وصايا رسول الله ﷺ لأبي ذر

في الدرس السابق كنا مع وصايا النبي ﷺ لسيدنا أبي ذر رضي الله عنه لو تكتب بماء الذهب لكان قليل لما فيها من الوصايا والحكم التي أحوج ما تكون لنا في هذ الزمان.
والآن نتابع هذه الوصية:
قال له: يا رسول الله فيم أُنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم؟
قال ﷺ: ((يا أبا ذر أتقرأ ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى))؟ قال: بلى. قال: ((فإن هذا في الصحف الأولى))
أي سعادة الإنسان في كل زمان، هذا طريق الفلاح وطريق النجاح في كل زمان.
لكن كيف نصل إلى هذا الغنى؟ الأمر يحتاج إلى بحث طويل وقصير بآن واحد.
قصير لمن عرّفه الله بمن يدله على الطريق القصير الموصل، وبعيد وشاق على من ليس له دليل ليبقى ضائع في هذه الدنيا يبحث عن التزكية فيجدها في المال فقط فينغر ويقف عند هذا الفهم، فيفهم قوله تعالى ((زكّى)) أنه المال فقط وينسى ((ونفس وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها))

((قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه)) ذكر الاسم بالذات ليذكّرنا بالمدرسة الأولى: ((اقرأ باسم ربك)) ليربط بين هذه المدرسة والمدارس الأولى للأنبياء والرسل وجميع من أراد أن يسير على نهجهم ليرفع راية الله في أرضه ويكون للمتقين إماماً، كما قال سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ((واجعلني للمتقين إماماً)).
هذه المدرسة التي تجعلك في الصدارة في الدنيا والآخرة لكن هذه المدرسة تحتاج إلى من يأخذ بيدك ويزكي نفسك ويعلمك كيف تذكر لأن الأذكار كثيرة.
فهناك تلاوة القرآن والتسبيح والتحميد ولا إله إلا الله والاستغفار و.. و… و… كل ذلك يدخل في مدرسة الذكر.
والذكر نوعان: جهر وخفي.
ولكن الذي يريد التعليم عليه يفرق بين الإعدادي والابتدائي والثانوي والجامعي يجب يكون له تجربة وعنده علم حتى يدرّسك الحضانة قبل الابتدائي والإبتدائي قبل الإعدادي، لأنه إذا لم يكن لديه علم وفهم لهذه الأشياء ممكن أن يقول أنه لا داعي لدراسة الأحرف بل انتقل مباشرة الى دراسة البكالوريا أو حتى يدرس الجامعة لأنه لم يعد هناك وقت.
إذا تريد أن تنجب ولد بأسبوع واحد تخسر الولد وتخسر الزوجة، أما الاختصاصي يقول لك إذا تريد الولد عليك أن تصبر وتنتظر تسعة أشهر، وهكذا التزكية والذكر يحتاج إلى خبير مرّ بهذه المرحلة وتعلم وله ميزة عند الله وعند رسوله وعند أحبابه، فترى العناية الإلهية إذا مد يده لمن وقع في البئر بأي وسيلة يكون قد أخرجه إلى وجه الأرض.
في كل الصحف والكتب التزكية والذكر طريق الفلاح والنجاح اللذان يوصلان إلى الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. هل يوجد من هو أصدق من الله تعالى! وهو القائل: ((إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)) لكن لا نرى أن صلاتنا تنهانا، هذا لأنك لم تصلِّ الصلاة التي أمر الله بها، فتقول أركع مثل ركوعكم وأسجد مثل سجودكم وقيامي مثل قيامكم…
جاء شخص إلى ذي النون المصري وقال له: إن ابنتي مريضة أريد أن تكتب لي شيء من بركاتك. فكتب له نون وقال له: اجعل ابنتك تحملها وتشفى بإذن الله. فالله رفع عنها الألم ببركة ذلك الرجل الصالح فشُفيت، بعد موته ذُكرت القصة لأحدهم فقال: وابني أيضاً مريض، فكتب له ذلك الشخص كما كتب ذو النون، فازداد مرض الولد، فعاد إليه وسأله عن ذلك، فقال: هذه النون تشبه النون التي كتبها ذي النون، فأجابه: هذه نون لكن أين ذي النون؟!!
الأمر ليس بالكتابة وإنما هناك سر، فالذي يزكي النفس يجب أن يكون أهل لذلك.
هذه الصلاة تشبه صلاة رسول الله ﷺ بالشكل لكن هناك فرق شاسع بينهما كما بين السماء والأرض.
هذه الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر يجب أن تكون كما قال تعالى: ((قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون)) هذا الخشوع هو عمل من أعمال القلب.
عندما تتعطل حاسة الشم لديك لا تستطيع أن تشم الرائحة.
فإذا أنت لم تشم الرائحة فغيرك يشمها فهذا العطر لن تتعرف عليه إلا عن طريق الأنف، وكذلك إذا لم تسمع يكون جهاز السمع لديك معطل، وإذا لم تر أحد فجهاز البصر لديك معطل…
كذلك عندما تقول ما الخشوع؟ يكون جهاز الخشوع الذي هو القلب معطل، قال تعالى: ((لهم قلوب لا يعقلون بها ولهم آذان لا يسمعون بها)) فالأذن موجودة لكن الأعصاب معطلة لذلك لا تسمع، وكذلك الشم والبصر..
غاب كثير من الناس عن هذه المدرسة ((قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى)) فالموفق السعيد الذي كما يُقال عنه بالعامية (جاء في ليلة القدر) إذا حصّل بعض المال أو الرزق، لكن ليلة القدر الحقيقية للذي عثر على من يزكيه ويعلمه الحكمة والذكر ((ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون)) حتى يصلي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ثم يعلمها للغير بحاله ومقاله فيكون ممن أسعد جلساؤه وأخذ بأيديهم إلى النجاة والفوز…
قال أبو ذر رضي الله عنه: قلت يا رسول الله أوصني. يريد المزيد فطالب العلم لا يشبع.. لا يكل ولا يمل، كما قال ﷺ: ((منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب مال)) فإذا وجدت إنسان يقول مللنا مجالس العلم الكثيرة… فالشيخ لا يطالبك بالحفظ الغيب وإنما يطالبك بالإصغاء وهو يدخل إلى قلبك وينظفه من الصدأ المتراكم منذ سنوات.
فإذا تتعب عندما تصغي فكيف بك إذا حفظت وكتبت وامتُحنت…
فقال ﷺ لأبي ذر: ((أوصيك بتقوى الله فإنها رأس الأمر كله)) فكما أن الماء حياة كل شيء ((وجعلنا من الماء كل شيء حي)) كذلك تقوى الله تدخل في كل شيء فتصححه.
تقوى الله كالملح يدخل في كل الأطعمة.
فإذاً عندما يكرمك الله بالتقوى تكون العين فيك تقية.. اللسان… الأذن… القلب… كل حاسة من حواسك… الناس صاروا يعاملوا تقي وعكس التقي الفجور..
اتق الله أي حافظ على من يعلمك تقوى الله فإذا تعلمت تقوى الله فتمسك بها فعلينا أن نسمع ونعمل ونحرص على العلم يستقر في قلوبنا حتى ينقلب إلى خُلُق نتخلق به، نعلم الناس الصدق بصدقنا، والإخلاص بإخلاصنا، والحب بحبنا، والذكر بذكرنا، والاستقامة، والأمانة، والنخوة… هذا أجمل التعليم.
كلنا يجب أن نكون مثل سيدنا أبو ذر بهذه الوصايا كذلك النبي ﷺ يوصينا، وفي القرآن يقول الله تعالى: ((يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)) أي بعدم التقوى تصبح بكلامك مسلم وحقيقتك ليست كذلك لأن معنى مسلم أي مستسلم لأوامر الله ونواهيه.
أي تأخذ الدواء لعلاج الرئتين ولكن ستبقى على التدخين فلا تنتفع.
تأخذ دواء الزكام لكن تبقى جالس على الثلج فلو تأخذ كل الأدوية لا تنتفع
كذلك عليك أن تترك المعصية وأهلها حتى تنتفع بالشفاء.
((اتق الله)) هذه وصية من الله جل جلاله وهي كذلك وصية من رسول الله ﷺ ومن أهل الله.
إذا أردنا أن نشرح تقوى الله كما قال سماحة الشيخ رجب: عندما يكون الإنسان قد لبس الملابس البيضاء النظيفة والحذاء الجديد وخرج إلى صلاة الجمعة، لكن السماء تمطر والسيارات مسرعة كيف يمشي؟! كيف يتقي السيارات أن تلطخ ملابسه.. هذا يتقي على ثوبه، وأنت عليك أن تتقي على دينك، هذا ثوبه إذا تلوث يغسله أما أنت إذا لم تتق تلوث قلبك وإذا تلوث قلبك يصعب تنظيفه عليك أن تبحث عن اختصاصي وتلازمه وتحبه حتى ينظف قلبك مع الأيام.
قال النبي ﷺ: ((في آخر الزمان يتقي أحدهم على ثوبه ولا يتقي على دينه)) أحدنا إذا أراد الجلوس على كرسي ينظفه قبل الجلوس عليه. فهذا يتقي الغبار على ثوبه… هذا شيء جيد و ((النظافة من الإيمان)) لكن هل تتقي على ثوبك كما تتقي دينك؟!!
قال النبي ﷺ: ((في آخر الزمان يتقي أحدهم على ثوبه ولا يتقي على دينه، قبلتهم نساؤهم)) أي الطاعة الكاملة للمرأة، فلو أنه يطيع رب العزة كما يطيع زوجته لصار يمشي على وجه الماء. أطع زوجتك لكن لا تدعها تشغلك عن ذكر الله وتضيع عليك الدنيا والآخرة.
قلت: يا رسول الله زدني. قال ﷺ: ((عليك بتلاوة القرآن وذكر الله)) هنا النبي ﷺ جمع لنا نوعان من الذكر فقراءة القرآن لها هدف كما أن قراءة الشيك لها هدف.
إذا قرأنا القرآن بدون فهم نكون كمن قرأ الشيك وهو مديون مذلول جائع، ويقول أقرأه ولم يصبح لدي ثروة!!! هذا لأنك لم تصرف الشيك.
فعلينا أن نقرأ القرآن تلاوة العمل والفهم والتطبيق عندئذ الله تعالى يُسعدنا ويُسعِد بنا.
عندما يأتي رمضان الناس تتبارز بختم القرآن لكن دون فهم.. هذا القرآن صار حجة عليك لأن الغاية من حفر البئر أن يخرج الماء، والغاية من إصلاح السيارة أن تسير.
قال ﷺ: ((عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء)).
شدوا الهمة هذه الأيام تشبه أيام مِنى التي وصفها النبي ﷺ: ((أيام أكل شرب وذكر الله)) والآن الجوامع مغلقة. افهم معنى إغلاق الجوامع: الله يريد أن يراك أنت له أم لأصدقائك أم لجدران الجامع؟! أنت له ((وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض)) قلبي لا يتعلق إلا بك…
أصلي حيث تريد..
أفعل ما تأمرني به…
قلبي معلق بك وحدك لا أحد غيرك..
فلا تكن كالطفل إذا أخذوا منه الحلوى يبكي.
نتشرف بالكعبة المشرفة وبمسجد رسول الله ﷺ وكل الأماكن المقدسة ونتبارك بها ونتمنى أن ترجع بأقرب وقت، لكن أُغلقت المساجد فصلوا ببيوتكم حتى نبرهن عن أنفسنا عبيد، كل ما يقوله السيد نحن جاهزون فنحن نريد رضا السيد نذهب حيث يريدنا.
فلا تكن كالطفل المعلق قلبه بالمراجيح إذا أبعدوه عنها يبكي.
تلاوة القرآن وذكر الله تكون لك نور، ((أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم)) إذاً اذكر الله واقرأ القرآن حتى يكون لك نور ((وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ))
قلت: يا رسول الله زدني. قال ﷺ: ((إياك وكثر الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه)) فالضحك والنكت كالملح إن نقص فسد الطعام وإن زاد فسد الطعام فيجب أن يكون بقَدَر، كذلك النكت لها معيار إن زادت فسد الأمر وإن ابتعدت عنها نفر الناس منك وهذه ليست صفة المؤمن فالمؤمن: ((هين لين كالجمل الأنِف إن نيخ على صخرة ناخ)) فيجب أن تكون أليف.
فالنبي ﷺ كان يُضحك الصحابة، وكان يُضحك نساؤه حتى إن إحداهن سقطت على ظهرها من الضحك.
كان ﷺ يجلس مع الصحابة ويتذاكروا أيام الجاهلية حتى يضحك وتظهر نواجذه ﷺ، لكن كان أكثر ضحكه تبسم.
قال أحد الصحابة للنبي ﷺ كان أهلي يرسلوا معي الزبدة واللبن وخيرة الطعام لأقدمها للأصنام وأنا أحوج ما أكون إليه، فأضعها للأصنام وأجلس أراقب فتأتي الكلاب والقطط تأكلها، فصرت آكل الطعام وأخبر أهلي أني قد وضعته للأصنام. فضحك النبي ﷺ.
كيف كانت عقولهم أنهم كانوا محتاجين لكن يضعوا طعامهم للأصنام. لكن كانوا يعرفوا قيمة المعبد وقيمة خادم المعبد، أما الآن فلا يعرف قيمة المؤذن ولا الجامع ولا الإمام ولم يهتم إلا بنفسه.
((إياك وكثرة الضحك لأنه يميت القلب)) كذلك مجالسة الأغنياء تميت القلب كما وصف النبي ﷺ في حديث آخر.
((ويُذهب بنور الوجه)) فالإنسان تقل قيمته وهيبته إذا كثر ضحكه بين الناس.

قلت: يا رسول الله زدني. قال ﷺ: ((عليك بالصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك)) فالصمت له فوائد جليلة عظيمة.
قال أحد الصالحين: (إذا رأيت الإنسان يكثر الصمت فاعلم أنه يُلهَم الخير)
إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
فلا تتكلم إلا بالخير ((فذكر إن نفعت الذكرى)) فإذا رأيت أن الذكرى تنفع لا تسكت، بل ذكرهم ولو بالاستغفار وفوائده وأقم الحجة عليهم تقل لهم لقد أرشدتكم إلى طريق السلامة وهذا الدليل من القرآن والحديث، وهذه فوائد الاستغفار، هذه الجلسة سنُسأل عنها، فمن وفقه الله ولزم الاستغفار لعل الله أن يجعله سبب النجاة ودخول الجنة، ومن لم يستجب حجته على نفسه يوم القيامة.
لذلك علينا أن نتكلم بالخير ولا نسكت عنه وخاصة إذا رأيت الحق وسكتَّ عنه ((الساكت عن الحق شيطان أخرس)) وقال النبي ﷺ: ((من كتم علماً يُلجم يوم القيامة بلجام من نار)) كما تُلجم الفرس.
لكن كيف نذكر العلم؟! ليس بالقوة والإجبار وإنما باللطافة والحكمة.
والحمد لله رب العالمين

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: