا مانع من طاعتك لزوجتك لكن أطع الله الذي أعطاك الزوجة والأولاد والبيت والمكانة والوظيفة والصحة وأعطاك عينين وكليتين ورئتين ((ذلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ))[الجمعة: ٤] وقال تعالى ((لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم)))وإن لم تشكروا((وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ))[إبراهيم: ٧]
عندما كانوا خير أمة أُخرجت للناس حصلوا على الدنيا أما عندما بدأت المنازعات توقفت الفتوحات، وإلا كانت الدنيا كلها الآن يُرفَع فيها الأذان وتقام الصلوات، لذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذا الزمان فقال: ((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي ناس يحلفون ولا يستحلفون ويشهدون دون أن يستشهدون)) لكثرة ما انتشرت الأيمان بدأ الناس يحلفون دون أن يُطلَب منهم ويا ليتهم يشهدون بالحق إنما جلَّ أيمانهم باطلة.
أحدهم اتهم آخر بأنه أعطاه مالاً ولم يُعده له فاشتكى للقاضي وعندما أمره القاضي بإحضار الشهود خرج إلى باب المحكمة وقال لأحدهم أريد أن تشهد أن لي مالاً عند فلان فرد عليه: وإلى الآن لم يعده لك !حسبنا الله ونعم الوكيل.
فلما تراجعنا رخصنا واجتمعت الأمم علينا وتكالبت لأننا أصبحنا كالسكارى ((وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُم بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَديدٌ)) [الحج: ٢] سُكارى بالحب والجشع وحب الدنيا
وشارب الخمر يصحو بعد سكرته وشارب الحب طول العمر سكران
ترى الرجل كل همه المال والتعالي على فلان و…..، متى نستيقظ؟ في يوم القيامة؟ يوم لا ينفع الندم ؟! إذاً علينا أن نهيئ أنفسنا قبل الامتحان وذلك بصحبة المجتهدين وحضور الدروس الخصوصية(مجالس العلم) عندها سنُقدم للامتحان بهمة وعزيمة ونأخذ المرتبات الأولى أو الثانية أو الثالثة وإذا لم يكن لدينا مرتبة على الأقل نكون من الناجحين ونفوز بالجنة أما أن نصل لنهاية السنة ونقول يا ليت .. يا ليت .. يا ﴿يا وَيلَتى لَيتَني لَم أَتَّخِذ فُلانًا خَليلًا﴾[الفرقان: ٢٨]
لأنه كان يضيع لك وقتك وعندما أتى الامتحان أسود وجهك، ماذا سينفعك هذا الكلام بعد موتك فإذا كان الطالب في الدنيا لا يُعاد له الامتحان فما بالك بالآخرة.
مثل خروج النفس من الدنيا كمثل خروج الجنين من بطن أمه هل يستطيع أن يعود ولو فرضنا أنه عاد سيموت كل من الجنين وأمه فالطفل بدأ يستنشق الهواء وهناك لا مجال للتنفس وكان يتغذى من الحبل السري فانقطع وانقطع معه الغذاء.
إذا قولك بعد خروجك من الدنيا ﴿حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ رَبِّ ارجِعونِ﴾[المؤمنون: ٩٩]لا فائدة منه فلا مجال للعودة وذلك ليس للمفسدين فقط وإنما الصالحين أيضا لا مجال لرجوعهم فقد ورد أن الله تعالى يقول للشهداء تمنوا قال فيتمنوا أن يعودوا للحياة ليُقتلوا مرة ثانية في سبيل الله فيقول الله لهم ((سبق لدي القول)) ثم يقول لهم تمنوا فيتمنوا أن يعودوا ليخبروا إخوانهم بالنعيم الذي منَّ الله به عليهم وبالسعادة التي هم فيها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها فقال قائل: يا رسول الله أمن قلة يومئذ؟ قال: لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل))
أي لا يوجد الإيمان الثقيل الذي يثبتكم فإذا حصل له أي شيء سرعان ما يقول نفسي نفسي وهذا ليس من الإسلام فعندما يتواجد القطار الذي يوصل للسعادة أصبح فرضاً عليك أن ترتبط به أما أن تمشي بمفردك هذا لا يجوز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار ))
الغثاء: على طرفي السيل تجد قشاً خفيفاً لو ملئت شاحنة منه لا تصنع منه كوباً من الشاي لأنه خفيف، ما سبب خفته؟ إذا قلنا الصحن خفيف لماذا؟ لأنه لا يوجد من يملئه ((قالَتِ الأَعرابُ آمَنّا قُل لَم تُؤمِنوا وَلكِن قولوا أَسلَمنا وَلَمّا يَدخُلِ الإيمانُ في قُلوبِكُم وَإِن تُطيعُوا اللَّهَ وَرَسولَهُ لا يَلِتكُم مِن أَعمالِكُم شَيئًا إِنَّ اللَّهَ غَفورٌ رَحيمٌ))[الحجرات: ١٤] فعندما تصحبوا النبي صلى الله عليه وسلم عند ذاك تصبحون مؤمنين ومثال ذلك :عندما يدخل الطالب كلية الطب هل نقول عنه طبيب! بالتأكيد لا، إنما انتسب لكلية الطب لكن عندما يدخل الطب إلى عقله وقلبه ويكون قد صحب الجامعة والأساتذة والأطباء والمشفى وعمل به مدة خمس أو سبع سنوات عندها نقول عنه طبيب.
الصحابة قضوا اثنا عشرة سنة وهم حول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ولم تنزل آية ((يأيها الذين آمنوا )) ولا فرضت الزكاة إلا بعد ثماني عشرة سنة وكذلك الصوم والصلاة لم يفرضوا إلا بعد مرور فترة من الزمن لماذا؟ لأن الأثقال تحتاج إلى جسم قوي والزكاة تحتاج إلى إيمان قوي فلما خفَّ إيماننا أصبحنا بلا حول ولا قوة كغثاء السيل .
((ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم ))عندما تكون صلتك بالله قوية وتمشي في نور الله وإيمانك في قلبك شديد تجد عدوك يهابك فالنمر الحقيقي يخيف الجميع أما المجسم فلا يخاف منه أحد، والناس بغير نور الله أشباه بلا أرواح فالقلب فارغ لأنه لا يوجد من يزرعه وعندما خف القلب لم يعد للمؤمن هيبة عند عدوه .
((وليقذفن الله في قلوبكم الوهن)) يأتيكم البلاء بعد البلاء فيصبح بكم الوهن وهو حب الدنيا وكراهية الموت والله سبحانه وتعالى في بداية سورة البقرة قال ((في قُلوبِهِم مَرَضٌ)) من سيداويك ؟ الطبيب؛ وكيف سيدوايك إذا كنت لا تعرفه أو كنت ممن يعاديه وأنت لا تعلم فتجد الناس اليوم أعداء للمشايخ والعلماء وخاصة أهل التربية الذين يعملون عملية القلب المفتوح ويخرج منك حب الدنيا والطمع والجشع والوهن المهلك.
من يعطيك الدواء ضد الكوليرا ؟ الطبيب. ومن سيعطيك الدواء ضد الوهن ؟ الشيخ، كيف؟ يقول لك العصفور عندما يكون في قفص ويُكسر القفص هل يفرح أم يحزن ؟!بالتأكيد يفرح وأنت عندما تموت تخرج الروح من قفصها (الجسد)إلى القرب الإلهي بجوار الله في جنة قطوفها دانية مذللة لك تحمل الثمار نظيفة ناضجة تأكلها من أجمل وأطيب ما يكون،
هناك الطير يمر أمامك فتشتهيه مشوياً أو مطبوخاً تراه أمامك كما اشتهيت، هناك حيث الازواج من الحور العين أقل إنسان لديه سبعون حورية والحورية إذا ظهر معصمها للدنيا لن تظهر الشمس من ضوء يدها وتلبس كل حورية سبعين حلة يرى زوجها من وراء هذه الحلل مخ ساقها.
ويذكرك بالمكانة في الجنة بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم والأعلى من ذلك النظر الى وجه الله الكريم ((ينظرون إليه بكرة وعشيا))
أيُّ وهنٍ سيبقى وأيُّ تعلق بالدنيا سيبقى عندما تسمع هذا الكلام ويصل إلى فكرك وعقلك، ستشتاق للسعادة هناك وتزهد في هذه الدنيا لذلك عندما كانوا يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهم كان بيده حبات من التمر فرماها وقال بخٍ بخٍ وعندما سأله النبي عن قصده أجابه : يا رسول الله إن كنت سأنتظر حتى اتناولها فسأتأخر عن الآخرة.
إذاً يدب الوهن في قلبك عندما لا يوجد من يشرح لك أين تمضي لكن عندما يقال لك اترك الخمس ليرات لتأخذ بدلاً عنها مئة مليون ويُفهمك الحقيقة وتكون واثقاً منه تتركها دون أن تسأل أو تتحسر عليها أما عندما لا تفهم هذه اللغة تبقى متمسكاً بالقليل وتترك الغالي و الثمين.
((قالوا وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت))
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حب الدنيا راس كل خطيئة)) والدنيا ليست مال فالصحابة كانوا من أغنى الناس فسيدنا عثمان رضي الله عنه جهز ثلاثمئة جمل في غزوة تبوك، وسيدنا أبو بكر كان غنياً، وسيدنا عبد الرحمن بن عوف أُقتسِم ماله بالفأس وعندا ذهبوا ليرضوا إحدى زوجاته أرضوها بسبعين ألف دينار، ليست الدنيا أن لا تكون غنياً فإذا كان لديك جبال من ذهب ما دمت تزكيها فهي ليست دنيا، الدنيا بمعنى ((كل ما شغلك عن مولاك فهي دنياك ))فإذا كنت مشغولاً عن ربك بشعرك فهو من الدنيا وإلا فالغنى ليس من الدنيا ما دمت تتصدق وتعمل الخير لا مانع من ذلك طالما أنها لم تدخل قلبك أما أن لا تخضر مجالس العلم لأنك مشغول وتتأخر عن الصلاة لأنك مشغول وتترك الزكاة والحج لأنك مشغول ولديك مشاريع أو أعمال أو موظفين أو شركات هنا تكون الدنيا، لكن عندما يأتي أمر الله تلبه فوراً فأنت إذا ملكت الدنيا هي نعمة عليك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((نعمت الدنيا مطية الآخرة))يمتطيها حتى يصل إلى الدار الآخرة بسلام لأن الأنبياء تربوا في الدنيا والرسل أرسلوا في الدنيا والإنسان لا ينال رضى الله إلا بالاختبار الذي يكون في الدنيا.
لا نفهم من هذا الكلام أن يغلق كل منا دكانه ويجلس في منزله أو يبيع أرضه وبيته لأنها من الدنيا بل على العكس عش في القصور وادخر من الأموال ما دمت تعطي الدين حقه والآخرة حقها
(( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)) علينا أن لا نستغني عن العمل فهو عبادة وليس الدين بترك العمل كقصة الشاب صاحب المنشرة الذي شُبه بحمامة المسجد لكنه اجتمع مع أصدقاء اتصفوا بالزهد الغير موجه وأحبهم وتأثر بهم فاقترحوا عليه أن يبيع منشرته ويتصدق بثمنها واستمروا بالإلحاح عليه حتى باعها وتصدق بثمنها ثم رثا حاله وشكى الفقر والعوز وسوء الحال حتى التقى يوماً بالشيخ وأخذ يسأله أن يساعده ويطعمه فسأله الشيخ: ما الذي حول حالك إلى هذا السوء؟ لقد كنت صاحب عمل ومظهر جميل وعبادة! فحكى له قصة أصدقائه فما كان من الشيخ إلا أن وبخه وقال له: والله لا أطعمك، أمثالك يجب أن يموتون من الجوع هذا مصير من لا شيخ له ومن يعطي أذنه لأي إنسان يغير وجهته ويقوده إلى دماره.
الفهم الصحيح للدين العمل عبادة والعمل شرف المؤمن وعلى الانسان أن ينظم وقته بين العمل والكسب والعبادة.
قصة أخرى : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله مالاً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس لديك شيئاً نبيعه فقال الرجل عندي قدر للطهي فباعه النبي في المسجد بدرهم ونصف واشترى له فأساً بدرهم وأعطاه النصف لينفقه على عياله وقال له اذهب واحتطب وعد لي بعد خمسة عشرة يوماً وفعلا قام الرجل بالاحتطاب خلال هذه الفترة وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تحسن حاله وبدت آثار النعمة باديةً عليه وقال يا رسول الله أغناني الله صار لدي خمسة عشر درهما من كسب يدي.
هذه نتيجة العمل ((اليد العليا خير من اليد السفلى))
واثلج سماحة الشيخ محمود المبارك القلوب بتذكيرنا أن : فالإسلام يحولك من الفقر الى الغنى ومن الذل الى العز ومن البغض الى الحب والتسامح وليس كما هو الحال اليوم إسلام المنازعات والخصومات والقوي يأكل الضعيف أو أن تبيع أملاكك وتقف تسأل الناس.
((تداعى عليكم الأمم)) بسبب قلة العلم من بُعدكم عن العلماء مثال ذلك : إذا كان هناك عطل بمساحة السيارة والجو ماطر كيف سيصل السائق بالسلامة ! وكم حادث سيقع به؟! وكذلك القلوب إذا لم يوجد من يمسح بصيرتها وينور لها دربها ويكشف لها الحقائق حتى تسير عليها وإلا تتهور وتصل إلى جهنم وهي تظن أنها في الطريق الصحيح.
علينا ان نعود ونتوب إلى الله توبة نصوحة يلزمها ملازمة أهل العلم فتلك أول خطوة للتوبة لأن الله تعالى قال ((وَإِنّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهتَدى))[طه: ٨٢]
المغفرة بشروط أولها التوبة ثم الإيمان والإيمان لا يكون إلا بصحبة المؤمنين ومجالس العلم وبعد الإيمان يأتي العمل الصالح الذي يبينه لنا العلماء ((ثُمَّ اهتَدى))أي لازم على نفس الطريق من الذهاب والإياب من وإلى الطبيب في كل أمر من أمور حياته كقصة الغلام والساحر عندما سمع في أثناء ذهابه إلى الساحر كلام الراهب فأصبح يجلس لديه في ذهابه وإيابه ليتلقى العلم منه كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كانَ مَلِكٌ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ، وَكانَ له سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ، قالَ لِلْمَلِكِ: إنِّي قدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكانَ في طَرِيقِهِ، إذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، فأعْجَبَهُ فَكانَ إذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذلكَ إلى الرَّاهِبِ، فَقالَ: إذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وإذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبيْنَما هو كَذلكَ إذْ أَتَى علَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقالَ: اليومَ أَعْلَمُ الساحر أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فأخَذَ حَجَرًا، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنْ كانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إلَيْكَ مِن أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هذِه الدَّابَّةَ، حتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فأتَى الرَّاهِبَ فأخْبَرَهُ،
فَقالَ له الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ اليومَ أَفْضَلُ مِنِّي، قدْ بَلَغَ مِن أَمْرِكَ ما أَرَى، وإنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فلا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكانَ الغُلَامُ يُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِن سَائِرِ الأدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كانَ قدْ عَمِيَ، فأتَاهُ بهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقالَ: ما هَاهُنَا لكَ أَجْمَعُ، إنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقالَ: إنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إنَّما يَشْفِي اللَّهُ، فإنْ أَنْتَ آمَنْتَ باللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ باللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ، فأتَى المَلِكَ فَجَلَسَ إلَيْهِ كما كانَ يَجْلِسُ، فَقالَ له المَلِكُ: مَن رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قالَ: رَبِّي، قالَ: وَلَكَ رَبٌّ غيرِي؟ قالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فأخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حتَّى دَلَّ علَى الغُلَامِ، فَجِيءَ بالغُلَامِ، فَقالَ له المَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قدْ بَلَغَ مِن سِحْرِكَ ما تُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقالَ: إنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا، إنَّما يَشْفِي اللَّهُ، فأخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حتَّى دَلَّ علَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بالرَّاهِبِ، فقِيلَ له: ارْجِعْ عن دِينِكَ، فأبَى، فَدَعَا بالمِئْشَارِ، فَوَضَعَ المِئْشَارَ في مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بجَلِيسِ المَلِكِ فقِيلَ له: ارْجِعْ عن دِينِكَ، فأبَى فَوَضَعَ المِئْشَارَ في مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ به حتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بالغُلَامِ فقِيلَ له ارْجِعْ عن دِينِكَ، فأبَى فَدَفَعَهُ إلى نَفَرٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: اذْهَبُوا به إلى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا به الجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فإنْ رَجَعَ عن دِينِهِ، وإلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا به فَصَعِدُوا به الجَبَلَ، فَقالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بما شِئْتَ، فَرَجَفَ بهِمِ الجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إلى المَلِكِ، فَقالَ له المَلِكُ: ما فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَدَفَعَهُ إلى نَفَرٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: اذْهَبُوا به فَاحْمِلُوهُ في قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا به البَحْرَ، فإنْ رَجَعَ عن دِينِهِ وإلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا به، فَقالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بما شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إلى المَلِكِ، فَقالَ له المَلِكُ: ما فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَقالَ لِلْمَلِكِ: إنَّكَ لَسْتَ بقَاتِلِي حتَّى تَفْعَلَ ما آمُرُكَ به، قالَ: وَما هُوَ؟ قالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي علَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِن كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ،
ثُمَّ قُلْ: باسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذلكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمع النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ علَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِن كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبْدِ القَوْسِ، ثُمَّ قالَ: باسْمِ اللهِ، رَبِّ الغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ في صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ في مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقالَ النَّاسُ: آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا برَبِّ الغُلَامِ، فَأُتِيَ المَلِكُ فقِيلَ له: أَرَأَيْتَ ما كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بكَ حَذَرُكَ، قدْ آمَنَ النَّاسُ، فأمَرَ بالأُخْدُودِ في أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقالَ: مَن لَمْ يَرْجِعْ عن دِينِهِ فأحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قيلَ له: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمعهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقالَ لَهَا الغُلَامُ: يا أُمَّهْ، اصْبِرِي فإنَّكِ علَى الحَقِّ.

الراوي: صهيب بن سنان الرومي.
المحدث: مسلم.
المصدر: صحيح مسلم.
الصفحة أو الرقم: 3005.
خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
وختم سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس بعبرةٍ : القصد أن تبقى مع من يمسح الوساوس عنك ويبين لك الحقائق حتى تصل إلى جنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين
والحمد لله رب العالمين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: