ابن آدم اطلبني تجدني

2019-9-18

الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصلاة وأتمُّ التّسليم على سيدنا محّمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهمَّ إنّا نسألك من فضلك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ودعاءً مستجاباً وشفاءً من كل داء ، أمّا بعد : ذكر لنا النبّي ﷺ فيما يرويه لنا عن ربه في الحديث القدسي (( أنّ الله يقول : ابن آدم اطلبني تجدني ، فإن وجدتني وجدت كلَّ شيء ، وإن فُتّك فاتك كلُّ شيء ، وأنا أحبُّ إليك من كلّ شيء)) العاقل هو الذي يبحث عن مرضاة ربّه ، فالله تعالى هو الغنيُّ عن العالمين ، وإذا طلبنا رضاه فهذا سعادةٌ للخلق .
كيف تنال رضاء الله تعالى …؟؟
في امتثال أمره واجتناب نهيّه بتمام الاقتداء برسول الله ﷺ لقوله تعالى : ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) تظهر المحبّة الكاملة على المحبّ بالاقتداء برسول الله ﷺ ، والالتزام مع أحبابه…. حيث قال الصلاة والسلام :(من أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع ربي ، ومن عصى أميري كأنّما عصى ربي ) نفهم من هذا الحديث : أنّك إذا خالفت الشرطيّ ، كأنّما خالفت الدَّولة ، وإذا أطعت الشرطيّ كأنّما أطعت الدَّولة ، فالموّفق هو من يلتزم الأدب مع شيخه ومع من يدلّه على الله حّتى تكتمل فضائله ، ثمّ بعد ذلك يقوم بدلالة النّاس على الله وعلى رسوله وأوليائه ، هذا هو شرف الإنسان ، فالكعبة حجرٌ عندما نُسِبَتْ إلى بيت الله كُرِّمت ، وكذلك ثوبها عندما انتسبَ إليها شُرِّف…
فما بالك الإنسان الذي خلقه الله ونفخ فيه من روحه ، و أسجد له ملائكته ، إذاً الإنسان مكرَّم ، قال تعالى : ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )) إذاً أكرَّم الله الإنسان على جميع المخلوقات حتى على الملائكة ، والدليل على ذلك بأنّ الله أمر الملائكة بالسجود لآدم ، قال تعالى : ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ)) كما علَّم الله بني آدم ، حيث قال : ((وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) .
وكذلك في الحديث الشريف أنّ لله ملائكةٌ سيَّارة ، يبحثون عن مجالس العلم ومجالس الذكر فإذا وجد أحدهم نادى الملائكة : ( هلمُّوا إلى بعضكم ) .
عندما تتشرَّف بنسبك بأنّك من عباد الله فأنت إنساناً مقدَّساً عظيماً ، قال تعالى ((وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ)) فالله تعالى ينصرك في كلّ المواقف .
وردَّ في الحديث أنَّ الله تعالى قال : ((أحبُّ من عبادي ثلاث ، وحبّي لثلاثةٍ أشدّ ، أحبُّ الشّيخ التائب ، وحبّي للشّاب التائب أشدّ ، أحبُّ الغنيَّ المتصدِّق وحبّي للفقير لمتصدِّق أشدّ ، وأحبُّ الفقير المتواضع ، وحبّي للغنيّ المتواضع أشدّ ، وأبغض من عبادي ثلاث وبُغضي لثلاثةٍ أشدَّ ، أبغض الشّاب العاصي وبغضي للشيخ العاصي أشدّ ، وأبُغض الغنيّ المتكبر وبغضي للفقير المتكبر أشدّ ، وأبُغض الفقير المُقتر وبغضي للغنيّ المقتر أشدّ )) انظر أخي إلى نفسك من أيّ الفئات أنت…؟ الآن تستطيع أن تستنجد بأحدٍ ليساعدك وتنجو ، ولكن يوم القيامة لا مخرج هناك ، قال تعالى : ((يوم لا تنفعهم شفاعة الشّافعين )) ، تثبَّتْ من أعمالك ، لتصحح مسيرتك .
إذا كنت ممن أحبَّهم الله ، فاسعَ لتصبح ممن كانوا أشدّ حباً .
لذلك يجب أن نسعى إلى مرضاة الله كما علّمنا الله ورسول الله ﷺ ، وإلَّا نكن كالذي يمشي في الصحراء وهو لا يعلم الطريق ، فإذا وجد مرشداً تمسَّك به لئلا يتعرض للهلاك ، وأطاع أوامره و أعطاه العهد بعدم مخالفته،وكذلك النبي ﷺ والعلماء من بعده هم الدليل في ظلمات هذه الدنيا ، فعلينا اتباعهم وعدم مخالفة أوامرهم لنسعدَ في الدنيا والآخرة .
قال تعالى : ((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى)) انظر إلى نفسك ، هل أنت ممن أطاعوا الداعي في الأولى والثانية…؟ أم ممن أطاعوه في الأولى فقط…؟!
قال تعالى : ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) فالدّاعي ينقذك من حياة الضيق ويعلّمك حب ذكر الله ، وكيف يُفتح لك باب الرزق ، فيعطيك حياة السعادة والاطمئنان ، والزوجة الصالحة و الأولاد البررة ، فينظر الله إليك بعين عنايته لإنّك مطيع له ، قال تعالى : ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) فالدّاعي يساعدك لئلا تنشغل في الدنيا مهما فُتِحَت أمامك ، ولا تدخلها قلبك ، وإنّما دعها بين يديك ، فإذا دخلت قلبك ضيَّعتك ، كالذي يقود السيَّارة وهو مشلولٌ حتماً ستكون سبباً لهلاكه ، مثال على ذلك (ثعلبة) كان يُلَقَّب حمامة المسجد ، ولما فُتحت عليه الدنيا وأصبح غنياً ، أرسل إليه رسول الله ﷺ مَن يُحضر منه الزكاة عندما فُرِضّت ، فردَّ عليهم غاضباً ، وقال : ما هذا إلا دفع الجزية…! ولم يعطهم الزكاة ، قال تعالى : ((ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقنَّ ونكوننَّ من الصَّالحين ، فلّما آتاهم من فضله بخلوا به فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه)) فالدَّاعي يوصلك الجنَّة في الدنيا والآخرة ،قال عليه الصّلاة والسَّلام : ((مكان سوط أحدكم في الجنَّة أفضل من الدنيا وما عليها)).
انتبهوا إذا فُتحت عليكم الدنيا لا تنسوا المعلم ، ولكن اجعل لقاء المعلم أغلى من صندوق ذّهب ، مثال سيدنا بلال الذي فضّل النبّي ﷺ ، لذلك خُلِّد ذكراه إلى يوم القيامة ، أمّا قريش فانشغلوا بالمال والأنعام ، فذهبوا وتلاشى ذكرهم وخسروا الدنيا والآخرة .
-لذلك الزموا الصحبة ، وحافظوا على مجالس العلم .
تمسَّك بذيل حرٍ إن ظَفِرتَ به فإن الحرّ في الدنيا قليلُ .
فمنهم من يتغيَّب عن مجالس العلم بحجة مشاغل ، ومنهم بحجة تسلية أهل بيته ، والذهاب مع زوجته وأسرته إلى النزهات ، لكنَّ الزوجة الموّفقة هي التي تشجِّع زوجها لحضور مجالس العلم ، ترفع همته لملازمة الشيخ المربيّ ، لتصنع من زوجها رجلاً مؤمناً تسعد معه ، وتحصِّل منه صلاح أمرها و إيمانها وراحتها في الدنيا والآخرة .
فليست الزوجة التي تمنع زوجها من الطبيب ، الذي سيداويه ، و تجعله رجلاً حيوانياً ، وبذلك تحصِّل عقاب الله ، ونتيجة عملها إمّا يطلقها أو يتزوّج عليها .
أسأل الله لي ولكم التوفيق ، و أن يجعلني وإيَّاكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، هداةً مهديين ، غير ضالين ولا مُضلين ، وسلامٌ على المرسلين
و الحمدلله ربِّ العالمين .

(Visited 100 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: