التحرر من الشهوات

السيرة النبوية الشريفة الحلقة 63
2021 – 10 – 1
٢٤ صفر ١٤٤٣ هـ
بسم الله الرّحمن الرّحيم

استفتح سماحة الشيخ محمود المبارك ب : سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هي سعادة للبشرية توصل إلى مرضاة الله في الدنيا والآخرة لا ننكر أنها مملوءة بالمصاعب والشدائد والمحن لكن هذه المصاعب هي التي تخرج العظماء… فحياته صلى الله عليه وسلم هي مدرسةٌ للسعداء، يتعلمون منها كيف ينالون سعادة الدنيا والآخرة بطاعة الله تعالى.
أضف إلى ذلك أنها تعالج كل القضايا للبشرية، فإذا درسها المؤمن بقلبٍ حي وطبّق ما فيها كان هو السعيد المسعد لمن حوله، لأنه تعلّم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كيف يخاطب أعداءه، وكيف يقلب العدو صاحباً، وكيف ينتصر على أعدائه…فالنبي صلى الله عليه وسلم لاقى من أهل مكة الإيذاء والمقاطعة والشتم والاتهام بأنه شاعر وهم يعلمون بأنه ليس بشاعر.
للنبي صلى الله عليه وسلم أعمالٌ في المدينة وأعمالٌ في مكة، ولكل عملٍ أو حادثةٍ هدف… سنذكر هذه الأهداف وندرسها اليوم.
عندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بدأ بكتابة المواثيق والاتفاقيات بين أهل الكتاب والمسلمين، وبدأ يخطط الأسواق ويآخي بين المهاجرين والأنصار، ويؤّمن السكن والعمل للمهاجرين الذين فقدوا أموالهم وبيوتهم ونساءهم ورجالهم، فكان المعلم أغلى عليهم من كل شيءٍ، وكانت النتيجة أن عادت مكة بما فيها مع العزة والكرامة.
ولكن لمّا فضلوا مكة على المعلم، كانت النتيجة أن ذمّهم الله.
فالهجرة إلى النبي تعني بأني يا رسول الله أريد أن أصبح مؤمناً، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم بالآخرة ويمنيهم بالجنة ويهيئهم لحماية ونشر هذا الإسلام.
ومن أعماله صلى الله عليه وسلم أنه أخذ يدرب الصحابة على الغزوات والسرايا، فوضح لنا سماحة الشيخ محمود المبارك أن الغزوة تكون ورسول الله معهم، والسرية لم يكن معهم…فكان الهدف من هذه الغزوات والسريات هو التمهيد لغزوة بدر، وهي مواجهة بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش على مستوىً عالٍ لأنهم يمنعون نشر الخير والعلم والمحبة بين الناس، ويضعون الأصنام على الكعبة وحولها ويأمرون الناس أن يطوفوا عراةً… فكان عليه الصلاة والسلام يسعى لإزالة هذه العادات والخرافات، وقد قال تعالى في وصفهم:
{إنَّا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون}
{قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنّا بما أرسلتم به كافرون}
{ فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين}
ومن أهدافه صلى الله عليه وسلم هو أن يفرض حصاراً اقتصادياً، وذلك بحجز القوافل في رحلتي الشتاء والصيف. حيث كانت رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى بلاد الشام.
أحد الصحابة وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان له 300 جمل فقدمها للمسلمين، وعندما جاء الناس ليشتروا من بضائعه قال لهم: كم ستربحونني؟؟ فقالوا: القرش بقرشين، فقال لهم: قد جاءني ربحٌ أكثر، القرش بعشرة. فقالوا له من الذي دفع لك؟؟ فقال لهم: الله… لأن الله يعطي على الصدقة عشرة أمثالها وزيادة… وأيضاً أراد أن يستفز قريش لأنهم عرفوا الحقيقة وأنكروها، فعندها بعثوا أبا الوليد ليفاوض النبي، فقال: يا بن أخي أتريد المال لنجعلك أغنى الناس فينا؟ وإن أردت النساء نزوجك عشرةً من أجمل النساء؟ وإن أردت الإمارة نوليك علينا، ولكن اترك “لا إله إلا الله” ونرجع لأصنامنا… فسمع له النبي صلى الله عليه وسلم وعندما انتهى قرأ عليه من بداية سورة فصلت إلى أن قال:
{فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً}
فوضع ابن الوليد يده على فم النبي وقال له: أنشدك بالرحم لا تكمل القراءة، ولما رجع إلى قريش حدثهم بما حصل
فقالوا له: هل قد سحرك؟ فقل لنا ما رأيك؟ وعندما أحس أنه على وشك أن يخسر القوم قال: ما هو إلا قول البشر..
فردّ الله عليه: {سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحةٌ للبشر عليها تسعة عشر}
الهدف الثاني أن الكعبة وبيت الله الحرام ملكٌ للمسلمين ويجب أن تكون تحت حكمهم، وهذا أهم ما سعى له النبي صلى الله عليه وسلم ولو بالحرب والقتال…
الهدف الثالث: قريش تمنع المسلمين من زيارة بيت الله ومن الحج والعمرة…
الهدف الرابع: قريش لها مكانتها في الجزيرة العربية، وتستغل هذه المكانة للدعاية ضد المسلمين وتخيف العرب من الانضمام لمعسكر المسلمين، ويسمّون من يدخل الإسلام صبأ، فأصبحتْ قريشُ العائق الأول في نشر الإسلام في الجزيرة العربية.
الهدف الخامس: أن قريش تفكر بالهجوم على المسلمين في المدينة، لذلك كانت المبادرة عملاً بالقاعدة العسكرية المعروفة الهجوم خير وسيلةٍ للدفاع.
و تابع سماحة الشيخ محمود المبارك محدثاً أن الهدف الأخير: هو أن قريشاً تحبس بعض المستضعفين المسلمين في مكة وتعذبهم وتفتنهم عن دينهم، لذلك يقال بأن العباس كان مسلماً يكتم إسلامه ﻷن زوجته كانت مسلمةً من قبله ومعلنةً إيمانها، ومن الحكمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار له ألا تعلن إسلامك، فكان العباس مسلماً بالسرّ ليتحرّى أخبار قريشٍ ويوصلها للنبي وكأنّه عينٌ له.
هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم، أما الآن فلا نريد منك أن تقوم بالغزوات والسرايا، لكن عليك أن تحرر نفسك من الشهوات والغرائز، ثم تلتفت إلى غيرك لتساعده على التخلص من شهواته، وترشده إلى المعلم، وأن تصل إلى درجةِ أن تعبد الله كأنك تراه، وهذه أعلى درجات الإيمان، ولتزرعوا في قلوب أبنائكمُ المحبة والفضيلة ولا تزرعوا الكره والبغض.
فكانت كل هذه الغزوات والسرايا من أجل رفع هيبة المسلمين بين القبائل المحيطة بالمدينة، بل وفي الجزيرة كلها، وتدريب بعض الكوادر على القيادة سواءً قيادة السرايا أو في المدينة عندما يخرج النبي للغزوة… والغزوة التي فصلت بين الحق والباطل المسماة بغزوة بدر كانت بشهر رمضان، وكان معروفاً عند العرب بهذا الاسم ولكن لم يكن صيامه مفروضاً، و حصلت المعركة هذه العظيمة التي تعد مدرسةً مليئةً بالحكم والمواعظ
ولكن نحتاج من يستخرج لنا من هذه الغزوة منافعها… كانت في السابع عشر من شهر رمضان، وكان قد فرض الله عليهم صيام رمضان وشرَع النبي صلى الله علي وسلم هو و أصحابه بصيام شهر رمضان، وكان النبي و أصحابه قبل أن يفرض صيام رمضان يصومون بعض الأيام، فجاء الصيام تدريجياً… كما جاءتِ الصلاة ركعتان صباحاً ركعتان مساءً لمدة سنةٍ ونصف إلى أن فُرضت بشكلٍ كامل.
وكانت اتباعاً لإبراهيم عليه السلام، ثم النوافل، والرحمة الإلهية بأن الله سبحانه وتعالى يوم القيامة عندما يزن للعبد عمله فإذا نقص عليه من صلاته قال الله للملائكة: انظروا هل لعبدي من تطوّعٍ، فيقولون: يوجد، فيقول عز وجلّ: ضعوها كأنها فريضة… فهذه رحمة الله سبحانه وتعالى مع المؤمنين.
وهكذا نزل التشريع في الصلاة والصيام وترك الخمر على أربع مراحل، حتى المرحلة الثالثة نزلت:
{سَكَراً ورزقاً حسنا}
فقال سيدنا عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر… حتى نزلت الآية: “فاجتنبوه”.
وعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم اليهود يصومون يوم عاشوراء قال لهم: ما هذا اليوم تصومون؟ فقالوا: هذا يومٌ عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه من فرعون يوم انشقاق البحر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن أحقّ بموسى منكم. فيجب أن يفهم الأعداء من قول النبي صلى الله عليه وسلم بأنه فرح بنجاة موسى وأنه جاء ليكمل عمل موسى وعيسى.
ثم فرض رسول الله صيام ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وهذه كلها دروسٌ لنا وحكمةٌ للدعاة، وذلك أن تقوم كل عملٍ بالتدريج والرحمة والإخاء، فالمعلم كالطبيب يعطيك الدواء رويداً رويداً حتى تشفى، ودروس العلم ستأخذك للصلاة والصيام والنوافل والصدقة ونشر العلم، وأن تأتي بشخصٍ إلى مجلس علمٍ خيرٌ من أن تأمره بالصلاة والصيام والصدقة…
فالزكاة فُرضت بعد ثماني عشر سنة.
فكان النبي يصوم ثلاثة أيامٍ البيض من كل شهر [15،14،13]، ختاماً قال سماحة الشيخ محمود المبارك :وهذه الأيام فيها سرٌ للجسم.
إنما هي دروسٌ يجب أن نتعلمها من هذه الغزوة التي أعزّ الله بها دينه والمسلمين وثبتهم وثبت دولتهم وأصبح الجميع يهابهم، فكانوا يداً واحدةً مترابطين مع بعضهم والنبي صلى الله عليه وسلم مرتبط بالسماء.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: