الفكر

السيرة النبوية الشريفة الحلقة76
31-12-2021
27 جمادى الأولى 1443 هـ
البث الأسبوعي_ صباح الجمعة

استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك الدرس بالقول :اللهم صل على سيدنا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين وعلى أبيه سيدنا ابراهيم وأخويه سيدنا موسى وعيسى وعن سائر الانبياء والمرسلين وعنّا معهم بفضلك ومنّك وكرمك يا أكرم الاكرمين.
نسألك من فضلك علماً نافعاً ونسألك من فضلك يا ربي العفو والعافية والمعافة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة إنك على ما تشاء قدير.
النبي صلى الله عليه وسلم حكيمٌ في كل تصرفاته حتى مع أعدائه ،فبعد أن كُسِرت شوكة قريش في المفاوضات وأصبحوا أمام العرب متهمين ،أخذت قريش تفكر في قبول الصلح مع المسلمين ولكن كان هناك معارضة من شباب قريش ،وهذه الشباب غالباً تكون متحمسة على تفكير غلط وتحمس الشباب يوصل إلى التهور والتهور يوصل إلى الاخطاء ،فهؤلاء الشباب نشؤوا على كراهية الاسلام فلا يريدون اتفاق مع النبي صلى الله عليه وسلم بل يريدون الحرب ،فغُرِس فيهم عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وعداوة الاسلام فلم يعجبهم هذا الصلح ،” صلح الحديبية “وسبب ذلك أنه عندما جاء الاسلام كانت أعمارهم ما بين الست إلى التسع سنوات ،أي كما يقال رضعوا الكراهة من صغر ،وحاول هؤلاء الشباب أن يمنعوا كل طريق للصلح ودائماً الجهلاء تجدهم ضد الصلح وضد الخير والرحة والتسامح ،فقامت هذه المجموعة من الشباب وعددهم ما يقارب الخمسين شاباً فقاموا بالتسلل..أي يتسللون يريدون أن يخرقوا جيش المسلمين ليقتلوا منهم ويخربوا الصلح ولكن دائماً المسلمين في يقظة فحاولوا ان يقتربوا من المعسكر فوجدوا حصيناً فلما أحسّ عليهم قائد المعسكر وقبل أنه كان محمد بن سلمى بن مسلمة ،فأرسل إليهم فرقة من الصحابة وأمرهم أن لا يقتلوهم ولكن قيّدوهم وهذا أمر ليس بالسهل ..50شخص مسلح فهذا يحتاج إلى مشقة ووقت ،فانطلق الصحابة خلفهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع حراسة قويه حول معسكر المسلمين على مدار الساعة ،النبي يعرف عداوتهم ..عملوا صلح وأرسلوا الشباب يخربوه ، وكان محمد بن مسلمة رضي الله عنهم أجمعين هو قائد الحراسة فلما اقترب هؤلاء الشباب من قريش أي من معسكر المسلمين فأحاط بهم الصحابة وتم القبض عليهم وقيّدوهم وجاءوا بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم مقيدين وكان عملية القبض على هؤلاء الشباب صعبة جداً لأن عددهم كبير ومسلحون ولأن القبض عليهم تم دون إرقاء الدماء من كلى الجانبين ،فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه الصحابة بخبرهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم :أطلقوا سراحهم ،..لاحظوا كيف نحن ملتزمين على صلحنا، نحن كلمتنا غالية علينا نحن لا نخادع،قاال..فأطلق سراحهم دون قيد أو شرط ودون أن يطلب منهم فداء حتى يفسد عليهم مخططهم في فساد جهود المصالحة بذلك جعل صلى الله عليه وسلم هذه الحادثة أمراً يؤكد ان المسلم عند قوله وعند كلامه ولايتلون..لان التلون صفة المنافقين ، ثم يؤكد لهم في هذا الأمر أنه قد جاء للعمرة وليس للقتال ،وأن طلبه للهدانة جاء من مركز القوة وليس من ضعفي..،ذكر الله سبحانه وتعالى هذا الموقف في سورة الفتح عندما قال تعالى :
{وهو الذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أطفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصير} وهو الذي كفّ أيديهم عنكم فلم ينجحوا في قتل أحدٍ منكم وفشل مخططهم ،هم أتوا كي يخربوا الصلح ويعملوا الفتنة ويبدأ القتال ،ومعنى
أيديكم عنهم قال لم يقاتلوكم ومعنى بطن مكة أي في الحديبية لأنه مكان قريب جداً من مكة وهي الآن تعتبر ضاحية من ضواحي مكة ،ومن بعد أن أطفركم عليهم أي بعد أن وقعوا في الأسر وكان ذلك من توفيق الله أعانكم على أسرهم وكان أسر هؤلاء الخمسين من شباب قريش ثم إطلاق صلى الله عليه وسلم سراحهم من أحد أسباب الصلح ،واستمر وجود المسلمين في الحديبية أكثر من ثلاثة أسابيع ،ففكّر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل أحد أصحابه للكلام مع قريش مباشر ،بالرغم من أن قريش قد أرسلت لهم رجلاً من سادات العرب وقد نقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما يدور لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكون الكلام موجهاً مباشرة من المسلمين إلى قريش لأن الوسيط قد لا ينقل الصورة كما هي أو كما يريد النبي الصورة الكاملة ،فاختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه ،لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم عثمان لهذه المهمة؟ ،لأن عثمان أولاً من بني أمية وهي من البطون القوية أي عشيرته في مكة لها مكانتها ،فكان في قريش أقوى بطين أي أقوى قبيلة أولاً بني هاشم ثم بني أمية الذي كان منهما سيدنا عثمان رضي الله عنه وأرضاه ،وكان التنافس بين البطينين أي بين قريش وبين أمية على الزعامة قديماً في هذا الوقت كانت الزعامة لبني أمية في مكة وكان سيد مكة أبو سفيان وهم من بني أمية بعد أن كانت لعم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب من بني هاشم واستمر هذا التنافس حتى بعد استقرار الاسلام ،وكانت الحرب والفتنة الكبرى التي جعلت الانشقاق بين المسلمين ،عثمان وما أدراك من عثمان الذي قال به المصطفى صلى الله عليه وسلم ما قال عندما مرّ به ورآه مهموماً بعد أن رجع من انتصاره من بدر، فسأله النبي:مالي أراك مهموماً يا عثمان؟!،وقد كانت زوجته قد توفيت ،فقال له:يا رسول الله وهل دخل على أحدٍ ما دخل علي!انقطع الصهر بيني وبينك ،لاحظوا ابني الموقف كيف ينظر والدواب كيف تنظر من نظرة ثانية….،خائف على قطع الصهر بينه وبين النبي ،لا يسأل على النساء بل يسأل على القرابة والمصاهرة ،أين هذه الجواهر! أين تباع!!!،قال ..فبينما هو يحوره إذ قال النبي عليه الصلاة والسلام :هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن الله أن أزوجك أختها أم كلثوم ..ما زالك صادق فلك البرب والمصاهرة ولن نبعدك ،إذن.. نزل الوحي بأمر من الله أن يزوجه أختها على مثل صداقها أي على المهر الذي تزوجت أختها عليه ، وعلى مثل عشرتها، فزوّجه إياها ولما تزوجها دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا ابنتي أين أبو عمرو ، أبو عمرو كانت كنية سيدنا عثمان في البداية قبل الزواج كان يكنى بأبو عمرو ..، فقالت :خرج لبعض حاجاته ،فال:فكيف رأيتي بعلكِ ؟،فقالت :يا أبتي خير بعل وأفضله ،وقال يا ابنتي كيف لا يكون كذلك وهو أشبه الناس بجدك إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه وبأبيك محمد ..صلى الله عليه وسلم ، وجاء عثمان أي جاء بخبر آخر أن النبي قال :عثمان من أشبه أصحابي بي خُلفاً وكذلك جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال لي جبريل عليه السلام إن أردت أن تنظر من أهل الأرض شبيه يوسف الصديق فانظر إلى عثمان بن عفان ..الله يرضى عنهم ، ولتزوجه بابنتَي رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذي النورين لأنه تزوج من ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجمع أحد منذ آدم إلى البوم بين ابنتي نبيٍ غيره، أي من زمن أبونا إلى هذا الوقت ما جمع الله مثل هذا الزواج ، ومن ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً عنه فقال:ذاك امرؤٌ يدعى في الملكوت الأعلى ذي النورين ، النبي يسأل الصحابة عن عثمان..فهذه شهادة سيدنا علي فيه أي أنه يُذكر في الملأ الأعلى بذي النورين ،أي فضيلة مثل هذه الفضيلة !!
فال ولما ماتت أم كلثوم تحته وذلك سنة التسعة قال النبي صلى الله عليه وسلم :زوجوا عثمان.. لو كان لي ثلاثة لزوجته إياها وما زوجته إلا بوحيٍ من الله ،أنا لا أعمل لوحدي بل أعمل بتوجيه الله ، وجاء ..أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:لو كان لي أربعين بنتاً زوجتك واحدة بعد الواحدة حتى لا يبقى منهن واحدة ،قال رجل من المنافقين لأبي لبابة رضي الله عنه:قد تفرّق أصحابكم تفرّقاً لا يجتمعون بعده أبداً قد قتل محمد وغاب أصحابه وهذه ناقته عليها زيد بن حارثة لا يدري ما يقول من الرعب قال أسامة : فجئت حتى خلوت بأبي لبابة وسألته عما أسره له فأخبرني بما أخبره فقلت أحب ما تقول ،فقال:أي والله حتى ما أقول يا بني فوقيت نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت:أنت المرجف لرسول الله لنقدمنك إلى رسول الله ،أنت الذي تبعث الدعايات الكاذبة ،إذ قدم فيضرب عنقه فقال إنما هو سيّء أو شيّء سمعته من الناس يقولون وهذا الشيء المشين الذي يسمعه المنافق ثم يتحدث به كما سمعه عن أخبار عثمان ،أي عثمان الذي أرسلته تأخر عليك فقتلوه فالنبي عليه الصلاة والسلام لما بلغ بهذا الخبر أعلن بيعة الرضوان ،بيعة الرضوان هي البيعة عن الموت ،أي مازال أرسلنا لهم من يفاوضهم وقتلوه فقريش تريد جزاءها وهو أن نحاربهم حتى نهلك أو يهلكون ولا يوجد تراجع أبداً فبايعوا الصحابة كلهم في الحديبية إلا رجل واحد فالنبي استدعاه أي لماذا لم تأت إلى البيعة فقال:يا رسول الله لا أريد ان أبايعك وأخلف البيعة أنا إنسان جبان فالنبي عذره ،فالمهم لما سمعت قريش ما فعل النبي أطلقت عثمان فرجع عثمان لكن لاحظوا النبي عليه الصلاة والسلام وهو يبايع الصحابة كل شخص يضع يده بيد ويبايعه على الموت فلما وصل سيدنا عثمان النبي وضع يد على يد وقال:هذه بيعة عثمان لحتى نعرف أن سيدنا عثمان يستحق..سأحكي لكم موقف واحد، أنه ذهب إلى مكة يفاوض فيقولون له : طوف بالكعبة فيقول :لا أطوف والنبي صلى الله عليه وسلم ممنوع..انظروا إلى الوفاء إلى الحب الحقيقي ،وعاد إلى الحديبية من غير أن يطوف وكانت له هذه الكرامة؛ وضع النبي يده على يده وقال هذه بيعة عثمان، فكانت من هذه البيعة هزة لقريش أي نحن نقدم لكم الخير والمعروف وأطلقنا سراح50 شخص ولم تفهموا وأرسلنا لكم من يفاوض وطلعت الدعايات أنكم قتلتوه فلذلك قمنا ببيعة الرضوان يا أما نصر يا أما هلاك .
فقال سماحة الشيخ محمود المبارك أنه كانت هذه المشاهد لسيدنا عثمان الله يرضى عنه وله المشاهد الكثير لما النبي أراد أن يجهز لغزوة عسرى ،وسميت بالعسرى لأنها بوقت عسر ..أي الثمار والفواكه والرطب كلها وقت بيعها تبيع ثمارها فاجتعمت هذه الأمور كلها ….فسميت غزوة عسرى
قال فما كان من عثمان عندما رأى العسرى ..إلا أحضر الشيء المذهل ،أتى بالذهب وصار يكبه أمام النبي حتى صار مثل القبة وكان أبي بكر مقابلها فالنبي كان لا يرى أبي بكر ولا أبي بكر يرى النبي من المال الذي صبه عثمان أمامهما من أجل دعم هذه الغزوة التي هزت أعداء الاسلام في الشمال وزلزلتهم زلزلة ولم يستطيعوا أن يذهبوا ويقابلوا صلى الله عليه وسلم ولكن عمل اتفاقية وصون المدينة من الجهة الشمالية وعمل الأصحاب والحلف له أي إذا أرادوا الروم الهجوم تخبروننا وهذا كله يحفظ البلاد والدولة فهذا من بركات سيدنا عثمان رضي الله عنه وأرضاه ونسأل الله أن يجعلنا أهلاً لنقتدي لهم فيما يحبه الله ويرضيه ونسأل الله أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته « من تشبه بقوم ٍ حشر معهم .

ختاماً قال سماحة الشيخ محمود المبارك أسأل الله لنا ولكم القبول وصلى الله وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والحمدلله رب العالمين وجزاكم الله عنا خيرا .

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: