نعمة الإيمان والحفاظ عليها

18-11-2020
اللهم من أسدى إلينا معروفاً فكافئه بما أنت أهل إليه أنت أهل التّقوى وأهل المغفرة ، أما بعد وكلّنا مدينون إلى الدّيان بنعم لا نحصيها وهو القائل: ((وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها)) قال نعمة ولم يقل سبحانه نِعَم لأنّ كلمة نِعَم هي جمع كثير ولكن قال نعمة أي واحدة فهو يبيّن لنا أن فوائد النعمة الواحدة كثيرة لا تحصى فكيف اذا كانت نعم كثيرة لا يحصيها إلا هو، وهذا كلّه يدلّنا ويعلّمنا أن نزداد شكراً قال تعالى: (( لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)) وقال تعالى: (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار)) أي أن الإنسان ظالم لنفسه وكافر بالنّعم التي لم يشكرها هذا الذي ذمّه القرآن في عدّة آيات قال تعالى: ((قتل الإنسان ما أكفره)) ، (( يا أيها الإنسان ما غرك بربرك الكريم)) ، ((والعصر إن الإنسان لفي خسر)) ، ((إن الإنسان خلق هلوعاً)).
كل كلمة إنسان فيها سهمٌ يشير ادإلى النقص وكأن الله يخبرنا أنّه علينا أن ننتقل من كلمة إنسان إلى مؤمن، أي كما تنتقل المواد الخام لتتصنّع فتتحول من حديد في الجبل لا قيمة له إلى طائرات فوق السّحاب بأغلى الأثمان.
وهكذا الإنسان ((وكان الإنسان جهولا))، ((إذا مسّه الخير منوعا وإذا مسّه الشر جذوعا إلا المصلّين)) أي إلا المصنّعين إيمانياً. والمبرمجون مثل الحاسوب إذا برمجته كما تريد كل ما فتحته تجد ما يسرّك. من نعم الله علينا نعمة الإيمان التي لا تقدّر بثمن والتي يجب أن يحافظ عليها الإنسان أكثر من ماله وولده ونفسه التي بين جنبيه ((يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه)).
هذا الإيمان يجب أن نجد من يصنّعه لنا، هذا الإيمان الحيّ الذي يؤنّب الانسان على ذنبه وينبهه على ردّ المظالم هذا الإيمان الحقيقي الذي صنّعه النبي ﷺ في الصحابة، سيّدنا عمر كان في أحد الليالي يتجول ويتفقّد الرعيّة فسمع صوت امرأة تنشد هذه الأبيات:
تطاول هذا اللّيل واسودّ جانبه . وليس إلى جنبي خليلٌ أداعبه.
فوالله لولا الله تخشى عواقبه لحرّك من هذا السّرير جوانبه.
ولكنّي أخشى رقيباً موكّلاً بأنفاسنا لا يفتر الدّهر كاتبه.
ومخافة ربّي والحياء يصدّني وإكرام بعلي أن تنال مراكبه.

وأنت اغتنم عمرك بالإيمان واكسبه ليحول بينك وبين النار وبين سخط الله سبحانه وتعالى، هذه المرأة الحياء أبعدها عن النّواقص وتجدها أيضاً تكرر في كلامها مخافة الله ومخافة ربي وأيضاً حفظت حرمة زوجها وكرامته، فسأل سيدنا عمر بيت من هذا؟ قالوا بيت فلانة، فقال أين هو؟ قالوا في الجيش، فقال: كم مدة غيابه؟ قالوا: سنة، فذهب لابنته حفصة رضي الله عنها زوجة النبي ﷺ فسألها كم تستطيع المرأة أن تحتمل غياب زوجها؟ فقالت: لا أظن أنها تطيق أكثر من أربعة أشهر، فأمر الجيوش أن يرسلوا كل من طال غيابه فوق أربعة أشهر.
لذلك ما أجمل العلم والتعلّم يا بني ذكر الله إذا الطفل اشتغل به يغيّره، أحد الاشخاص مرّ بمجموعة من الأطفال يلعبون كرة قدم وطفل في مثل عمرهم يجلس جانبا ويذكر فتعجّب منه واقترب أراد أن يفحصه فسأله: لماذا لا تلعب مع أقرانك؟ فأجاب الطفل :أوخلقنا للعب؟! فقال الرجل: إذا لمَ؟ فقال: أما قرأت في كتاب الله تعالى: ((وما خلقت الجنَّ والانس إلا ليعبدون)) فقال: فوالله دهشت من كلامه وبلاغته وفصاحته وعلمه فأجابه: بلى ولكنك لا تزال صغيراً، فقال له: ياعمّ أنا أرى والدتي عندما توقد التنور تبدأ بالأغصان الصغيرة ثم تضع الأخشاب الكبيرة وأخاف أن تولع بي نار جهنّم.
يا بني هذا الإيمان الذي لا يسأل عنه كثير من النّاس وتجدهم يهتمون بالإيمان القولي وهذا مرفوض عند الله تعالى، قال تعالى: ((ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)) الله عزوجل لا يريد الكلام بل يريد العمل ((قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم))
بدوام الصحبة والالتزام بالبرنامج الذي يوجهك له المعلم تصبح مؤمن وكل شخص سيحصد ما زرعه.
سيحصد عبد الله ما كان زارعاً فطوبى لعبد كان لله يزرع.
والنبي يصف لنا ثلاث في الجنة خير من الجنّة منها خدمة الملائكة في الجنّة خير فهم يأتون بالصحائف والحلوى والفواكه والكؤوس من شراب وخمر وعصير، أيضا مجالسة الأنبياء وسيّد الأنبياء ﷺ والنّظر الى وجه الله تعالى، هذه الثّلاث هي خير من الجنّة فهل تخسرهم من أجل تعب في الدنيا؟؟
والنبي ﷺ قال: ((لا يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)).
لأن الجنّة غالية وثمينة جداً. ويقال في قصة :عابر اعتزل النّاس في مغارة وأخرج الله له شجرة رمّان تنبت له رمانة في الصباح وأخرى في المساء وبقي هكذا خمسمئة عام يعبد الله فلمّا مات هذا العابد أوقفه الله وقال للملائكة أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فقال المتعبّد: يارب لقد عبدتك خمسمئة سنة ، فقال تعالى: زنوا لعبدي حسناته ونعمي عليه فوضعوا العبادة عبادة خمسمئة سنة في كفة ونعمة البصر فقط في الكفة الثانية فطارت الكفة الأولى ورجحت نعمة البصر فقال الله تعالى: عبدي أوفي حق نعمتي عليك ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)).
لذلك علينا ألا نتكبر بقليل من العبادة وأيضا علينا ألا نتركها لأننا محاسبون عليها وعلينا أن ننسب الفضل لأهل الفضل لأن القوّة لله والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزل السكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا، علينا أن نشعر أننا مديونون لله دائما فهو الذي وفقنا للهداية والذكر والعبادة ولمجالسة الذاكرين الذين علمونا الرابطة التي كثير من النّاس محروم منها.
علينا أن نشعر أننا دائماً مديونون لله عز وجل فنحن عبيده وهو الذي وفّقنا للهداية والذكر والعبادة ومجالسة الذّاكرين الذين علّمونا الرّابطة التي لا يعرفها كثير من النّاس وبعضهم تجده يحضر مجالس العلم يدخل منها ويخرج كما هو وأذكر أني عرفت رجلاً جالس سماحة الشّيخ عشرين عاماً ولم يذق حلاوة الرّابطة ومحبّة الشّيخ وأنا أنظر له بحرقة وأتحسر، فالحسرة على الذي يحضر ولا ينتفع…
عليك أن تأتي للشّيخ بأدب وتتخلى عن كل ما هو سيء فيحبّك الشّيخ ثم يجعلك تكره الذّنب وتتخلّى عنه هذه نعمة الرّابطة العظيمة لنعلم أنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ولا حول ولا قوّة إلا بالله أي لا حول عن المعصية ولا قوّة على الطّاعة إلا بالله فنحن في هذه الحياة معرّضون للمحن ((لنبلوكم أيكم أحسن عملاً)) فمن يحضر ويفهم وينجح لا يستوي مع غيره.
فهناك من يخاف على إيمانه أكثر ما يخاف على الذّهب وعليك أن تحافظ على إيمانك لأنه أغلى من ذهبك فلا تخسره، قال موسى عليه السّلام: يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ قال: يا موسى أنا جليس من ذكرني فقال موسى: يا رب فإنّا نكون على حال نخجل ونجلّك ونعظمك أن نذكرك، فقال الله: وما هي؟ قال: الجنابة والغائط فقال الله: يا موسى اذكرني على أي حال كانت وأعط كل ذي حق حقّه.
لذلك يا بني ناجي الله وكن معه وما دمت ذاكراً لله فهو ذكر وما دمت غافلاً عنه فهي غفلة والملائكة قريبة منّا والله يسمعنا ويرانا ولا يخفى عليه شيء، واشكره أن جعل لك مكاناً تقضي حاجتك فيه انظر كم من النّاس يصاب بأمراض لا ينجي منها إلا الله، اذاً في الخلاء لا تذكر الله بلسانك بل بقلبك فالحمد لله مولى النعم.
والمؤمن كلّما ازداد إيماناً ازداد شكراً لله وأهل الله مثلهم كمثل النّجم كلما علا وارتقى يصغر في أعين النّاس وهو عند الله كبير ومثل أهل الدنيا كمثل الدّخان يعلو ويتكاثر ولكن ليس له قيمة عند أحد.
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع.
ولا تكن كالدخان يعلو بناره على طبقات الجو وهو وضيع.
((لئن شكرتم لأزيدنكم وإن كفرتم فإن عذابي لشديد)) إذا علينا أن نكثر من الاستغفار لأنّه ممحاة الذّنوب قال ﷺ: ((داؤكم الذنوب ودوائكم الاستغفار)) وقال تعالى: ((قلت استغفروا ربّكم إنّه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات ويجعل لكم أنهارا)) ومثلها آيات كثيرة في القرآن ((وما كان الله يعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)).
أسأل الله لي ولكم التوفيق فذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين..

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: