استكمال الإيمان

                                                  بسم الله الرحمن الرحيم.

السبت 2022/١/ 1
28 جمادى الأولى 1443

يستفتح سماحة الشيخ محمود المبارك الدرس بالحمد : الحمدلله رب العالمين ، أفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
في هذا العام الجديد الميلادي الذي نكرم المسيح كما نكرّم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أمرنا بذلك ، ((آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته وكتبه و رسله لا نفرّق بين أحدمن رسله و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير )) …..
نقول لكم كل عام وأنتم في مسيرتكم في نشر الورود والمحبة والتسامح بين الناس ، والمؤمن هذه أعوامه و أيامه دائماً مزارعه لا تتوقف و مشاتله لا تنهدم بل يتابع الغرس في زرع الأزهار حتى يملئ الدنيا عطوراً ، ولا يضره فساد المفسدين من عليه زرعه ، وهكذا الداعي خصّه الله لسقاية هذا الزرع لتكثر الورود و نتخلص من روائح الإنتان التي تخرج من أفواه الذين يزرعون الحقد بين الناس ، مع العلم كل واحد على دينه ((لكم دينكم ولي دين )) بدون أن تقرّ عليه معتقده وتتبعه ولكن الواجب عليه أن تواسيه في حزنه ، و تهنئّه بأفراحه و تجامله بأعياده ما دمت تعلم الخلل كي لا تقع فيه . اليوم لجئنا إلى أمر كلنا يحتاج إليه ، النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ولكن عندما نرى أن الله يرسل جبريل عليه السلام ، فهذا يدل على التاُكيد لأخبار النبي لقومه ، في حديث عن سيدنا عمر رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع علينا رجل شديد بياض الثوب شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر السفر أو التعب من ملابس …….. أو إرهاق للجسد و شعر متّسخ و نحوه ، فلم يعرفه أحد من الحاضرين ، حتى جلس إلى النبي و أسند ركبتيه إلى ركبتيه و وضع كفيه على فخذيه، ونفهم من هذا أدب الجلوس مع العالم الذي هو من ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يورثوا درهم ولا دينار ولكن ورَّثوا العلم ، وقال يا محمد : أخبرني عن الإسلام ، فقال صلى عليه وسلم له : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تصوم رمضان و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ، فقال صدقت ، ونحن نريد أن نمرّ بفكرة عن أركان الإسلام أكثر حيث أن الكثير يعتبر الإسلام خمسة أركان فقط مثل الفندق المؤلف فقط من أعمدة وليس فوقها شيء ، فالإسلام بني على خمسة و هو بضع و سبعون شعبة أي 79 شعبة سوف تبنى على هذه الأعمدة الخمسة ، و إذا بنيناها عندها نبقى فقط على العماد الرئيسي و ليس بناء جاهز ، مع العلم قد لا يستطيع المريض أو الفقير أن يتمّم إسلامه فلا يستطيع أن يصوم لمرض فيه ولا يحج وعندها إسلامه ناقص ولابد من تصحيح ذلك حتى يستكمل إيمانه .
ومعنى شهادة ألا إله إلا الله : أنك ترى في عينك مثلاً من سرق شيئا ما في أم عينك ، فهل صار لديك الشهود بوحدانية الله ، لو ذهبتِ إلى مريكا وجدت الطير هناك نفسه في كل مكان ….. فعليك أن تشهدي شهود اليقين أن الله ليس له شريك (( وقل الحمدلله الذي لم يتّخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبّره تكبيراً))
القصد أنه عندما ذكر هذه الأركان الخمسة ثم قال صدقت ، فعلينا أن نبني كل شيء على هذه الأعمدة الخمسة من صدق و وفاء و أمانة و……و…….وعلى الإنسان أن يبحث عن المعلم المربيّ الذي يبني له الإيمان الذي هو بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق ، فإذا أبعدتي مسمارا عن الطريق قد ن حياة مريض يكون في سيارة إسعاف قد تدعس على هذا المسمار ، و قد يكون هذا المسمار في رجل أحدهم فيضرّه ويسبب الغرغرينا في قدمه ويبترونها له …
و أعلاها كلمة التوحيد ، فعليك أن تشهدي و تتيقّني أن الله المتصرف وحده في مملكته وهو المسبب لكل ما يدور حولنا ، فعندما يصيبك العين أو الحسد فهذا من تقصيرك و قلة عقلك كالذي ترك شبّاك غرفته فيدخل المرض والبرد، وكذلك التي تعرض أولادها بكامل أناقته و جماله أمام العيون الفارغة فيصيبونه بالعين والله يأذن للعين أن تصيبه من سوء تصرّف والدته ، ولكن عليك أن تجعلي نقص ما في ابنك تحميه من هذه العين ، مع العلم عندما تأخذين بالأسباب ثم يحدث ضرر فأنت مأجورة على ذلك من الله…… وقول جبريل صدقت جعل الصحابة يتعجبّون من ذلك لأنه هو الذي يسأل ويصدّق على الجواب مثل الذي يسأل عن مكان بيت وعندما يخبرونه ويقول نعم صدقتم و كأنه يعرفه …..ثم فقال: أينما كنت ، ففي الغضب لا تتكلّمي إلا يرضيه تعالى وعندها هنيئاً لك ، ولكن إذا غضب ثم تحدث بكلام يسخط الله من شتائم ولعن و كفر ، ثم تأتي الصلاة تقومين إليها ، فما هذا الصلاة ؟ ألم تؤمني أن الله يراك ويكتب عليك كل أعمالك و سيحاسبك على كل صغيرة و كبيرة ، و سوف تشاهد كيف قضيت عمرها يوم القيامة بالصوت والصورة و أخلاقها مع أهلها و أولادها وجيرانها وكذلك يقال لك ((اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً)) فإذا وجدتِ أنك تستحقي دخول الجنة فستدخلينها ، ولكن إذا كنت من الفاشلين الراسبين الذين لا يستحقون النجاح عندها لن تستطيعي زيادة علامة ليست لك لأن الله والملائكة والجميع عليكم شهود ((يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه وصاحبته و بنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه))
((فكيف تتقون يوماً يجعل الولدان شيباً ))
فكم علينا أن نحسب حساب ذلك اليوم ، أرسل الله لنا سيدنا جبريل ليأكد لنا كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
الإيمان ليس بالكلام((قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا)) فالله وحده من يثبت لك الإيمان وليس فقط بقولك دون عملك فهذا غير مقبول ، ((ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم وأن تطيعوا الله و رسوله)) ومعنى ذلك أن الإيمان يحتاج مجالسة العلماء و ملازمة تعاليمه حتى تصل للإيمان الحقيقي ، فالإيمان بالله يشمل وحدانيته و الإيمان بإرساله للرسل و الكتب و أنه هناك موت وميزان و جنة أو نار ، وهو جلّ جلاله أمرنا بالحلال حتى نأخذ به و ذلك الحرام حتى نجتنبه ، وإذا سألنا المدخّنين من علّمهم ذلك لقالوا لك جليس سوء نقل له العدوى و التّلوث ، عوضاً عن أن يجعلها مثله ، فعليك أن تلتزمي بأهل الصلاح والفلاح حتى ينقذك ولا تكوني من من يقول ((ربي ارجعوني لعلي أعمل صالحاً فيما تركت)) فلو تكلمت من الآن حتى يوم القيامة عن الإيمان لما انتهيت ، فهو الرحمن الرحيم الكريم ….((نبّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم و أنا عذابي هو العذاب الأليم))
كذلك قال تعالى : ((و أما عادٌ فاستكبروا في الأرض بغير الحق و قالوا من أشد منّا قوّة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة)) ((فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا و لعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون )) ….
فنبهنا سماحة الشيخ محمود المبارك أن هناك عصا في الدنيا و الآخرة وهذا ليس فقط لقوم عاد وثمود حيث ارتفع فيهم بسبع قرى ثم ضربهم بالأرض ، ولكن ذلك للكل لكل بلد و مدينة و قرية ((ففريق في الجنة و فريق في السعير )) ….كذلك علينا أن نؤمن بالملائكة ولا نكون ممّن يؤمن بالدولة ولكن لا يؤمن بموظّفيها من عسكري أو جندي أو مؤسسات و و و …..وهذا يدل على جهل …. فالله تعالى أرسل هذه الملائكة لمهام من قبض أرواح أو تسبيح وتحميد أو حماية المؤمنين من الجان و كتابة الأعمال مثل رقيب و عتيد الذين يكتبون و يحصون لنا أعمالنا… كذلك لنؤمن بكتب الله التي أنزلت على رسله ولكن الذي نزل ولعب فيه الجهلاء ، فهو لا نؤمن به ، وكل شيء يخالف القرآن لا نؤمن به ،ما دخله شوائب خالفت دين الله ……كذلك نؤمن بالرسل التي حملت الرسائل من الله ، فالنبي والرسول هناك فارق بينهما : أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول …..فعندما يحمل الإنسان رسالة فهو نبي ورسول ، ولكن النبي يبلّغ رسالة ربه ومن قبله دون أن يكون له رسالة خاصة له ، والغاية هنا أننا نؤمن بكل الرسل والأنبياء ، فالنبي يأتي بأمر من الله كذلك الرسول ، كذلك علينا أن نؤمن باليوم الآخر حيث المكافأة والعقوبة والجزاء على العمل ….فلو لم يكن في الدنيا سجن و إعدام لأكل الناس بعضهم بعضاً ، وهم فضل من الله ونعمة من الله ليحمي حياتك و أرضك و أهل بيتك من المتسلّطين ….كذلك يوم الآخر الله لا يضيع عليك شيء …ويصف لنا صلى الله عليه وسلم : ((إن الله ليأخذ حق الشاة الجمّاء من الشاة القرناء يوم القيامة )) ، فلو آلمت البهيمة القرناء بقرونها البهيمة الخالية من القرون سيأخذ الله حقها يوم القيامة ثم يقول لهم كونوا تراباً فأمني أن الله لا يضيع أجر المحسنين ، فهو لم يضيّع أجر البهائم فهل يضيع حقك..؟ ((وإن تك حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)) ولو كانت ذرّة من عمل صالح أو فاسد يحصيها لك أو عليك ، ولكن الطالب إذا لم يدرس للامتحان سوف يسودّ وجهه عند نتائج الامتحان..
ولكن الذين يؤمنون بيوم الدين فهو الذي يشدّ همته و يعمل الصالحات حتى ينال أجرها و مكافئتها و يستعد له خيرا استعداد ، وهو اليوم الذي يذهب له كل الناس . ((يوم يجمع الله الأولين والآخرين )) فيقول لهم :
((ماذا أجُبتم)) فيقولون ربنا أنت أعلم بم أجابونا ، حتى الأنبياء و المرسلين قال تعالى : ((ياعيسى ابن مريم أنت قلت للناس اعبدوني و أمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما قلت لهم إلا ما أمرتني به إن كنت قلته فقد علمته )) ثم يقول فيه ….
و وصفه الله فقال ((هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ))….وكذلك تؤمنون بالقدر خيره وشرّه ، و الإيمان بالقدر يكون كما قال تعالى في الحديث القدسي ( يا ابن آدم إذا رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك و بدنك أنت عندي محموداً فهنيئاً لمن يرضى ليرتاح ، ولو أعطاك الله غير ما يعطي غيرك من جيران و أقارب وقد يكون مالهم حرام و رشوى و سرقة ، ولكن الله يريد لك نعيم الآخرة والجنان والنعيم ، فارضي بقسمة الله ، فهو يريدك أن تجتازي الحساب بسرعة بدون أن يهلكك ولو كانت الرزقة قليلة ، وفي كمالة الحديث ( وإن لم ترضَ بما قسمت لك سّلطت عليك الدنيا حتى تركض فيها ركض الوحوش في البرية و عزّتي و جلالي لا تنال منها إلا ما قسمته لك و أنت عندي مذموم، يا ابن آدم لا تنصفني خلقتك من تراب ثم من نطفة ولم يعيني خلقك أفيعيني رغيف خبز أسوقه إليك ، يا ابن آدم كما لا أطالبك بعمل غد فلا تطالبني برزق غد )) فالله لا يطالبنا بأعمال اليوم التالي كذلك ليس لكِ أن تطالبيه بأرزاق الغد …
((يا ابن آدم لي عليك فريضة ولك عليّ رزق ، إن خنتني في فريضتي لم أخنك في رزقك )) …
و كل أوامر الله فريضة ((إن السمع والبصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً))
فغض البصر وحفظ السمع من أوامر الله …ولو أنت قصرت في حق الله لكنه لا يقصّر في حقك و يعطيك من الشمس و الأوكسجين و الهواء حصنّك و لو كنت مذنبة———ملحدة ، ولكن الحساب في يوم القيامة غداً ….
وختم سماحة الشيخ محمود المبارك بالسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

(Visited 1 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: