فلنستعد لاستقبال هذا الضيف العظيم

مدرسة السماء… مدرسة الأنبياء. الأنبياء أساتذة يعلمون الناس في مدرستهم العقل والفكر والقلب السليم والروح الطاهرة النقية ثم يكون الانسان منتجٌ لأخيه الإنسان ليسعده.
هذا الكلام أنَّ الغطَّاسين رحمة للناس يعلمونهم السباحة ثم يقولون لهم تعالوا ساعدونا في إخراج الغرقى وهذا هوعمل الأنبياء يخرجون الناس من الظلمات إلى النور فالدنيا كالبحر والناس فيها غرقى، هذا غارقٌ بماله وجاهه.. وهذا غارقٌ بمنصبه… وهذا غارقٌ بالنساء… وهذا غارقٌ بالكسل والتَّكبر والتَّعالي على الناس ولا يعلم أنَّ نهاية هذا كله يودي إلى القمامة.
الله سبحانه وتعالى يتكرَّم على البشرية بالأنبياء والرُّسل، ومن بعدهم بمن يحملون رسالتهم (( الله أعلم حيث يجعل رسالته)) لينقذون الناس من ضلالتهم وغفلتهم فكما قال عليه الصلاة و السلام :
((الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا وإذا انتبهوا ندموا حيث لا ينفع الندم)).
فالسعيد الموفق الذي نضرب فيه المثال فتقول : هذا الشخص جاء في ليلة القدر هذا الإنسان هو من التقى بهذا الغطَّاس ليخرجه من هذا البحر المُهلك الذي يحوي قانون الغابة أي أنَّ القوي فيه يأكل الضعيف ثم يخسر الانسان بهذا الغرق الدنيوي حياته وأهله وسعادته. كذلك من غرق بحب الدنيا خسر سعادته الإيمانية ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب ))
هؤلاء الذين غرقوا بحب الدنيا قال : (( إنَّ الذين كفروا وماتوا وهم كفَّار فلن يُقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذابٌ أليم وما لهم من ناصرين))
هذه الآية تحمل سرَّاً عجيباً. أتعرف ماذا يعني ملءُ الأرض من الذهب يفتدي به صاحبه ليخرج من جهنم ولكن لا يُقبل منه أبداً ؟؟.
هذا الواحد من الكفَّار فقط يتمنى لو أن له من الذهب ملء الأرض وليس كلُّ الكفار يشتركون بهذه الكمية لقاء خروجهم من جهنم.
الكفر أنواع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن ترك الصلاة فقد كفر)) فما بالك بمن ترك الصيام!! فما بالك بمن ترك العلماء و العلم الذي هو ((طلب العلم فريضة )). ((العلم حياة القلوب)). ((العلم يبني بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيوت العز والكرم ))
فما بالك بمن يُمضي حياته غير مهتم ولا ملتفت إلى قرآن وإذا قرأه في الأسبوع أو في الشهر أو في رمضان مرَّة واحدة يرى نفسه في صدر الجنَّة . فهذا يحتاج إلى إنقاذ وإلى لطافة وإلى حكمة وإلى إنسان يجعل من نفسه بساطاً له فيصعد عليه هذا الشخص فيحمله إلى الخير والفضائل. فعليك أن تتواضع لمن تريد إنقاذه، أما إذا أردت أن تتكبر عليه كي تهديه فلا يمد لك يده ولا يمشي معك ولا يهتدي على هداك.
موضوعنا اليوم هو استقبال الضيف الجديد الذي يحمل من الفضائل ما يحمل، الذي نَسْتحم به فنطهر من الذنوب ،هذا الضيف الذي نأخذ فيه شهادة العتق من النَّار لكن بشرط أن لا نكون على مذهب الأفاعي التي تصوم وتختبئ في مخبئها شهرين أو ثلاثة ولكن عندما تخرج منه تخرج أفعى، فبعد صومها لثلاث أشهرٍ تخرج كما دخلت. وكذلك الدُّب الذي يختبئ في مخبأه ويصوم كذلك 3 أشهرٍ ولكنه يدخل الى مخبأه دُبَّاً ويخرج دُبَّاً ،فنحن إذا دخلنا إلى رمضان بكسلنا وخرجنا بكسلنا لن نستفد شيئاً. وإذا دخلنا بذكرٍ خفيف وخرجنا بذكر خفيف فهذه مصيبةٌ، وإذا أردنا أن ندخل بتوبةٍ متضعضعة غير صحيحة وخرجنا بتوبةٍ غير ناجحة فتلك مصيبة أعظم ((يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحة)) التوبة النصوحة هي تصميمٌ من القلب، وهذه التوبة لها شروط أهمها :
ترك الأصحاب الذين كنت تجالسهم وتسهر معهم وحتى إن لم يكن في سهرك معهم خمرة ولا زنى ولا…ولا… بما أنك تجلس معهم على غفلة فهذه من أكبر الذنوب (( التعرُّب بعد الهجرة من الكبائر)).
فكيف لك بعد أن عرفت العلم والعلماء والذِّكر وأهله أن تجلس مع أُناس قلوبهم مليئة بالإنتان و الرذائل وتتلذَّذ بأحاديثهم المليئة بالنكت والضحك ولا تشعر بالوقت يمضي معهم؟ هؤلاء يميتون قلبك وأنت لا تشعر، فكيف ستكون آخرتك غير ((ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا))
إذاً علينا أن نستعد لهذا الضيف العظيم الذي تفضَّل به الله على هذه الأمَّة، شهر الصوم هو ضيافة رب العالمين لعباده .أي أنَّك معزوم بهذا الشهر إلى مائدة الله. فهل عرفت ما هذه العزيمة كي تجهز نفسك لها؟ من شروط المعزوم أن يذهب إلى العزيمة نظيفاً ومؤدباً وممتثلاً للأمر، فيجلس حيث يُؤمر ويأكل ممَّا يؤمر ويفعل ما يُطلب منه.
دعا أحدُ الزعماء أهلَ البلد كلَّهم إلى عزيمة، فأتَوا إلى شخصٍ مسكين أخبروه أنَّه معزوم على مائدة هذا الزعيم، فقال لهم : أخبروه أنَّني أعتذر من عزيمته لأنَّني مدعو إلى عزيمة من هو أكرم منه فذهبوا وأخبروا الزعيم ما قاله هذا الشخص فعندما سمع هذا الكلام غضب جداً و قال هل هناك من هو أكرم مني؟ كيف يجرؤ هذا الشخص ولا يقبل عزيمتي له؟ أحضروه إلي. فذهبوا وجاؤوا بهذا الشخص المسكين إلى الزعيم، فقال له :كيف تجرؤ و تتحداني وتقول أنَّ هناك من هو أكرم مني؟ فقال : أنا لا أتحداك، أنا أقول أنني معزوم عند من هو أكرم منك حقاً. فقال الزعيم: ومن هو هذا الشخص إذاً؟ فقال الرَّجل : أنا صائم والصائم مدعو على مائدة الله والله هو أكرم منك حقاً، فلم يعد يجرؤ هذا الزعيم أن يتكلَّم ولو بكلمة، وقال له : والله لو أنك قلت لي غير هذا الكلام وأنك كنت تقصد غير الله لم أكن لأرضى إلا بفصل جسدك عن رأسك.
بما أنَّ الصَّائم مدعو على مائدة الله عليك أن تذهب بأنظف ثيابك وتجلس بكامل أدبك كي تبقَ في ضيافته كامل الشهر.
هذا الشهر الفضيل أولاً يثبت بشهادةٍ واحدة. لاحظ هذا السر العظيم إذا قال شخصٌ واحدٌ مسلمٌ معروفٌ بالصدق و الأمانة ولا يتحدث بالكذب فيقول : أنا رأيت الهلال، فيثبت شهر رمضان بشاهد واحد. أما الإفطار فهو يحتاج إلى شاهدين، وهذا من الحرص على هذا الشهر العظيم، فكما قال عليه الصلاة والسلام : ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم “أي كان هناك غيوم ولم يرصد المسؤولون الهلال” فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))
علينا أن نفهم هنا ألَّا نكون جاهلين ونقول: لماذا البلد الذي يجاورنا أفطروا ولم يتمموا صيام شهرهم لرؤيه الهلال في بلدهم ونحن بجوارهم نصوم لتعذر رؤيه الهلال في بلدنا ؟ أنت مسؤول في بلدك وهناك من هو مسؤولٌ عنك و قائمين بعملهم فإن أخطؤوا أو أصابوا فأنت لا إثم عليك حتى وإن قرَّروا أن تصوم فقط سبعة وعشرين يوماً هم المسؤولون عن كفارة باقي الأيام بين يدي الله. فإذا قالوا أن غداً صيام، نصوم. وإذا قالوا غداً إفطار نفطر ولا داعي لهذه التعليقات لماذا.. ولماذا.. ولماذا. فعلينا الَّا ندخل بهذه المداخل التي تودي الى المهالك فنحن مربوطين بولي الأمر الذي نكون عنده إن أعلن الصَّيام نصوم وإن أعلن الإفطار نفطر هذا هو المؤمن حاله يكون بالسمع والطاعة.
لا ننسَ أنَّنا في صيام الفرض نحتاج إلى النيَّة والنيَّة تكون من الليل و مَنْ لم يبيت النيَّة من الليل فعليه أن يتمم صيام هذا اليوم الذي لم ينوي له في رمضان وأن يقضيه بعد رمضان أيضاً فالقصد أن تبيّت النية قبل الفجر، وإذا جعلت منها عادةً أن تنوي بعد إفطارك ودعائك صيام اليوم التالي فتقول: نويت صوم يوم غد من شهر رمضان الفضيل إيماناً واحتساباً فليس عليك من شيء في هذه الحالة.
لا ننشغل في رمضان بالأكل والشرب و لا ننسَ أنَّ لنا دعوة مستجابة والدعوة المستجابة التي تفرِّق الخير الكثير هي :
أن يُقر الله عين رسوله بأمَّته وبأهله و بأزواجه وبشفاعته و بكل شيء يدخل السرور على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فهذه أول دعوة.
ثم ندعي لأسيادنا وأهل طريقتنا أسيادنا النقش بنديه وخصوصاً موالينا وأسيادنا فنقول : اللهم زد في حسناتهم وارفع درجاتهم وانفعنا من بركاتهم واحشرنا معهم تحت لواء سيدنا محمد غير خزايا ولا نادمين. ثمَّ ندعوا للأمة أجمعين فنقول: اللهم ارفع البلاء والوباء والغلاء وتسلُّط الأعداء عن هذه الأُمَّة وندعي لكل الأمَّة.
ثم ندعي لكل البشرية فنقول : يارب هيئ لهذه البشرية الضَّالة عن صراطك مَنْ يردَّهم إلى صراطك. هؤلاء الضالين علينا أن نأخذ فيهم الشَّفع فهم كالضائعين في الصحراء فنقول: يارب هيئ لهم من يدلَّهم على الطريق إن لم يكن على أيدينا فعلى أيدي أُناس غيرنا فلا تشمت بأحد.
الخلق كلُّهم عيال الله. هذا القلب الرحيم قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا كان مع أعدائه الذين آذوه وأرسلوا الأولاد يرجموه بالحجارة في الطائف لم يرضَ أن يدمرهم مع العلم أنَّ الله أرسل له ملك الجبال تحت تصرفه فجاء ملك الجبال مع سيدنا جبريل فقال جبريل: يا محمد هذا ملك الجبال أرسله الله لأُمرتك (أي تحت تصرفك)، فسلَّم ملك الجبال على سيدنا رسول الله وقال له: أنا تحت إمرتك إن شئت أطبق عليهم الأخشبين (أي الجبلين فأدمرهم تدميراً إن أردت)
انظروا إلى قلب رسول الله الرحيم ((وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)) ولم يقل للمسلمين فقط بل للعالمين للإنس منهم و الجن. فأنت إذا كنت حقاً شخصاً محمدياً عليك أن تكون أيضاً رحمةً بالإنس و الجن. فمن رحمتنا بالجن قبل أن نفتح الماء الساخن في الليل و النهار علينا أن نسمي ومَنْ يقلل الأدب و لا يُسمي فإنَّه قد أَذِن للجن أن يؤذوه فليتحمل مسؤولية فعله هذا.
بعض الصحابة يُقال أنَّه كان يغتسل فكأنه بالَ في جُحرٍ فيه من الجن، فكان ذلك سبب موته فبعد وفاته رأوه مخضرَّاً وجاءت فرقةٌ من الجن إلى المدينة وصرخت ” قتلنا فلان”
فعلينا أن نكون رحمةً للعالمين الإنس والجن حتى رحمةً للكافر، فالطبيب لمن ؟ الطبيب موجود لكل مريض فأنت كالطبيب عليك أن تُشفق على هؤلاء الضائعين الذين واضعٌ لهم الشيطان رَسنه ويجرُّهم إلى الهلاك… إلى أمراض الدنيا وأسقامها من الخمر والزنا وغير ذلك، فعليك أن تنقذهم قبل أن يوصلهم إلى جهنم وبئس المصير في الآخرة، فيخطب بهم خطبته فيقول لجماعته في جهنم كما ورد في سورة سيدنا ابراهيم عليه السلام (( وقال الشيطان لمَّا قُضي الأمر إنَّ الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم)) إلى أن يقول لهم ((ما أنا بمصرخكم “أي لا استطيع إنقاذكم” ولا أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمونِ من قبل إنَّ الظالمين لهم عذابٌ أليم))
فهذا الذي يغويه الشيطان وينيّمه عليك أن تصحيه بلطافة و حنان حتى ولو قدَّمت له هدية لأنَّه بالهدايا تتصافح القلوب وتترافق وإن كانت وردة وتقول له أنك تحبه بالله لأنه أخيك بالإنسانية فأبوك وأبوه واحد. أليس آدم أبو البشرية اذاً أنت وهو أخوة فتقول له أنه ليس هناك فرق بيننا وإن كان لكل واحد دينه الخاص به فأنا لا أريد أن أخرجك من دينك ولا أنت تخرجني من ديني، أنا فقط أحبك ثم ابدأ نصائحك اللطيفة له فلا تمر الأيام إلا وتراه تخلى عن مبدأه الفارغ وهناك بعض القبائل الهندية التي كانت تعبد الأصنام ألقت بأصنامها كلها في البحر بعد أن أيقنت أنها لا تضر ولا تنقع ،فانت عندما تشرح له دينك ومبادئك وأخلاقك ورحمتك فيه تراه يصحو و يحبك ويتخلى عن كل خرافاته التي زينها له الشيطان.
و لا تنسَ أن رمضان هو شهر القرآن وعلينا أن نكون ملتزمين وأن نستغل أوقاتنا وعلينا أيضاً أن نقرأ بفهم وإن أعدنا قراءة الآية مرتين أو أكثر ولكن نفهمها
(( إنَّ الذين كفروا وماتوا وهم كفَّار فلو أن لأحدهم ملء الأرض ذهباً لافتدى به )) ولكن ثم قال ((وما لهم من ناصرين)).
ليس هناك من مخلص لهم من عذاب الله . هل الله ينقصه الذهب!
الله جلَّ جلاله جعل لك حصى الجنَّة لؤلؤ ومرجان وذهب وقصور لبنة من فضة ولبنة من ذهب وقصور من جوهر وأُخرى من ألماس (( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون))
ابقَ مع الله إذا كسبت الله كسبت كل فضيلة وكل خير وإذا خسرت الله خسرت كل فضيلة و كل خير. ماذا وجد يارب من فقدك؟؟ لا شيء
فإذا خسرت الله وجدت الدنيا وهذه الدنيا سوف تُحاسب عليها بين يدي الله عاماً أنها ستبقى للورثة من بعدك وفي الدنيا يسلط عليك الله الأمراض والأسقام فتمضي حياتك بالمشافي لأنك لم تفهم على الله ،فلا تكن عبداً للمال (( وتعس عبد الدرهم وتعس عبد الخبيصة ” أي الثياب والأكل و…” )) فكن عبداً لله لأنك إذا كسبت الله تكن كمن ضيَّع بعض المال ولكن أخبروه أن البنك كلّه تحت تصرفه فماذا سيكون قد فقد!! الشيء مقارنةً مع البنك بأكمله لكن البلاء إذا فقدت البنك وأنا لا تملك شيئاً، هنا تكون الخسارة التي لا تعوَّض، فهذا الشهر الفضيل وصفه الله جلَّ شأنه بأنَّه شهر القرآن العظيم فقال : (( شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن)).
نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى الكعبة التي في السماء الدنيا دفعة واحدة ثم بدأ ينزل من السماء الدنيا على قلب النبي صلى الله عليه وسلَّم على حسب الأحداث.
إذا أخذنا مثالاً تقريبياً على ذلك نقول : أذا أتينا بشاحنات الأدوية وأفرغنا كامل محتواها في الصيدلية ثم بدأنا بإخراجها من الصيدلية على حسب الوصفة التي تُناسب المريض. كذلك القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى الكعبة في السماء الدنيا واستقر فيها ثم بدأ سيدنا جبريل ينزل على قلب النبي ومعه شيء من الآيات على حسب ما يؤمر من حضرة الله، أنزل السورة كذا والآية كذا و …و… حسب ما يحتاجه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته هو وأصحابه الكرام. عندما تنزل الآيات يقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ضعوا السورة هذه وراء الآية هذه قبل الآية هذه، وبدأ يرتبهم كل آية في مكانها الصحيح ثم تُكتب أمامه وينظر إليها فيقرُّ الكتابة ولهذا السبب فإننا أحياناً نرى بعض الكلمات مثلا تحتوي حرف تاء مبسوطة تراها مكتوبة في القرآن تاء مربوطة فتقول: لماذا كتبت بهذا الشكل ؟؟ هذا لأنها كُتبت أمام رسول الله بهذه الكتابة وقرَّها النبي فالقصد أن القران كان ينزل منجَّماً على حسب الأحداث كي يداوي قلوبهم فمثلاً شخصٌ نافق تنزل آيات النفاق وشخصٌ ابتُلي بالربا تنزل آيات الربا، وعندما كانت في المدينة صفة التطفف كان أحدهم إذا أراد أن يستدَّ دينه يُعرِّم الصاع لأنها حصته وعندما يريد أن يديِّن أحداً يصغِّر الصَّاع فنزلت في المدينة سورة ((ويلٌ للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون “اي يأخذون زيادة” وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون ” أي إذا أراد أن يردَّ له دينه بالكيل او بالميزان ” ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم )) أينسون أنهم سيأتون ويقفون أمامي لأحاسبهم فكانت هذه الآية هي الدَّواء أنهم تخلصوا من هذا الدَّاء و هذا البلاء العظيم.
القرآن لايزال ينزل إلى أيامنا هذه، فالآن تجد كثيراً من الناس واقعاً بالتطفيف عندما يأخذ حقَّه يأخذه وزيادة وعندما يريد أن يسدَّ دينه يسدَّه على دفعات لا تكاد تُذكر لدرجة أن الشخص الذي ديَّنه لا يشعر أنه استرد دينه علماً أنه جمع هذه النقود لوقت حاجته هو ولكن أعطاها لهذا الشخص الذي بدأ يردَّها له بخزانة لا قيمة لها و أغراض بالية و.. و.. هذا الشخص الذي يرد الدين على هذه الصورة منع الخير في الأرض لأنك إذا تعرَّضت لهذا الموقف فلن تدين أحداً بعدها وإن كان محتاجاً حقاً.
القران لا زال ينزل و لكننا فقدنا الطبيب الذي سيفحصنا ويشخِّص لنا المرض ويعطينا الوصفة و الآية المناسبة لهذا المرض مع الشرح ويدخلها في قلوبنا كالأم التي تستخدم كل الوسائل كي تُعطي الدواء لطفلها الصغير كي يشفي. فعندما يكون لدينا المشافي والأَسِرَّة والأجهزة كلها من أجمل ما يكون ولكن الطبيب غائب، فمن أين ستأتي الفائدة؟؟ هذا بلاء الأمة ما نحن فيه الآن.
الشيخ ليس فقط جُبَّة ولا لفَّة ولا عباية ولا شهادة. الشيخ الصادق هو الذي يصدق مع الله فيَفيض الله سبحانه وتعالى على قلبه ما تشفي به القلوب وتتفتح به العقول، ودليل ذلك أن أكثر الأنبياء أُمِّيين، سيدنا موسى وسيدنا عيسى و سيدنا آدم وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسر هذه الأمية هي أنك تدرس في مدرسة الله والذي يدرس في مدرسة الله يأخذ العلوم النافعة، أما ذلك العلم الدنيوي (( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم)) نحن نريد هذا العلم الدنيوي أيضاً ونريد شهادةً أيضاً بشرط أن لا تعطيك الغرور.
من العقبات التي تقف أمام المُريد في سلوكه حتى يرتقي ويكون له الوصول من جملتها العلم، فهل العلم هنا عقبة ؟؟ الجواب : نعم عقبة كبيرة وبلوة كبيره لأنَّ صاحب هذا العلم يبدأ يقول أنا متعلم.. أنا أجلس بين يدَي الشيخ كي أُصبح مهزلة أمام الناس!!
فانظروا كيف أصبح العلم هنا بلوة وكيف حُرم الفضيلة بسبب علمه. أما الشخص الموَّفق تراه غير مهتم للكتب ولا للحية ولا ….ولا… ويأتي تلميذاً على أعتاب الشيوخ فتجد أن الشيخ طلبك ووضعك في الصدارة بإذن من الله وليس بيده فتصبح بفضل الله تعالى بعد فتره ووجيزة كالغزالي الذي لم يكن شيئاً في بداية علمه قبل أن يلتقِ بالعلماء و لكن بعد أن تفضَّل الله عليه عن طريق أخيه الأمِّي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة لكنه يحضر ويدرس في مدرسة الله.
كان الغزالي حينها شيخ الأمَّة بعلمه فشكى مرَّةً أخيه لأمه وقال لها: أنا الشيخ الغزالي والناس كلها تشهد بعلمي، فلماذا أخي لا يصل خلفي فتحدثت الأم مع أخيه وطلبت منه أن يصلي وراءه فذهب امتثالاً لأمرها وبدأ يصلي وراءه صلاة المغرب فأكمل ركعته الاولى وفي الركعة الثانية أنه صلاته وسلم وذهب يصلي وحده. غضب الغزالي لفعله وذهب يشكي لأمه وعندما سمعت الأم كلامه أرسلت وراء أخيه وعندما أتى سألته عن تصرفه هذا فقال لها: الركعة الأولى كانت صفاءً ونقاء وفي الركعة الثانية رأيت أخي يسجد ببحرٍ من الدماء، فبالله عليك يا أخي ماذا فعلت؟
فتذكر الغزالي وقال له: عندما أردت أن أدخل إلى المسجد سألَتني إمرأة عن الحيض وفي الركعة الثانية بدأت أفكر بسؤالها والفتوى التي تصلح له، فكيف عرفت ذلك؟ أسالك بالله أن تدلَّني على من اعطاك هذا العلم والله إنكم على حق وإنكم أهل الأذواق وأهل الحقيقة. فقال له: دعني أستأذن لك شيخي، فذهب إلى الشيخ وسأله وكان شيخه يعمل كندرجي أمام دكانٍ ليس ملكه، فقال له: أخبره أن يأتي غداً إلى هنا فذهب وأخبر أخاه بذلك . في اليوم التالي ذهب الإمام الغزالي لمقابلة الشيخ وكان مرتدياً عمامته وأحسن ملابسه وجلس عند الشيخ الذي طلب منه أن يجلس وينتظره إلى أن ينهي عملاً يريد أن يسلمه لصاحبه في الوقت المحدد. فجلس الإمام الغزالي وبينما هو هناك جاءه الامتحان فمرَّت من أمامه عربة يجرها بغل وبدأ هذا الحيوان يروث في الشارع أمام الدكان التي يعمل بها الشيخ فقال له الشيخ: يا بني اذهب ونظف هذا المكان من روث هذا الحيوان فقال له الغزالي: سأفعل ما تأمرني به ولكن أين المكنسة؟ فقال له الشيخ : لا داعي لمكنسة، استخدم يدك فذهب وحمل الروث بيده وقال للشيخ: أين أضعهم يا سيدي فقال له: ضعها في جعبتك فما من وعاء للأوساخ قريب من هنا ، فذهب مسرعاً و فعل ما أمره الشيخ فأخذ الروث ووضعه في جعبته
انظر ما أصعب هذا الامتحان، ولكن انظر إلى الموفق الذي يكون طلبه الله، لا يهمه شيء ويلتزم السمع والطاعة أما الغير موفق…
((ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر))
فبعد أن وضع الإمام الغزالي الروث في جعبته بدأ الذباب ينتشر عليه وبدأ المارَّة من الناس يسلمون عليه وهو على هذه الحال.
فبعد أن مضى من الوقت ما يقارب ربع الساعة على هذه الحال قال له الشيخ : الآن اذهب لقد قُضي وقتك ، بارك الله فيك.
انظر الى هذا التوفيق الإلهي فقد نجح في الاختبار.
كان الغزالي لا أحد يشتري من كتبه و لا أحد يعطيها أي اهتمام ولكن بعد أن حضر عند هذا الشيخ و أخذ الشريحة و بدأ يتصل بأرواح العلماء ويأخذ التوجيهات ألَّف كتاب إحياء علوم الدين بأربع نسخ وبدأ الناس يقولون: ((بيع اللحية واشتري الإحيا)) أي كتاب الإحياء.
لماذا كل الكتب القديمة لم يعطها أحد اهتمامه وهذا الكتاب قد لاقى كل هذا الاهتمام الكبير. عليك أن تعرف أن هناك شيء يُسمى الرضا والبركة في العمل، هذه البركة عندما نزعها الله تعالي من الكلاب تراها تلد أكثر من 12 ولد ولا ترى هناك العدد الكبير من الكلاب. ولكن انظر إلى الأغنام التي وضع الله فيها البركة تراها تلد في السنة مرَّة واحدة فقط وتلد واحداً أو اثنين وترى الأضاحي والمسالخ العزائم ومع كل هذا تراها منتشرة بأعداد كبيرة جداً. فعلينا أن نسعى أن نكسب الله خاصةً في رمضان وحقيقة رمضان بالذكر. حقيقة رمضان بالخلوة فاغتنم الفرصة بكثرة الذكر وحضور المجالس وتب التوبة النصوحة واستقم واقرأ القرآن على الأصول وتعبَّد على الأصول واجعل لك حظاً وافراً من برنامجك الليلي وستري كيف تأتيك الثمار والجائزة العتق من النار في نهاية رمضان.
النبي صلى الله عليه وسلم وصف من بركات شهر رمضان رجلاً فقال : (( و رأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً كلما ورد حوضاً مُنع منه ” أي كلما أراد ان يشرب من حوض لم يسمح له” فجاءه صيامه لرمضان فأسقاه. لو أخذنا هذه فقط من رمضان اخرجنا بحظ وافر.
إنَّ من جوائز شهر رمضان تكون في أوَّل شهر رمضان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان اوَّل ليلة من رمضان صُفّدت الشياطين ومردة الجان وغُلّقت أبواب النار ))
تخيَّل أنَّ لك ثلاثة اعداء يمنعونك من دخول مزرعة مليئة بالثمار والمجوهرات وجاء شخصٌ ربَّطهم جميعاً وقال لك هذه المزرعة أمامك خذ منها ما شئت من ثمار وذهب وفضة ولؤلؤ ولمدَّة شهر، فإذا دخلت إلى هذه المزرعة وشغلت نفسك بالمسبح والتلفاز والنوم و…و…إلى أن انتهى هذا الشهر ولم تخرج بشيء من هذه الثمار والمجوهرات فكم ستكون حسرتك؟
دخول رمضان هو ليس فقط مزرعة بل هو جنَّة، رمضان جنَّة من الجنان نكتسب منها العتق من النار، نكتسب منها رفعة الدرجات((وتزودوا فإن خير الزاد التقوى))، نكتسب منها ((الصائم حبيب الله ))، نكتسب منها ((مَنْ فطَّر صائماً فله كأجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء))
و إفطار الصائم يكون حتى ولو على تمرة، حتى ولو على شربة ماء. ولكن تتصدَّق بتمرة عندما تكون أنت في بيتك تأكل تمراً وليس تأكل في بيتك اللحم و تفطّر الصائم على التمر، فعليك أن تفطره مما تفطر عليه. الصحابة الكرام عندما لم يكن لديهم سوى التمر كانوا يفطرون غيرهم من الصائمين على التَّمر، ومن ليس لديه تمراً كان يُفطر الصائمين على مُضغة من اللبن “أي القليل من اللبن يضعون معه الماء”. فعليك أن تُطعم الصائمين مما تأكل لأن الله معك يراك و ناظرٌ إليك فالذي أعطاك قادرٌ أن يعطيه ويحرمك .
كان هناك عريس في ليلة عرسه، طرق الشحاذ على باب داره فسألت زوجته : من في الخارج ؟ فقال لها الشحاذ: من مال الله، على باب الله سائل أريد طعاماً وكان لدى العريس والعروس من الطعام اللحم والفروج على العشاء. لو كانوا من الموفقين و أطعموه من هذا اللحم ولو القليل لبارك الله لهما ولكن العريس كان غير موفق و قال لزوجته: قولي له انقلع من هنا، فقالت له: اذهب أنت وقلها له، أنا لا أستطيع قَول ذلك، فخرج إليه وقال له: انقلع. فقال الشحاذ: والله إني جائع أعطني ولو لقمة. فقال له : أقول لك انقلع ووضع رجله على صدره وضربه، فقاله له الشحاذ: أشكيك إلى الله و ذهب مكسور الخاطر. في اليوم التالي ذهب هذا الشحاذ إلى الشيخ وأخبره بما حدث معه . فسأل الشيخ الأشخاص الذين يحضرون عنده إذا كان هناك عمل لهذا المحتاج؟ فقال له واحد منهم: أنا آخذه معي إلى العمل، وبدأ يعمل بصدق وأمانة فأكرمه الله وأغناه فاشترى بيتاً وبدأ يبحث عن زوجة له وعندما أراد أن يخطب واحدة قال له الناس أنها مطلَّقة ولكن جميلة وبسمعةٍ حسنة فقبل بالأمر، وفي ليلة العرس كانوا يأكلون على العشاء اللحم والفروج فطرق الباب شحاذ وطلب الطعام فقال الرجل لزوجته: هذا الطعام كثير ويكفينا نصفه، ضعي النصف الآخر لهذا الشحاذ وعندما خرجت لتعطيه الطعام عرفته وعادت تحمل الطعام معها وهي تبكي وطلبت من زوجها أن يأخذ الطعام ويعطيه للشحاذ بنفسه. أخذ الزوج الطعام وذهب وعندما فتح الباب كان الشخص الذي يقف أمامه هو نفسه ذاك الشخص الذي ضربه ولم يعطه الطعام من قبل. أعطاه الطعام وعاد إلى زوجته يبكي فسألته عن سبب بكائه، فطلب منها أن تتكلم عن سبب بكائها أولاً فقالت له: إنَّ هذا الذي يطرق الباب كان زوجي وفي ليلة العرس طرق علينا شحاذ الباب وطلب الطعام فضربه وأبى فانظر إلى حاله كيف أصبح بعد أن شكاه الشحاذ الى الله. والآن أخبرني أنت عن سبب بكائك؟ فزاد بكاؤه وقال لها: إن ذلك الفقير الذي طرق بابكم هو أنا ومنذ ذلك اليوم فتح الله عليَّ باب العمل والكسب الحلال وبَدء الفضل والكرم الالهي يزيد لدرجة أنني اشتريت منزل ذلك الرجل منه.
انظر إلى كرم الله عندما إلتجأ هذا الفقير إلى الله كيف أغناه وكيف أعطاه منزل ذلك الشخص قليل التوفيق وأعطاه زوجته وأعطاه غنى وجاه.
انظر إلى تدبير الله كيف يقلب الأحوال فعليك دائماً أن تجعل مخافة الله بين عينيك وأي شيء أجمل من مخافة الله !! فكما قال تعالى: (( وخافونِ إن كنتم مؤمنين)) هذه هي صفة المؤمن.
فالآن نحن على أبواب استقبال ضيف عظيم فعلينا أن نستقبله بثوب ونظافة و هنا النظافة يجب أن تكون قلباً وقالباً ليس فقط نظافة الثوب والجسد ولكن علينا أن نتطهَّر من الحقد والكذب والدجل.
و التوبة هي أولاً أن تبدل أصحابك والتوبة الحقيقية هي أنك إذا دخلت في رمضان وفيك شيء من النفاق أن تخرج ولا يكون فيك شيء منه، فمن الممكن أن يكون هذا هو آخر رمضان تحضره فلنستعد لهذا الشهر بتوبةٍ نصوحةٍ، و رد المظالم، نعتذر لمن أسأنا إليهم، و نجدد نيَّة الاستقامة والإخلاص في العمل وليس من الضروري أن تُجهد نفسك ((ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط)) هذا ليس فقط في الإنفاق ولكن كذلك في الطاعات. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المُنْبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى))
المنبت هو الذي يركب فرسه ويريد أن يذهب إلى مكَّة ماشياً على قدميه يسير بالفرس ليلاً ونهاراً فيُتعب فرسه ولا يصل إلى هدفه كذلك أنت في العبادة لا تكد نفسك فوق طاقتها ولا تتهاون، دع أمورك طبيعية ولكن فوق الطبيعية بقليل لأننا في شهر رمضان والعبادة تتضاعف فيُكتب لنا في رمضان بعشر شهور والحسنة فيه تتضاعف 70 ضعفاً . السُنَّة عندما تصليها في رمضان تكون بوزن الفريضة بالميزان فاحذر أن تضيع السُنَّة في رمضان وإذا كان عليك من القضاء سارع لقضائه، والصدقة في رمضان لها من الفضائل عظيمة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أفضل الصدقة صدقة في رمضان)) وخاصةً في أيامنا هذه، فهناك من الناس لا يملكون رغيف خبز. فلنكثر من البر والإحسان في هذا الشهر الفضيل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من فطَّر صائماً على طعامٍ أو شرابٍ من حلال، صلَّت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان” أي أنَّ الملائكة تدعي له ليلاً ونهاراً ” وصلَّى عليه جبريل ليلة القدر)).
هذا ثواب من فطَّر صائماً واحد فكيف بمن يفطر اثنين أو ثلاثة! قال صلى الله عليه وسلم:
((مَنْ فطَّر صائماً فله كأجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء))
فعندما تُفَطر صائماً واحد يصبح رمضانك برمضانين وعندما تُفَطر اثنين يصبح رمضانك بثلاثة أشهر. هذه هي التجارة الموفقة الرابحة.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممَّن نستمع القول فنتَّبع أحسنه هداة مهدين غير ضالين ولا مضلين.

مدة الدرس : 51 دقيقة
المدة التي استغرقها التفريغ : 9 ساعات .

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: