سيدنا موسى عليه السلام الجزء -4 الحلقة 26

سيدنا موسى عليه السلام الجزء -4 الحلقة 26
استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك المجلس قائلاً : ما زلنا في حياة سيدنا موسى عليه السلام في قصته مع فرعون والسحرة فعندما ناظر سيدنا موسى فرعون المتكبر المدّعي الالوهية وطلب منه برهان فألقى سيدنا موسى العصا ، هذه الآية العظيمة التي جعل الله فيها السر، فكانت هذه العصى أولاً حيةٌ تسعى وابتلعت كل حبال السحرة ثم حاولت أن تبتلع فرعون مع قصره ثم تحوُّلت إلى عصا ضرب بها البحر فانفلق البحر،
يا بُني سر الله أينما وضعه أصبح له شأن عظيم ،فكن أنت وأنا موضع عناية الله ليضع فينا سره العظيم لنكونا نفعاً للناس بكل أحوالهم،
انظروا إلى هذه العصا التي يجب أن تكون لنا مدرسة عظيمة ، هذه العصا أخافت فرعون وأدخلت بأذن الله السحرة عند رؤيتهم الحبلة التي ابتلعت حبالهم سارعوا إلى السجود والإيمان لقوله تعالى :((فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ)).
إذاً كانت العصا سبب النصر وإدخال السحرة في دين الله فعندما رأى فرعون ذلك هددهم وقال لأصلبنكم وسوف أقطعُ أيديكم وأرجلكم من الخلف وسوف أضع لكم الرباط من جريد النخل في الشمس وغيره من العذاب فقالوا له إفعل ما شئت لقد جاءنا من البينات ونحن وصلنا إلى الهداية ودخل الإيمان قلوبنا لقوله تعالى :((إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ )). أي أنت الذي أجبرتنا على السِّحر بالقوة والإغراء والله خيرٌ وأبقى فكانت العصا بيد سيدنا موسى عليه السلام تعطي هذه النتائج ، وأنت يا بُني إذا منَّ الله عليك وجعل فيك سره فعند كتابتك كلمتين أو أكثر لإحدهم ربما تكون سبب في شفاءه وسبب سعادته وسبب لهروب الشياطين من حوله ، ولما لا يجعل الله فيك هذا السر…!!! وهو الذي قال سبحانه وتعالى :((إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )).
فليس من المعقول أن يجعلك خليفة ولا يعطيك من سره وقدرتهِ ……!!!! نعم سوف يعطيك من سره ولكن كنّ أنت أهلٌ لذلك ، فسيدنا موسى عندما وصل لهذه الأهلية إبحث في شبابه وطفولته كان متواضعاً ولم يقل أنا لنّ أرعى الأغنام لإنني تَرَبّيتُ في قصر فرعون وكان لي مكانة بينهم وأنا أبن فلان و أمي فلانة….
لا يا بُني المؤمن يعمل أي عمل من أجل أن يستر نفسه وأهلهُ ولا يتعالى ويتكبر،
فسيدنا موسى عليه السلام قدم الخدمة وسقى للفتيات ورفع الحجر الثقيل عن البئر ،الحجر الذي لا يستطيع رفعهُ ثلاثةٌ أو أربعةٌ من الرجال ونضح الماء بقوة وسقى لهم وقال لهم مع سلامةِ الله ولم يأخذ منهم أجراً ولا شكورا ورجع إلى ظل الشجرة والتجأ إلى الله وقال:(( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)).إذا لم تتفضل علي بكرمك فأنا لا أملك شيئاً حتى منَّ الله عليه وبعث له السكن والطعام والزوجة والعصا،
لإنه يُقال أن سيدنا شعيب كان لديه عصا الأنبياء ويُقال كان لديه عصا الأنبياء من أيام سيدنا نوح عليه السلام يتوارثون العصي فعندما أمرُ سيدنا شعيب عليه السلام سيدنا موسى أن يدخل إلى الحجرة وقال له أعطني عصا فلما جاء سيدنا موسى بها فنظر إليها سيدنا شعيب عليه السلام وعرف أنها عصا موسى فألقها سيدنا شعيب ثانيةً بين العصي وكانت الحجرة مظلمة وقال له أعطني عصا فجاءه سيدنا موسى بنفس العصا السابقة وكرر العملية مرتين أو ثلاث حتى عرف سيدنا شعيب عليه السلام أنه نبي الله موسى عليه السلام فزوجه ابنته وجعلهُ من أهلِ بيتهِ إلى أن خاطبه ربه وكلمه وأمره بالذهاب إلى فرعون فطلب سيدنا موسى عليه السلام النجدة بأن يجعل الله أخاه هارون معه ردءً وقال:(هو أفصح مني لساناً) لإن لسان سيدنا موسى عليه السلام كان فيه القليل من اللدغة ،إلى أن جاءت المناظرة كما أخبرنا الله في القرآن الكريم :((قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى)).فقال لهم سيدنا موسى عليه السلام كما أخبرنا القرآن أيضاً: ((قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)).ومعنى سحرٍ عظيم أي كانوا يهيئون له لوقتٍ طويل بوضع الحبال والزئبق ولكن مع هذا كله وبما كان فيه من الزَّعْبَلة ولكنهم أرهبوا الناس ومعهم سيدنا موسى عليه السلام أيضاً ولكن الله سبحانه وتعالى قال له:((لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى)). فهذه الحبال كلها فارغة وألقي ما في يمينك ، إذاً العصا باليمين أي لا تعودوا أولادكم أن يأكلوا بشمال ويكتبوا بشمال أيضاً راقبوا أولادكم يا بُني فيجب أن تكون كل أعمالهم باليمين لقول النبي ﷺ:(تيامنوا ما استطعتم).أي كل عمل تعمله يجب أن يكون باليمين الإ في أمور النقائص مثل غسل القُذارة في الحمام عند البول وغيرها من النجاسات فيجب أن تكون بشمال ،فالقصد في قوله تعالى: ((وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)) .أي أن عملهم للسحر الذي أتوا به ضعيف كما قال تعالى:((وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)).لأنه عندما ألقى سيدنا موسى عليه السلام ما في يمينه (العصا) أصبحت حيّة وابتلعت كل حبالهم وعصيهم واحداً واحداً وذهبت إلى فرعون لتبتلعه عندما كان جالساً على الشُرْفَة فأخذ يصرخ ويقول يا موسى أوقفها…أوقفها ، وعندها خروا السحرة ساجدين لقوله تعالى :((فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)).فقال فرعون لهم كما ورد في القرآن :((آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)). هذه هي المصيبة، عندما يقول الرجل للرجل أصبحت تصلي قبل أن تستأذن مني و تصدقت من غير استشارتي فالقصد يوجد من هذه النوعيات في زمننا هذا نسأل الله السلامة، فظن فرعون أنها مؤامرة ضده لينزعوا منه الملك، فيا بُني نسأل الله أن لا يُضيع دليلنا ولا يتُوّهَ لنا رأي ولا يُعمي بصيرتنا عن الحق لقوله تعالى:((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)).فقال فرعون للسحرة بعد إيمانهم برب سيدنا موسى وهارون عليهما السلام سوف أعذبكم أشد العذاب فقالوا له بالأمس كنا أصحابك وأصحاب فزعة لك، فَمَثَلُ هذه النوعيات نسأل الله السلامة تكون مصلحته هي منفعته ،
فالقصد قالوا السحرة إفعل ما شئت أن تفعل و اصنع ما شئت أن تصنع كلها أمور دنيوية فانية لقوله تعالى:((إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)). أي اذهب وضرب رأسك بعرض الحائط ما دام الله معنا فسوف يصرف عنا الألم والله يُظّلنا بالشمس عندما تريد صلبنا كَمَثَل الصحابية بزمن النبي ﷺ آمنت بمكة فخرجوا بها أهلها إلى خارج مكة لإنها آمنت حتى لا تتغذى بالإيمان وسافروا بها فكانوا بالطريق يُطعمها الدبس والعسل لكي تزداد عطشاً،وعندما ترتد عن دينها يقومون بسقايتها للماء،فيوم من الأيام قدموا لها العسل والدبس وقاموا بربطها في الشمس وذهبوا ليأخذا قيلولة وعندما استيقظوا وذهبوا لينظروا فيما إذا عطشت ليَسقُوها الماء بشرط أن ترتد عن دينها ما إن وجدّوا ثيابها مبللة بالماء ومن حولها الماء أيضاً فقالوا لها من أين لك الماء فقالت سقاني من أعبده أي أن الله الذي أعبده أنزل إلي الماء،فسألوها كيف ذلك فقالت:(نزل علّي دلوً من السماء فسقاني ثم اهرق فوقي الماء) أي سقتها الملائكة دلوً من السماء شربت منه وكبوه فوقها فانْتَعشَتْ وحتى الأرض من حولها كانت رطبة فعند رؤيتهم للحقيقة وتأكُدِهم من أن ما من أحد أعطاها الماء فكان ذلك سبب في إسلامهم،
فيا بُني عندما تكن أنت مع الله يكون الله أقرب إليك من حبل الوريد فيمنَّ عليك بفضله بالنجدة والعطاء وعند مخالفته يكن لك العقاب أيضاً لقوله تعالى:((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )).فالنبيﷺ ومع عظمته وما له من مكانة عند الله قال الله عزوجل فيه:((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ،لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ،ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)).أي لو زاد في القرآن أو أنقص منه شيئاً لأخذنا منه باليمين لإن اليمين أقوى من الشمال أي أخذناه بقوة ثم لقطعنا منه حبل الحياة،
فيا بُني الله قريب إلينا،راقب أن الله معك لقوله تعالى:((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)).فالسحرة آمنوا بلحظة وأنت مضت عليك السنين وأنت تسمع الخطباء والعلماء والمجالس والجوامع والدروس وإلى الآن ما ضُبِطَ إيمانك فخذ درساً من الحرامي الفضيل بن عياض رضي الله عنه قبل أن يتفضل الله عليه بالتوبة جاء ليسرق احدى البيوت وكان يتسلق التصوينة ليدخل إلى البيت ويسرقهُ فسمع صاحب البيت يصلي التهجد ويقرأ:((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)).فمن عناية الله في الفضيل بن عياض قال:(سمعتُ في القرآن أن ربي يكلمني فأمنت..فبدل من أن أسرق نويتُ التوبة وذهبت إلى المغارة لأخذِ أمتعتي وثيابي فسمعتُ المعتمرين والحجاج يقولون لبعضهم البعض إذا سلمنا من الفضيل بن غياض نجونا).لإنه كان من قطاع الطريق المحترفين فقلت لهم:(لا تخافوا إن الفضيل تاب وأناب إلى الله).فسألوه من أنت..؟ فقال لهم :(أنا الفضيل بن عياض).فسألوه كيف كان ذلك..؟ فحدثهم عن ذلك إلى أن قال سمعت القرآن كأنه يقرأ إلي، فيا بُني عندما تقرأ القرآن وتريد أن تنتفع به فخذ القرآن لك ولا تقل لهم كل واحد منا يأخذ الدواء له ولا يقول هذا لغيري،القرآن دواء وشفاءلقوله تعالى:((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)).فسأل الفضيل النصيحة بعد التوبة فقالوا له:(الزم من يعلمك دينك ويعلمك كيفية المسير في هذه الحياة على طريق الهداية والإيمان بالله والذكر مراقبة الله والصلة بالله ويعلمك الحلال والحرام وتُكمل الطريق حتى يقرأ لك القرآن ويفسره لك ويفهمك الدين).فسأل إلى من أذهب..؟فقالوا له:(الشيخ العالم الفلاني المشهور بالتفسير والعلم).فذهب إليه وصحبه ولزمه فكان خليفته بالعناية الإلهية و ورث العلم عنه ولبس التاج بعده،فكان يأتي هارون الرشيد إليه ويسترضيه ليطلب منه المجالسة معه ويقول له:(اسمح لي بمجالستك لإن قلبي يلين عندما تحدثني).فأصبح كلامه دواء للقلوب،وأنت يا بُني وأنا عندما نتوب إلى الله توبةً نصوحة ونلتجأ إليه بالإخلاص والعزيمة فلعّل أن يكون كل هذا التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالهداية لنا فهو القادر على كل شيء بقوله فقط:(( كُن فَيَكُونُ)).ويجعلك من أوليائه وأصفياءه،كمثل عصا موسى التي كانت بيمينه تبتلع السحرة وتهدد فرعون وتشق البحر،البحر عندما شقته،شقته إثنا عشر طريقاً لأن بني إسرائيل كانوا أسباط عدة متقاتلين مع بعضهم البعض فلا يسير فريق في طريق الآخر أي أن لكل حزب(سبط) طريق وعندما نزلوا في البحر كانت المياه جامدة بين الطريق والطريق الآخر مثل التصوينات فكانوا خائفين من أن ترجع أحدى الأحزاب فكانوا يكسرون الثلج والجليد لينظروا إلى بعضهم البعض لعدم ثقتهم ببعضهم، وبعدا أن خرجوا من البحر دخلوا إلى قرية كان أهلها يعبدون صنم فقالوا له مباشرةً اجعل لنا صنماً مثلهم فسيدنا موسى عليه السلام غضب وكان عندما يغضب يقف شعر جسده من شدة الزعل،لإنه عندما وكز الفرّان، بضربة واحدة قضى عليه ومات،فقال لهم سيدنا موسى عليه السلام هذه الأصنام لا تنفعكم ولا تضركم من الله شيء،الله هو الذي نجاكم من فرعون الذي كان يذّبح أولادكم ويستحي نسائكم وشق لكم البحر لتنجوا والآن تطلبون الإلهاً غيره، أين عقولكم..؟وظل يُرشدهم للهداية بألف حيلة و وسيلة ليتركوا عبادة الأصنام إلى أن جاء السامري وأخذ بيدهم نحوا الشرك ،ولنرجع إلى قصة السحرة عندما آمنوا وهددهم فرعون فقال لهم:((وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ)).فقالوا له اصنع ما أنت صانع كما أخبرنا القرآن:((إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ)).فبدء فرعون بعذبهم وظهر أمر سيدنا موسى بين الناس فكانت الناس لا تستطيع أن تعلن إيمانها من كثرة خوفهم من فرعون وظلمه وقهره فكان سيدنا موسى عليه السلام يدعو إلى الإيمان بالخُفية لإن فرعون كان يعلم بمكانة سيدنا موسى بين الناس فلم يستطيع سجنه أو إلحاق الأذى به وكان يعلم بأن الذي سيطر على هذه الأمة نبي من عند الله فكان يستخدم ذكاءه لمنفعة نفسه فعلم أن سيدنا موسى على حق ولكن غلبته الكبرياء، وكان في القصر رجل مؤمن مقرب من فرعون ومن مجلسه ويُقال من قرابة زوجته آسيا رضي الله عنها التي لها قصة أيضاً مع فرعون وعندما خْبُرا بإيمانها فعل بها كما فعل بالماشطة جعلهم عبرة لغيرهم، ففي يوماً ما كانت الماشطة تسرح شعر ابنة فرعون فوقع المشط من يديها على الأرض فقالت:(بسم الله) فقالت بنت فرعون:(الله أبي..؟)،فقالت الماشطة:(لا الله رب أبيك ورب الناس جميعاً) ، فقالت بنت فرعون إذاً سوف أحدث أبي عنكِ بأن لك إلهاً غيره ، فقالت الماشطة:(أخبريه)،فذهبت إلى أبيها فتأكد من صحة الخبر وحقق معها وعرف أنها مؤمنة فقال لها أما أن ترتدي عن الإيمان وأما أن تُعَذّبي العذاب الشديد فقالت له إفعل ما شئت فلنّ أتراجع عن ديني ، فيابُني عندما يستقر الإيمان في القلب فيكون لديه يقين من أن عذاب الموت نصف ساعة أو ساعة وبعدها سوف تبدأ سعادته، أما إذا ارتد عن دينه فسوف يكون مصيره إن كان في الحياة الدنيا تعاسة وحتى في الآخرة نار جهنم ، فكان عذاب فرعون لهذه الماشطة التي نُسميها في زمننا هذا كوفيرة أن يرمي أولادها بالماء المغلي واحداً تلو الآخر ومع هذا كله لم ترتد عن دينها وعندما وصل الأمر إلى طفلها الرضيع ليرمي به أمام عيناها عسى أن ترتد عن دينها وتأخذها الشفقة إليه فقالت لفرعون:( لقد قضيتُ في خدمتكم عمراً أتاذني أن يكون لي عندكم طلب..؟)فقال لها فرعون:(لك ذلك) فقالت أطلب إليكم الدفن في قبرٍ واحدٍ مع أولادي جميعاً،ثم القي بها خلف أولادها وكان لقبرهم رائحة عطرة فعندما كان النبي ﷺ في ليلة الإسراء والمعراج راكباً على البراق من مكة إلى بيت المقدس فأستنشق النبي ﷺ رائحة زكية فقال يا جبريل:(ما هذه الرائحة..؟) فأجاب سيدنا جبريل عليه السلام:(هذه رائحة الماشطة بنت فرعون وأبنائها وذكر له قصتها مع فرعون وماذا فعل بهم).
من يشتم هذه الرائحة العطرة أنا وأنتم..؟ إن شاء الله نَشتمُها.!
فيا بُني الإيمان أيضاً له رائحة طبية و زكية وله لذّةٌ في الطعم لقول النبي ﷺ :(ذاق حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما).فاذا كان الله ورسوله أحبُ إليك من كل شيء فأنت ما زلت إلى الآن تتذوق برأس الإصبع الإيمان ذوقاً، فمتى سوف تنهل بالمعلقة….؟ متى سوف تضع المونة..؟ فعليك بشدّ الهمة لعّل الله أن يتفضل عليك وتُحَصّل عما غفلت عنه،
ولنرجع إلى الرجل المؤمن الذي قال فيه الله عزوجل في كتابه العزيز :((وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ)).لإن فرعون لجأ إلى المشورة ممن حوله بأن يغير القانون الذي كان ينص على العفو لكل من ارتكب ذنباً وكان غائب، فبعد عشرِ سنوات يسقط عنه الحكم، فأراد فرعون أن يمدد الحكم لخمسةَ عشرَ عاماً ليتمكن من قتل سيدنا موسى عليه السلام لقوله تعالى:(( وَقَالَ فِرْعَوْن ذَرُونِي أَقْتُل مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبّه إِنِّي أَخَاف أَنْ يُبَدِّل دِينكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِر فِي الْأَرْض الْفَسَاد)).
وتابع سماحة الشيخ محمود المبارك : فنرى فرعون خائف على دينه من سيدنا موسى عليه السلام وهذا هو البلاء الأعظم، الشيطان يُلبس بعض الناس نظارات حمراء فيصبحوا يرون كل شيء أحمر ويضع لهم نظارات سوداء فيرون الدنيا كلها سوداء على رغم من البياض،
هذا على مذهب أحدهم كان لديه حمار لا يأكل الإ الحشيش ذو اللون الأخضر فجاء يوم من الأيام ونَفذَ الحشيش الأخضر بات الحمار لا يأكل شيء فخشي عليه صاحبه من الموت فروى صاحب الحمار قصة حماره لصديقيه الساخر، فقال له صديقه:( أنا سوف أجعل حمارك يأكل الحشيش اليابس وطلب منه المكافئة على نجاحه في المهمة). فقال له صاحب الحمار :(لك ما تشاء).فذهب وجاء بجلدة وفتح لها فتحة، كفتحة عين الحمار و وضع عليها مثل ورقة الشوكولا لونها خضراء و وضعها على عيناه مثل النظارات فأصبح الحمار ينظر إلى الحشيش اليابس ويأكل منه وكذلك فرعون،
عندما نرى الصلحاء مثل الشمعة التي تضيء لنا نوراً في دربنا فيذهبون لها ليطفئوا نورها ويدّعون بأنها تسبب الألم لأعينهم فيقعون في المطّبات فعندما تريد أن تطفئ الشمعة فإن الله سوف يطفئ نور عيناك وقلبك فإذا كنت تريد إطفاء أنوار الله فلن تسطيع على ذلك لقوله تعالى:((يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)).فإن الله إذا أراد أمراً لا مردَّ له من الله ولا معقب لإمره لقوله تعالى:((مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)).وعندما ظهر الرجل المؤمن الذي كان يخفي إيمانه ولكنه جاءهم بالنصيحة ولم يظهر لهم إيمانه لقوله تعالى:(( قَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّاب،ٌ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إن جَاءَنَا)). فجاءهم بالموعظة والإقناع ولم يقل لهم أنتم كفار ولكن كان يتكلم معهم باللطافة والحكمة فقال فرعون:((مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أرى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)).
فالقصد أن الله جعل في القرآن آية تُسمى الشورى كي تستشير أهلك وأصحابك وأولادك و زوجتك ففي عمرة الحديبية استشار النبي ﷺ زوجته أم سلمة في حل مشكلة كبيرة كادت أن توقع بينه وبين المسلمين وخشي عليهم من سخط الله أن ينزل بهم لمخالفة أمر الله ومخالفة رسولهﷺ لأن الرسول ﷺ أمر الصحابة بأن يخلعون ثيابهم ويحلقون رؤوسهم ويذبحون الهدي ويرجعون إلى المدينة فلم يفعلوا فدخل النبي إلى الخيمة وهو غضبان فقالت له أم سلمة رضي الله عنها:( ما بك يا رسول الله…؟) فقال لها:(أمرتهم فلم يأتمروا) فقالت له:(يا رسول الله ﷺ حاشا وكلا أن يخالفوا أمرك ولكنهم يطمعون بأن تعقدوا صلحاً آخر وتدخلون مكة ولا يحرمون العمرة فيها فأذهب أنت واطلب الحلاق للحلاقة وأخلع ثيابك وأذبح هدّيكَ وسوف يقتدون بك).فما إن فعل النبي ﷺ ذلك فجاء خلفه الصحابة مقتدين به ومؤتمرين له يتخاطّفون شعره البركة فهؤلاء الذين ينكرون البركة محرومين خير الدنيا والآخرة ثم ذبح النبي ﷺ الهدي ولبّس ثيابهُ ورجعوا إلى مكة، فالقصد هنا الحث على المشورة بين المسلمين لقوله تعالى :((وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)).فعادةً يأمرنا القرآن في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ولكن في هذه الآية فإن الله قدم الشورى على الزكاة لقوله تعالى:((وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)).
ختم سماحة الشيخ محمود المبارك موضحاً : فالقصد هنا علينا أن نأخذ من قصة سيدنا موسى الحِكَمْ والعِبَرْ ونخوض في التفاصيل وليس فقط كيف كان الخِصام بين سيدنا موسى عليه السلام وفرعون المتجّبر فأنظر في نفسك هل أنت فرعون زمانك…؟ فلماذا لا تكنّ أنت موسى زمانك عليه السلام ….؟فأنظر إلى الرجل الناصح المؤمن من أهل فرعون الذي قال لهم :((وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ)).فصار يُذّكْرهم بالأمم القبلية وقال لهم:((وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هلك قلتم لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا)).أي ما زلتم في شك بنبوة يوسف عليه السلام وخسرتم يوسف من قبله فلا تخسروا موسى عليه السلام لإنه جاءكم بالبينات، ولكن فرعون أصر على عناده وكفره إلى أن جاء يوم من الأيام و رأى أن سيدنا موسى عليه السلام أصبح يلتف حوله الأنصار المؤمنين، فأصدر الإعلان بأن سيدنا موسى وجميع من معه من المؤمنين هم أعداء لنا وأين ما تَثْقُفنّهُمْ عليكم بالقضاء عليهم فعندما صدر هذا القرار أمر الله سيدنا موسى عليه السلام بقوله:((فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ، وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ )).
أي أن فرعون سوف يلحق بكم، فعندما تضرب البحر وتُفتح الطرقات لا تضرب بالعصا مباشرة لإغلاق الطرقات انتظر قليلاً فإن لي حاجة في ذلك فسأل سيدنا موسى ربه لماذا…؟ فقال الله عزوجل:(أُريد فرعون أن يسير خلفك ويغرق في البحر ).

(Visited 3 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: