من ثمرات الهجرة

ابتدء سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس بدعاءٍ يثلج الصدور : اللّهمّ افتح على قلوبنا فتحاً يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك سبحانك لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللّهم أنّ نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ودعاءً مستجاباً وشفاءً من كلّ داءٍ.
عندما نقرأ في قول الله سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ] هذه صفة الأنصار عندما جاءهم المهاجرون،

وأمّا صفة المهاجرين كانت في قوله تعالى:[ وَالَّذِينَ جَاؤوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ]

ما أجمل هذه الفئة وما أجمل تلك الفئة الأخرى، ما أجمل التربية التي جعلتهم يتحابون في الله وجعلتهم يتباذلون في الله وجعلت كلاً منهم يقول :والله لا أجدُ أنّي أحقّ بمالي من أخي ، هذه المدرسة التي آخت بينهم و كان أول عمل في المدينة الإخاء بين المهاجرين والأنصار ،

كان أحدهم إذا نزل عليه أخوه من المهاجرين قال له : هذا بيتي بيني وبينك تعال لنقسمه أنت تأخذ حصة وأنا آخذ حصة، وإن كان أعزب أو زوجته لم تهاجر معه قال له : لديّ زوجتان انظر من تريد حتى أطلقها فتنتهي عدتها فتتزوجها , وصل بهم هذا الأمرُ والإخاء والتفاني والفداء إلى هذه المرتبة، ولكن عزّة المهاجرين ماكان منهم إلا أن قالوا: جزاكم الله عنا خيراً لا نريدُ إلا أن تضمنوننا في الأسواق إذا تدينّا أو لأجل البيع والشراء لا يوجد معنا رأس مال أعطونا شيئاً من المال إلى أجلٍ فنردّها لكم عندما تتحسن أحوالنا أو اكفلونا في الأسواق حتى نأخذ بضاعة في الدّين و نبيعها ونحسّن من أمورنا ..
العفة من المهاجرين والكرم والسخاء من الأنصار فهذه من ثمرات الهجرة التي نمرّ فيها في كلّ عام ،مثلُنا الآن كمثل الذي يلبس ثياب ضد الماء ويدخل بالماء ويخرج ويقول : استحممت وعندما ننظر نجد عليه الاوساخ ولم يتغير ولم ينظف سبب ذلك أننا فقدنا المادة التي تجمعُ القلوب وهي المحبة والمحبة لا تكون إلا بالتحبب كما قال عليه الصلاة والسلام : (إنّ الحُب بالتحبب وإنّ البغض بالتبغّض وإن العلم بالتعلّم )

أي عندما تريد الزواج تقول لأمّك ابحثي لي عن فتاة ، لكن والدتك تريد أن تزوجك بنت أختها أي بنت خالتك تقول لك: العروس جاهزة ، من هي ؟ بنت خالتك ، أعوذ بالله لا أريد سماع سيرتها لا أريد الزواج لا أريدها لو لم يبقى نساء غيرها لا أريدها لأنّه لا توجد محبة ، الأم بدأت تُنسج لك المحبة، هذا الحب بالتحبب ،تقول لك: أنت ماذا تعلم اذهب وانظر إلى طولها لو ترى شعرها لو ترى كم هي نظيفةٌ، لو تتذوق طبخها أنت تريد واحدةً لا تعلم شيئاً، هذه مشيتها تكفي وكلمتها نظافتها قهوتها ، كل يوم الأم تعمل له محاضرة وتمدحها أمامه ليحبها وإذ يأتي يومٌ من الأيام يقول لها أُخطبيها لي ما الذي جعلك تغيّر هذا التحبب ، نحن محتاجين لمن يحببنا أولاً برسول الله نحن كلنا نقول نحن نحب رسول الله لكن حب ادعائي،

مثل المرأة العاقّة لزوجها عندما تنفتح سيرة رسول الله، تقول :يقبرني رسول الله ،كذابة أنتِ ، حب رسول الله ليس يقبرني رسول الله ،حب رسول الله عندما تكوني مع زوجك كالخاتم في يدّيه تصنعين معه هذه العائلة الكريمة المباركة تكونين مُحبة فعلاً وصادقة في حب رسول الله عندما تنتظرين زوجك عند الباب لمّا يأتي من عمله تهتمين به تغسلبن ثيابه، الطعام جاهز، لا تقولي له أريد الصلاة إن كنتي شاطرة تصلين قبل أن يأتي أو تصلي بعد أن ينام ،لا تقولي له :سأقرأ القرآن مشغولة لست متفرغة لك هذه ليست تقيّة، وهذه ليست مُحبة لرسول الله،

لذلك عندما جاء النبي ﷺ إلى المدينة بدأ النظام ،سنتلوا عليكم من النظام الّذي بدأ في المدينة كيف نظّم أول خطوةٍ، بدأ بتأسيس المصنع لكن مصنع لا يصنع علبة طون وبسكويت بنى مصنع الرجال العظماء وليس فقط الرجال، لذلك الشاعر قال :
يبني الرجال وغيره يبني القرى شتان بين القرى وبين رجال

في فرق كبير بين الذي يبني العظماء وبين الذي يبني البناء .. فبنى هذا المصنع وبدأ بالإخاء بين المهاجرين والأنصار ،ثمّ بدأ يشق الطرقات أصبح ينظم الطرقات، الشوارع كانت غير منتظمة ، ثم نظّم الأسواق ،كان اليهود يتحكمون بالمسلمين كيفما يريدون، ويتلاعبون بالأسعار، فجاء نظّم الأسواق لم يعد يوجد تلاعب ، ثمّ كانت المدينة كلها فيها أمراض الحمى والذباب وأشكال وألوان كل شخص يرمي قمامته أمام بيته فأخذ القمامة وأبعدوها عن المدينة، نُظّفت المدينة من الأوساخ ومن الذباب ومن الحمى ،والتجأ بدعائه إلى الله أن اصرف عنّا الحمى فانصرفت الحمى وأصبح كما وصف النبي غبارها فيه شفاء ،غبار المدينة فيها شفاء ،

المهم بدأ بالنظام كتب الصحيفة التي تُؤلف بين أهل المدينة من يهود وغير يهود وعرب ومسلمين و كل من في المدينة ،جمعهما في صحيفةٍ: نحن يدٌ واحدةٌ فمن يخزينا!! ندافع عن بعضنا ،كلنا أخوان لكن أهل الغدر والخيانة ما استطاعوا ظلوا يفتنون الناس ،

ثمّ بيّن ﷺ أسس الحياة للمنزل حتى يجعل البيت السعيد ،[ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ ] كان لا يوجد عندهم نظام بالزواج كل شخص يزوج نفسه ع مزاجه فجاء ﷺ فأسس فقال : (لا نكاح إلا بولي وشاهدين )وضع الأسس لم تبقَ الفوضى، أيّ امرأة زوّجت نفسها من غير أذن ولي أمرها (الأب ، العم ، الأخ )، فإن لم يكن لها أحد تذهب إلى القاضي، فالقاضي وليّ من لا وليّ له، ترفع دعوة للمحكمة ،المحكمة تدرس أنّه ليس لديك من يزوجك ويكتب لك كتابك ، إذاً في نظام لم تعد توجد فوضى كذلك أيضاً كانت المرأة تزوج المرأة، الأسلام قال لها لا لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، وضع الأسس والقواعد لحفظ البيت السعيد لحفظ الأعراض والنسل ،

ثمّ بيّن كانوا أيضاً يتباهون بالنقد مئة ناقة ، عشرين ناقة إلى هذا العصر كانوا يقولوا بدها سيف وبدها فرس وناقة …. ماهذا البلاء الأعظم كسروا ظهر العريس من أول يوم لا يوجد إيمان حقيقةً لو وُجِد الدين لوجدت الرحمة ،والنبي أُرسل رحمة ﷺ لذلك بيّن المهور فقال : (خيرُ النساء أقلهنّ مهراً) أي كل ما يكون مهر البنت خفيف كل ما تكون خير ومهرها خير وهي بركة ،وفي حديثٍ آخر:( أقلّ النساء مهوراً أكثرهنّ بركة )، ماهذه القوانين الجميلة التي فتحت مجال للشباب، لم يعد تبقى له حجةٌ قائلاً: أنا لا يوجد معي نقد ،يوجد أهل الفضل والخير يقدموها لك بس بدك تفهم هذا التقدير أنّ البنت أصبحت غاليةً أغلى من كل شيء ما دام قدُمت إليك بأزهد المهور ،
وتابع سماحة الشيخ المربي محمود المبارك مذكراً : عندما أراد سيدنا عمر كذلك أن يحدد المهور، قال : لم يزوّج النبي بأكثر من 500 ولم يتزوج بأكثر من 500 ،فجمع المسلمين في البرلمان (الجامع) نساءً ورجالاً، وأعلن هذا أنّ النّبي لم يتزوج بأكثر من 500 ،ما رأيكم أن نحدد المهر؟ والمهر يكون 500 وافقوا كل الصحابة على هذا الأمر، شيء واقعي النبي لم يتزوج ولم يزوّج بأكثر من 500 ، فقامت امرأة من أخر الصفوف حيث كانت آخر الصفوف النساء، و وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك قال : (خيرُ الصفوف أولها )، وكان بين النساء وبين الرجال يضع صف الأولاد وكان يقول آخر الصفوف شرها ، لماذا لأنّه قريبٌ من النساء والنساء يتكلمن كثيراً، يبقى رأسه مشوشاً لا يعرف ماذا قرأ الإمام ، قامت امرأة من آخر النساء، قالت: ما يقول إلا كذب يا بن الخطاب من سمح لك أن تحدد المهور ألم تقرأ في كتاب الله [ أوأتيت إحداهن قنطارا] أتدري ما هو القنطار كيف ستحدده ب 500 الله يقول قنطار [وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ] لم يقل لها : اسكتي الجميع وافقوا ألا أنتِ، لم يقل لها لا لكن قال:( أصابت امرأة وأخطأ عمر) ،

ماهذه الفضيلة و الشجاعة الأدبية نحن في زماننا هذا لانستطيع أن نتراجع عن قراراتنا، فنحن نعتزّ بأنفسنا ونفتخر بالأنا ،لذلك قال عليه الصلاة والسّلام : (ما حلفتُ على شيءٍ ثم وجدت خيراً منه إلا فعلت الذي خير وكفرت عن يميني ) يأتي رجل يقول لك أنا حالف لا أعمل الأمر الفلاني ،ياابني النبي ثلّى الله عليه وسلّم حلف على أشياء ووجد أفضل منها وتراجع عن الحلفان وكفّر عن يمينه ،

فليكن ديننا نابعاً من الداخل وليس قشوراً ، كما أن النبي صلّى الله عليه وسلم بيّن أحكاماً خاصه بالنكاح فقال: (أعلنوا هذا النكاح وجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف) ، أي احتفلوا لماذا الاحتفال ؟لأجل إخبار الناس، فلا يتهموك ولا يتهموا ابنتك بشيء ، إذاً أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف النبي يعلمهم ليس فقط أين يقيموا الزواج ،علّمهم كيف يغنّوا في العرس للنساء ، جاءت السيدة عائشة من العرس قال لها: : أين كنت ؟ قالت له :في العرس، قال لها :غنّيتوا له؟؟ السيدة عائشة ظنت أنه لا يريد الغناء في الأعراس ،قالت لم نغنيّ له، قال: لماذا لم تغنّوا له ؟قالت ماذا نغنيّ له، فالنبي قال 🙁 هلّا قلتن أتيناكم أتيناكم فحيّونا نحيّكم ولولا الحبة االسوداء ما نزلنا في واديكم ) النبي يعلم السيدة عائشة أن تغنّي في الأعراس للعروس لأجل الفرحة ،لكن ضمن الشرع ،،

ختم سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس قائلاً : الله يردنا لديننا ويحببنا ببعضنا ويصلح شأننا ويفهمنا ما هو المسجد ، فالمسجد ليس فقط حيطان ومأذنة، ويفهمنا ما هو المعمل المعمل ليس فقط حيطان ومكينات ،لابدّ من المهندس ،و المشفى ليس فقط الأجهزة ولكن المشفى هو وجود الطبيب ، ، إذاً يا أحباب المسجد هو الجامع الذي يجمع القلوب على محبة الله، على ذكر الله ،على شرع الله ،على الحقيقة يحبب الناس ببعضها لا يبغّضهم ولا يفتن بينهم، الشيخ الحقيقي هو الذّي يجمع كلمة المسلمين على محبة الله على الإخاء على التسامح على العفو على المحبة على المودة. جعلني الله وإياكم ممّن نستمع القول فنتبع أحسنه هداة مهدين غير ضالين ولا مضلين وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين .

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: